فلما كانت الليلة ٢١٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان رجع إلى البستان وهو مهموم مغموم بعد أن سافرت المركب، واستأجر البستان من صاحبه، وأقام تحت يده رجلًا يعاونه على سقي الشجر، وتوجه إلى الطابق، ونزل إلى القاعة، وعبَّى الذهب الباقي في خمسين مطرًا، ووضع فوقه الزيتون، وسأل عن المركب فقالوا: إنها لا تسافر إلا في كل سنة مرة واحدة. فزاد به الوسواس، وتحسَّر على ما جرى له، لا سيما فَقْد الفص الذي للسيدة بدور، فصار يبكي بالليل والنهار وينشد الأشعار.
هذا ما كان من أمر قمر الزمان، وأما ما كان من أمر المركب فإنه طاب لها الريح، ووصلت إلى جزيرة الأبنوس، واتفق بالأمر المقدور أن الملكة بدور كانت جالسة في الشباك، فنظرت إلى المركب وقد رست في الساحل، فخفق فؤادها وركبت هي والأمراء والحجَّاب وتوجهت إلى الساحل، ووقفت على المركب وقد دار النقل في البضائع إلى المخازن؛ فأحضرت الريس وسألته عما معه، فقال: أيها الملك، إن معي في هذه المركب من العقاقير، والسفوفات، والأكحال، والمراهم، والأدهان، والأموال، والأقمشة الفاخرة، والبضائع النفيسة، ما يعجز عن حمله الجمال والبغال، وفيها من أصناف العطر والبهار ومن العود القافلي، والتمر الهندي، والزيتون العصافيري، ما يندر وجوده في هذه البلاد. فاشتهت نفسها الزيتون، وقالت لصاحب المركب: ما مقدار الذي معك من الزيتون؟ قال: معي خمسون مطرًا ملآنة، ولكن صاحبها ما حضر معنا، والملك يأخذ ما اشتهاه منها. فقالت: أطلعوها إلى البر لأنظر إليها. فصاح الريس على البحرية، فطلعوا بالخمسين مطرًا، ففتحت واحدًا ونظرت وقالت: أنا آخذ هذه الخمسين مطرًا، وأعطيكم حقَّها مهما كان. فقال الريس: هذا ما له في بلادنا قيمة، ولكن صاحبها تأخَّرَ عنا وهو رجل فقير. فقالت: وما مقدار ثمنها؟ قال: ألف درهم. قالت: أنا آخذها بألف درهم. ثم أمرت بنقلها إلى القصر.
فلما جاء الليل أمرت بإحضار مطر، فكشفته وما في البيت غيرها هي وحياة النفوس، ثم حطَّت بين يديها طبقًا، ووضعت فيه شيئًا من المطر، فنزل في الطبق كوم من الذهب الأحمر، فقالت للسيدة حياة النفوس: ما هذا إلا ذهب! ثم اختبرت الجميع فوجدتها كلها ذهبًا، والزيتون كله يملأ مطرًا واحدًا، وفتَّشت في الذهب فوجدت الفصَّ فيه، فأخذته وتأمَّلته فوجدته الفص الذي كان في دكَّة لباسها وأخذه قمر الزمان؛ فلما تحقَّقته صاحت من فرحتها، وخرَّت مغشيًّا عليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.