فلما كانت الليلة ٢٢٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمجد والأسعد وَلَدَيِ الملك قمر الزمان لما عادَا من الطريق الصاعدة في الجبل إلى الطريق المسلوكة في وسطه، مشيَا فيها طول ذلك النهار إلى الليل، وقد تعب الأسعد من كثرة السير، فقال لأخيه: يا أخي، أنا ما بقيت أقدر على المشي، فإني ضعفت جدًّا. فقال له الأمجد: يا أخي، شدَّ حيلك لعل الله يفرِّج عنَّا. ثم إنهما مشيا ساعة من الليل، وقد تعب الأسعد تعبًا شديدًا ما عليه من مزيد، وقال: يا أخي، إني تعبت وكَلَلْتُ من المشي. ثم وقع في الأرض وبكى، فحمله أخوه الأمجد ومشى به، وصار ساعة يمشي، وساعة يقعد ويستريح، إلى أن لاح الفجر حتى استراح أخوه؛ فطلع هو وإياه فوق الجبل فوجدَا عينًا نابعة يجري منها الماء، وعندها شجرة رمان ومحراب، فما صدَّقا أنهما يريان ذلك، ثم جلسا عند تلك العين وشربا من مائها، وأكلا من رمان تلك الشجرة، وناما في ذلك الموضع حتى طلعت الشمس، ثم جلسا واغتسلا من العين، وأكلا من ذلك الرمان الذي في الشجرة وناما إلى العصر، وأرادا أن يسيرا فما قدر الأسعد على السير، وقد ورمت رجلاه، فأقاما هناك ثلاثة أيام حتى استراحا، ثم صارا في الجبل مدة أيام وهما سائران فوق الجبل، وقد تعبا من العطش، إلى أن لاحت لهما مدينة من بعيد، ففرحا وسارا حتى وصلا إليها، فلما قربا منها شكرا الله تعالى، وقال الأمجد للأسعد: يا أخي، اجلس هنا وأنا أسير إلى هذه المدينة، وأنظر ما شأنها وأسأل عن أحوالها؛ لأجل أن نعرف أين نحن من أرض الله الواسعة، ونعرف الذي قطعناه من البلاد في عرض هذا الجبل، ولولا أننا مشينا في وسطه ما كنا نصل إلى هذه المدينة في سنة كاملة، فالحمد لله على السلامة. فقال له الأسعد: والله يا أخي ما يذهب إلى المدينة غيري وأنا فداك، فإنك إن تركتني ونزلت وغبت عني تستغرقني الأفكار من أجلك، وليس لي قدرة على بُعدك عني. فقال له الأمجد: توجَّهْ ولا تُبطِئ.
فنزل الأسعد من الجبل، وأخذ معه دنانير، وخلَّى أخاه ينتظره وسار، ولم يزل ماشيًا في أسفل الجبل حتى دخل المدينة، وشق في أزقَّتها، فلقيه في طريقه رجل، وهو شيخ كبير طاعن في السن، وقد نزلت لحيته على صدره، وافترقت فرقتين، وبيده عكاز، وعليه ثياب فاخرة، وعلى رأسه عمامة كبيرة حمراء، فلما رآه الأسعد تعجَّبَ من لبسه وهيئته، وتقدَّم إليه وسلم عليه، وقال له: أين طريق السوق يا سيدي؟ فلما سمع الشيخ كلامه تبسَّمَ في وجهه وقال له: يا ولدي، كأنك غريب! فقال له الأسعد: نعم، أنا غريب يا عم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.