فلما كانت الليلة ٢٢٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخازندار ذهب وراء فرسه، وقد التهب فؤاده، وما زال يجري خلفه ليمسكه حتى دخل في غابة، فدخل وراءه في تلك الغابة، فشقَّ الجواد في وسط الغابة ودقَّ الأرض برجلَيْه فعَلَا الغبار وارتفع وثار، وأما الفرس فإنه شخر ونخر، وصهل وازمهر. وكان في تلك الغابة أسد عظيم الخطر قبيح المنظر، عيونه ترمي بالشرر، له وجه عبوس، وشكل يهول النفوس؛ فالتفت الخازندار فرأى ذلك الأسد قاصدًا إليه، فلم يجد له مهربًا من يديه، ولم يكن معه سيف، فقال في نفسه: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما حصل لي هذا الضيق إلا بذنب الأمجد والأسعد، وإن هذه السفرة مشئومة من أولها. ثم إن الأمجد والأسعد قد حمي عليهما الحرُّ، فعطشا عطشًا شديدًا حتى نزلت ألسنتهما، واستغاثا من العطش فلم يغثهما أحد، فقالا: يا ليتنا كنَّا قُتِلنا واسترحنا من هذا، ولكن ما ندري أين جفل الحصان حتى ذهب الخازندار وراءه وخلَّانا مكتَّفين، فلو جاءنا وقتلنا كان أريح لنا من مقاساة هذا العذاب. فقال الأسعد: يا أخي اصبر فسوف يأتينا فرجُ الله سبحانه وتعالى، فإن الحصان ما جفل إلا لأجل لطف الله بنا، وما ضرَّنا غير هذا العطش.
ثم هزَّ نفسه وتحرَّكَ يمينًا وشمالًا فانحلَّ كتافه، فقام وحلَّ كتاف أخيه، ثم أخذ سيف الأمير وقال لأخيه: والله لا نروح من ها هنا حتى نكشف خبره، ونعرف ما جرى له. وشرعا يقتصَّان الأثر فدلَّهما على الغابة، فقالا لبعضهما: إن الحصان والخازندار ما تجاوزَا هذه الغابة. فقال الأسعد لأخيه: قف هنا حتى أدخل الغابة وأنظرها. فقال له الأمجد: ما أخليك تدخل فيها وحدك، وما ندخل إلا جميعًا، فإن سلمنا سلمنا سواء، وإن عطبنا عطبنا سواء. فدخل الاثنان فوجدا الأسد قد هجم على الخازندار، وهو تحته كأنه عصفور، ولكنه صار يبتهل إلى الله ويشير إلى نحو السماء، فلما رآه الأمجد أخذ السيف وهجم على الأسد، وضربه بالسيف بين عينيه فقتله، ووقع الأسد مطروحًا على الأرض، فنهض الخازندار وهو متعجِّب من هذا الأمر، فرأى الأمجد والأسعد ولدَيْ سيده واقفَيْن، فترامى على أقدامهما وقال لهما: والله يا سيديَّ ما يصلح أن أفرِّط فيكما بقتلكما، فلا كان مَن يقتلكما، فبروحي أفديكما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.