الفصل الثالث

الهجرات السامية من الجزيرة العربية

بين النظريات القديمة والوقائع التاريخية

ظهر مصطلح السامية في أواخر القرن الثامن عشر على يد اللاهوتي النمساوي شلوتزر، وسرعان ما تم تبنيه من قِبَل معظم الباحثين في لغات وحضارات المشرق العربي القديم. ويتضمن هذا المصطلح في صيغته الأصلية، وفي تطويراته اللاحقة، أن لغات حضارات منطقة الهلال الخصيب هي فروع من لغة أم هي اللغة السامية الأصلية، وأن مهد هذه اللغة هو شبه الجزيرة العربية، وقد انتشرت اللغة السامية إلى وادي الرافدَين وإلى سورية عن طريق تحركات بشرية واسعة حملت العنصر السامي واللغة السامية خارج شبه الجزيرة العربية، دُعيَت بالهجرات السامية الكبرى. وبعد صياغة هذه النظرية ساعد فك رموز الكتابة المسمارية على تدعيمها وتأييدها، ذلك أن دراسة ومقارنة اللغات الأكادية والكنعانية والعربية والعبرية، قد أظهرت مدى تقاربها في صِيغ الاشتقاق والصرف؛ فهذه اللغات تشترك في معظم جذور الأفعال، وتقوم على الاشتقاق من الفعل الثلاثي الأحرف، وتتشابه فيها صِيَغ الصرف، إضافة إلى تشابه الضمائر وعدد هائل من المفردات.

أما عن تاريخ هذه الهجرات وأسماء الجماعات التي حملتها؛ فإن أصحاب النظرية يرَون أن النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد قد شهد خروج ثلاث موجات بشرية من الجزيرة العربية، اثنتان منها باتجاه وادي الرافدَين؛ وهما الموجة الأكادية التي استقرت في المنطقة الجنوبية، وتمازجت مع العناصر السومرية هناك، والموجة الآشورية التي استقرت في المناطق الشمالية، أما الموجة الثالثة وهي الكنعانية فقد استقرت في مناطق بلاد الشام منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد. وفي أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، خرجت الهجرة الآمورية التي استقرت في بادية الشام، ومن هناك انقسمت فرعَين؛ فرع واصل طريقه نحو وادي الرافدَين وأسس الدولة البابلية القديمة، وفرع استقر في مناطق حوض الفرات والخابور ومناطق سورية الداخلية وشكَّل الممالك الآمورية التي ازدهرت في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. وفي أواخر الألف الثاني قبل الميلاد انتشرت الموجة الآرامية في بلاد الشام، ورحل الفرع الكلداني منهم إلى وادي الرافدَين خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، وأسس الدولة البابلية الحديثة هناك.

على الرغم من أن مقولات نظرية الهجرات السامية قد غدت قديمة وبالية، وأن الباحثين الغربيين يستخدمونها بكل حذرٍ علمي؛ فإن هذه النظرية بقيت مسيطرة على البحث التاريخي في مشرقنا العربي، وارتقت إلى مقام الحقيقة والواقعة التاريخية، وبعد النقد الذي وجَّهه عدد من الباحثين العرب إلى مصطلح السامية باعتباره مصطلحًا يقوم على مفاهيم توراتية، عمد المتمسِّكون بنظرية الهجرات السامية إلى تغيير التسمية، وتحوَّلت الهجرات السامية إلى هجرات عربية، وظهرت نظرية عرجاء لا تقوم على أساس علمي دُعيَت نظرية الهجرات العربية من شبه الجزيرة العربية؛ فصار الأكاديون يُدعَون بالعرب الأكاديين والكنعانيون بالعرب الكنعانيين … إلخ، ووصل البحث التاريخي العربي إلى حالة من التشوش لم يستطع معها تطوير نظرية الهجرات العربية من داخلها وإعطائها الشكل العلمي، أو الانفتاح على مستجدات البحث التاريخي والآثاري الحديث.

في هذه الدراسة المختصَرة سوف أحاول فتح نافذة في هذا الطريق المسدود الذي وصل إليه البحث التاريخي العربي، من خلال فهم وتقييم مستجدات علم التاريخ وعلم الآثار، مقدمًا عددًا من الأفكار التي تبقى مفتوحة على النقاش العلمي البنَّاء.

إن المنهج الذي استخدمته في دراسة مسألة الهجرات السامية هو دراسة كل ثقافة من ثقافات المنطقة على حِدة، والتفتيش عن أصولها وعلاقاتها مع الثقافات الأخرى، ابتداءً من أقدم نقطة في الزمن يمكن للوثائق الأركيولوجية أو الكتابية إعطاؤنا معلومات وافية عنها، وذلك من أجل رصد كل التغيُّرات الثقافية والديموجرافية والسياسية ذات الصلة بموضوع الهجرات السامية. ولكن بما أن الحيز الذي رسمته لهذه الدراسة لا يسمح بتقديم مثل هذا العرض الشامل؛ فإني سأكتفي بتقديم نموذج عن مقاربتي للموضوع، من خلال مناقشة ما يُدعى بالهجرة الأكادية، وذلك بعد مقدمة لا بد منها عن مسرح الهجرات السامية، والثقافات التي تعاقبت عليه قبل التاريخ المفترض لأولى الهجرات السامية.

(١) مسرح الحدث

(١-١) الهلال الخصيب قبل الهجرات المفترضة

في استقصائنا لتاريخ الحضارة في منطقة الهلال الخصيب قبل الهجرات السامية المفترضة، يمكن لنا أن نبدأ من أية نقطة في الزمن الأقدم صعودًا إلى عصر الإنسان النياندرتالي المشرقي الذي عاش هنا قبل حوالي سبعين ألف سنة، أو نتجاوزه إلى أبعد من ذلك. إلا أن نقطة البداية المنطقية بالنسبة لبحثنا لن تتجاوز أواسط الألف التاسع قبل الميلاد، وهو التاريخ التقريبي لاستهلال العصر النيوليتي، (= العصر الحجري الحديث). فمنذ ذلك التاريخ سارت الثقافة الإنسانية في اطرادٍ وتتابُعٍ لا فجوات فيه ولا انقطاع وصولًا إلى العصور الحديثة.

يبدأ تاريخ الحضارة التي تسود العالم اليوم مع ابتداء العصر النيوليتي نحو عام ٨٣٠٠ق.م. في بلاد الشام التي عثر المنقِّبون فيها على أول المواقع الممثِّلة لذلك العصر، ونموذجها موقع أريحا في منطقة فلسطين، وموقع تل المريبط على الفرات الأوسط. لقد شهد الألف الثامن قبل الميلاد في هذه المنطقة عددًا من التغيُّرات الجذرية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، قادت إلى إحداث انقلاب كبير في حياة المجتمعات البشرية، كان من الأهمية إلى درجة دعت علماء الآثار إلى دعوته بالثورة النيوليتة (أو ثورة العصر الحجري الحديث). فبعد مئات ألوف الأعوام التي قضاها إنسان العصور الحجرية في سكن الكهوف والتجوال في الأرض بحثًا عن الغذاء، استقر ذلك الإنسان في الأرض، وبنى البيوت الدائمة، وأسس القرى الأولى في تاريخ الحضارة، وبعد الاستقرار مدة طويلة قرب حقول القمح البري يحصده ويتغذَّى عليه، انتقل إلى الخطوة الحاسمة وهي زراعة الحبوب وتدجين الماشية، أي إلى إنتاج الغذاء بدلًا من جمعه، وبذلك دخلت الحضارة الإنسانية في منعطفٍ جديدٍ قادنا في سلسلة غير منقطعة الحلقات إلى يومنا هذا الذي يرتبط بشكلٍ مباشرٍ بتاريخ عام ٧٧٠٠ق.م.١ وهو التاريخ الذي أعطانا إياه الكربون المشع ١٤ لأقدم حبوب مزروعة معروفة حتى الآن في العالم كله، والتي وجدت في موقع تل المريبط بسورية.

خلال الألف السابع قبل الميلاد، انتشرت القرى الزراعية في جميع مناطق الهلال الخصيب على القوس الممتد من سفوح زاجروس إلى سفوح طوروس هبوطًا نحو سورية الغربية وفلسطين، وتزايدت أعداد القرى الزراعية بشكلٍ خاص في المنطقة السورية، إلى درجة يمكن القول معها بأن المنطقة المحصورة فيما بين الفرات والبحر المتوسط كانت مسكونة بكاملها.

وخلال الألف السادس قبل الميلاد بدأت معالم ثقافاتٍ متمايزة بالتوضُّح داخل الثقافة النيوليتية ذات الخصائص العامة. فظهرت فيما بين الألف السادس والألف الخامس قبل الميلاد ثلاث ثقافات كبرى تتابعت وتداخلت زمنيًّا وجغرافيًّا في منطقة الهلال الخصيب هي: (١) ثقافة حسونة (٢) ثقافة سامراء (٣) ثقافة حلف. وقد ميز علماء الآثار بين هذه الثقافات اعتمادًا على أنماط صناعة الفخار، وأساليب التزيين المطبَّقة على المصنوعات الفخارية.

  • (١)

    ثقافة حسونة: ظهرت ثقافة حسونة منذ أواسط الألف السادس قبل الميلاد، واستمرت إلى مطلع الألف الخامس، وشملت المناطق الشمالية من وادي الرافدَين فيما بين جبل سنجار غربًا والمناطق المحصورة بين نهرَي الزاب الكبير والزاب الصغير شرقًا، وهذه هي المنطقة التي قامت عليها الدولة الآشورية خلال الفترات التاريخية، وقد استمدت هذه الثقافة اسمها من موقع حسونة قرب مدينة الموصل الحديثة.

  • (٢)

    ثقافة سامراء: عاشت ثقافة سامراء خلال الثلث الأخير من الألف السادس قبل الميلاد، وتعاصرت مع الفترة الأخيرة لثقافة حسونة. وإضافة إلى مناطق نشأتها الأولى في أواسط وادي الرافدَين؛ فقد شملت هذه الثقافة المناطق الممتدة من الموصل شمالًا إلى بغداد جنوبًا، ومن سفوح زاجروس شرقًا إلى الفرات الأوسط غربًا، وهذا يعني أنها قد تداخلت جغرافيًّا مع ثقافة حسونة مثلما تداخلت معها زمانيًّا. استمدت هذه الثقافة اسمها من موقع مدينة سامراء المعروفة.

  • (٣)

    ثقافة حلف: عاشت ثقافة حلف خلال الفترة الممتدة من أواسط الألف السادس قبل الميلاد إلى أواسط الخامس، (٥٥٠٠–٤٨٠٠ق.م.) وشملت منطقة جغرافية واسعة جدًّا، امتدت من شمال وشرق بلاد الرافدَين إلى البحر المتوسط، ومن الأناضول إلى أواسط سورية، وكانت مناطق الشمال السوري بمثابة قلب هذه الثقافة. استمدت ثقافة حلف اسمها من موقع تل حلف قرب بلدة رأس العين عند منابع نهر الخابور.

وهكذا نجد أن مسرح الهجرات السامية في الهلال الخصيب لم يكن خاليًا من الناحية الثقافية والديموجرافية في انتظار الهجرات السامية من جزيرة العرب؛ فقد اضطرمت هذه المنطقة بأول ثورة ثقافية في تاريخ البشرية، ثم حفلت بثقافاتٍ تلاقحت وتعاونت على تهيئة الأساس المادي للثورة الثقافية الثانية في تاريخ البشرية، ألَا وهي الثورة المدينية التي قامت في وادي الرافدَين الأدنى، وأدَّت إلى تشكيل أولى المدن في التاريخ.

(٢) مسرح الهجرة الأكادية

(٢-١) أصول التحضر في جنوب وادي الرافدَين

تأخر استيطان وادي الرافدَين الأدنى، المعروف تاريخيًّا ببلاد سومر، عن استيطان وادي الرافدَين الأعلى فبينما نجد الحضارة الزراعية تتوطد في الجزء الأعلى منذ الألف السابع قبل الميلاد بتأثيراتٍ واضحة من سورية الداخلية؛ فإن بدايات الاستقرار الزراعي في الجنوب لا تظهر إلا في نهاية الألف السادس قبل الميلاد، فمنذ حوالي عام ٥٣٠٠ق.م. تبدأ بالظهور هنا مواقع الثقافة المعروفة بالثقافة العُبيدية، أو ثقافة العبيد، قائمة على التربة العذراء دون مستويات أركيولوجية سابقة عليها.٢

وقد استمرت الطبقات الأثرية اللاحقة تعطينا أدوات وفخاريات ذات طابع عبيدي حتى عام ٣٦٠٠ق.م. عندما بدأت تحل محلها أدوات وفخاريات تنتمي إلى ثقافة أخرى دُعيَت ثقافة أوروك. وعلى الرغم من أن الثقافة العبيدية قد اتخذت اسمها من أول مواقعها المعروفة، وهو تل العُبيد؛ فإن أهم مواقعها كان بلدة إريدو التي كانت تقوم على الخليج العربي في ذلك الوقت؛ فقد بلغت هذه البلدة حجمًا كبيرًا بمقياس ذلك العصر؛ حيث زادت مساحتها عن عشرة هكتارات، ووصل عدد سكانها إلى أربعة آلاف نسمة.

شمل تأثير ثقافة تل العبيد مدًى جغرافيًّا واسعًا لم يبلغه غيرها من قبل؛ فإلى الشمال والشمال الغربي غطت تأثيراتها وادي الرافدَين بكامله، ثم اكتسحت أمامها ثقافة حلف فوصلت حتى خليج إسكندرون في أقصى شمال الساحل السوري، ثم تجاوزته حتى كليليكيا على الشواطئ المتوسطية لآسيا الصغرى حيث توقفت هناك، كما اجتازت طوروس واصلةً إلى مناطق ملاطية. أما باتجاه الشرق والشمال الشرقي فقد وصلت إلى خوزستان وأذربيجان، وباتجاه الغرب والجنوب الغربي وصلت حتى منطقة حماة في أواسط سورية.

أعطت الثقافة العبيدية فنونًا متقدمة تجلَّت في الفخاريات والتماثيل الطينية الصغيرة والأختام، كما تجلَّت في فن العمارة الذي وَضع الأسس الأولى للعمارة السومرية اللاحقة. يتجلَّى فن العمارة العبيدي في معابد إريدو التي كانت مكرسة للإله إنكي إله الحكمة والماء العذب، والذي استمرت عبادته قائمةً لدى السومريين ثم الأكاديين والبابليين حتى نهاية التاريخ الرافدَي. كما قدمت الثقافة العبيدية عددًا من الابتكارات التكنولوجية المهمة في مجال الري والفلاحة والحِرف اليدوية، ومن المرجح أن يكون المحراث والدولاب قد ابتُكرا خلال هذه الفترة. وبشكل عام فإن الباحثين من دارسي هذه الحقبة يرَون أن أهل الثقافة العبيدية هم الذين حققوا الخطوة الأساسية اللازمة لتأسيس المدن الأولى فيما بعد، ومهدوا لحلول الثورة الحضارية الثانية في تاريخ البشرية وهي الثورة المدينية. فهم الأسلاف المباشرون للسومريين، لا بالمفهوم العِرقي بل بالمفهوم الثقافي.

ولكن ما هو أصل الثقافة العبيدية، ومن أين جاء هؤلاء العبيديون إلى جنوب وادي الرافدَين؟ لا نستطيع العثور على أية مقدمات للفنون العبيدية في المناطق الشمالية من وادي الرافدَين، وهي المواطن التقليدية لثقافة حسونة، ولا في المناطق الشمالية السورية وهي المواطن التقليدية للثقافة الحلفية، ولا في المناطق الشرقية باتجاه خوزستان (أو عربستان)، وفي جميع هذه المناطق تظهر الفخاريات العبيدية بشكلٍ متأخر عن ظهورها في وادي الرافدَين الجنوبي، الأمر الذي ينفي أن يكون العبيديون قد أتَوا من أيٍّ من هذه المناطق الثلاث. ولا يبقى أمامنا إلا المناطق الوسطى من وادي الرافدَين، وهو الموطن التقليدي للثقافة السامرائية. فهنا استطاع الباحثون تمييز مرحلة انتقالية بين ثقافة سامراء وثقافة العبيد، وذلك في عدد من المواقع السامرائية التي أعطتنا فنونًا خزفية ذات صلة بالأنماط العبيدية في مراحلها الأولى، ولكنها أسبق زمنيًّا، مثل التزيينات الخزفية وتشكيل الدُّمى. وبشكل خاص تُظهِر الأساليب المعمارية المستخدَمة في بعض المواقع السامرائية صِلة مباشرة بالأساليب المعمارية في معابد بلدة إريدو العبيدية المركز الرئيسي لثقافة العبيد. من هنا وفي ضوء المعلومات الأركيولوجية المتوفرة لنا في الوقت الحاضر، يمكن القول إن ثقافة العبيد هي بشكلٍ ما استمرار لثقافة سامراء، وقد يكون العبيديون عبارة عن جماعات سامرائية ارتحلت جنوبًا، وأسست لنفسها مواقع جديدة بعيدًا عن مواطنها الأصلية، يدعم هذا الاستنتاج أن المواقع العبيدية قد ظهرت فجأةً في الجنوب ودون مقدمات، وأن العبيديين كانوا متمرسين بالزراعة وتقنياتها وبصناعة الفخار والحِرف الراقية الأخرى، دون مرورهم بمراحل تمهيدية وسيطة.

(٢-٢) ثقافة أوروك وجمدة نصر

مع استهلال ثقافة أوروك حوالي عام ٣٦٠٠ق.م. يبدأ الانقلاب الحضاري الثاني في تاريخ البشرية، وهو الانقلاب المديني الذي قام في جنوب وادي الرافدَين، بعد أن سبقه الانقلاب النيوليتي بخمسة آلاف عام في سورية الداخلية. ففي سياق ثقافة أوروك التي استمرت حتى حوالي عام ٣١٠٠ق.م. تأخذ حضارة المدينة بالتشكُّل وتترسَّخ تقاليدها التي ما زالت قائمة إلى يومنا هذا. استمدت هذه الثقافة اسمها من موقع مدينة أوروك الذي يُعتبَر أهم مواقعها والممثِّل الحقيقي لتقاليدها الثقافية. ففي الفترة الممتدة ما بين ٣٦٠٠ق.م. و٣١٠٠ق.م. نمت مدينة أوروك حتى بلغت مساحتها ٨٠ هكتارًا، ووصل عدد سكانها إلى ١٠٠٠٠ نسمة. وتشهد معابد المدينة، التي تم الكشف عنها، على عظمتها المعمارية وعلى رقي التنظيم المدني والسياسي فيها؛ فهذه الأبنية العملاقة هي بمثابة دليل على نشوء أرستقراطية حكمٍ قوية ومتمكنة، قادرة على جمع وتنظيم وتوجيه الطاقات البشرية، الفنية والإدارية، في سبيل أغراضٍ عامة.

تتميز ثقافة أوروك بنوعية جديدة من الفخار؛ فقد حلَّ محل فخاريات العبيد الملونة والمزخرفة نوعٌ آخر فقير في اللون، إما رمادي وإما أحمر عليه تزيينات منفَّذة بأسلوب الحز. ولكن في مقابل هذا التغيير في الأنماط الفخارية؛ فقد حافظت العمارة خلال هذه الفترة على التقاليد المعمارية العبيدية وطوَّرتها، ونستطيع أن نلاحظ بكل وضوح الاستمرارية المعمارية بين مرحلة العبيد ٤ ومرحلة أوروك ١، الأمر الذي يدل على استمرارية ثقافية وديموجرافية، وعدم وقوع تغييرات سكانية واسعة النطاق في هذه المنطقة خلال فترة أوروك.

لم تبقَ ثقافة أوروك حبيسة وادي الرافدَين الجنوبي، بل تجاوزته إلى وادي الرافدَين الأوسط والشمالي، وإلى المنطقة السورية بكاملها تقريبًا. ولدينا ثلاثة مواقع مهمة في سورية على نهر الفرات شاركت في إغناء هذه الثقافة، وهي تل القناص وعارودة وحبوبة الكبيرة.

في نهاية فترة أوروك تبدأ النماذج الأولى للكتابة بالظهور في تاريخ الحضارة، وذلك في موقع أوروك، وفي موقع عارودة وحبوبة وتل براك في سورية. وكانت الكتابة في مراحلها الأولى هذه عبارة عن إشارات تصويرية بسيطة ترمز لموضوعاتها عن طريق صُورها. فإذا أراد الكاتب نقش كلمة سمكة قام برسم صورة مبسَّطة ومختصرة للسمكة، وإذا أراد نقش الفعل يمشي قام برسم صورة لقدمٍ إنسانية في وضعية خاصة، وهكذا …

تُعتبَر ثقافة جمدة نصر التي تُؤرَّخ فيما بين ٣١٠٠ق.م. و٢٩٠٠ق.م. وتُنسَب إلى الموقع المعروف بهذا الاسم بمثابة استمرار لثقافة أوروك. فنحن لا نستطيع تمييز هذه الفترة عن سابقتها من حيث الابتكارات الجديدة، ولكن من حيث درجة التحسين والتطوير التي وصلت إليها المنجزات القديمة من عصر أوروك؛ فلقد بلغت درجة التحسين والتطوير هذه حدًّا استدعى من الباحثين اعتبار فترة جمدة نصر بمثابة فترة تاريخية مستقلة قدمت ثقافة ذات مزايا خاصة بها.

ويظهر التطوير بشكل خاص في مجال الكتابة؛ فبعد المرحلة البدائية التصويرية، تأخذ الكتابة في عصر جمدة نصر باعتماد الأشكال المقطعية المسمارية التي لا تدل على كلمة بل على مقطعٍ صوتي. وهذه الخطوة الحاسمة في تطوير فن الكتابة هي التي نقلت الحضارة الإنسانية من عصور ما قبل التاريخ إلى العصور التاريخية. وبدءًا من عصر جمدة نصر يتخلَّى الباحثون عن اعتماد الأنماط الفخارية لرصد التغيُّرات الثقافية وتتابُع الفترات التاريخية، ويأخذون بالاعتماد على الفنون الأخرى، وخصوصًا فن العمارة، من أجل رصد التبدلات الثقافية، وعلى تتابع الأُسرات الحاكمة الموثَّقة في السجلات الكتابية من أجل رصد التبدلات السياسية وتتابع الفترات التاريخية. من هنا دُعي العصر السومري الذي تلا عصر جمدة نصر بعصر السلالات الأولى، أو عصر فجر السلالات.

(٢-٣) عصر السلالات والمشكلة السومرية

عندما ندعو عصر السلالات الأولى بالعصر السومري؛ فإننا نقصد أن السومريين قد سيطروا سياسيًّا على معظم مدن وادي الرافدَين الجنوبي، وأسسوا أسرًا حاكمة فيها، وفيما عدا هذا الظهور السياسي للسومريين؛ فإن عصر السلالات الأولى يبدو استمرارًا طبيعيًّا لعصر جمدة نصر وعصر أوروك وما وراءه. فلقد جرى في هذه الفترة تطوير المنجزات التكنولوجية للعصور السابقة دون أي تغييرٍ أساسي يُذكَر. وفي مجال الصناعة الفخارية؛ فإن خزفيات عصر السلالات، وخصوصًا في بدايته (فجر السلالات/١) لا يمكن تمييزها عن خزفيات عصر جمدة نصر. وفي مجال صناعة الأختام، تم إدخال بعض التطويرات في طريقة التنفيذ مع الحفاظ على الموضوعات القديمة نفسها. وفي مجال العمارة؛ فإن الأساليب المعمارية للأبنية السومرية الضخمة تُظهِر استمرارية واضحة للأساليب القديمة، ونستطيع متابعة أصولها في فترة أوروك وفترة العبيد الأسبق منها. من هنا؛ فإن السؤال المهم الذي لم يجد جوابًا شافيًا عليه حتى الآن هو: متى جاء السومريون إلى هذه المنطقة؟ وما هو دورهم الحقيقي فيما يُدعَى بالحضارة السومرية؟

لا نعرف على وجه التحديد متى بدأ تسرُّب الأقوام السومرية إلى جنوب وادي الرافدَين، والرأي الشائع بين المؤرخين أن هؤلاء السومريين قد أخذوا بالتسرُّب التدريجي والاختلاط بالسكان خلال فترة أوروك، ولا سيما في نصفها الثاني. وعندما جاءت فترة جمدة نصر، كان السومريون قد وطَّدوا أنفسهم بشكل جيد، وخرجت من صفوفهم نُخَب تولَّت المهام الدينية والسياسية في معظم المدن. ورغم أن الثورة المدينية مدينة بالكثير إلى العناصر السومرية؛ فإن الأسس الأولى لهذه الثورة قد وُضعت من قِبَل الأقوام الأصلية التي توطنت في هذه المنطقة منذ نهايات الألف السادس قبل الميلاد. وقد جاء الوقت الآن لطرح السؤال المهم الثاني حول: من هي هذه العناصر الأصلية؟ ما هو أصلها العِرقي، وأي لغة تكلمت؟ وما هي العلاقة بينها وبين العناصر السومرية؟

لقد طوَّر السومريون منذ عصر جمدة نصر الكتابة التي ابتكرتها الأقوام الأصلية، وكتبوا بها لغتهم التي لا تنتمي إلى عائلة لغات معروفة. ولكن علماء اللغة السومرية عثروا على كثير من المفردات في اللغة السومرية ليست من أصل سومري بل من أصل سامي. فأسماء الآلهة التي عبدها السومريون هي أسماء سامية، وذلك مثل إنانا وإنكي وآن وغيرها. ولا يوجد فيما يُدعى بالبانثيون السومري إلهٌ واحدٌ يحمل اسمًا ذا جذر لغوي سومري، وكذلك الأمر فيما يتعلق باسمَي النهرَين الرئيسيَّين في البلاد، أي الدجلة والفرات (ولفظهما القديم أدجلات وبورانون)؛ فإن اللغويين لم يستطيعوا إرجاعهما إلى جذر لغوي سومري، بل وجدوا سهولةً في إرجاعهما إلى الجذر السامي؛ وكذلك أسماء المدن السومرية الاثنتي عشرة، مثل أوروك وإريدو وأور ولجش ولارسا وإيسين وكولاب. وهذا يدل على أن السومريين لم يكونوا بُناة المدن الأولى في عصر فجر السلالات، بل سكنوا فيها إلى جانب أهلها الأصليين، وتبنَّوا ديانتهم وعبدوا آلهتهم، وبإمكاننا أن نفترض، اعتمادًا على ما تقدَّم، أن هذه الأقوام الأصلية كانت من أصل سامي، وتكلمت لغة سامية مغرقة في القِدَم.

وتقدم لنا الدراسات اللغوية المقارِنة عددًا آخر من الدلائل على أن السومريين قد تبنَّوا التقاليد الثقافية الأقدم، وساهموا في تطويرها، وعلى أن هذه التقاليد القديمة من ابتكار الأقوام السامية الأصلية التي قدَّمت كل الابتكارات التي قامت عليها حضارة المدينة السومرية. إن تحليل الكلمات التي استخدمها السومريون في لغتهم للدلالة على معظم الحِرف وتقنيات الزراعة يدل على أنها من أصل سامي. من هذه الكلمات على سبيل المثال: الفلاح، الراعي، السمَّاك، المحراث، الأخدود، النخيل، السبَّاك، الحداد، النجار، السِّلال، الحائك، الدباغ، الخزَّاف، البنَّاء، التاجر … إلخ. كما نتبيَّن من تحليل أسماء ملوك الأُسر الحاكمة التي وردت في الوثيقة المعروفة ﺑ «ثبت ملوك سومر»، أن العديد من هؤلاء الملوك يحمل أسماء سامية لا لَبس فيها، لا سيما في الفترة التي يدعوها السومريون بفترة ما قبل الطوفان، وهي الفترة السابقة على فجر السلالات بالمصطلح التاريخي الحديث. وبشكل خاص فإننا نجد أن سلالة مدينة كيش الأولى، وهي أول وأقوى سلالة حكمت في سومر خلال فترة ما بعد الطوفان، أي خلال فجر السلالات، هي سلالة سامية، وأن ملوكها جميعًا يحملون أسماء سامية، وكذلك الأمر في سلالة كيش الثانية، التي حمل أقوى ملوكها أسماء سامية، مثل الملك ميسيليم الذي أُطلق اسمه على حقبة متميزة من أحقاب فجر السلالات. يُضاف إلى ذلك أن العديد من الأفراد الذين شغلوا مناصب رفيعة في الإدارة والاقتصاد والمؤسسات الدينية قد حملوا اسمًا ساميًّا، على ما يبدو من الوثائق الكتابية السومرية.

هذه الوقائع كلها تدل على أن الأقوام السامية كانت أصيلة في منطقة سومر، ولم تفِد إليها من خارجها، وأن هذه الأقوام هي أول من استوطن وادي الرافدَين الأدنى في أواخر الألف السادس قبل الميلاد، قادمةً من المناطق الوسطى لوادي الرافدَين حيث ازدهرت الثقافة السامرائية الراقية، حاملة معها تقاليد زراعية متطورة. وقد تعايش هؤلاء الساميون مع السومريين، وتعاونوا على إنتاج الحضارة المعروفة تاريخيًّا بالحضارة السومرية خلال عصر فجر السلالات. وبما أن الاستمرارية الثقافية في وادي الرافدَين الجنوبي كانت واضحة منذ بدايات عصر العبيد إلى العصر السومري، دون فجوات أو انقطاعات أو تبدلات جذرية تدل على وفود عناصر غريبة جلبت معها تقاليد ثقافية مغايرة؛ فإن من المنطقي أن نستنتج أن الجماعات السومرية لم تُقدِّم إلى ثقافة هذه المنطقة سوى لغتها، وأنها قد تبنَّت الثقافة المحلية، ووصلت بها إلى ذروة عطاءاتها.

استمر عصر فجر السلالات في سومر من حوالي عام ٢٩٠٠ق.م. إلى حوالي ٢٣٠٠ق.م. وقد نمت المدن السومرية خلال هذه الفترة حجمًا وعددًا؛ فوصل تعدادها إلى اثنتي عشرة مدينة رئيسية. ومع تزايد النشاط الاقتصادي لهذه المدن وتوسُّع مساحة الأراضي التي تسيطر عليها، كان لا بد من تضارب مصالحها ومن تصادمها. فنشأت المؤسسة العسكرية وتَقَوَّت، وصارت الحرب شأنًا معتادًا من شئون الحياة السومرية، تدلنا على ذلك الوثائق الكتابية والمكتشفات الأثرية التي تابعت نشوء الأسوار والتحصينات حول المدن ابتداءً من مطلع عصر الأسرات الأولى. وقد أدت التطورات الجديدة إلى ظهور قوة سياسية مدنية استقلت تدريجيًّا عن سلطة المعبد، وانتقل الثِّقَل السياسي في النهاية من المعبد إلى القصر الملكي. على الرغم من أن بعض المدن الأقوى قد نجحت مؤقتًا في بسط سيطرتها على المدن الأخرى المجاورة، وأحيانًا على منطقة بكاملها؛ فإن النظام السياسي الذي ساد سومر حتى نهاية عصر فجر السلالات كان نظام دولة المدينة التي تبسط سلطانها على مساحة محدودة من الأراضي، وعلى عددٍ من القرى والبلدات الصغيرة التي تدور في فلكها. وقد عاشت هذه الدويلات في شِقاق دائم، ولم تعرف الوحدة السياسية حتى صعود صارغون الأكادي وبنائه لأول دولة موحدة لوادي الرافدَين.

عندما وصل النظام السياسي السومري إلى حالة من التفكك والتحلل لا يمكن إصلاحها، وقادت المنازعات المحلية بين ملوك الدويلات إلى الخراب التام والفوضى السياسية والاجتماعية، قامت الجماعات السامية الأصلية التي أسلمت قيادها إلى السومريين مدةً طويلةً بتسلُّم زمام المبادرة، وظهر من بين صفوفهم قائدٌ فذٌّ استطاع خلال فترة صغيرة توحيد البلاد والقضاء على استقلال الأسر السومرية الحاكمة في دويلات المدن، وأحل محلها نظامًا إقليميًّا أكثر كفاءة، وعندما استتبَّت له الأمور في الجنوب، عمل على توسيع نظامه الإقليمي ليشمل وادي الرافدَين بأكمله.

نشأ صارغون على ما يبدو في مدينة كبش في الشمال السومري، الذي حافظ على طابع سامي واضح منذ حُكم أسرة كيش الأولى في مطلع عصر الأسرات. دخل صارغون في خدمة البلاط المَلكي وهو فتًى يافع، وتقلَّب في عدد من المناصب، إلى أن وصل إلى منصبٍ عالٍ في ذلك الوقت وهو منصب ساقي الملك الذي اعتُبِر في القصور الشرقية دومًا بمثابة منصب الوزير المقرَّب المؤتمَن على أسرار الملك وحياته. ولكن صارغون انقلب على مليكه المَدعو أور-زبابا بعد أن حلَّت به هزيمة عسكرية منكرة، وقاد مجموعة من الأتباع الخارجين من صفوف الشرائح السامية؛ فاستولى على السلطة في كيش حوالي عام ٢٣٠٠ق.م. ثم أقام بعد مدة قصيرة في مدينة مغمورة اسمها أكاد (أو أجادة) لا تبعد كثيرًا عن مدينة كيش، ويغلب عليها الطابع السامي؛ فجعلها عاصمةً له، وقد أعطت هذه المدينة اسمها للمملكة الجديدة التي دُعيت بالمملكة الأكادية، كما أعطت اسمها للأقوام السامية الأصلية من سكان البلاد فصاروا يُدعَون بالأكاديين، ودُعيَت لغتهم بالأكادية.

وهكذا نرى أن الدراسة المدقِّقة لآخر مستجدات علم التاريخ وعلم الآثار، توصلنا إلى نتيجة واضحة ومنطقية، وهي أن بُناة المملكة الأكادية حوالي عام ٢٣٠٠ق.م. ليسوا جماعات غريبة تسربت إلى المنطقة من خارجها خلال عصر السلالات الأولى، بل إنهم ذلك الشِّق السامي من سكان المنطقة، وأن جذورهم تضرب عميقًا في التاريخ وصولًا إلى العصر الحجري. إلا أن هذا لا يمنع من أن المنطقة ربما استقبلت بعض الجماعات الرعوية من مناطق عبر الفرات، ممن أقاموا حول المدن السومرية واختلطوا بسكانها وخصوصًا الساميين منهم، وذلك بسبب قرب منطقة سومر من بوادي الشام وبوادي شمال الجزيرة العربية، والتبادلات التجارية القائمة على الدوام بين المناطق الحضرية والمناطق الرعوية. ومثل هذه التحركات السكانية، التي كانت شأنًا اعتياديًّا في حياة مجتمعات الهلال الخصيب وصولًا إلى العصور الحديثة، لا تبرر الحديث عن هجرة كبرى من الجزيرة العربية إلى منطقة سومر، ولا يوجد لدينا أي دليل أركيولوجي أو كتابي على حدوث مثل هذه الهجرة. وإذا كانت مثل هذه الفرضية مبرَّرة في الماضي عندما كانت تنقصنا المعلومات الأثرية والنَّصية؛ فإنها لم تعُد مبرَّرة اليوم، وفرضية الهجرة الأكادية يجب إعادة النظر فيها جذريًّا اعتمادًا على مستجدات البحث الجديد.

ومع إعادة النظر في فرضية الهجرة الأكادية، وفي نظرية الهجرات السامية ككل، ينبغي أن تقف مسألة اللغة السامية الأم على أرضٍ جديدة؛ فقد قادنا البحث الأثري واللغوي إلى تبيُّن وجود اللغة السامية في المنطقة السومرية منذ أواخر الألف السادس قبل الميلاد، وأن العبيديين من أسلاف الأكاديين قد تكلَّموا بها في ذلك الوقت. وهذا يعني أن اللغة السامية كانت متداوَلة في المنطقة قبل ثلاثة آلاف عام من الهجرة الأكادية، وهي أولى الهجرات السامية المفترضة من جزيرة العرب. وبما أن البحث الأركيولوجي قد استطاع عقد صِلة مباشرة بين ثقافة العبيد وثقافة سامراء الأسبق منها، وسار بنا تقصي أصول العبيديين إلى المواقع السامرائية الواقعة إلى الشمال منهم؛ فإنني أفترض، بكل ثقة قائمة على أرضية علمية، وبكل حذر علمي في الوقت نفسه، أن اللغة السامية كانت أيضًا اللغة التي تكلم بها أهل الثقافات الكبرى للعصر الحجري الحديث، وهي ثقافات حسونة وحلف وسامراء، وأن هذه اللغة كانت مؤسسة ومؤصلة في الهلال الخصيب منذ مطلع الألف السادس قبل الميلاد، وأن لغة الألف السادس قبل الميلاد هذه هي اللغة السامية الأم. إلا أن مثل هذه الفرضية المبنيَّة على استقراء تاريخي وأركيولوجي ولغوي مقارَن يجب تدعيمها بدراسةٍ ألسنية مُعمَّقة يقوم بها أهل الاختصاص في هذا المجال.

لقد قدمت في هذا الحيز الضيق فكرة عن منهجي في دراسة مسألة الهجرات السامية القديمة، من خلال نموذج واحد هو النموذج الأكادي، وهذا المنهج قادني إلى النتائج نفسها فيما يتعلق ببقية النماذج، إلا أن بسطها يتطلب كتابًا لا مقالة.

١  معلوماتي بخصوص هذا التاريخ مستمَدة من مراجع تعود إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
٢  في موقع تل العوالي في الجنوب العراقي جرى في أواخر القرن الماضي اكتشاف طبقة أثرية أقدم من الطبقة العُبيدية وترجع إلى العصر النيوليتي، مطمورة تحت التربة اللحقية على عمق كبير، ولكننا لا نستطيع حتى الآن، واعتمادًا على هذا الموقع المنفرد، تقييم مدى الاستيطان السابق على العبيد في هذه المنطقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥