الفصل الأول
(هيرو-سيشيل وبعض السيدات على مائدة اللعب، دانتون وجولي على
مسافة قليلة منهم. دانتون جالسٌ عند قدمَي جولي على كرسي منخفض بغير مسند.)
دانتون
:
انظري السيدة الجميلة وكيف تُدير الأوراق بمهارة! حقًّا، إنها تفهم أصول
اللعب. يُقال إنها تُبرِز «القلب» دائمًا لزوجها و«الكارو» لغيره من الرجال.١ إن في استطاعتكن أن تحبِّبن الإنسان حتى في الكذب.
جولي
:
هل تؤمن بي؟
دانتون
:
وما يدريني؟ إننا نعرف القليل عن بعضنا البعض. نحن أصحاب جلود سميكة، نمدُّ
أيدينا إلى بعضنا، ولكن بغير طائل، فنكتفي بحكِّ جلودنا الغليظة ببعضها البعض.
نحن وحيدون جدًّا.
جولي
:
أنت تعرفني يا دانتون.
دانتون
:
نعم! ما يسمِّيه الناس معرفة. عيناك سوداوان، وشعرك متموِّج الخصلات، وجهك
نضير، وتقولين لي دائمًا حبيبي جورج! ولكن (يشير إلى الجبهة والعينَين) هنا،
هنا، ماذا يخفى وراءهما! اذهبي! إن حواسنا غليظة. نعرف بعضنا؟ لا بد لذلك من أن
نفتح جماجمنا، ونشد أفكارنا من تلافيف المخ.
السيدة الأولى
(لهيرو)
:
ماذا تريد بأصبعك؟
هيرو
:
لا شيء!
السيدة
:
لا تعلِّق إبهامك بهذه الطريقة؛ فلست أطيق أن أراه.٢
هيرو
:
ألقي عليه نظرة. إن تعبيرات وجهه عجيبة.
دانتون
:
لا يا جولي، إنني أحبك كالقبر.
جولي
(تشير بوجهها بعيدًا)
:
آه!
دانتون
:
لا! اسمعيني! يقول الناس إن القبر راحة، والقبر والراحة شيء واحد. لو صح هذا
فأنا أرقد في حجرك كما أرقد تحت التراب. أنت أيها القبر الحلو، شفتاك ناقوس
الموتى، صدرك رمسي، وقلبك تابوتي.
السيدة
:
ضاع!
هيرو
:
كانت مغامرة غرام، تكلِّف مالًا كغيرها.
السيدة
:
إذن فقد عبَّرت عن حبك بالأصابع، كالصم البُكم.
هيرو
:
ولمَ لا؟ إن الناس تؤكِّد أن هذه هي أسهل أساليب الحب على الفهم. لقد حاولت
أن أغازل ملكة «كوتشينة»، أصابعي كانت كالأمراء الذين تحوَّلوا إلى عناكب، وأنت
يا سيدتي كنت الجنية، ولكن الأمور لم تسِر على ما يرام؛ فالسيدة كانت ترقد
دائمًا على فراش الوضع، وفي كل لحظة تضع ولدًا. لن أترك بناتي يلعبن مثل هذه
اللعبة؛ فالسادة والسيدات يهوون بعضهم بغير احتشام، والأولاد يتبعون على
الفور.
(كاميل دي مولان وفيليبو يدخلان.)
هيرو
:
فيليبو، ما هذه النظرات الكئيبة! هل خرمت قبعتك الحمراء؟ هل كشَّر يعقوب المقدس٣ عن وجهه؟ هل أمطرت السماء في ساحة المقصلة؟ أم لم تجد مكانًا
مناسبًا ولم تستطع أن ترى شيئًا؟
كاميل
:
أنت تتهكم على طريقة سقراط. هل تعرف أيضًا ماذا قال الفيلسوف الإلهي لألكيبياديس٤ عندما رآه ذات يوم حزينًا مقهورًا؟ لقد سأله «هل فقدت درعك في
ميدان الحرب؟ هل هُزمت في السباق أو المبارزة؟ هل غنَّى أحد أو عزف على القيثار
خيرًا منك؟» يا لهؤلاء الجمهوريين الكلاسيكيين! قارِن بينهم وبين رومانتيكية
المقصلة عندنا!
فيليبو
:
سقط اليوم أيضًا عشرون ضحية. كُنا على خطأ. لقد أرسلوا «الهيبرتيين» إلى
المقصلة لأنهم لم يكونوا منظَّمين بما فيه الكفاية، أو ربما لأن «الديسمفيري»٥ اعتقدوا أنهم سيضيعون حتمًا إذا بقي هناك رجال غيرهم لمدة أسبوع
واحد يخافهم الناس أكثر مما يخافونهم.
هيرو
:
إنهم يريدون أن يعودوا بنا إلى عصر الجليد! سيعجب سان جوست أن يرانا نزحف على
أربع؛ لكي يستطيع مُحامي «أراس» أن يخترع لنا قبعات واطئة ومقاعد تلاميذ وإلهًا
رحيمًا على طريقة صانع الساعات من جنيف.٦
فيليبو
:
لن يتورعوا عن إضافة بضعة أصفار إلى حساب مارا. إلى متى يتحتم علينا أن نظل
قذِرين ملوَّثين بالدماء كالمواليد الجدد؟! إلى متى ننام في التوابيت بدل
المهود ونلعب بالرءوس؟ لا بد أن نخطو إلى الأمام؛ لجنة الرأفة يجب أن تتشكل،
والأعضاء المطرودون يجب أن يعودوا من جديد.
هيرو
:
لقد بلغت الثورة مرحلة إعادة التنظيم. لا بد أن تتوقف الثورة وتبدأ
الجمهورية. يجب أن يتقرر في المبادئ التي تقوم عليها الدولة أن يحلَّ الحق محل
الواجب، وتقوم السلامة مقام الفضيلة، ويحلُّ الدفاع عن النفس محل العقاب. يجب
أن يتمكن كل فرد من إثبات صلاحيته وتحقيق طبيعته. ليكُن عاقلًا أو غير عاقل،
مثقفًا أو غير مثقف، طيبًا أو شريرًا، فذلك شيء لا يعني الدولة. كلنا حمقى،
وليس من حق أحد أن يفرض حماقته على غيره. يجب أن يكون من حق كل إنسان أن يتمتع
على طريقته، بشرط ألا تكون متعته على حساب غيره، أو يُزعِج سواه في المتعة التي
يفضِّلها على غيرها.
كاميل
:
يجب أن يكون شكل الدولة كالثوب الشفاف الذي يلتصق بجسد الشعب. كل انتفاخ في
العروق، كل توتُّر في العضلات، كل اهتزاز في الأعصاب؛ يجب أن ينطبع عليه. ليكُن
الشكل جميلًا أو قبيحًا، فمِن حقه أن يكون على ما هو عليه، وليس من حقنا أن
نفصِّل له ثوبًا على هوانا. أولئك الذين يريدون أن يُلقوا نقاب الراهبات على
كتفَي فرنسا المُذنِبة الحبيبة، سنعرف كيف نضربهم على أيديهم. نريد آلهة عارية،
عابدات باخوس،٧ ألعابًا أوليمبية، ومن الشفاه المنسجمة نريد الحب الذي يريح
الأعضاء، الحب الشرير! لا نريد أن نمنع الرومان من أن يجلسوا في ركن ويطبخوا
البنجر كما يشاءون، ولكننا لن نسمح لهم بعد اليوم بأن يقدِّموا لنا مصارعات
الجلَّادين. يجب أن يقِف أبيقور الإلهي وفينوس٨ ذات المؤخرة الجميلة حارسَين على باب الجمهورية، بدلًا من مارا
المقدس وشالييه. دانتون! ستقوم بالهجوم في الجمعية.
دانتون
:
سأقوم، ستقوم، سيقوم، إن عشنا، كما تقول العجائز، بعد ساعة ستكون ستون دقيقة
قد انقضت. أليس كذلك يا ولدي؟
كاميل
:
ما معنى هذا؟ هذا شيء مفهوم من تلقاء نفسه.
دانتون
:
آه! كل شيء يُفهَم من تلقاء نفسه. من عليه إذن أن ينفِّذ كل الأشياء
الجميلة؟
فيليبو
:
نحن والشرفاء.
دانتون
:
هذه الواو بينهما حرف طويل، فهي تبعد بيننا بعض الشيء. إن المسافة طويلة،
والشرف يفقد أنفاسه قبل أن نجتمع سويًّا. وحتى لو حدث هذا! يستطيع الإنسان أن
يقرض الشرفاء ويشهد حفلات التعميد لديهم، ويزوِّج بناته لهم، ولكن هذا هو كل
شيء!
كاميل
:
ما دمت تعرف هذا، فلماذا بدأت الكفاح؟
دانتون
:
أحسست بالاشمئزاز من أولئك الناس. لم أستطع أبدًا أن أنظر إلى أمثال «كاتو»٩ المزيفين بغير أن أفكِّر في ركلهم. هذه هي طبيعتي (ينهض
واقفًا).
جولي
:
أتذهب؟
دانتون
(لجولي)
:
لا بد أن أنصرف. إنهم يُثيرون أعصابي بسياستهم. (وهو يتهيأ للخروج من الباب) أريد أن أتنبَّأ لكم بين الباب والمقصلة١٠ بأن تمثال الحرية لم يُصب بعد. لا زال الفرن يتوهج، وقد تحترق
أصابعنا جميعًا فيه.
(يخرج.)
كاميل
:
دعُوه! هل تظنون أنه يمكن أن يرفع يدَيه إذا آن أوان العمل؟
هيرو
:
نعم، ولكن لمجرد التسلية، كلعب الشطرنج.
حارة
سيمون – زوجته
سيمون
(يضرب زوجته)
:
يا قوَّادة، يا حبة التصعيد المكرمشة،١١ يا تفاحة الخطيئة التي تفترسها الديدان.
الزوجة
:
النجدة! النجدة!
(يهرع بعض الناس): فرِّقوهما!
فرِّقوهما!
سيمون
:
لا، اتركوني أيها الرومان! أريد أن أحطِّم هذه المومياء! أنت يا فستالية.١٢
الزوجة
:
أنا؟ هذا ما أريد أن أراه.
سيمون
:
إذن فسوف أنزع رداءك عن كتفَيك، وأدحرج جثتك في الشمس، يا فراش العار! في
كل ثنيَّة من جسدك تعشِّش الفحشاء.
(يفرق الناس بينهما.)
المُواطن الأول
:
ماذا حدث؟
سيمون
:
أين العذراء؟ تكلَّمي! لا، لا يمكن أن أقول عنها هذا. الآنسة! لا، ولا
هذا. المرأة، السيدة! ولا هذا! ولا هذا! لم يبقَ إلا اسمٌ واحد، إنه
يخنقني! لا أجد النفس الذي يساعدني على النطق به.
المواطن ٢
:
هذا حسن، وإلا فاح الاسم برائحة الخمر.
سيمون
:
يا فرجنييوس١٣ العجوز، غطِّ رأسك الأصلع. إن غراب العار يقِف عليها وينقر
عينَيك. أعطوني سكينًا، أيها الرومان! (يسقط على
الأرض.)
الزوجة
:
آه! إنه في العادة شهم، إلا أنه يستطيع التحمل؛ فالخمر تُوقِعه من
طوله.
المواطن ٢
:
ولذلك يسير على ثلاثة.
الزوجة
:
بل يسقط.
المواطن ٢
:
تمامًا، يسير أولًا على ثلاثة، ثم يقع على الثالثة حتى تسقط هي
أيضًا.
سيمون
:
أنت الغول الذي يمتص دم قلبي الدافئ.
الزوجة
:
اتركوه؛ فهو دائمًا يغلبه التأثر في مثل هذا الوقت، سيعود إلى
طبيعته.
المواطن ١
:
ماذا حدث إذن؟
الزوجة
:
انظروا. كنت أجلس هناك على الحجر أتدفَّأ في الشمس. انظروا؛ لأننا لا
نملك خشبًا. انظروا.
المواطن ٢
:
تدفَّئي إذن بأنف زوجك.
الزوجة
:
وكانت ابنتي قد ذهبت إلى الناصية هناك. إنها بنت طيِّبة وتجري على
أبوَيها.
سيمون
:
ها! إنها تعترف!
الزوجة
:
يا يهوذا! وهل كنت تجد سروالَين تلبسهما إذا لم يخلع الشبان سراويلهم مع
ابنتك؟ يا برميل خمرة! هل تحب أن تموت من العطش إذا جفَّت البئر؟ هه؟ إننا
نعمل بكل أعضائنا، فلماذا لا نعمل بهذا العضو أيضًا؟ أمُّها ظلَّت تشقى حتى
جاءت إلى العالم، وذاقت المر. ألا يمكنها أن تشقى قليلًا لأجل أمها؟ هه؟
ولو ذاقت المر أيضًا؟ يا غبي! هه؟
سيمون
:
لوكريتسيا!١٤ سكين! أعطوني سكينًا أيها الرومان! ها! أبيوس كلاوديوس.
المواطن ١
:
نعم! أعطوه سكينًا، لا للعاهرة المسكينة. ماذا جنت؟ لا شيء. إن جوعها هو
الذي يفجُر ويتسول. ويلٌ لأولئك الذين يشترون لحم نسائنا وبناتنا! ويلٌ
لهؤلاء الذين يفجُرون مع بنات الشعب! أحشاؤكم تتلوى من الجوع، وأمعاؤكم
تتلوى من التخمة، ثيابكم مملوءة بالخروق وثيابهم دافئة، أيديكم متشقِّقة من
التعب وأيديهم ناعمة كالحرير؛ إذن،١٥ فأنتم تعملون وهم لا يعملون شيئًا، إذن فقد كسبتم اللقمة
بالعرق وهم الذين سرقوها منكم، إذن فإن أردتم أن تستمدوا بضعة ملاليم من
أملاككم المسروقة فلا بد أن تلجئوا إلى الدعارة والشحاذة، إذن فهم لصوص ولا
بد مِن قتلهم!
المواطن ٣
:
إن عروقهم لا يجري فيها إلا الدم الذي امتصوه منَّا. قالوا: لنا اقتلوا
الأرستقراطيين، فهم ذئاب! وعلَّقنا الأرستقراطيين على المشانق. قالوا: «الفيتو»١٦ يفترس خبزكم. وقتلنا الفيتو. قالوا: الجيرونديون يُجيعونكم.
فأرسلنا الجيرونديين إلى المقصلة. ولكنهم جرَّدوا الموتى من ثيابهم، وها
نحن نسير الآن على سيقان عارية، ونتجمد من البرد كما كُنا نفعل من قبل.
نريد أن ننتزع جلدهم من أفخاذهم ونفصل منه سراويل، نريد أن نعتصر شحمهم
ونطبخ به شربتنا. هيا! اقتلوا مَن لا تجدون ثقبًا في ردائه!
المواطن ١
:
اقتلوا كل مَن يقرأ ويكتب!
المواطن ٢
:
اقتلوا كل مَن يغادر بيته.
الجميع
(يصرخون)
:
اقتلوا! اقتلوا!
(بعض العامة يسحبون شابًّا وراءهم.)
أصوات
:
معه منديل! أرستقراطي! إلى المشنقة، إلى المشنقة!
المواطن ٢
:
ماذا؟ ألا يمخط في يدَيه؟ إلى المشنقة!
(تُعلَّق إحدى المشانق.)
الشاب
:
آه يا سادتي!
المواطن ٢
:
ليس فينا سادة. إلى المشنقة!
البعض
(يغنُّون)
:
أجدي من الرقاد في التراب،
فريسةً للدود والفساد؛
أن تُسلِموه ليد الجلَّاد،
فيرفع الجثة في العراء؛
لكي تشم نسمة الهواء!
الشاب
:
الرحمة!
المواطن ٣
:
لعبة بسيطة بالحبل حول الرقبة! لحظة واحدة لا غير! نحن أرحم منكم. حياتنا
قتلٌ بطيء بالعمل، نعلِّق ستين سنة في حبل ونتلوى، ولكننا سنعرف كيف نخلِّص
أنفسنا. إلى المشنقة!
الشاب
:
كما تحبون، لن يجعلكم هذا ترون رؤية أوضح.١٧
الواقفون
:
برافو! برافو!
أصوات
:
اتركوه يذهب!
(الشاب يهرب بجلده.)
(يظهر روبسبيير في صحبة نساء وبعض المتسكعين
الصعاليك.)
روبسبيير
:
ما هذا، أيها المواطنون؟
المواطن ٣
:
وماذا عسى أن يكون؟ إن قطرات الدم القليلة التي سالت من أغسطس إلى سبتمبر
لم تجعل خدود الشعب حمراء. المقصلة في غاية البطء، نحن في حاجة إلى
سيل!
المواطن ١
:
زوجاتنا وأطفالنا يصرخون طلبًا للخبز. نريد أن نُطعِمهم من لحم
الأرستقراطيين. ها! اقتلوا كل مَن يلبس رداءً لا ثقب فيه!
الجميع
:
اقتلوه! اقتلوه!
روبسبيير
:
باسم القانون!
المواطن ١
:
ما هو القانون؟
روبسبيير
:
إرادة الشعب.
المواطن ١
:
نحن الشعب، ونريد ألا يكون هناك قانون؛ إذن فهذه الإرادة هي القانون، إذن
فبِاسم القانون لم يعد هناك قانون، إذن فاقتلوا!
أصوات
:
استمعوا إلى أرستيدس!١٨ استمعوا إلى النزيه!
امرأة
:
اسمعوا المُخلِص١٩ الذي أُرسِل ليحكم ويقتص! سيقضي على الأشرار بحد السيف. عيناه
عينا القضاء، يداه يدا العدالة!
روبسبيير
:
أيها الشعب الطاهر المسكين! أنت تؤدي واجبك، وتضحِّي بأعدائك. أيها
الشعب، أنت عظيم! أنت تكشف عن روحك في الصواعق والرعود، لكن مَعاركك لا يجب
أن تجرح جسدك، وإلا قتلتَ نفسك بغضبك. إنك لن تسقط إلا بإرادتك، وهذا ما
يعرفه عنك أعداؤك. إن الذين يشرعون لك يقظون، وسوف يأخذون بيدَيك. إن
عيونهم لا تنخدع، ويداك لا يُفلِت منها أحد. تعالَوا معي إلى اليعاقبة! إن
إخوتكم سيفتحون أذرعهم لكم، وسنؤلِّف محكمة الدم لأعدائنا.
أصوات كثيرة
:
إلى اليعاقبة! عاش روبسبيير.
(الجميع يخرجون.)
سيمون
:
ويلي، لقد تركتني!
الزوجة
:
هاك! (تسنده.)
سيمون
:
آه يا حبيبتي باوكيس!٢٠ أنت تجمعين الفحم على رأسي.
الزوجة
:
قف!
سيمون
:
هل تتخلَّينَ عني؟ هل تُسامحينني يا بورسيا؟٢١ هل ضربتك؟ لم تكن يدي، لم تكن ذراعي، جنوني هو الذي فعلها
والجنون عدوُّ هاملت المسكين. هاملت لم يفعل شيئًا. هاملت يُنكِر ما فعله.
أين ابنتنا؟ أين سوزانا الصغيرة؟
الزوجة
:
هناك على الناصية.
سيمون
:
هيا بنا إليها! تعالَي يا زوجتي الصالحة!
(يخرجان.)
نادي اليعاقبة
رجل من سكان ليون
:
لقد أرسلنا إخوتنا في ليون لنُفرِغ سخطهم المرير في صدوركم. إننا لا نعرف
إن كانت العربة التي حملت رونسان٢٢ إلى المقصلة هي نفس العربة التي حملت جثة الحرية، ولكننا نعرف
أن قَتَلة شالييه قد عادوا منذ ذلك اليوم يسيرون في طمأنينة وثبات على
الأرض، كأنه ليس هناك قبرٌ يسعهم. هل نسيتم أن ليون قطعة من أرض فرنسا يجب
أن نغطِّيها بعظام الخونة؟ هل نسيتم أن عاهرة الملوك هذه لا يمكنها أن تغسل
صديدها وقبحها إلا في مياه الرون؟ هل نسيتم أن هذا النهر الثائر لا بد أن
يحطِّم أساطيل بت٢٣ في البحر الأبيض فوق جثث الأرستقراطيين؟ إن رأفتكم تقتل
الثورة. إن النفَس الذي يتردد في صدر أرستقراطي هي الحشرجة الأخيرة في صدر
الحرية. الجبان وحده هو الذي يموت في سبيل الجمهورية، أما اليعقوبي فهو
يقتل من أجلها. اعلموا أننا إن لم نجد فيكم حمية رجال العاشر من أغسطس
وسبتمبر والواحد والثلاثين من مايو، فلن يبقى أمامنا إلا خنجر كاتو،٢٤ كما فعل الوطني جايار.٢٥
(تصفيق وصيحات مختلفة.)
يعقوبي
:
سنشرب معكم السم الذي شربه سقراط.
ليجندر
(يقفز فوق المنصة)
:
لسنا في حاجة إلى توجيه أبصارنا إلى ليون. إن هؤلاء الذين يلبسون الحرير،
ويركبون العربات الفخمة، ويجلسون في المسرح في «الألواج»، ويتكلمون على
طريقة قاموس الأكاديمية، قد اطمأنوا منذ أيام إلى أن رءوسهم ثابتة فوق
أكتافهم. إنهم يتظرفون ويقولون إن من الواجب أن نساعد مارا وشالييه على
الاستشهاد مرتَين وقطع رءوسهم بعد موتهم في احتفال كبير.٢٦
(حركة عنيفة في الاجتماع.)
أصوات
:
إنهم أموات، وألسنتهم هي التي ستقطع رءوسهم.
ليجندر
:
ليُغرِقهم دم هؤلاء القديسين! إنني أسأل الأعضاء الموجودين من لجنة
الإصلاح؛ منذ متى أصبحت آذانكم صماء؟
كوللوديربوا
(يقاطعه)
:
وأنا أسألك يا ليجندر؛ صوت مَن هذا الذي جعل مثل هذه الأفكار تتنفس وتحيا
وتجرؤ على الكلام؟ لقد حان الوقت لانتزاع الأقنعة. اسمعوا أن العلة تتَّهم
معلولها، والنداء صداه، والسلب نتيجته. إن لجنة الإصلاح تفهم كثيرًا في
المنطق يا ليجندر. هدِّئ نفسك! إن تماثيل القديسين النصفية٢٧ لن تُمَس، وستظل كرءوس المدوزا٢٨ تحوِّل الخونة إلى أحجار.
روبسبيير
:
أطلب الكلمة.
اليعاقبة
:
اسمعوا! اسمعوا النزيه!
روبسبيير
:
لقد كُنا ننتظر أن نسمع صيحة السخط التي تتردد الآن من كل جانب لكي
نتكلم. كانت أعيننا مفتوحة، وقد رأينا العدو يتسلح ويتحفز، ولكننا لم نُعطِ
الإشارة بالتحرك. لقد تركنا الشعب يسهر على نفسه بنفسه، ولم ينَم الشعب، بل
أمسك بالسلاح. لقد تركنا العدو يبرز من مخبئه. تركناه يتقدم، وهو الآن يقف
حرًّا مكشوفًا في وضح النهار. كل ضربة تُوجَّه إليه ستُصيبه. إنه سيموت
بمجرد أن تقع عيونكم عليه. لقد قلت لكم من قبل إن الأعداء الداخليين
للجمهورية قد انقسموا إلى فرقتَين أو معسكرَين. إنهم يحملون أعلامًا مختلفة
الألوان، ويسيرون في طرق متعددة المسالك، ولكنهم يُسرِعون جميعًا إلى نفس
الهدف. إن أحد هذين المعسكرين لم يعُد له وجود.٢٩ لقد حاول في جنونه وتطرُّفه أن يدمغ أصلب الوطنيِّين بالضعف
والخور لينحِّيهم جانبًا، ويحرم الجمهورية من أشد أذرعتها قوة، وأعلن الحرب
على الألوهية والملكية لكي ينفِّذ مؤامرته المنحرفة لصالح الملوك، وتهكَّم
على مسرحية الثورة السامية لكي يُسيء إلى سمعتها ويفضحها بالاستهتار والفحش
المتعمَّد المدبَّر. لو قُدِّر لهيبر أن ينتصر لتحوَّلت الجمهورية إلى فوضى
ولرضي الاستبداد. إن سيف القانون قد أصاب الخائن، وماذا يهمُّ الأجانب ما
بقيت هناك مجموعة أخرى من المجرمين الذين يعملون على الوصول إلى نفس الهدف؟
إذا لم ندمِّر هذا المعسكر الآخر فكأننا لم نعمل شيئًا. إنه يسير في عكس
الاتجاه الذي سار فيه المعسكر الأول. إنه يدفعنا إلى الضعف وصيحتُه في
المعركة هي: الرحمة! إنه يريد أن ينتزع السلاح من الشعب، كما ينتزع القوة
التي يقبض بها على السلاح؛ لكي يُسلمه عاريًا خائر القوة إلى
الملوك.
إن سلاح الثورة هو الرعب، وقوة الجمهورية هي الفضيلة. الفضيلة لأن الرعب
بدونها مُهلِك، والرعب لأن الفضيلة بدونه عاجزة. إن الرعب هو النتيجة
المترتبة على الفضيلة. ليس الرعب إلا العدالة الحاسمة الصلبة الصارمة.
يقولون إن الرعب هو سلاح الحكومة المستبدة، ويريدون بذلك أن يشبِّهوا حكمنا
بالحكم المستبد. هذا صحيح! ولكن بقدر ما يُشبِه السيف في يد بطل الحرية؛
ذلك السيف الذي يحمله أتباع الطاغية. إذا كان المستبد يحكم بالرعب رعاياه
الذين يُشبِهون القطعان، فذلك حقه كطاغية مستبد. اسحقوا بالرعب أعداء
الحرية، وسيكون ذلك من حقكم كمؤسِّسين للجمهورية. إن حكومة الثورة هي
استبداد الحرية ضد الطغيان.
بعض الناس
(ينادون قائلين)
:
ارحموا الملكيين! هل نرحم الأشرار؟ لا، بل نرحم البراءة، نرحم الضعف،
نرحم البؤساء، نرحم الإنسانية! إن المُواطن المُسالم هو وحده الذي يستحق
حماية المجتمع.
ليس هناك مواطنون في ظل الجمهورية إلا الجمهوريين، أما الملكيون والأجانب
فهم أعداؤها. إن إنزال العقاب بأولئك الذين يضطهدون الإنسانية هو الرحمة،
أما العفو عنهم فهو الوحشية. إن كل علامات الحساسية الزائفة تبدو لي
تنهُّدات تطير في اتجاه إنجلترا أو النمسا. لم يقنعوا بتجريد الشعب من
السلاح، بل راحوا يسمِّمون أقدس منابع قوته بالرذيلة. هذا هو أخبث وأخطر
وأبشع هجوم على الحرية. إن الرذيلة هي علامة قابيل٣٠ التي تسمُّ الأرستقراطية. إنها ليست في النظام الجمهوري جريمة
أخلاقية فحسب، بل هي كذلك جريمة سياسية. إن مرتكب الرذيلة هو العدو السياسي
للحرية، ويعظُم خطره عليها كلما عظمت الخدمات التي يدَّعي أنه أدَّاها لها.
إن أخطر المواطنين هو ذلك الذي يسهل عليه أن يستهلك بضع قبعات حمراء٣١ من أن يقوم بعمل واحد نافع.
سيكون من السهل عليكم أن تفهموا قصدي إذا فكَّرتم في أولئك الذين كانوا
يعيشون في حجرات على السطوح، فأصبحوا الآن يركبون العربات المُطهَّمة
بالخيول، ويرتكبون الفحش مع الماركيزات والبارونات السابقات. إن من حقنا أن
نسأل: هل نهبنا ثروة الشعب أم هل أصبحنا نضغط على أيدي الملوك الذهبية،٣٢ إذا كُنا، نحن المشرِّعين للشعب، نتظاهر بكل رذائل رجال البلاط
السابقين وترفهم، إذا كُنا نرى ماركيزات الثورة وأمراءها يتزوجون النساء
الثريات، ويُولِمون الولائم ويُقامرون ويستخدمون الخدم ويلبسون الثياب
الفخمة؟ إن مِن حقنا أن نتعجب حين نرى الأفكار المُلهِمة تهبط عليهم، ونسمع
أحاديث المثقَّفين المهذَّبين تتدفق من أفواههم. لقد حدث منذ وقت غير بعيد
أنْ تهكَّم أحدهم ﺑ «تاسيت» على نحوٍ مُخجِل،٣٣ في استطاعتي كذلك أن أجيب على طريقة «ساللوست» وأن أعرِّض بكاتيلينا،٣٤ غير أنني فيما أظن لم أعُد في حاجة إلى لمسات أخرى؛ فقد تم رسم
أصحاب هذه الوجوه. لن تكون هناك معاهدة ولا هدنة مع أناسٍ لم يفكِّروا إلا
في نهب الشعب، أناسٍ اطمأنوا إلى أنهم سيستطيعون أن يُواصلوا هذا النهب
بغير عقاب، وحسِبوا أن الجمهورية مضاربة، وأن الثورة أداة في أيديهم. إنهم
يحاولون في هدوء تام أن يُبردوا حرارة العدالة بعد أن أفزعهم التيار الجارف
الذي يضرب الأمثلة كل يوم، يكاد الإنسان يعتقد أن كل واحد منهم يقول لنفسه:
لسنا فضلاء إلى الحد الذي يجعلنا مُرعِبين بهذه الدرجة. أيها المشرِّعون
المتفلسفون، ارحموا ضعفنا! إنني لا أجرؤ أن أقول لكم إنني أحب الرذيلة؛
ولهذا أفضِّل أن أقول لكم: «لا تكونوا قساةً بشعين!»
هدِّئ نفسك، أيها الشعب العفيف! هدِّئوا نفوسكم أيها الوطنيون! قولوا
لأخوتكم في ليون إن سيف الحرية لا يصدأ في الأيدي التي وضعتم ثقتكم فيها!
ستضرب مثلًا عظيمًا للجمهورية.
(تصفيق عام.)
أصوات كثيرة
:
عاشت الجمهورية! عاش روبسبيير!
الرئيس
:
رُفعت الجلسة!
حارة
لاكروا – ليجندر
لاكروا
:
ماذا فعلت يا ليجندر؟! هل تعلَم مَن الذين أسقطت رءوسهم بتماثيلك النصفية
التي حطَّمتها؟
ليجندر
:
بعض التافهين المُتحذلِقين والنساء الأنيقات، هذا هو كل شيء.
لاكروا
:
أنت إنسان ينتحر، ظل يقتل أصله ويقتل بذلك نفسه.
ليجندر
:
لست أفهم ماذا تقصد.
لاكروا
:
أظن أن كوللو تكلَّم بوضوح.
ليجندر
:
وما أهمية هذا؟ لقد كان مخمورًا كعادته.
لاكروا
:
الحمقى والأطفال و… السكارى يقولون الحقيقة. مَن الذي تعتقد أن روبسبيير
قد قصده بالكلام عن كاتيلينا؟
ليجندر
:
ما رأيك أنت؟
لاكروا
:
المسألة بسيطة. لقد أرسل المُلحِدون والثوريون المتطرِّفون إلى المقصلة،
ولكن الشعب لم يستفِد شيئًا؛ فما زال يمشي حافيًا في الحواري ويُطالب بأن
يفصِّل أحذيته من جلود الأرستقراطيين. إن ترمومتر المقصلة لا يجب أن يهبط،
لم تبقَ إلا بضع درجات وتذهب لجنة الإصلاح إلى ميدان الثورة لتنام
هناك.
ليجندر
:
وما علاقة تماثيلي النصفية بهذا؟
لاكروا
:
ألم تفهم العلاقة بعد؟ لقد أعلنت وجود الثورة المضادة، وحفَّزت الرجال العشرة٣٥ إلى العمل الحاسم، وقُدتُهم من أيديهم. إن الشعب مينوتاوروس٣٦ يُصرُّ كل أسبوع على أن يتسلم جثثه، وإلا افترسهم.
ليجندر
:
أين دانتون؟
لاكروا
:
ومن أين لي أن أعلم؟ إنه يحاول أن يجمع فينوس المديشية من كل بغايا القصر الملكي،٣٧ أو يصنع على حد قوله فُسَيفساء.٣٨ السماء وحدها تعلم ما هو العضو الذي وصل إليه الآن. إنه لشيءٌ
مُحزِن حقًّا أن تمزِّق الطبيعةُ الجمالَ، وتوزِّع أجزاءه المتفرِّقة بين
الأجساد، كما مزَّقت ميديا٣٩ شقيقها. هيَّا نذهب إلى القصر الملكي!
(يخرجان.)
حجرة
دانتون – ماريون
ماريون
:
لا! دعني راقدة عند قدمَيك. أريد أن أحكي لك شيئًا.
دانتون
:
يمكنك أن تستعملي شفتَيك فيما هو أفضل.
ماريون
:
لا، دعني هكذا. كانت أمي امرأة ذكية، وكانت تقول لي دائمًا إن العفة
فضيلةٌ جميلة. وعندما كان يأتي الناس لزيارتنا ويبدءون في الحديث عن أمور
معيَّنة كانت تطلب مني أن أغادر الحجرة، فإذا سألتها عما يريدون قالت إن
عليَّ أن أخجل من نفسي. وإذا أعطت لي كتابًا لأقرأه كنت دائمًا أمرُّ على
بعض صفحاته بغير قراءة، ولكنني كنت أقرأ الكتاب المقدس كما يحلو لي؛ فقد
كان كل شيء فيه مقدَّسًا، ولكن كان فيه شيء لم أستطع فهمه، لم أحاول أن
أسأل أحدًا عن معناه، وعكفت على نفسي ورحت أفكِّر فيه وحدي. وجاء الربيع؛
أحسست أن هناك أمورًا تجري في كل مكان من حولي دون أن أشارك فيها، ووجدتني
أعيش في جوٍّ غريب يكاد يخنق أنفاسي. رحت أتأمل أعضائي، كان يبدو لي في بعض
الأحيان كأن حجمي يتضاعف، وكأنني أعود فأصبح عضوًا واحدًا يندمج فيه كياني
كله. في ذلك الوقت بدأ شابٌّ يتردد على البيت. كان جميلًا، وكان يتكلم في
معظم الأحيان كلامًا عجيبًا. لم أكن أفهم ما يريده تمامًا، ولكنني لم أكن
أستطيع أن أمنع نفسي من الضحك. دعَته أمي إلى الإكثار من زيارتنا، وأعجبنا
هذا. وأخيرًا لم نجد ما يمنع من أن ننام معًا بين مُلاءتَي سرير، مثلما
نجلس معًا على كرسيَّين. وجدت في هذا متعة أعظم من المتعة التي كنت أجدها
في الاستماع إلى كلامه، ولم أفهم لماذا كانوا يسمحون لي بالمتعة القليلة
ويحرمونني من المتعة الكبيرة. ورحنا نفعل ذلك سرًّا، واستمر الحال على هذا،
ولكنني أحسست كأنني أصبحت بحرًا يبتلع كل شيء وتجيش أعماقه وتجيش. كان هناك
ضدٌّ واحد بالنسبة لي، وذاب لديَّ كلُّ الرجال في جسد واحد. أمي أيضًا كانت
كذلك، وهل يستطيع أحد أن يهرب من طبيعته؟ وأخيرًا لاحظ كل شيء. جاء في صباح
يوم من الأيام وقبَّلني قُبلةً كادت تكتم أنفاسي، وطوَّق رقبتي بذراعَيه
فأحسست برعبٍ هائل، ثم ابتعد عني وضحك وقال إنه كان على وشك أن يقوم بفعلة
غبية، وإن عليَّ أن أحتفظ بثوبي وأستعمله؛ لأنه سيبلى من نفسه، وهو لا يريد
أن يُفسِد عليَّ حظي قبل الأوان؛ لأنه هو الشيء الوحيد الذي أملكه. ثم ذهب،
ولم أعرف مرةً أخرى ماذا كان يريد. وعندما جاء المساء كنت أطلُّ من
النافذة، فأنا شديدة الحساسية ولا شيء يربطني بما حولي إلا العاطفة،
واستغرقت في أمواج الشفق، ثم انتبهت على موكبٍ يهبط الشارع تتقدَّمه
الأطفال وتتبعه النساء من النوافذ. نظرت إلى هناك فرأيتهم يحملونه في سلة
كبيرة والقمر يسطع على جبهته الشاحبة، وخصلات شعره مُبتلَّة؛ كان قد أغرق
نفسه. ووجدتني أنشج بالبكاء، كأن هذا هو الكسر الوحيد في كياني. إن غيري من
الناس يعملون في أيام ويستريحون في أيام. إنهم يعملون ستة أيام ويُصلُّون
في اليوم السابع. وفي كل سنة يتأثرون مرةً في عيد ميلادهم ويفكِّرون قليلًا
في رأس السنة. أما أنا فلا أفهم شيئًا من هذا ولا أعرف راحة أو تغييرًا.
أنا دائمًا كيان واحد، شوقٌ لا ينقطع، لهيب تيار. أمي ماتت من الغم، الناس
يُشيرون إليَّ. هذا غباء؛ ففي النهاية يتساوى الناس في المتعة التي يجدونها
في الأجساد أو صور المسيح أو الزهور أو ألعاب الأطفال. إنه دائمًا نفس
الشعور، مَن يزدد متعةً يزدد عبادة.
دانتون
:
لماذا لا أحتوي جمالك كله وأُعانِقه كله؟
ماريون
:
دانتون، لشفتَيك عينان.
دانتون
:
تمنَّيت أن أكون بعضًا من الأثير؛ لكي تستحمِّي في موجي وأتكسر على كل
موجة من أمواج جسدك الجميل.
(لاكروا، أديلاده وروزالي يدخلون.)
لاكروا
(يظل واقفًا بالباب)
:
لا بد أن أضحك! لا بد أن أضحك!
دانتون
(متبرِّمًا)
:
وبعد؟
لاكروا
:
الحارة خطرت على بالي.
دانتون
:
ثم ماذا؟
لاكروا
:
كانت هناك كلبة كبيرة وكلب بولوني صغير يعذِّبان نفسَيهما.
دانتون
:
ما معنى هذا؟
لاكروا
:
خطر هذا على بالي فلم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك. كان منظرًا يشرح
القلب! كانت البنات تنظر من النوافذ. لا بد أن يحتاط الإنسان ولا يتركهن
يجلسن في الشمس، وإلا قرصهن البعوض في أيديهن، وهذا يهيِّج الأفكار. طُفت
أنا وليجندر على كل الصوامع تقريبًا. تعلَّقت راهبات الوحي الجسدي بحجرنا
وطلبن البركة. أنزل ليجندر بركته على إحداهن، ولكنه سيضطر أن يصوم من أجل
ذلك شهرًا. وها أنا ذا أُحضر معي راهبتَين من راهبات الجسد.
ماريون
:
صباح الخير يا آنسة أديلاده! صباح الخير يا آنسة روزالي!
روزالي
:
لم نتشرف من مدة طويلة.
ماريون
:
كان على عيني.
أديلاده
:
آه يا ربي! نحن مشغولون بالليل والنهار.
دانتون
(لروزالي)
:
أنت يا صغيرة! لقد أصبحت ملفوفة الأوراك!
روزالي
:
طبعًا، نحن كل يوم في تحسُّن.
لاكروا
:
ما هو الفرق بين أدونيس القديم وأدونيس الجديد؟٤٠
دانتون
:
وأديلاده أصبحت مؤدَّبة وظريفة، تغييرٌ يرد الروح.
وجهها يبدو كورقة التين التي تستر بها جسدها كله. شجرة تين كهذه على
طريقٍ مريح كهذا تُلقي ظلًّا منعشًا.
أديلاده
:
كنت سأصبح طريقًا تسير عليه القطعان لو أن السيد …
دانتون
:
فهمت. المهم ألا تغضبي يا آنستي!
لاكروا
:
أرجوك أن تسمعني! إن أدونيس الجديد لن يمزِّقه خنزير بري، بل ستمزِّقه
إناث الخنازير. إنه لن يُجرَح في فخذه بل في جنبَيه، ولن تنبثق الورود من
دمه بل ستتفتح براعم الزئبق.٤١
دانتون
:
الآنسة روزالي تُشبِه تمثالًا ناقصًا٤٢ أُعيدَ ترميمه، وليس فيه شيء قديم سوى الساقَين
والقدمَين.
إنها مثل إبرة المغنطيس؛ ما يطرده قطب الرأس يجذبه قطب القدم، أما المركز
فهو منطقة استوائية، كل من يعبُر خط الاستواء فيها يحصل على تعميد طبي.٤٣
لاكروا
:
إنهما ممرِّضتان رحيمتان، كلٌّ منهما تخدم في مستشفًى؛ أقصد في جسدها
هي.
روزالي
:
أخجل من أن تجعل آذاننا حمراء من الخجل!
أديلاده
:
يجب أن تتعلم فن الحياة أكثر من هذا.
(تخرج أديلاده وروزالي.)
دانتون
:
ليلتكم سعيدة يا حلوات!
لاكروا
:
ليلتكم سعيدة يا مَناجم الزئبق!
دانتون
:
إنني أرثي لهما؛ فهما لا تأتيان إلا لتناول العشاء.
لاكروا
:
اسمع يا دانتون! لقد كنت الآن مع اليعاقبة.
دانتون
:
أليس لديك أكثر من هذا؟
لاكروا
:
قرأ وفد ليون بيانًا أعلنوا فيه أنه لم يبقَ أمامهم الآن إلا أن يلتفوا بالتوجا.٤٤ إن كل واحد منهم يضع تكشيرة على وجهه، كأنما يريد أن يقول
لجاره «بيتووس»: إنه لا يؤلم.٤٥ هتف ليجندر مُطالبًا بتحطيم تماثيل مارا وشالييه النصفية.
أعتقد أنه يريد أن يحمرَّ وجهه مرةً أخرى من الخجل. لقد خرج من زمرة الكبار
المُخيفين ولم يعُد أحدٌ يأخذه مأخذ الجد، والأطفال في الحارة يشدُّونه من
ثيابه.
دانتون
:
وروبسبيير؟
لاكروا
:
أشار بأصبعه إلى المنصة، وقال: يجب أن تحكم الفضيلة بالرعب. لقد جعلَتني
عبارته أُحسُّ الألم في رقبتي.
دانتون
:
لأنها تنجِّر ألواح الخشب للمقصلة.
لاكروا
:
وصاح كوللو كمَن مسَّته الشياطين: لا بد من انتزاع الأقنعة!
دانتون
:
إذن فسوف ينتزعون معها الوجوه.
(يدخل باري.)
لاكروا
:
ما هي الأخبار يا فابريسيوس؟
باري
:
تركت اليعاقبة وذهبت إلى روبسبيير لأطلب منه تفسيرًا. حاوَل أن يتظاهر
بالحزن كأنه بروتوس وهو يضحِّي بأولاده.٤٦ تكلَّم عن الواجبات بوجه عام، قال إنه لا يعبأ في سبيل الحرية
بأي اعتبار، وإنه لن يتردد عن التضحية بكل شيء؛ بنفسه وشقيقه
وأصدقائه.
دانتون
:
لقد تكلَّم بوضوح. علينا أن نقلب السُّلم فحسب؛ وبذلك يقف في الدور
الأسفل ويحمل السلم لأصحابه. نحن مَدينون بالشكر لليجندر؛ فقد جعلهم
يتكلمون.
لاكروا
:
إن الهيبرتيين لم يموتوا بعد، والشعب يعيش عيشة بائسة، وهذا ثقل فظيع. إن
كفة الدماء لا يجب أن تثقل؛ حتى لا تتحول إلى مشانق لأعضاء لجنة الإصلاح.
إنه في حاجة إلى حمل يُثقِل دماغه.
دانتون
:
أعرف أن الثورة مثل ساتورن؛٤٧ فهي تفترس أبناءها، (بعد تفكير) ولكنهم لن يجرءوا!
لاكروا
:
دانتون، أنت قديس ميت، ولكن الثورة لا تعترف بالعظام الباقية. لقد ألقت
بعظام الملوك جميعًا إلى الشارع، وقذفت بكل التماثيل من الكنائس. أتظن أنهم
سيتركونك كتمثال أثري؟
دانتون
:
اسمي! الشعب!
لاكروا
:
اسمك! إنك معتدل، وكذلك أنا، وكاميل، وفيليبو وهيرو. والشعب يعتبر
الاعتدال والضعف شيئًا واحدًا؛ ولذلك يقتل كلَّ من يتأخر ويتباطأ. إن
خيَّاطي قسم القبعات الحمراء٤٨ سيُحسُّون بالتاريخ الروماني كله على طرف إبرتهم،٤٩ إذا شعروا بأن رجل سبتمبر يقف منهم موقفًا معتدلًا.
دانتون
:
هذا حقي. أضِف إليه أن الشعب كالطفل الذي يُصرُّ على أن يكسر كل شيء ليرى
ما بداخله.
لاكروا
:
أضِف إلى هذا أيضًا يا دانتون أننا، كما يقول روبسبيير، نرتكب الرذائل؛
فنحن نستمتع، في حين أن الشعب فاضل؛ أي لا يستمتع؛ لأن العمل أصاب حواسه
بالصدأ، ولا يسكر لأنه لا يملك المال، ولا يتردد على المواخير لأن رائحة
الجبن والرنجة تصعد من رقبته، والآنسات يشعرن بالاشمئزاز لذلك.
دانتون
:
إنه يكره القادرين على الاستمتاع كما يكره الخصيُّ الرجال.
لاكروا
:
إنهم يُسمُّوننا الأوغاد، (يميل على أذن دانتون) وفي هذه التسمية — فيما
بيننا — شيء من الحق. روبسبيير والشعب يتمسكان بالفضيلة. سان جوست سيكتب
رواية، وباربر سيفصل «كارمانيولا»،٥٠ ويضع معطف الدماء حول جسم الجمعية، و… إنني أرى كل شيء.
دانتون
:
أنت تحلم. لم تكن لديهم الشجاعة أبدًا بدوني. لن تكون لديهم الشجاعة
لمواجهتي. إن الثورة لم تنتهِ بعد وقد يحتاجون إليَّ. إنهم سيحتفظون بي في
ترسانتهم.
لاكروا
:
يجب أن نعمل شيئًا.
دانتون
:
سنرى.
لاكروا
:
إلى أن يتم هذا سنكون قد ضعنا.
ماريون
(لدانتون)
:
شفتاك أصبحتا باردتَين، كلماتك خنقت قبلاتك.
دانتون
(لماريون)
:
ما أكثر الوقت الذي ضيَّعناه! كان الأولى أن نستفيد منه! (للاكروا) سأذهب غدًا إلى روبسبيير، سأُثير
غضبه ولن يستطيع أن يسكت. إلى الغد إذن! طابت ليلتكم يا أصدقائي! طابت
ليلتكم! إنني أشكركم!
لاكروا
:
تثبَّتوا يا أصدقائي الأعزاء، تثبَّتوا! طابت ليلتك يا دانتون. إن أفخاذ
الآنسة ستفصل رقبتك عن جسدك، والمونس فنيريس٥١ سيكون هو صخرتك الترابية.٥٢(يخرج مع باري.)
حجرة
روبسبيير – دانتون – باري
روبسبيير
:
قلت لك إن من يُمسِك بذراعي عندما أجرِّد سيفي فهو عدوي. لا أهمية بعد
هذا لقصده ونيته، ومن يحُلْ بيني وبين الدفاع عن نفسي فهو يقتلني تمامًا
كما لو كان يُهاجمني.
دانتون
:
حيث يتوقف الدفاع عن النفس تبدأ جرائم القتل. لست أرى سببًا يحملنا على
الاستمرار في القتل.
روبسبيير
:
إن الثورة الاجتماعية لم تنتهِ بعد. مَن يكتفِ من الثورة بنصفها يحفر
لنفسه قبرًا. إن المجتمع المرفَّه لم يمُت بعد، والقوة الشعبية السليمة يجب
أن تحلَّ محلَّ هذه الطبقة المتفشِّية في كل اتجاه. يجب أن تلقى الرذيلة
العقاب الرادع، وتحكم الفضيلة عن طريق الرعب.
دانتون
:
أنا لا أفهم معنًى لكلمة العقاب. أنت وفضيلتك يا روبسبيير! إنك لم تسرق،
ولم تستدِن، ولم تنَم مع امرأة، تعوَّدت دائمًا أن تلبس الثياب المحترمة،
لم تسكر أبدًا في حياتك. روبسبيير، إنك مستقيم إلى حدٍّ مزعج. لو أنني
عِشتُ ثلاثين عامًا بأكملها أدور بين السماء والأرض بنفس السحنة الأخلاقية،
لمجرد الإحساس بهذه اللذة البائسة التي تجعلني أجد غيري أسوأ مني، لو فعلت
هذا لخجلت من نفسي. أليس في داخلك إذن شيءٌ يهمس لك في الخفاء قائلًا: أنت
تكذب، تكذب؟!
روبسبيير
:
إن ضميري نقي.
دانتون
:
الضمير مرآة، يعذِّب القرد نفسه أمامها. كل إنسان يتزيَّن بقدر ما
يستطيع، ثم يمضي ليروِّح عن نفسه كما يشاء، هذا شيء يستحق أن نشدَّ من أجله
شعور بعضنا! مِن حق كل إنسان أن يدفع عن نفسه إذا وجد مَن يُفسِد عليه
مزاجه.
هل من حقك أن تجعل من المقصلة حوض غسيل للملابس المتسخة لغيرك من الناس،
ومن رءوسهم المقطوعة كراتٍ لإزالة البقع من ثيابهم القذرة، لمجرد أنك تلبس
دائمًا ثوبًا منظَّفًا بالفرشاة؟
نعم من حقك أن تُدافع عن نفسك إذا بصقوا عليه أو أحدثوا ثقوبًا فيه، ولكن
ما شأنك بهم ما داموا يتركونك في حالك؟ وإذا كان لا يضايقهم أن يدوروا هكذا
في الشوارع، فهل يُعطيك ذلك الحق في أن تحبسهم في القبور؟ هل أنت شُرطيُّ
السماء؟ إذا كنت لا تستطيع أن تنظر إليهم كما ينظر إلهك العزيز فضع منديلك
أمام عينَيك.
روبسبيير
:
هل تُنكِر الفضيلة؟
دانتون
:
والرذيلة أيضًا. ليس هناك إلا أبيقوريون، غلاظ ورفيقون، وقد كان المسيح
أرَّقهم. هذا هو الفارق الوحيد الذي أميِّز به الناس. كل إنسان يتصرف على
حسب طبيعته؛ أي يعمل ما يروقه. أليس شيئًا فظيعًا أن أدوس على كعب حذائك
أيها النزيه؟
روبسبيير
:
دانتون، إن الرذيلة في بعض الأوقات خيانة.
دانتون
:
لا يجوز لك بحق السماء أن تحتقرها، وإلا كان هذا جحودًا منك. إنك مَدين
لها بالكثير، على الأقل بالضد المقابل لها. زِد على هذا — لكيلا أبتعد عن
أفكارك — أن معاركنا يجب أن تُوجَّه لصالح الجمهورية، ولا يجوز أن نأخذ
الأبرياء بذنب المجرمين.
روبسبيير
:
من قال لك إذن إن أحد الأبرياء قد أُصيب؟
دانتون
:
هل سمعت يا فابريسيوس؟ لم يمُت بريءٌ واحد حتى الآن!
(ينصرف وهو يقول لباري) لا يجب أن
نضيِّع لحظة واحدة. يجب أن نكشف عن أنفسنا!
(يخرج مع باري.)
روبسبيير
(وحده)
:
اذهب! يريد أن يُوقِف خيول الثورة أمام الماخور، كما يفعل السائق بجياده
المدرَّبة، ولكنهم سيجدون القوة الكافية لسحبه إلى ميدان الثورة. يدوس على
كعب حذائي! لكيلا أبتعد عن أفكارك! قف! قف! هذه هي الحقيقة؟ سيقولون إن
هيئته العملاقة ألقت ظلالها الكثيرة عليَّ؛ ولذلك عملت على إبعاده عن
الشمس. وإذا كانوا صادقين في قولهم؟ أهو أمر ضروري حقًّا؟ نعم! نعم!
الجمهورية! لا بد أن يذهب. مِن المُضحِك أن تُراقب أفكاري بعضها البعض. لا
بد أن يذهب. إن من يتوقف عن السير وسط الجماهير الزاحفة فهو يُقاومها كما
لو كان يمنع تقدُّمها، ولا بد أن تدوسه الأقدام.
لن ندع سفينة الثورة تتحطم على تقديرات هؤلاء الناس الضحلة وشواطئهم
المُوحِلة. يجب علينا أن نقطع اليد التي تجرؤ على وقفها، حتى ولو تشبَّثت
بها الأسنان! فلتستأصل هذه الجماعة التي جرَّدت الأرستقراطية الحمراء من
ملابسها وورثت عنها قروحها!
لا فضيلة! الفضيلة كعبٌ حذائي! لكيلا أبتعد عن أفكارك! لماذا تُلحُّ
عليَّ هذه الخواطر؟ ألا أستطيع أن أتخلص من هذه الفكرة؟ إنها تشير دائمًا
بأصبع دامية إلى هناك! إلى هناك! وكلما حاولت أن ألفَّ الخرق حولها نفدت
منها الدماء! (بعد فترة صمت) لست أدري من الذي يكذب في صاحبه (يتقدم إلى
النافذة). الليل مُنسدِل فوق الأرض يغطُّ في نومه، ويلتف في حلم مُوحِش.
أفكار وأماني لا نكاد نُحسُّ بها، مضطربة وغامضة، تتوارى خائفة من ضوء
النهار، تتلقى الآن شكلًا ورداءً وتتسلل إلى بيت الأحلام الساكن. إنها تفتح
الأبواب، تُطلُّ من النوافذ، تتجسد وتمدُّ أعضاءها في النوم، وتُتمتِم منها
الشفاه. أليست يقظتنا حلمًا ناصعًا؟ ألسنا نسير نيامًا؟ أليست أفعالنا هي
نفس الأفعال التي نقوم بها في الحلم، ولكن بصورة أوضح وأدق؟ من الذي يستطيع
أن يلومنا على هذا؟ إن العقل يُنجِز في ساعة واحدة من الأفعال الفكرية أكثر
مما يقدر الكيان العضوي الكسول على إنجازه في أعوام. إن الخطيئة كامنة في
الفكرة. أما أن تصبح الفكرة عملًا، أو أن يؤديها الجسم بعد ذلك، فهذا أمرٌ
متروك للصدفة.
(يدخل سان جوست.)
روبسبيير
:
ها، مَن هناك في الظلام؟ ها! نور! نور!
سان جوست
:
هل تعرف صوتي؟
روبسبيير
:
أنت يا سان جوست! (إحدى الخادمات تُحضِر
مصباحًا.)
سان جوست
:
هل كنت وحدك؟
روبسبيير
:
دانتون كان هنا وذهب منذ لحظة.
سان جوست
:
قابلته في الطريق في «القصر الملكي»، كان يستعرض جبهته الثورية ويتكلم
بالحكم، ويتحدث مع الرعاع٥٣ بغير كلفة. وكانت البغايا تمشي وراءه والناس يقفون مذهولين
ويتهامسون بما يقوله. سنضيِّع مزية الهجوم، إلى متى تتردد؟ سنتصرف من غيرك.
لقد عزمنا على هذا.
روبسبيير
:
ماذا تريدون أن تفعلوا؟
سان جوست
:
نريد أن ندعو لجان التشريع والأمن والإصلاح إلى اجتماع عام.
روبسبيير
:
تعقيدٌ لا داعي له.
سان جوست
:
يجب أن ندفن الجثة العظيمة باحترام، كالكهنة لا كالقتلة. لا يصح أن
نشوِّهها، بل يجب أن نُواري معها كل أعضائها.
روبسبيير
:
أوضِح كلامك!
سان جوست
:
يجب علينا أن ندفنه في التراب وهو بكامل سلاحه، وأن نذبح خيوله وعبيده
على قبره؛ لاكروا.
روبسبيير
:
وغدٌ حقيقي، كاتبٌ محامٍ سابق، وجنرال فرنسا في الوقت الحاضر.
استمِروا.
سان جوست
:
هيرو-سيشيل.
روبسبيير
:
رأسٌ جميل!
سان جوست
:
كان الحرف الأول الجميل في وثائق الدستور، لم نعُد الآن في حاجة إلى هذه
الحلية. سنمحوها. فيليبو، كاميل.
روبسبيير
:
وهذا أيضًا؟
سان جوست
(يناوله ورقة)
:
أظن. اقرأ!
روبسبيير
:
آه! الفرنسسكاني العجوز! لا شيء غير هذا؟ إنه طفل وقد ضحك عليكم.
سان جوست
:
اقرأ هنا، هنا! (يبيِّن له وضعًا
بعينه.)
روبسبيير
(يقرأ)
:
هذا المسيح المُلطَّخ بالدماء فوق جبل جلجاثة٥٤ بين زميلَيه كوتو وكوللو، حيث يضحِّي ولا يُضحَّى به. الأخوات
البتول يقِفن تحت المقصلة مثل مريم والمجدلية. سان جوست حبيب إلى قلبه مثل
يوحنا والمسيح، وهو الذي يعرف المجلس بالوحي الذي يهبط على المُعلِّم. إنه
يحمل رأسه كما يحمل القسيس وعاء السر المقدس.
سان جوست
:
سأجعله يحمل رأسه كما حمله القديس دنيس.٥٥
روبسبيير
(يواصل القراءة)
:
هل نصدِّق أن سترة المسيح النظيفة هي كفن فرنسا، وأن أصابعه النحيلة
المرتعشة التي يشير بها إلى المنصة هي سكاكين المقصلة؟ وأنت يا بارير، أنت
يا من قلت إن عملات النقود ستُسكُّ في ميدان الثورة!٥٦ ومع ذلك فلست أريد أن أنكش الكيس القديم.٥٧ إنه أرملة تزوَّجت نصف دستة من الرجال، ونجحت في أن تقبرهم
جميعًا. وهل لأحد يد في هذا؟ إنها موهبة طبيعية. إنه يرى السحنة الأبقراطية٥٨ على وجوه الناس قبل موتهم بنصف سنة. ومَن الذي يحب أن يجلس مع
الجثث ويشمَّ العفن؟
أنت كذلك يا كاميل؟ ليذهبوا جميعًا! وبسرعة! إن الأموات وحدهم هم الذين
لا يرجعون. هل أعددت وثيقة الاتهام؟
سان جوست
:
إعدادها سهل. لقد أشرت إليه عند اليعاقبة.
روبسبيير
:
أردت أن أرعبهم.
سان جوست
:
عليَّ أن أنفِّذ فحسب. المزوِّرون٥٩ سيقدِّمون البيضة، والأجانب٦٠ التفاحة. سيموتون من هذه الأكلة. أعِدك بهذا.
روبسبيير
:
إذن فلنُسرِع! غدًا! لا نريد صراعًا طويلًا مع الموت! لقد اشتدَّت
حساسيتي في الأيام الأخيرة. المهم أن نُسرِع! (يخرج سان جوست.)
روبسبيير
(وحده)
:
أجل! المسيح المُلطَّخ بالدماء، الذي يضحِّي ولا يُضحَّى به. لقد خلَّصهم
بدمه، وأنا أخلِّصهم بدمائهم. جعلهم يُذنِبون، وأنا أحمل الذنب على كتفي.
مَن منَّا الذي أنكر نفسه أكثر من صاحبه؛ أنا أم هو؟ ومع ذلك ففي الفكرة
نفسها نصيبٌ من الحمق. لماذا نتطلع جميعًا إليه وحده؟ حقًّا إن ابن الإنسان
يُصلَب فينا جميعًا. كلنا يُصارع في بستان جتسمان٦١ في عرقنا الذي يقطر دمًا، ولكن لا أحد يخلِّص الآخر بجراحه. يا
حبيبي كاميل! إنهم جميعًا يتركونني، كل شيء حولي وحشة وخراب، إنني
وحيد.