فلما كانت الليلة ٢١٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان اتفق مع زوجته الملكة بدور على هذا الأمر، وأخبر الملك أرمانوس بما قالته الملكة بدور من أنها تحب ذلك وتكون جارية لحياة النفوس. فلما سمع الملك أرمانوس هذا الكلام من قمر الزمان، فرح فرحًا شديدًا، ثم خرج وجلس على كرسي مملكته، وأحضر جميع الوزراء والأمراء والحجَّاب وأرباب الدولة، وأخبرهم بقصة قمر الزمان وزوجته الملكة بدور من الأول إلى الآخر، وأنه يريد أن يزوِّج ابنته حياة النفوس لقمر الزمان، ويجعله سلطانًا عليهم عوضًا عن زوجته الملكة بدور؛ فقالوا جميعًا: حيث كان قمر الزمان هو زوج الملكة بدور، التي كانت سلطانًا علينا قبله ونحن نظن أنها صهر ملكنا أرمانوس، فكلنا نرضاه سلطانًا علينا ونكون له خدمًا، ولا نخرج عن طاعته. ففرح الملك أرمانوس بذلك فرحًا شديدًا، ثم أحضر القضاة والشهود ورؤساء الدولة، وعقد عقد قمر الزمان على ابنته الملكة حياة النفوس، ثم إنه أقام الأفراح وأولم الولائم الفاخرة، وخلع الخلع السنية على جميع الأمراء ورؤساء العساكر، وتصدَّق على الفقراء والمساكين، وأطلق جميع المحابيس، واستبشر العالَم بسلطنة الملك قمر الزمان، وصاروا يدعون له بدوام العز والإقبال والسعادة والإجلال.
ثم إن قمر الزمان لما صار سلطانًا عليهم أزال المكوس، وأطلق مَن بقي في الحبوس، وسار فيهم سيرة حميدة، وأقام مع زوجتَيْه على هناء وسرور، ووفاء وحبور؛ يبيت عند كل واحدة منهما ليلة، ولم يزل على ذلك مدة من الزمان، وقد انجلت عنه الهموم والأحزان، ونسي أباه الملك شهرمان، وما كان له عنده من عز وسلطان، حتى رزقه الله تعالى من زوجتيه بولدين ذكرين مثل القمرين النَّيِّرين؛ أكبرهما من الملكة بدور، وكان اسمه الملك الأمجد، وأصغرهما من الملكة حياة النفوس، واسمه الملك الأسعد. وكان الأسعد أجمل من أخيه الأمجد، ثم إنهما تربَّيا في العز والدلال، والأدب والكمال، وتعلَّما الخط والسياسة والفروسية حتى صارا في غاية الكمال، ونهاية الحسن والجمال، وافتتن بهما النساء، وصار لهما من العمر نحو سبعة عشر عامًا وهما متلازمان، فيأكلان سواء ويشربان سواء، ولا يفترقان عن بعضهما ساعة من الساعات، ولا وقتًا من الأوقات، وجميع الناس يحسدهما على ذلك، ولما بلغَا مبلغ الرجال، واتَّصفا بالكمال، صار أبوهما إذا سافر يجلسهما على التعاقب في مجلس الحكم؛ فيحكم كل واحد منهما يومًا بين الناس. واتفق بالقدر المبرم والقضاء المحتم، أن محبة الأسعد الذي هو ابن حياة النفوس وقعت في قلب الملكة بدور زوجة أبيه، وأن محبة الأمجد الذي هو ابن الملكة بدور وقعت في قلب حياة النفوس زوجة أبيه؛ فصارت كل واحدة من المرأتين تلاعب ابن ضرَّتها وتقبِّله وتضمه إلى صدرها، وإذا رأت ذلك أمه تظن أنه من الشفقة ومحبة الأمهات لأولادها. وتمكَّن العشق من قلوب المرأتين وافتتنتا بالولدين، فصارت كل واحدة منهما إذا دخل عليها ابن ضرتها تضمه إلى صدرها، وتود أنه لا يفارقها، ولما طال عليهما المطال، ولم يجدَا سبيلًا إلى الوصال، امتنعتا من الشراب والطعام، وهجرتا لذيذ المنام. ثم إن الملك توجه إلى الصيد والقنص، وأمر ولديه أن يجلسا في موضعه للحكم؛ كل واحد منهما يومًا على عادتهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.