فلما كانت الليلة ٢٢٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة حياة النفوس أخبرت زوجها الملك قمر الزمان بمثل ما أخبرته به الملكة بدور، وقالت له: أنا الأخرى جرى لي مع ولدك الأمجد كذلك. ثم إنها أخذت في البكاء والنحيب، وقالت له: إن لم تخلِّص لي حقي منه أعلمت أبي الملك أرمانوس بذلك. ثم إن المرأتين بكتَا قدَّام زوجهما الملك قمر الزمان بكاءً شديدًا، فلما رأى الملك بكاء زوجتيه الاثنتين وسمع كلامهما، اعتقد أنه حق، فغضب غضبًا شديدًا ما عليه من مزيد، فقام وأراد أن يهجم على ولدَيْه الاثنين ليقتلهما، فلقيه صهره الملك أرمانوس، وقد كان داخلًا في تلك الساعة ليسلِّم عليه لما علم أنه قد أتى من الصيد، فرآه والسيف مشهور في يده، والدم يقطر من مناخيره من شدة غيظه، فسأله عما به، فأخبره بجميع ما جرى من ولديه الأمجد والأسعد، ثم قال له: وها أنا داخل إليهما لأقتلهما أقبح قتلة، وأمثِّل بهما أقبح مثلة. فقال له صهره الملك أرمانوس، وقد اغتاظ منهما أيضًا: ونِعم ما تفعل يا ولدي، فلا بارَكَ الله فيهما، ولا في أولاد تفعل هذه الفعال في حق أبيهما، ولكن يا ولدي صاحب المثل يقول: «من لم ينظر في العواقب، ما الدهر له بصاحب.» وهما ولداك على كل حال، وينبغي ألَّا تقتلهما بيدك فتشرب غُصَّتهما، وتندم بعد ذلك على قتلهما حيث لا ينفعك الندم، ولكن أرسلهما مع أحد من المماليك ليقتلهما في البرية وهما غائبان عن عينك.
فلما سمع الملك قمر الزمان من صهره الملك أرمانوس هذا الكلام رآه صوابًا، فأغمد سيفه ورجع وجلس على سرير مملكته ودعا خازنداره، وكان شيخًا كبيرًا عارفًا بالأمور وتقلُّبات الدهور، وقال له: أدخل إلى ولديَّ الأمجد والأسعد، وكتِّفهما كتافًا جيدًا، واجعلهما في صندوقين، واحملهما على بغل، واركب أنت واخرج بهما إلى وسط البرية واذبحهما، واملأ لي قنِّينتين من دمهما، وائتني بهما عاجلًا. فقال له الخازندار: سمعًا وطاعة. ثم نهض من وقته وساعته، وتوجَّه إلى الأمجد والأسعد فصادفهما في الطريق وهما خارجان في دهليز القصر، وقد لبسا قماشهما وأفخر ثيابهما، وأرادا التوجُّه إلى والدهما الملك قمر الزمان ليسلِّما عليه، ويهنِّئاه بالسلامة عند قدومه من السفر إلى الصيد؛ فلما رآهما الخازندار قبض عليهما، وقال لهما: يا ولديَّ، اعلما أنني عبدٌ مأمور، وأن أباكما أمرني بأمر، فهل أنتما طائعان لأمره؟ قالا: نعم. فعند ذلك تقدَّمَ إليهما الخازندار وكتَّفهما، ووضعهما في صندوقين، وحملهما على ظهر بغل، وخرج بهما من المدينة، ولم يزل سائرًا بهما في البرية إلى قريب الظُّهْر، فأنزلهما في مكان قفر موحش، ونزل عن فرسه وحطَّ الصندوقين عن ظهر البغل وفتحهما، وأخرج الأمجد والأسعد منهما. فلما نظر إليهما بكى بكاءً شديدًا على حسنهما وجمالهما، وبعد ذلك جرَّد سيفه وقال لهما: والله يا سيديَّ إنه يعزُّ عليَّ أن أفعل بكما فعلًا قبيحًا، ولكن أنا معذور في هذه الأمور؛ لأنني عبد مأمور، وقد أمرني والدكما الملك قمر الزمان بضرب رقابكما. فقالا له: أيها الأمير، افعل ما أمرك به الملك، فنحن صابرون على ما قدَّره الله — عز وجل — علينا، وأنت في حِلٍّ من دمائنا. ثم إنهما تعانقَا وودَّعَا بعضهما، وقال الأسعد للخازندار: بالله عليك يا عم إنك لا تجرِّعني غصة أخي، ولا تسقني حسرته، بل اقتلني أنا قبله ليكون ذلك أهون عليَّ. وقال الأمجد للخازندار مثل ما قال الأسعد، واستعطف الخازندار بقتله قبل أخيه، وقال له: إن أخي أصغر مني فلا تُذِقني لوعته. ثم بكى كلٌّ منهما بكاءً شديدًا ما عليه من مزيد، وبكى الخازندار لبكائهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.