فويسك
عند الضابط
(الضابط على كرسي، فويسك يحلق له شعره.)
الضابط
:
على مهلك يا فويسك! واحدة واحدة! يكاد يُغمى عليَّ، ماذا أصنع بالدقائق
العشر التي تتبقَّى لي إن فرغت من الحلاقة قبل الميعاد؟ فويسك. فكر معي؛ ما
زال أمامي ثلاثون عامًا أعيشها، ثلاثون عامًا حلوة، أي ثلاثمائة وستون
شهرًا! ويومًا! وساعةً! ودقيقةً! ماذا عساه أن يفعل بهذا الزمن الهائل.
يقسمها يا فويسك؟١
فويسك
:
تمام يا حضرة الضابط.
الضابط
:
الرعب يتملكني كلما فكرت في الأبدية، شغلة يا فويسك، شغلة! أبدي، هذا
أبدي، هذا أبدي، شيءٌ واضح كما ترى، لكن الواقع أنه ليس أبديًّا وإنما هي
لحظة، نعم لحظة واحدة. فويسك، إنني أرتعد خوفًا كلما فكرت أن الدنيا تدور
حول نفسها كل يوم، يا له من زمن ضائع! إلى أين ينتهي بنا هذا؟ فويسك إني لا
أرى طاحونة إلا استبد بي الحزن.
فويسك
:
تمام يا حضرة الضابط.
الضابط
:
فويسك أنت دائمًا مستعجل! دائمًا ملهوف! الرجل الطيب لا يفعل هذا. الرجل
الطيب، ذو الضمير الطيب. تكلم يا فويسك، قل شيئًا! ما حال الجو
اليوم؟
فويسك
:
سيئ يا حضرة الضابط، سيئ، ريح!
الضابط
:
إنني أحس به فعلًا، شيء كالعاصفة يدور في الخارج، مثل هذه الرياح
تذكِّرني بالفيران. (في خبث) أعتقد أن
شيئًا كهذا يأتينا من الجنوب الشمالي؟
فويسك
:
تمام يا حضرة الضابط.
الضابط
:
ها! ها! ها الجنوب الشمالي! ها! ها! ها! آه إنني غبي! غبي إلى حد شنيع
(يتأثر) فويسك إنه إنسان طيب، ولكن
(باستعلاء) فويسك!
إنه بلا أخلاق! أخلاق! ذلك ما يكونه الإنسان عندما يكون على خلق هل يفهم؟
إنها كلمة طيبة، لديه طفل من غير بركة الكنيسة، كما يقول واعظ القشلاق
المبجل، بغير بركة الكنيسة، لست أنا الذي أقول هذا.
فويسك
:
سيدي الضابط، إن الله لا يحاسب الدودة المسكينة إن كانت بركة، آمين، قد
هبطت عليها قبل أن تخرج إلى الوجود. الرب قال اتركوا الصغار يأتون
إليَّ.
الضابط
:
ماذا يقول؟ ما هذا الجواب العجيب؟ إنه يربكني بجوابه، كلما قلت هو فإنما
أعني أنت.
فويسك
:
نحن المساكين، انظر يا سيدي الضابط. المال … المال. من لا مال معه، فماذا
تنفعه الأخلاق في هذه الدنيا؟ نحن أيضًا من لحم ودم … أمثالنا أشقياء في
الدنيا وفي الآخرة. لو أن أبواب السماء فُتحت لنا لَكان علينا أن نساعد في
قصف الرعود.
الضابط
:
فويسك، إنه عديم الفضيلة! إنه إنسان غير فاضل! لحم ودم! عندما أقف في
نافذتي، وقد تساقط المطر، أتابع ببصري الجوارب البيضاء وهي تخطر عابرة
الأزقة، الويل! فويسك، عندئذٍ يراودني الحب! أنا أيضًا من لحم ودم، ولكن
الفضيلة، يا فويسك! الفضيلة! كيف إذن كنت أصرف وقتي! إنني أقول لنفسي
دائمًا: أنت رجل طيب (متأثرًا) رجل طيب،
رجل طيب.
فويسك
:
نعم يا سيدي الضابط، الفضيلة لم أذق طعمها بعد. انظر، إن عامة الناس من
أمثالنا لا يعرفون ما هي الفضيلة. الطبيعة هي التي تتحكَّم فيهم. لو كنت
سيدًا وأضع على رأسي قبعة وفي يدي ساعة وسلسلة وأستطيع التحدُّثَ بلباقة
لاشتهيت أن أكون فاضلًا. لا بد أن الفضيلة شيء جميل، يا سيدي الضابط،
ولكنني فتى مسكين.
الضابط
:
طيب يا فويسك، أنت رجل طيب، رجل طيب، ولكنك تفكر أكثر من اللازم. وهذا
يقضي عليك، وأنت دائمًا ملهوف ومستعجل، الحديث معك ضعضعني. اذهب الآن، ولا
تجر كعادتك، على مهلك، انزل الشارع على مهلك!
فضاء، المدينة تبدو من بعيد
(فويسك وأندريس يقطفان أعوادًا في حرش.)
(أندريس يصفر.)
فويسك
:
أجل يا أندريس، المكان ملعون، هل ترى الخط المضيء المنشور هناك فوق
العشب، حيث تنمو الإسفنج؟ هناك يتدحرج الرأس ليلًا، مرة التقطه واحد من
مكانه، يقول إنه قنفد، ثلاثة أيام وثلاث ليال، رقد فيها على ألواح الخشب.
(همسًا) أندريس، إنهم الماسونيون!
الماسونيون! لقد عرفت السر!
أندريس
(يغني)
:
كانا على العشب يجلسان
ومن ندى العشب يأكلان.
فويسك
:
سكوت! هل تسمع يا أندريس؟ هل تسمع؟ شيء يتحرَّك هناك!
أندريس
(يغني)
:
حتى التهما العشب الأخضر
ما تركا منه شيئًا يُذكَر.
٣
فويسك
:
إنه يتبعني، يتحرَّك تحت قدمي. (يدقُّ الأرض
بقدميه) أجوف، هل تسمع؟! كل شيء أجوف تحتنا!
الماسونيون!
أندريس
:
أنا خائف …
فويسك
:
هذا السكون الغريب، يود الإنسان أن يحبس أنفاسه! أندريس!
أندريس
:
ماذا؟
فويسك
:
تكلم! (يحملق جامدًا فيما حوله)
أندريس! هذا النور! فوق المدينة هالة من اللهب! نار تتصاعد في الأفق وصخب
أبواق تنحدر إلى الأرض، شيء يقتلعني، شيء يجذبني إلى أعلى، كأنها الأشباح!
لنبتعد! لا تتلفَّت وراءك! (يجذبه إلى
الدغل.)
أندريس
(بعد برهة)
:
فويسك، هل ما زلت تسمع؟
فويسك
:
سكون، كل شيء ساكن، كأن العالم مات.
أندريس
:
هل سمعت؟ إنهم يقرعون الطبول. لا بد أن نذهب!
المدينة
(أمام النافذة ماريا تحمل طفلها بين ذراعيها – مرجريت.)
(يمر طابور عسكري في مقدمته ضابط الطبول.)
ماريا
(تهدهد الطفل بين ذراعيها)
:
هه، سارا را را! هل تسمع! ها هم قادمون.
مرجريت
:
يا له من رجل، كأنه شجرة!
ماريا
:
واقف على رجليه وقفة السبع! (ضابط الطبول
يحيي.)
مرجريت
:
وهذه النظرات الودودة يا ست الجارة! لم تعودينا على رؤيتها.
ماريا
(تغني)
:
كتائب العسكر،
أولئك الفتيان.
مرجريت
:
ما زالت عيناكِ تلمعان.
ماريا
:
ولو! اذهبي بعينيكِ إلى اليهودي ودعيه يمسحهما، فقد تلمعان أيضًا
وتبيعينهما مقابل زرارين.
مرجريت
:
ماذا؟ أنت يا عانس! أنا شريفة، أمَّا أنتِ فكل واحد يعرف من أنت! كل واحد
يكشفك ولو لبست سبعة سراويل من الجلد فوق بعض.
ماريا
:
يا فاجرة! (تغلق النافذة) تعال يا
صغيري نبتعد عن عيون الناس. ما أنت إلا ابن حرام مسكين، تفرح أمك بوجهك
المنحوس. ها! ها! (تغني):
يا فتاتي …
ضاقت الدنيا فماذا تصنعين؟
ويل أم مالها الدهر قرين
لي وليد ليس يدري من أبوه
أمه يعرفها أمَّا أبوه؟
لو قضيت الليل أشدو وأغني
ما حنا قلب عليه أو عليا
لا ولا امتدت يد تعطيه شيا
(طرق على الباب.)
ماريا
:
من؟ فرانز؟ ادخل!
فويسك
:
لا أستطيع، لا بد أن أذهب للقشلاق.
ماريا
:
هل قطعت الأعواد للضابط؟
فويسك
:
نعم يا ماريا.
ماريا
:
مالك يا فرانز؟ الارتباك يبدو عليك.
فويسك
(مأخوذًا كأنه يهمس بشيء)
:
ماريا، لقد عاد إلى الظهور من جديد. شيء رهيب لا اسم له. فجأة تصاعد دخان
من المراعي، كالدخان الذي يتصاعد من فرن؟
ماريا
:
يا رجل!
فويسك
:
ظل يتبعني إلى مشارف المدينة. شيء لا ندركه … لا نستطيع تصوُّره. شيء
يسلبنا العقل. ترى ماذا يكون؟ إلى أين يسوقني؟
ماريا
:
فرانز!
فويسك
:
لا بد أن أذهب للسجن اليوم مساء في القداس! لقد ادخرت شيئًا. (ينصرف.)
ماريا
:
الرجل مسته الأرواح. لم ينظر إلى طفله! ما زال غارقًا في أفكاره! لماذا
سكت يا صغيري؟ هل أنت خائف؟ الظلام يزحف، يكاد الإنسان يحسب نفسه أعمى،
وكان الصباح يرسل نوره هنا. لا أستطيع أن أحتمل هذا الظلام، إنني أرتعد!
(تنصرف.)
(أكشاك – أضواء – جمهور.)
(عجوز يُغنِّي وطفل يرقص على أنغام صندوق مما يحمله
المغنون الجوالون في الشوارع.)
هذه الدنيا زوال وفتون
كل ما كان وما سوف يكون
كتب الموت علينا أجمعين
ذاك ما نعلمه علم اليقين
فويسك
:
هاي! عجوز مسكين! طفل مسكين، طفل صغير! هموم وأعياد!
ماريا
:
عجبًا. إن كان الحمقى قد فقدوا عقولهم، فكلنا أحمق، عالم مضحك! عالم
جميل!
(يتجهان نحو الصائح في السوق.)
الصائح في السوق
(على أحد الأكشاك ومعه زوجته وقرد في ثياب
مزوقة)
:
سيداتي، سيداتي! انظروا إلى الخليقة كما أبدعها الله. لا شيء، لا شيء
بالمرة، تأمَّلوا الآن الفن، يسير منتصب القامة، عليه سترة وسروال، وفي يده
سيف! القرد عسكري، ليس هذا هو كل شيء … أدنى رجال النوع الإنساني! هوه!
انحنى للسادة، هكذا، أنت بارون قبلة للزبائن (يطبل) الصعلوك موسيقار موهوب!
سيداتي! سيداتي! أمامكم الحصان الفلكي وعصفور الكناري الصغير، كل ملوك
أوربا تحبهما.
يكشفان كل الأسرار: العمر، عدد الأطفال، نوع المرض، العرض
بدأ! بداية البداية في الحال!
فويسك
:
لك مزاج؟
ماريا
:
كما تحب. لا بد أنها حاجة حلوة. هذا الطرطور على رأس الرجل! والمرأة تلبس
سراويل! (يدخلان الكشك.)
ضابط الطبول
:
قف! ها ها! هل تراها؟ يا لها من حرمة!
الصف ضابط
:
يا إبليس! كأنها خُلقت لتهجين فصائل الفرسان!
ضابط الطبول
:
وتوليف ضباط الطبول!
الصف ضابط
:
انظر كيف تحمل رأسها بين كتفيها! يُخيَّلُ للإنسان أن الشعر الأسود لا بد
أن يشدَّها إلى الوراء كأنه حملٌ ثقيل، والعيون.
ضابط الطبول
:
كما لو كان الإنسان يطلُّ في ينبوع أو ينظر في مدخنة. هيا بنا،
وراءها!
(الكشك المنور من الداخل.)
ماريا
:
هذا النور كله!
فويسك
:
نعم، يا ماريا. قطط سوداء عيونها من نار، آه، يا لها من ليلة!
صاحب الكشك
(يستعرض حصانًا أمام الجمهور)
:
أظهر مواهبك! بين مفهوميتك الحيوانية! أخجل المجتمع البشري! سادتي! هذا
الحيوان الذي ترَوْنه أمامكم، بذيلِه وحوافرِه الأربعة، عضو في كافة
الجمعيات العلمية.
بروفسور في جامعتنا، على يديه يتعلم الطلبة ركوب الخيل والمبارزة. ذلك هو
العقل البسيط. فكر الآن بالعقل المزدوج! ماذا تفعل عندما تفكر بالعقل
المزدوج؟ هل بين أعضاء الجمعية العلمية التي نراها حمار؟ (البغل يهز رأسه) هل رأيتم الآن العقل
المزدوج؟ هذه فزيونوميا حيوانية.٤ أجل ليس هذا بهيميًّا غبيًّا، إنه شخص، إنسان، إنسان حيواني،
ومع ذلك فهو بهيم، حيوان متوحش (البغل يعرِّض
نفسه في خيلاء) هكذا أخجل الجميع. انظروا، إن البهيم طبيعة
بحتة، طبيعة غير مثالية تعلموا منه! اسألوا الطبيب، وإلا أصابكم ضرر بليغ.
كان يُقال: أيها الإنسان، كن على طبيعتك! لقد خُلقْت من طين، ورمل، ووسخ.
هل تطمع أن تكون أكثر من طين ورمل ووسخ؟ انظروا ما بلغه من العقل. إن في
إمكانه أن يحسب بدون أن يعد على أصابعه. لماذا؟ لأنه لا يستطيع أن يعبِّر
عن نفسه، أن يشرح خواطره، إنه إنسان ممسوخ. قل للسادة كم الساعة الآن؟ مَنْ
مِن السادة والسيدات لديه ساعة؟ ساعة؟
الصف ضابط
:
ساعة؟ (يخرج في زهو ساعة من جيبه) هاك
هي يا سيدي!
ماريا
:
لا بد أن أرى هذا (تشق طريقها إلى الصفوف
الأمامية، الصف ضابط يساعدها.)
ضابط الطبول
:
أمَّا حرمة!
غرفة ماريا
ماريا
(جالسة طفلها على حجرها ومرآة صغيرة في يدها)
:
والرجل الآخر أمره فاضطر أن يذهب! (تنظر في
المرآة) كم تلمع الأحجار! من أي نوع يا تُرى؟ ما الذي قاله؟
نم يا صغيري! أقفل عينيك. أقفلهما جَيِّدًا (الطفل يخفي عينيه بيديه) هل تغلقهما جَيِّدًا؟ ابق هكذا،
حذارِ أن تبكي، وإلا جاء وخطفك. (تغني):
يا فتاة …
أغلقي الشباك حتى لا يراك
أسمر العينين من أرض الغجر
فارس لو أبصره مقلتاك
لحظة أو قبلته شفتاك
ربما يطويكِ في لمح البصر
في ذراعيه إلى أرض الغجر!
٥
(تعيد التطلع في المرآة) لا شك أنه من
ذهب! هل يا ترى سيليق عليَّ في الرقص؟ آه من بختنا نحن المساكين كتب
للواحدة مِنَّا ركن صغير في هذا العالم، ومرآة صغيرة في اليد. مع أن لي
شفةً حمراء كنساء الذوات بمراياهن الكبيرة من شعرهن إلى القدم، ورجالهن
المرفهين الذين يقبلون أيديهن. ما أنا إلا امرأة مسكينة!
(الطفل يصحو من نومه) نم، نم يا
صغيري! أقفل عينيك! عفريت الليل. ها هو يمشي على الحائط وينظر بعينين من
زجاج، نم، وإلا بحلق فيك وخطف عينيك!
(فويسك يدخل ويقف وراءها بحيث لا تراه، ماريا تتحسَّس الحلق
بيدها.)
فويسك
:
ما هذا؟
ماريا
:
لا شيء.
فويسك
:
والذي يلمع تحت أصابعك؟
ماريا
:
حلق عثرت عليه.
فويسك
:
شيء كهذا لم أره في حياتي، اثنين مرة واحدة!
ماريا
:
ألست مثل كل الناس؟
فويسك
:
لا بأس يا ماريا. الطفل ينام! اجذبيه من تحت ذراعيه فالكرسي يضغط عليه.
قطرات تلمع فوق جبهته، تعب كل ما تحت الشمس، حتى في نومه يتصبَّب الإنسان
عرقًا. نحن المساكين! خذي يا ماريا، المرتَّب وشيءٌ من الضابط.
ماريا
:
ربنا يجازيك بالخير يا فرانز.
فويسك
:
لا بد أن أذهب الليلة يا ماري! الوداع!
ماريا
(وحدها، بعد برهة)
:
ما أنا في الحقيقة إلا إنسان سيئ. إني أكاد أقتل نفسي. آه من هذا العالم!
ليذهب الجميع إلى الشيطان رجالًا ونساءً!
عند الطبيب
فويسك – الدكتور
الدكتور
:
ماذا أسمع يا فويسك؟ هل هذه كلمة رجل؟
فويسك
:
ماذا حصل يا سيدي الدكتور؟
الدكتور
:
رأيت بعيني، بعيني يا فويسك وأنت تبول في الشارع، وأنت تبول على الحائط
كما يفعل الكلب، وكل يومٍ ثلاثة قروش والزاد! فويسك، هذا شيء بطال، العالم
يسوء كل يوم، يسوء للغاية!
فويسك
:
ولكن يا سيدي الدكتور، عندما تتحكَّم الطبيعة في الإنسان.
الدكتور
:
الطبيعة! الطبيعة! ألم أُثبت بما لا يقبل الشك أن العضلة القابضة
موسكولوس كونستركتور فيسكاي٦ خاضعةٌ لإرادة الإنسان؟ الطبيعة! فويسك! إن الإنسان كائنٌ حر.
في الإنسان تسمو الفردية إلى الحرية. وأنت لا تستطيع أن تتحكَّم في البول؟
(يهز رأسه. يعقد يديه خلف ظهره ويمشي في الحجرة ذهابًا
وإيابًا.)
هل أكلت البسلة يا فويسك؟ لا شيء غير البسلة، كروسيوفراي،٧ لاحظ هذا! ستكون ثورة في العلم. سأفجره في الهواء. بول عشرة في
المائة أمونيوم، هيروكسيدول، حامض هيدروكلوريك. فويسك، هل تحس أنك مزنوق؟
ادخل وجرب.
فويسك
:
لا أستطيع يا دكتور.
الدكتور
(منفعلًا)
:
أمَّا على الحانة فنعم! عندي الدليل المكتوب، والعقد في يدي! رأيت كل
شيء، بعيني هاتين، كنت أخرج أنفي من النافذة لتسقط عليها أشعة الشمس وأراقب
العطس (يتجه نحوه) لا يا فويسك، لست
غاضبًا. إن الغضب غير صحي، غير علمي. إنني هادئ، كل الهدوء، كالمعتاد،
وأقول لك هذا بمنتهى البرود. يا حفيظ، ومن يغضب نفسه من أجل إنسان، من أجل
إنسان! حتى لو كان بروتيوس٨ ويموت أمامه! ولكن يا فويسك لم يكن يصح أن تبول على
الحائط.
فويسك
:
انظر يا سيدي الدكتور، في بعض الأحيان يكون للواحد مِنَّا أخلاق، يكون له
طبع، أمَّا مع الطبيعة فالأمر يختلف. انظر، مع الطبيعة (يطقطق أصابعه) ماذا أقول يا ترى، على سبيل
المثال …
الدكتور
:
فويسك. رجعت للفلسفة.
فويسك
(في ود)
:
سيدي الدكتور، هل سمعت مرة عن الطبيعة المزدوجة؟
عندما تظهر الشمس في عز
الظهر، ويبدو العالم كأنه يحترق، أسمع صوتًا مخيفًا ينادي عليَّ.
الدكتور
:
فويسك، عندك خلل، أبيرراتسيو!٩
فويسك
(يضع أصبعه على أنفه)
:
الإسفنج، يا سيدي الدكتور، هناك، هناك تختبئ. هل لاحظت مرة أشكال الإسفنج
التي تثبت على الأرض؟ أين من يفهم هذا؟
الدكتور
:
فويسك! عندك أجمل حالة اختلال عقلي جزئي أبيرراتسيو منتاليس بارتياليس،١٠ النوع الثاني، واضح تمام الوضوح. فويسك. ستأخذ علاوة. النوع
الثاني. فكرة ثابتة مع حالة طبيعية بوجه عام. هل تؤدِّي أعمالَك كالمعتاد؟
هل تحلق للضابط؟
فويسك
:
نعم.
الدكتور
:
وتأكل البسلة؟
فويسك
:
بانتظام يا سيدي الدكتور، ومصاريف المعاش تأخذها زوجتي.
الدكتور
:
وتخدم في القشلاق؟
فويسك
:
نعم.
الدكتور
:
حالة مدهشة يا نفر فويسك، ستأخذ علاوة. اثبت، هات النبض، تمام …
حجرة ماريا
ماريا – ضابط الطبول
ضابط الطبول
:
ماريا!
ماريا
(وهي تنظر إليه بصوت معبر)
:
تمشي قدامي! الصدر صدر ثور والذقن ذقن سبع. وما له نظير … أنا أفتخر بك
أمام كل النسوان!
الضابط
:
عندما أعلق الريشة الكبيرة يوم الأحد وألبس القفاز الأبيض، رعدك باسمًا!
الأمير يقول دائمًا رجل ولا كل الرجال!
ماريا
(بتهكم)
:
أوه! (تقترب منه) رجل!
الضابط
:
وأنت المرأة! يا شياطين! تعالي نرمي بذرة ضابط الطبول! هوه؟ (يعانقها.)
ماريا
(في ضيق)
:
اتركني!
الضابط
:
يا وحش!
ماريا
(بحرارة)
:
لا تلمسني!
الضابط
:
هل ينط الشيطان من عينيك؟
ماريا
:
على رأيك! كله واحد!
شارع
(الضابط، الدكتور يهبط الشارع مُسرعًا يقف، ينحني، ثم يتلفت
حوله.)
الضابط
:
يا دكتور، لا تجر هكذا! لا تطوح بعصاك هكذا في الهواء! أنت تجري وراء
الموت … الرجل الطيب صاحب الضمير الطيب لا يمشي بهذه السرعة. الرجل الطيب
(يمسك بسترة الدكتور) سيدي الدكتور،
اسمح لي أن أنقذ حياة بني آدم!
الدكتور
:
مستعجل، يا حضرة الضابط، مستعجل!
الضابط
:
سيدي الدكتور، أنا دائمًا مغموم، عندي ميل للغم، كلما رأيت سترتي معلقة
على الحائط بكيت غصبًا عني.
الدكتور
:
ﻫ…م! أبخرة، سمنة، رقبة وارمة، تكوين أبو بلكتي.١١ نعم يا سيدي الضابط، ربما تُصاب بالنقطة أبوبلكسياسيربيري في
جنب واحد، وفي الجنب الثاني تُصاب بالشلل، أو على أحسن الفروض تُصاب بالشلل
العقلي وتعيش لتأكل فقط.
هذه تقريبًا هي حالتك المنتظرة في الأربعة أسابيع المقبلة! على فكرة
أستطيع أن أؤكِّد لك أن حالتك من أمتع الحالات، وإذا شاء الله وشل لسانك
شللًا جزئيًّا، فستكون هذه فرصة لعمل تجارب خالدة.
الضابط
:
يا سيدي الدكتور، لا تُدخل الرعب في قلبي! ياما ناس ماتت من الرعب، من
الرعب وحده. أنا أرى الناس في أيديهم ليمون ولكنهم سيقولون كان رجلًا
طيِّبًا، رجلًا طيِّبًا، شيطان! مسمار نعش!
الدكتور
(ينزع قبعته من على رأسه)
:
ما هذا، يا حضرة الضابط، هذه رأسه خاوية يا حضرة السيد النفر
المحترم!
الضابط
(مقطبًا)
:
يا حضرة الدكتور؟ هذا عبط، هذه سذاجة، يا عزيزي السيد مسمار النعش! هأ هأ
هأ! لكن لا بأس! أنا رجل طيب ولكني أستطيع أيضًا، إذا أردت يا دكتور، هأ هأ
هأ إذا أردت (يظهر فويسك ويريد أن يمر
مسرعًا) هيه! فويسك، ماذا يجعلك تمرق من جنبنا بهذه السرعة؟
انتظر يا فويسك! إنه يمشي في الدنيا كموس الحلاقة. كل من يقابله يجرحه وكأن
وراءه فرقة مخصيين تحتاج الحلاقة، أو كأنهم سيشنقونه لو ترك شعرهم من غير
حلاقة. لكن الذقون الطويلة، ماذا كنت أريد أن أقول؟ فويسك، الذقون
الطويلة.
الدكتور
:
ذقن طويلة تحت الفك. بلينيوس١٢ تكلم عنها ومن رأيه أن نعلم العساكر كيف يقلعون عن هذه
العادة.
الضابط
(يستمر في حديثه)
:
ها؟ على الذقون الطويلة! قل لي يا فويسك! ألم تجد شعرة ذقن في طبقك، هه،
أنت طبعًا فاهم؟ شعرة ذقن رجالي؟ صاحبها نفر ضابط طبول. هيه، ولكن زوجتك
شريفة، بخلاف الناس كلهم.
فويسك
:
نعم، ماذا تريد أن تقول يا حضرة الضابط؟
الضابط
:
ولِمَ هذه التكشيرة؟ ربما لم تجدها في الشربة، ولكن لو استعجلت ورحت على
الناصية ربما تجد شعرة عالقة بشفتين … شفتين … يا فويسك! أنا أيضًا شعرت
بالحب، يا فويسك ولد! أنت أصبحت في لون الطباشير!
فويسك
:
سيدي الضابط. أنا شيطان مسكين، لا أملك من الدنيا أي شيء. سيدي الضابط،
إن كنت تمزح …
الضابط
:
أمزح؟ أنا أمزح معك يا ولد؟
الدكتور
:
النبض، يا فويسك، النبض! بسيط، قوي، منتفض، غير منتظم.
فويسك
:
يا سيدي الضابط. الأرض مثل جهنم الحمراء، وأنا جسمي ثلج، ثلج، جهنم برد،
هل تراهن؟ مستحيل، يا عالم! يا ناس! مستحيل!
الضابط
:
ولد! يعني أخبطك رصاصتين في نافوخك؟! تسلط عينيك تطعنني كالسكاكين، وأنا
قصدي طيب معك، لأنك رجل طيب، يا فويسك رجل طيب.
الدكتور
:
عضلات الوجه متحجرة، متوترة، تنتقض. الحالة متهيجة، ومتوترة.
فويسك
:
أنا ماشي، كل شيء جائز، الإنسان، كل شيء جائز، الجو جميل اليوم يا سيدي
الضابط، انظر، مثل هذه السماء الجميلة، الثابتة، الداكنة، يكاد الإنسان يجد
متعة في أن يدق فيها لوح خشب ويشنق نفسه منه، لولا الفكرة التي تفصل بين
نعم ونعم وبين لا ولا. سيدي الضابط، نعم ولا؟ هل اللامذنبة في حق النعم أم
النعم في حق اللا؟ أريد أن أفكر في هذا.
(ينصرف بخطوات واسعة بطيئة في أول الأمر، ثم تزدد سرعة
بالتدريج.)
الدكتور
(يندفع وراءه)
:
ظاهرة! فويسك! لك علاوة!
الضابط
:
سأدوخ من منظر هذا البني آدم. ما أسرعه! اللئيم المكار. رجله الطويلة
تهرول كما لو كان ظل رجل عنكبوت، والرجل الصغيرة ترتعش. الطويلة هي البرق
والقصيرة الرعد. ها ها! مسخرة! مسخرة!
حجرة ماريا
ماريا – فويسك
فويسك
(ينظر إليها في جمود ويهز رأسه)
:
هم! لا أرى شيئًا، لا أرى شيئًا آه. لا بد للإنسان أن يراه، أن يتمكَّن
من القبض عليه بكلتا يديه!
ماريا
(خائفة)
:
ما لك يا فرانز؟ أنت تهذي يا فرانز.
فويسك
:
خطيئة، بهذا السمك وبهذا العرض، رائحتها العفنة تفوح منها، بحيث يستطيع
الإنسان أن يبخر الملائكة على رائحتها إلى السماء! فمك أحمر يا ماريا. أليس
عليه أثر رمال؟ ماذا يا ماريا؟ أنت حلوة كالخطيئة، هل تستطيع الفاحشة أن
تكون بهذا الجمال؟
ماريا
:
فرانز، أنت تتكلم كالمحموم!
فويسك
:
يا إبليس! هل كان يقف هناك؟ هكذا؟ هكذا؟
ماريا
:
لما كان النهار طويلًا والعالم قديمًا، ففي إمكان الكثيرين أن يقفوا في
مكان واحد، واحدًا بعد الآخر.
فويسك
:
لقد رأيته.
ماريا
:
في استطاعة الإنسان أن يرى الكثير ما دامت له عينان وليس أعمى والشمس
طالعة.
فويسك
:
يا عالم! (يتقدَّم نحوها.)
ماريا
:
لا تلمسني يا فرانز! طعنة السكين في جسدي أحب إليَّ من لمسة يديك. إن أبي
لم يجسر في حياته على ضربي وعندي من العمر عشر سنوات، عندما كنت أنظر
إليه.
فويسك
:
يا امرأة! لا! لا بد أن فيكِ شيئًا! كل إنسان هاوية سحيقة. يصيبنا الدوار
حين نتطلَّع إليها. ليكن! إنها تسير كما لو كانت هي البراءة نفسها. ولكن
لك، أيتها البراءة، علامة تدلُّ عليك … هل أعرفها؟ هل أعرفها؟ من الذي
يعرفها؟! (ينصرف.)
غرفة الحراسة
فويسك – أندريس
أندريس
(يغني)
:
ست البيت الجارة
عندها خدامة شاطرة
قاعدة في الجنينة
ليلها ويا نهارها
فويسك
:
أندريس.
أندريس
:
هه؟
فويسك
:
الجو جميل.
أندريس
:
جو يوم الأحد، الموسيقى على باب البلد، من مدة خرجت النسوان، الناس طالع
منها البخار، شيء عظيم!
فويسك
:
رقص يا أندريس، إنهم يرقصون!
أندريس
:
في الوحل وفي النجوم.
فويسك
:
رقص! رقص.
أندريس
:
على كيفهم (يغني):
قاعدة في الجنينة
لغاية لما الساعة
تدق تناشر دقة
فويسك
:
أندريس، أعصابي في دوامة.
أندريس
:
مغفل.
فويسك
:
لا بد أن أخرج، الدنيا تلف أمام عيني. رقص، رقص، هل ستصبح يداها دافئتين؟
أندريس! لعنة الله عليها!
أندريس
:
ماذا تريد؟
فويسك
:
لا بد أن أذهب، لا بد أن أراها.
أندريس
:
يا مهووس! كل هذا من أجل هذا المخلوق؟
فويسك
:
لا بد أن أخرج … الحر يخنقني هنا.
ملهى
(النوافذ مفتوحة، أرائك أمام الملهى، صبية من عمال الحرف
اليدوية.)
الصبي الأول
(يغني)
:
شايل قميص على جتتي
بس القميص مش من نصيبي
نفسي أدوق طعم النبيت
وأشرب كاسين من إيد حبيبي
١٥
الصبي الثاني
:
أخي، هل تحب أن أشقَّ لك خرمًا في الطبيعة، لأجل خاطر صداقتنا؟ إلى
الأمام! أريد أن أخرم خرمًا في الطبيعة! أنا أيضًا شهم كما نعرف! أريد أن
أفعص كل البراغيث على جسدك!
الصبي الأول
:
روحي، روحي تفوح برائحة الخمر، حتى المال يفسد! يا وردة لا تنسني، ما
أجمل هذا العالم! أريد أن أملأ برميلًا لآخره بالكآبة والنواح حتى يطفح،
تمنيت لو كان أنفانا زجاجتين، واستطعنا أن يصب كل واحد مِنَّا في رقبة
الآخر.
آخرون
(يغنون غناء الجوقة)
:
صياد من أرض الفالس
راح يصطاد جوه الغابة
والغابة كانت خضرة
هاللو؟ هاللو؟ ياما أحلى الصيد
ما أحلاه، عالمرعى الخضرا
١٦
ما أحلاه ما أحلاه! فرحتي وهناية!
(فويسك يقف أمام النافذة، ماريا وضابط الطبول يمرَّان عليه
وهما يرقصان متعانقين، دون أن يلحظاه.)
ماريا
(وهي تعبر راقصة)
:
ضمني بشدة، بشدة.
فويسك
(يختنق)
:
بشدة، بشدة! (ينهض في هياج ثم يسقط على
الأريكة) بشدة، بشدة! (يشبك
يديه) لفوا! دوروا! لماذا لا ينفخ الله في الشمس فيطفئها حتى
يتمرَّغ الجميع في الفاحشة، رجالًا ونساءً، آدميين وبهائم … افعلوها في وضح
النهار، الدغوا الناس في أيديهم كما تفعل البعوض! النسوان! النسوان ساخنة،
ساخنة! بشدة، بشدة! (في هياج) الجدع،
منظره وهو يطوقها، يضم جسدها! إنها الآن ملكه، كما كانت ملكي في البداية.
(ينهار فاقد الوعي.)
الصبي الأول
(يلقي عظةً من فوق المائدة)
:
ومع ذلك، فعندما يقف عابر متجول ويستند إلى نهر الزمان أو يستنجد بالحكمة
الإلهية ويخاطب نفسه قائلًا: لِمَ كان الإنسان؟ لِمَ وُجد الإنسان؟ الحق
أقول لكم: من أي شيء كان يحيا الفلاح والنقاش والطبيب لو لم يخلق الله
الإنسان؟ من أي شيء كان يحيا الترزي، لو لم يفطر الله الإنسان على الخجل
والحياء، ومن أي شيء كان يحيا الجندي لو لم يزوده بالحاجة إلى قتل نفسه؟ من
أجل هذا لا ترتابوا. أجل، أجل، إنه لشيء جميل ورائع، ولكن كل ما على الأرض
شر، حتى المال يُفسد ويزول. وفي الختام، يا مستمعي الأعزاء، دعونا نتبول
على الطبيب، لكي يموت يهودي.
(يستيقظ فويسك على أصوات الهتاف ويسرع بالانصراف.)
حقل في الخلاء
فويسك
:
بشدة! بشدة! هش، هاش، تلك أصوات الكمنجات والصفافير. بشدة! بشدة! سكوت!
موسيقى! ما الذي يتكلم تحت الأرض؟ (يتمدَّد على
الأرض) ها! ماذا، ماذا تقولين؟ ارفعوا أصواتكم! ارفعوا
أصواتكم! اقتل! اقتل! المعزة! اقتل! اقتل! المعزة! هل ينبغي عليَّ؟ هل يجب
عليَّ؟ هل أسمع الصوت هناك أيضًا؟ أتقولها الريح كذلك؟ هل أسمعها تقول
بشدة، بشدة، اقتل، اقتل!
حجرة القشلاق
(ليل، فويسك، وأندريس في سرير واحد.)
فويسك
(هامسًا)
:
أندريس!
(أندريس يكلم نفسه وهو نائم.)
فويسك
(يهز أندريس)
:
ما، أندريس! أندريس!
أندريس
:
هه؟ ماذا؟
فويسك
:
لا أستطيع أن أنام! كلما أغمضت عيني، رأيت كل شيء يلف أمامي وسمعت أصوات
الكمان، بشدة، ثم أسمع صوتًا يتكلم من الحائط. ألا تسمع شيئًا؟
أندريس
:
نعم، دعهم يرقصون. أنا تعبان، ليحفظنا الله، آمين.
فويسك
:
الصوت لا يزال يقول: اقتل! اقتل! ويندس بين عيني كالسكين.
أندريس
:
ثم يا مغفل. (يعود للنوم.)
فويسك
:
بشدة! بشدة!
فناء في بيت الطبيب
(طلبة مع فويسك في الفناء، الطبيب يطل عليهم من نافذة في أعلى
السطح.)
الدكتور
:
سادتي، أنا أقف على السطح مثل داود، عندما رأى باتسيبا.١٧ ولكني لا أرى غير كيلوتات فرنسية منشورة في بنسيون البنات
تجففها الشمس في الحديقة. سادتي، لقد وصلنا إلى المسألة الهامة عن علاقة
الذات بالموضوع. لو أننا أخذنا شيئًا من بين الأشياء التي يتجلَّى فيها
التأكيد الذاتي العضوي للألوهية على مثل هذا المستوى الرفيع، وبحثْنا عن
العلاقات التي تربطها بالمكان، والأرض، والأفلاك، سادتي، لو قذفت بهذه
القطة من النافذة، فكيف يكون سلوك هذا الكائن بالنسبة لمركز الجاذبية،
سنتروم جرافيتاسيونس، تبعًا لغريزتها الخاصة بها؟ هه، فويسك (يزعق) فويسك!
فويسك
(يلتقط القطة)
:
سيدي الدكتور، القطة تعض!
الدكتور
:
ولد، أنت تمسك الحيوان بحنان كما لو كان ستك الكبيرة. (ينزل إلى الفناء.)
فويسك
:
سيدي الدكتور، عندي رعشة.
الدكتور
(بفرح عظيم)
:
آي، آي! عظيم، يا فويسك! عظيم! (يمسح يديه في
بعضهما ويتناول القطة) ماذا أرى، سادتي، النوع الجديد من قمل
الأرانب، نوع جميل … (يخرج زجاجة من جيبه، تفلت
القطة منه) سادتي، ليست لدى القطة أي غريزة علمية. نستطيع أن
نرى شيئًا آخر. انظروا، هذا البني آدم، من ربع سنة وهو لا يأكل إلا البسلة،
لاحظوا تأثيرها عليه، تحسسوا بأنفسكم النبض المضطرب! النبض
والعينين!
فويسك
:
سيدي الدكتور، الدنيا تسودُّ في عيني. (يجلس.)
الدكتور
:
تشجع يا فويسك، كلها يومان ثم ينتهي كل شيء … تحسَّسوا يا سادة،
تحسَّسوا! (يتحسَّسون سوالفه ونبضه
وصدره) بالمناسبة يا فويسك، حرِّك أذنيك أمام حضرات السادة!
كان في نيتي أن أفرجكم عليها، فعنده عضلتان تتحركان. هيا!١٨ إلى العمل!
فويسك
:
آخ يا سيدي الدكتور.
الدكتور
:
يا حيوان، هل عليَّ أن أحرك أذنيك بنفسي، هل تريد أن تتشبَّه بالقطة،
هكذا يا حضرات السادة! هذه مرحلة انتقال للحمار، وهي في الغالب نتيجة
التربية الأنثوية ولغة الأم. كم شعرة جذبتها أمك من رأسك للذكرى وبدافع
الحنان؟ لقد خف شعرك كثيرًا في الأيام الأخيرة. حضرات السادة، كل هذا
بتأثير البسلة!
ساحة في القشلاق
فويسك
:
ألم تسمع شيئًا؟
أندريس
:
إنه هناك مع أحد زملائه.
فويسك
:
هل قال شيئًا؟
أندريس
:
وكيف عرفت؟ ماذا أقول؟ طيب. لقد ضحك، ثم قال: امرأة لذيذة لها أفخاذ
دافئة وكل شيء فيها دافئ!
فويسك
(ببرود شديد)
:
هل قال هذا؟ ماذا رأيت الليلة في المنام؟ ألم أحلم بسكين؟ يا لها من
أحلام حمقاء!
أندريس
:
إلى أين يا صاحبي؟
فويسك
:
احضر خمرة لحضرة الضابط، ولكن يا أندريس، كانت مع ذلك فتاة لا نظير
لها.
أندريس
:
من؟
فويسك
:
لا شيء. إلى اللقاء؟ (ينصرف.)
ضابط الطبول – فويسك – ناس
ضابط الطبول
:
أنا رجل (يضرب بيديه على صدره) أنا
قلتها كلمة، رجل! هل فتح أحد فمه؟ هل يحب أن يتعرَّض لي؟ من لا يشرب شرب
الآلهة، فليبتعد عن سكَّتي وإلا حشرتُ أنفه في خرمه! أريد (لفويسك) أنت يا جدع، اشرب! نفسي العالم كله
يصبح خمرة، خمرة! الرجل لا بد أن يشرب! (فويسك
يصفر) ولد، هل أشد لسانك من رقبتك وألفه حول جثتك؟ (يتصارعان، فويسك يخسر) هل أكتم على نفسك
حتى تصيح مثل نساء العجوز؟ أعملها؟ (فويسك يلقي
بجسده في إعياء على إحدى الأرائك وهو يرتعد)
كان لازم الولد يشرب طينة ويصفر! (يغني):
واحدة
:
سمنته فيه!
أخرى
:
دمه ينزف!
فويسك
:
واحد بعد الثاني.
دكان
فويسك – اليهودي
فويسك
:
المسدس غالي جِدًّا.
اليهودي
:
ستشتري أو لا؟ ما هي الحكاية؟
فويسك
:
وثمن السكين؟
اليهودي
:
السكين مسنونة تمامًا. هل تحب حضرتك أن تقطعَ بها رقبة حضرتك؟ هه، ما
رأيك أنا أعطيها لحضرتك بثمن مرتاح، مثلك مثل غيرك. من حقِّك أن تموت ميتة
مرتاحة، لكن ليس من حقك أن تموت مجانًا. ما رأيك؟ أنا سأخدمك لتموت ميتة
اقتصادية.
فويسك
:
تقطع أكثر من العيش؟
اليهودي
:
قرشين.
فويسك
:
خذ! (ينصرف.)
اليهودي
:
خذ! كأن الفلوس تراب! مع أنها فلوس! أمَّا كلب صحيح!
حجرة ماريا
(العبيط راقدًا يحكي حكاية على أطراف أصابعه.)
العبيط
:
على رأسه تاج ذهبي، الملك العظيم … في الصباح أحضر للست الملكة طفلها.
سجق الدم يقول: تعال يا سجق الكبد …
ماريا
(تتصفَّح الكتاب المقدس)
:
«ولم يخرج الغش من فمه.» إلهي، إلهي! لا تنظر إليَّ (تقلب في صفحات الكتاب المقدس) ولكن الفريسيين٢٠ أحضروا إليه امرأة زانية ووضعوها في الوسط. أمَّا يسوع فقال:
أنتِ أيضًا لا ألعنك، اذهبي ولا ترتكبي الخطيئة بعد الآن. (تعض يديها) إلهي! إلهي! لا أستطيع! إلهي،
أعطني أن أقدر على الصلاة. الطفل (يقترب
منها) الطفل يطعنني في قلبي. (للعبيط) كارل! إنه يتمطع في الشمس. (العبيط يتناول الطفل من يديها ويسكت) فرانز
لم يحضر، لا أمس، ولا اليوم. الحر يزداد هنا. (تغلق النافذة وتواصل القراءة) وركعت عند قدميه وبكت، وشرعت
تبلِّل قدميه بالدموع وبشعر رأسها تجففهما، وقبلت قدميه ودهنتهما بالمسك
(تضرب صدرها بكفها) كل شيء ميت!
أيها المخلص! أيها المخلص! أريد أن أدهن قدميك بالمسك.
قشلاق
أندريس – فويسك يقلب في أشيائه
فويسك
:
أندريس، الصديري يحتاج للتصليح. ربما تحتاج إليه يا أندريس.
أندريس
(في جمود يوافق على كل ما يقول)
:
نعم.
فويسك
:
الصليب لأختي والخاتم الصغير.
أندريس
:
نعم …
فويسك
:
معي كذلك صورة قديس، قلبان وذهب جميل. كان في إنجيل أمي، مكتوب
عليه:
مولاي، يا أيها المخلص الشهيد.
واسمح لقلبي أن يكون مثل جسمك الجريح.
أمي لا تشعر الآن بأي شيء، إلا إذا لمعت الشمس على يديها، لا بأس.
أندريس
:
نعم …
فويسك
(يُبرز ورقة)
:
فريدريش يوهان فرانز فويسك، عسكري نفر ببندقية في الكتيبة الثانية،
السرية الثانية، الفصيلة الرابعة، مولود في عشرين يوليو، الموافق بشارة
مريم، عمري اليوم ثلاثون، وسبعة أشهر، واثنا عشر يومًا.
أندريس
:
فرانز! أحسن لك تدخل المستشفى يا مسكين، لا بد أن تشرب كونياك مخلوطًا
بمسحوق البارود ليقتل الحمى.
فويسك
:
نعم، يا أندريس، لما النجار يجر الفارة على خشب التابوت، لا يدري أحد من
الذي سيسند رأسه عليه.
شارع
(ماريا ومعها بنات صغيرات أمام باب الدار، بعد فترة يحضر
فويسك.)
البنات
:
الشمس تبدو كاللهب،
والقمح يزهو كالذهب،
في يوم تتويج المسيح
ذهبوا للمرعى
اثنين اثنين …
الناي أمامًا،
في الخلف كمنجة.
ما أحلى السير
بحذاء أحمر!
الطفل الأول
:
سخيفة!
الطفل الثاني
:
أنت دائمًا طماع!
الطفل الأول
:
غني لنا أنت!
ماريا
:
لا أستطيع.
الطفل الأول
:
لماذا؟
ماريا
:
لأني لا أعرف.
الطفل الأول
:
ولماذا لا تعرفين؟
الطفل الثالث
:
ستي احكي لنا حكاية!
الجدة
:
تعالوا يا براغيث. كان يا ما كان طفل مسكين غلبان، لا له أب ولا أم، كان
كل شيء ميت، ولا كان فيه على وجه الأرض إنسان، كل شيء كان ميت، وراح الطفل
يبحث ليل مع نهار. ما كان فيه أحد على الأرض، أحب يطلع للسماء، والقمر نظر
إليه نظرة حنان، ولما وصل القمر وجده قطعة خشب فسدان، تركه وراح للشمس،
ولما وصل للشمس لقاها عباد شمس دبلان، ولما راح للنجوم، لقاها ناموس صغير
مذهب، كانت كمثل الخناق٢١ المنور، ولما أحب يرجع للأرض، كانت الأرض مينا مهدمة مقلوبة،
وكان وحيد، وحيد في الدنيا كلها. قعد على الأرض وبكى، وما زال قاعد لليوم،
قاعد وحده يبكي.
فويسك
:
ماريا!
ماريا
(مفزوعة)
:
هيه؟!
فويسك
:
هيا نذهب. آن الأوان.
ماريا
:
إلى أين؟
فويسك
:
وهل أعرف؟
طرف الغابة، عند المستنقع
ماريا – فويسك
ماريا
:
إذن فهناك تقع المدينة، الدنيا عتمة.
فويسك
:
ابقي لحظة، تعالي، اجلسي!
ماريا
:
ولكن لا بد أن أذهب.
فويسك
:
لن تجرحي قدميك من المشي.
ماريا
:
ما أغرب حالك!
فويسك
:
ماريا. هل تعرفين كم مضى على زواجنا؟
ماريا
:
في عيد الفصح سنتان.
فويسك
:
وهل تعرفين أيضًا، كم بقيَ لنا؟
ماريا
:
لا بد أن أذهب؛ لأحضر العشاء.
فويسك
:
هل تشعرين بالبرد، يا ماريا؟ ومع ذلك فأنت دافئة، ما أدفأ شفتك! دافئة،
أنفاسك دافئة كأنفاس البغايا! ومع ذلك أتمنى من السماء أن أقبِّلها مرة
واحدة. هل تشعرين بالبرد؟ حين يكون الإنسان باردًا، لا يتأثَّر بالبرد … لن
تبردي من ندى الصباح.
ماريا
:
ماذا تقول؟
فويسك
:
لا شيء … (صمت.)
ماريا
:
ما أشد احمرار القمر وهو يبزغ!
فويسك
:
مثل حديدة ملطخة بالدم.
ماريا
:
ماذا تريد؟ فرانز، وجهك شاحب. (يرفع يده
بالسكين) فرانز، قف! بحق السماء، النجدة! النجدة!
فويسك!
فويسك
(يطعنها)
:
خذي هذه، وهذه! ألا يمكنك أن تموتي! هكذا، هكذا، ها! ما زالت تنتفض، لم
تموتي بعد؟ لم تموتي بعد؟ ما زالت فيك بقية (يوالي طعناته) هل مت الآن؟ ماتت! ماتت! (تسقط السكين من يده وينصرف مسرعًا.)
الملهى
فويسك
:
ارقصوا جميعًا، بشدة! بشدة! تصببوا عرقًا، لتَفُحْ منكم الروائح العفنة!
سوف يأخذكم جميعًا، في يوم من الأيام! (يغني):
يا حبيبتي يا بنتي،
ناوية على إيه؟
حبيتي العربجية
(يرقص) كيته! اقعدي! أنا حران، حران!
(يخلع سترته) هذا حال الدنيا. واحدة
يأخذها عزرائيل والثانية يتركها على رجليها. كيته! أنت دافئة، لماذا إذًا؟
كيته، أنت أيضًا ستصبحين باردة، كوني عاقلة، ألا تستطيعين أن تغني؟
كيته
(تغني)
:
الهدمة إن طالت
أنا مالبسهاشي،
وبلاد شقاين
أنا ما أروحهاشي،
والجزمة السودة
أنا ما أقبلهاشي،
دي حاجات ما تليقشي
بالخدامين!
فويسك
:
لأ! من غير حذاء، الإنسان يقدر يروح جهنم حافي القدمين!
كيته
(تغني)
:
يا حبيبي ده عيب
ما يصحش منك،
لأ خلي فلوسك
فويسك
:
نعم، صحيح، لا أريد أن أوسخ نفسي بالدم.
كيته
:
لكن ما هذه البقع على يدك؟!
فويسك
:
أنا؟ أنا؟
كيته
:
أحمر! دم! (يتجمع الناس
حولها.)
فويسك
:
دم؟ دم؟
صاحب الملهى
:
آخ! دم.
فويسك
:
يظهر أنني قطعت أصبعي، هنا في اليد اليمنى.
صاحب الملهى
:
ولكن كيف وصل الدم إلى كوعك؟
فويسك
:
كنت أمسحه من عليها.
صاحب الملهى
:
ماذا؟ تمسح كوعك الأيمن بيدك اليمنى؟ شاطر!
العبيط
:
عند ذلك قال العملاق: أنا أشم، أنا أشم رائحة لحم بشر، أف! الرائحة
فاحت!
فويسك
:
يا جن يا أبالسة! اللعنة عليكم! ماذا تريدون؟ ماذا يهمكم! أفسحوا الطريق
وإلا فإن أول واحد فيكم … اللعنة عليكم! أتريدون أن تتهموني بالقتل؟ هل أنا
قاتل؟ لماذا تبحلقون فيَّ؟ انظروا إلى أنفسكم؟ أفسحوا المكان! (يفر.)
عند المستنقع
فويسك وحده
فويسك
:
السكين؟ أين السكين؟ تركتها هنا. سوف تفضحني! اقترب! اقترب! أي مكان هذا؟
ماذا أسمع؟ شيء يتحرك. في هذه الناحية. ماريا؟ ها ماريا؟ سكون. كل شيء
ساكن! ما هذا الشحوب على وجهك؟ ماريا! ما هذا الرباط الأحمر حول رقبتك؟ من
الذي أخذت منه العقد ثمنًا لخطاياك؟ اسودَّ وجهكِ منها، اسودَّ وجهك! هل
أنا السبب في هذا الشحوب؟ لماذا تناثر شعرك؟ ألم تضفري خصلاتك اليوم؟
السكين، السكين! هل عثرت عليها؟ ها هي! (ينحني
إلى الماء) هكذا، اسقطي في القاع! (يُلقي بالسكين في الماء) إنها تغوص كالحجر في الماء العكر.
(يغوص في المستنقع ويقذف السكين
بعيدًا) هكذا، الآن، ولكن في الصيف حين يغطسون بحثًا عن
القواقع؟ آه، سوف تصدأ. وأين من يستطيع التعرف عليها؟ لو كنت كسرتها! هل ما
زال الدم عليَّ؟ لا بد أن أغتسل، هذه بقعة، وهذه بقعة أخرى. (تأتي جماعة من الناس.)
الأول
:
قف عندك!
الثاني
:
هل تسمع؟ سكوت! هناك!
الأول
:
آه هناك! ما هذا الصوت!
الثاني
:
هو صوت الماء، إنه ينادي، من مدة طويلة لم يغرق أحد، فلنذهب! خيرٌ لنا
ألا نسمعه.
الأول
:
آه! عاد الصوت! كما لو كان صوت إنسان يموت.
الثاني
:
فظيع! قاتم، معتم بلون الضباب وأزيز الخنافس مثل صوت الأجراس المحطمة.
لنهرب بأنفسنا …
الأول
:
لا، إنه صوت واضح مرتفع! هناك، تعال معي! …
(ينصرفان.)