فلما كانت الليلة ٢٢٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخازندار قال للأمجد والأسعد: بروحي أفديكما. ثم نهض من وقته وساعته واعتنقهما، وسألهما عن سبب فك وثاقهما وقدومهما، فأخبراه أنهما عطشا وانحلَّ الوثاق من أحدهما ففكَّ الآخَر بسبب خلوص نيَّتهما، ثم إنهما اقتصَّا الأثر حتى وصلا إليه، فلما سمع كلامهما شكرهما على فعلهما، وخرج معهما إلى ظاهر الغابة، فلما صاروا في ظاهر الغابة قالا له: يا عم افعل ما أمرك به أبونا. فقال: حاشا لله أن أقربكما بضرر، ولكن اعلما أني أريد أن أنزع ثيابكما وألبسكما ثيابي، وأملأ قنِّينتين من دم الأسد، ثم أروح إلى الملك، وأقول له: إني قتلتهما. وأما أنتما فسيحا في البلاد، وأرض الله واسعة، واعلما يا سيديَّ أن فراقكما يعزُّ عليَّ. ثم بكى كلٌّ من الخازندار والغلامين، وقد قلعا ثيابهما، وألبسهما ثيابه، وراح إلى الملك، وقد أخذ ذلك وربط قماش كل واحد منهما في بقجة معه، وملأ القنينتين من دم الأسد، وجعل البقجتين قدَّامه على ظهر الجواد، ثم ودَّعهما وسار متوجِّهًا إلى المدينة، ولم يزل سائرًا حتى دخل على الملك وقبَّل الأرض بين يديه؛ فرآه الملك متغير الوجه، وذلك مما جرى له من الأسد، فظن أن ذلك من قتل أولاده، ففرح وقال له: هل قضيت الشغل؟ قال: نعم يا مولانا. ثم ناوله البقجتين اللتين فيهما الثياب، والقنينتين الممتلئتين بالدم، فقال له الملك: ماذا رأيت منهما، وهل أوصياك بشيء؟ قال: وجدتهما صابرين محتسبين لما نزل بهما، وقد قالَا لي: إن أبانا معذور فأقرئه منَّا السلام. وقالا لي: أنت في حِلٍّ من قتلنا ومن دمائنا، ولكن نوصيك أن تبلغه هذين البيتين، وهما:
فلما سمع الملك من الخازندار هذا الكلام، أطرق برأسه إلى الأرض مليًّا، وعلم أن كلام ولديه هذا يدل على أنهما قد قُتِلَا ظلمًا، ثم تفكَّرَ في مكر النساء ودواهيهن، وأخذ البقجتين وفتحهما، وصار يقلِّب ثياب أولاده ويبكي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.