فلما كانت الليلة ٢٢٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك قمر الزمان لما فتح البقجتين صار يقلِّب ثياب أولاده ويبكي، فلما فتح ثياب ولده الأسعد وجد في جيبه ورقة مكتوبة بخط زوجته بدور، ومعها جدائل شعرها، ففتح الورقة وقرأها وفهم معناها، فعلم أن ولده الأسعد مظلوم. ولما قلَّبَ في ثياب الأمجد وجد في جيبه ورقةً مكتوبة بخط زوجته حياة النفوس، وفيها جدائل شعرها، ففتح الورقة وقرأها فعلم أنه مظلوم. فدقَّ يدًا على يد، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قد قتلت ولديَّ ظلمًا. ثم صار يلطم على وجهه ويقول: وا ولداه! وا طول حزناه! وأمر ببناء قبرين في بيت وسمَّاه بيتَ الأحزان، وقد كتب على القبرين اسمَيْ ولديه، وترامى على قبر الأمجد وبكى، وأنَّ واشتكى، وأنشد هذه الأبيات:
ثم ترامى على قبر الأسعد وبكى، وأنَّ واشتكى، وأفاض العَبَرات، وأنشد هذه الأبيات:
ولما فرغ الملك من شعره، هجر الأحباب والخلَّان، وانقطع في البيت الذي سمَّاه بيت الأحزان، وصار يبكي على أولاده، وقد هجر نساءه وأصحابه وأصدقاءه.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر الأمجد والأسعد، فإنهما لم يزالا سائرين في البرية، وهما يأكلان من نبات الأرض، ويشربان من متحصِّلات الأمطار مدة شهر كامل حتى انتهى بهما المسير إلى جبل من الصوَّان الأسود لا يُعلَم أين منتهاه، والطريق افترقت عند ذلك الجبل طريقين؛ طريق تشقُّه من وسطه، وطريق صاعدة إلى أعلاه، فسلكَا الطريق التي في أعلى الجبل، واستمرَّا سائرَيْن فيها خمسة أيام فلم يريَا له منتهًى، وقد حصل لهما الإعياء من التعب، وليسا معتادين على المشي في جبلٍ ولا في غيره، ولما يئسَا من الوصول إلى منتهاه رجعَا وسلكَا الطريق التي في وسط الجبل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.