فلما كانت الليلة ٢١٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنها أعطت ورقة المراسلة للخادم، وأمرته بوصلها إلى الملك الأمجد، فسار ذلك الخادم وهو لا يعلم ما خفي له في الغيب، وعلَّام الغيوب يدبر الأمور كيف يشاء؛ فلما دخل الخادم على الملك الأمجد قبَّلَ الأرض بين يديه، وناوله المنديل وبلَّغه الرسالة؛ فتناوَلَ الملك الأمجد المنديل من الخادم وفتحه، فرأى الورقة ففتحها وقرأها، فلما فهم معناها علم أن امرأة أبيه في عينها الخيانة، وقد خانت أباه الملك قمر الزمان في نفسها؛ فغضب غضبًا شديدًا، وذم النساء على فعلهن، وقال: لعن الله النساء الخائنات الناقصات عقلًا ودينًا. ثم إنه جرَّد سيفه، وقال للخادم: ويلك يا عبد السوء! أتحمل المراسلة المشتملة على الخيانة من زوجة سيدك؟ والله إنه لا خيرَ فيك يا أسود اللون والصحيفة، يا قبيح المنظر والطبيعة السخيفة. ثم ضربه بالسيف على عنقه فعزل رأسه عن جثته، وطوى المنديل على ما فيه ووضعه في جيبه، ثم دخل على أمه وأعلمها بما جرى، وسبَّها وشتمها، وقال: كلكن أنجس من بعضكن، والله العظيم لولا أني أخاف إساءة الأدب في حق والدي قمر الزمان وأخي الملك الأسعد، لأدخلن عليها وأضربن عنقها كما ضربتُ عنق خادمها.
ثم إنه خرج من عند أمه الملكة بدور وهو في غاية الغيظ، فلما بلغ الملكة حياة النفوس زوجة أبيه ما فعل بخادمها، سبَّتْه ودعت عليه، وأضمرت له المكر؛ فبات الملك الأمجد في تلك الليلة ضعيفًا من الغيظ والقهر والفكر، ولم يلذ له أكل ولا شرب ولا منام. فلما أصبح الصباح خرج أخوه الملك الأسعد، وجلس في مجلس أبيه الملك قمر الزمان ليحكم بين الناس، وقد أصبحت أمه حياة النفوس ضعيفة بسبب ما سمعته عن الملك الأمجد من قتله للخادم. ثم إن الملك الأسعد لما جلس للحكم في ذلك اليوم، حكم وعدل، وولَّى وعزل، وأمر ونهى، وأعطى ووهب، ولم يزل جالسًا في مجلس الحكم إلى قرب العصر. ثم إن الملكة بدور أم الملك الأمجد أرسلت إلى عجوز من العجائز الماكرات، وأظهرتها على ما في قلبها، وأخذت ورقةً لتكتب فيها مراسلةً للملك الأسعد ابن زوجها، وتشكو إليه كثرة محبتها ووجدها به؛ فكتبت له هذه السجعات: «ممَّن تلفت وَجْدًا وشوقًا، إلى أحسن الناس خُلُقًا وخَلْقًا، المعجب بجماله، التائه بدلاله، المُعرِض عن طلب وصاله، الزاهد في القرب ممَّن خضع وذلَّ، إلى مَن جفا وملَّ، الملك الأسعد صاحب الحسن الفائق، والجمال الرائق، والوجه الأقمر، والجبين الأزهر، والضياء الأبهر، هذا كتابي إلى من حبُّه أذاب جسمي، ومزَّق جلدي وعظمي، اعلم أنه قد عيل صبري، وتحيَّرتُ في أمري، وأقلقني الشوق والسهاد، وجفاني الصبر والرقاد، ولازمني الحزن والسهاد، وبرح بي الوَجْد والغرام، وحلول الضنى والسِّقام، فالروح تفديك، وإن كان قتلُ الصبِّ يرضيك، والله يبقيك، ومن كل سوء يقيك.» ثم بعد تلك السجعات كتبت هذه الأبيات:
ثم كتبت أيضًا هذه الأبيات:
ثم إن الملكة بدور ضمَّخت ورقة الرسالة بالمسك الأذفر، ولفَّتها في جدائل شعرها، وهي من الحرير العراقي، وشراريبها من قضبان الزمرد الأخضر مرصَّعة بالدر والجوهر، ثم سلَّمتها إلى العجوز، وأمرتها أن تعطيها للملك الأسعد ابن زوجها الملك قمر الزمان؛ فراحت العجوز من أجل خاطرها، ودخلت على الملك الأسعد من وقتها وساعتها، وكان في خلوة عند دخولها، فناولَتْه الورقةَ بما فيها، وقد وقفت ساعة زمانية تنتظر ردَّ الجواب؛ فعند ذلك قرأ الملك الأسعد الورقة وفهم ما فيها، ثم بعد ذلك لفَّ الورقة في الجدائل، ووضعها في جيبه، وغضب غضبًا شديدًا ما عليه من مزيد، ولعن النساء الخائنات.
ثم إنه نهض، وسحب السيف من غمده، وضرب رقبة العجوز فعزل رأسها عن جثتها، وبعد ذلك قام وتمشى حتى دخل على أمه حياة النفوس، فوجدها راقدة في الفرش ضعيفة بسبب ما جرى لها من الملك الأمجد؛ فشتمها الملك الأسعد ولعنها، ثم خرج من عندها؛ فاجتمع بأخيه الملك الأمجد، وحكى له جميع ما جرى له مع الملكة بدور، وأخبره بأنه قتل العجوز التي جاءت له بالرسالة، ثم قال له: والله يا أخي، لولا حيائي منك لَكنتُ دخلت في هذه الساعة إليها وقطعت رأسها من بين كتفيها. فقال له أخوه الملك الأمجد: والله يا أخي، إنه قد جرى لي بالأمس لما جلست على كرسي المملكة مثل ما جرى لك في هذا اليوم، فإن أمك أرسلَتْ إليَّ رسالةً بمثل مضمون هذا الكلام. ثم أخبره بجميع ما جرى له مع أمه الملكة حياة النفوس، وقال له: والله يا أخي، لولا حيائي منك لَدخلتُ إليها، وفعلت بها ما فعلتُ بالخادم.
ثم إنهما باتا يتحدَّثان بقية تلك الليلة، ويلعنان النساء الخائنات، ثم تواصَيَا بكتمان هذا الأمر لئلا يسمع به أبوهما الملك قمر الزمان فيقتل المرأتين، ولم يزالا في غمٍّ تلك الليلةَ إلى الصباح. فلما أصبح الصباح أقبل الملك بجيشه من الصيد، وطلع إلى قصره، ثم صرف الأمراء إلى حال سبيلهم، وقام ودخل القصر فوجد زوجتيه راقدتين على الفراش، وهما في غاية الضعف، وقد عملتا لولديهما مكيدة، واتفقتا على تضييع أرواحهما؛ لأنهما قد فضحتا أنفسهما معهما، وقد خشيتا أن تصيرا تحت ذِلتهما، فلما رآهما الملك على تلك الحالة قال لهما: ما لكما؟ فقامتا إليه وقبَّلتا يديه، وعكستا عليه المسألة، وقالتا له: اعلم أيها الملك أن ولديك اللذين قد تربيَّا في نعمتك قد خاناك في زوجتَيْك وأركباك العار. فلما سمع قمر الزمان من نسائه هذا الكلام، صار الضياء في وجهه ظلامًا، واغتاظ غيظًا شديدًا حتى طار عقله من شدة الغيظ، وقال لنسائه: أوضحَا لي هذه القضية. فقالت له الملكة بدور: اعلم يا ملك الزمان أن ولدك الأسعد ابن حياة النفوس له مدة من الأيام وهو يراسلني ويكاتبني ويراودني على الزنا، وأنا أنهاه عن ذلك ولم ينتهِ، فلما سافرتَ أنت هجم عليَّ وهو سكران والسيف في يده، فخفت أن يقتلني إذا مانعته كما قتل خادمي، فقضى أربه مني غصبًا، وإن لم تخلِّص حقي منه أيها الملك قتلتُ نفسي بيدي، وليس لي حاجة بالحياة في الدنيا بعد هذا الفعل القبيح. وأخبرَتْه حياة النفوس أيضًا بمثل ما أخبرته به ضرتها بدور. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.