فلما كانت الليلة ٢٢٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ الذي لقي الأسعد تبسَّم في وجهه، وقال له: يا ولدي، كأنك غريب! فقال له الأسعد: نعم أنا غريب. فقال له الشيخ: قد آنست ديارنا يا ولدي، وأوحشت ديار أهلك، فما الذي تريده من السوق؟ فقال الأسعد: يا عم، إن لي أخًا تركته في الجبل، ونحن مسافران من بلاد بعيدة، ولنا في السفر مدة ثلاثة شهور، وقد أشرفنا على هذه المدينة، فجئت إلى ها هنا لأشتري طعامًا وأعود به إلى أخي من أجل أن نقتات به. فقال له الشيخ: يا ولدي، أَبْشِر بكل خير، واعلم أنني عملت وليمة، وعندي ضيوف كثيرة، وجمعت فيها من أطيب الطعام وأحسن ما تشتهيه النفوس، فهل لك أن تسير معي إلى مكاني فأعطيك ما تريد ولا آخذ منك ثمنًا، وأخبرك بأحوال هذه المدينة؟ والحمد لله يا ولدي حيث وقعت بك ولم يقع بك أحد غيري. فقال الأسعد: افعل ما أنت أهله، وعجِّلْ فإن أخي ينتظرني وخاطره عندي. فأخذ الشيخ بيد الأسعد، ورجع به إلى زقاق ضيق، وصار يتبسَّم في وجهه ويقول له: سبحان مَن نجَّاك من أهل هذه المدينة. ولم يزل ماشيًا به حتى دخل دارًا واسعة وفيها قاعة، وجالس في تلك القاعة أربعون شيخًا طاعنون في السن، وهم مصطفُّون حلقة، وفي وسطهم نار موقدة، والمشايخ جالسون حولها يعبدونها ويسجدون لها، فلما رأى ذلك الأسعد اقشعرَّ بدنه، ولم يعلم ما خبرهم.
ثم إن الشيخ قال لهؤلاء الجماعة: يا مشايخ النار، ما أبركه من نهار! ثم نادى قائلًا: يا غضبان. فخرج له عبد أسود بوجه أعبس، وأنف أفطس، وقامة مائلة، وصورة هائلة، ثم أشار إلى العبد فشدَّ وثاق الأسعد، وبعد ذلك قال الشيخ: انزل به إلى القاعة التي تحت الأرض واتركه هناك، وقل للجارية الفلانية تتولَّى عذابه بالليل والنهار. فأخذه العبد وأنزله تلك القاعة وسلَّمه إلى الجارية، فصارت تتولَّى عذابه وتعطيه رغيفًا واحدًا في أول النهار، ورغيفًا واحدًا في أول الليل، وكوز ماء مالح في الغداة، ومثله في العشيِّ. ثم إن المشايخ قالوا لبعضهم: لمَّا يأتي أوان عيد النار نذبحه على الجبل، ونتقرَّب به إلى النار. ثم إن الجارية نزلت إليه وضربته ضربًا وجيعًا حتى سالت الدماء من أعضائه وغُشِي عليه، ثم حطَّت عند رأسه رغيفًا وكوز ماء مالح وراحت وخلَّته، فاستفاق الأسعد في نصف الليل فوجد نفسه مقيَّدًا وقد آلمه الضرب؛ فبكى بكاء شديدًا، وتذكَّرَ ما كان فيه من العز والسعادة، والمُلك والسيادة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.