فلما كانت الليلة ١٣٨
مغامرة كان ما كان ابن ضوء المكان
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوج نزهة الزمان قال لها: إن شئتِ أن تنظري الدنيا بعدك، فانظريها بعد غيرك، فأكرمي مثواها، وأغني فقرها.
هذا ما كان من أمر نزهة الزمان وزوجها وأم ضوء المكان، وأما ما كان من أمر «كان ما كان» وابنة عمه «قضى فكان»، فإنهما كبرا وترعرعا حتى صارا كأنهما غصنان مثمران، أو قمران أزهران، وبلغا من العمر خمسة عشر عامًا. وكانت «قضى فكان» من أحسن البنات المخدرات: بوجه جميل، وخصر نحيل، وردف ثقيل، وريق كالسلسبيل، وقَدٍّ رشيق، وثغر ألذ من الرحيق، كما قال فيها بعض واصفيها هذين البيتين:
وقد جمع الله كل المحاسن فيها؛ فقَدُّها يخجل الأغصان، والورد يطلب من خدها الأمان، وأما الريقُ فإنه يهزأ بالرحيق، تسر القلب والناظر كما قال فيها الشاعر:
وأما «كان ما كان»، فإنه كان بديع الجمال، فائق الكمال، عز في الحُسْن عن مثال الشجاعة تلوح بين عينيه، والشجاعة تشهد له لا عليه، وتميل كل القلوب إليه، وحين اخضرَّ منه العذار كثرت فيه الأشعار، كقول بعضهم:
وقول الآخَر:
واتفق في بعض الأعياد أنَّ «قضى فكان» خرجت تعيِّد على بعض أقاربها من الدولة، والجواري حواليها والحُسْن قد عَمَّها، وورد الخد يحسد خالها، والأقحوان يتبسَّمَ عن بارق ثغرها؛ فجعل «كان ما كان» يدور حولها ويطلق النظر إليها، وهي كالقمر الزاهر، فقوَّى جنانه وأطلق بالشعر لسانه، وأنشد هذين البيتين:
فلما سمعت «قضى فكان» هذا الشعر، أظهرت له الملامة والعتاب، وتوعَّدَتْه بأليم العقاب، فاغتاظ «كان ما كان» وعاد إلى بغداد غضبان، ثم طلعت «قضى فكان» إلى قصرها، وشكَتِ ابنَ عمها إلى أمها، فقالت لها: يا بنتي، لعله ما أرادك بسوء، وهل هو إلا يتيم؟ ومع هذا لم يذكر شيئًا يُعِيبك، فإياك أن تُعلِمي بذلك أحدًا، فإنه ربما بلغ الخبر إلى السلطان، فيقصِّر عمره ويُخمِد ذِكْره، ويجعل أثره كأمس الدابر والميت القابر. وشاع في بغداد حبُّ «كان ما كان» ﻟ «قضى فكان» وتحدثت به النسوان، ثم إنَّ «كان ما كان» ضاق صدره وقلَّ صبره واشتغل باله، ولم يَخْفَ على الناس حالُه، واشتهى أن يبوح بما في قلبه من لوعة البين، فخاف من غضبها وأنشد هذين البيتين:
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.