في اليونان: نشأت الألعاب الأوليمبية
كانت اليونان هي البلد الذي بلغت فيه الرياضة البدنية أعلى درجات الازدهار والتقدُّم في العصور القديمة، فلا ريب أن بلدًا في تاريخ العالم لم يبلغ مستوى اليونان في التشجيع على إنماء الرياضة البدنية وممارستها.
وكانت عند اليونانيين طريقتان أساسيتان للتربية البدنية؛ إحداهما اتبعها أهل اسبرطة وكريت، وهي طريقة خشنة صارمة قوامها التدريب العسكري، وأخرى أقل صرامة وخشونة؛ إذ كان الغرض منها تنمية البدن في انسجامٍ وتناسق، وقد اتبعها أهل أثينا الذين كانوا يهتمُّون كثيرًا بجمال الأبدان وتناسق القوام.
وكان اليونانيون، ولا سيما الأثينيون، يعتقدون أن تقوية الأذهان والنفوس، يجب أن تقترن بتقوية الأبدان، ولكن ينبغي في الوقت نفسه أن تنموَ الأجسام نموًّا متناسقًا جميلًا.
وكانوا لا يحاولون التخصُّص في نوعٍ من أنواع الألعاب الرياضية، وإنما أرادوا أن يساعدوا الشبان على أن يمارسوا ألعابًا مفيدة، مثل: المصارعة والجري والقفز، وقذف الأسطوانات والكرة، والرقص بالأسلحة وسباق المركبات، والهوكي والملاكمة وغيرها من الألعاب النافعة.
وكان لكل مدينة يونانية ملعبها الخاص، وكانت الألعاب التي تقام فيه تقدم إلى الآلهة بعد تقديم الضحايا والقرابين، وفقًا للطقوس الدينية المتبعة في ذلك العهد.
وكانت الألعاب الأوليمبية هي أهم الاحتفالات بالرياضة البدنية في اليونان؛ إذ اعتبرها اليونانيون عيدًا قوميًّا لهم، فكانوا يتوقَّفون خلال إقامتها عن القتال، ويشترك فيها الأبطال الرياضيون في مختلف أنحاء البلاد، وينال الفائز الأول منهم جائزة هي غصن من أغصان الزيتون، ولا يفوز بهذه الجائزة إلا أول المتسابقين.
وكانت المدينة التي ينتسب إليها البطل الفائز تحتفل به عند عودته إليها احتفالًا رائعًا، وكان أهلُها لا يتردَّدُون عن إزالة جانب من أسوارها؛ ليقيموا له أقواس النصر عند دخوله إليها، إذا استلزم الأمر ذلك.
وكانت اليونان تحتفل بالألعاب الأوليمبية كل أربع سنوات، وقد أقيم أول احتفال بها سنة ٧٧٦ قبل الميلاد، فاليونان تعتبر إذًا مهد هذه الألعاب، وأول بلد مارسها في العالم منذ فجر التاريخ، وقد دأبت على ممارستها حتى أول ظهور المسيحية، ولكن الأنواع الأخرى من الرياضة البدنية التي كان يمارسها اليونانيون استمرت حتى القرن الثاني بعد الميلاد.
وقد أنشأت اليونان الملاعب (الاستاد) في عهد هدريان، ولم يكن الرياضيون في تلك العصور القديمة يتمتَّعون بما يتمتَّع به أقرانهم اليوم من تسهيلات ومزايا؛ إذ كانوا مثلًا يتسابقون وهم حفاة الأقدام، وكانت الملاعب تزدان بتماثيل تسمى هيرمس، وهي ذات وجهين؛ أحدهما يصور شابًّا والآخر كهلًا، وكانت ترمز إلى أن المرء إذا مارس الألعاب الرياضية في شبابه لا يفقد حيويته في شيخوخته.
ولقد واصل اليونانيون ممارسة الألعاب البدنية حتى العصر البيزنطي، ولا سيما سباق الخيل والمركبات، واستمر تعلقهم بهذه الألعاب خلال القرون الأربعة التي استغرقها الاحتلال العثماني، وكانت الجماعات المعروفة باسم «كليفتس» و«باليكاتس» التي اعتصمت بالجبال لمقاومة الاحتلال، تمارس الرماية والقفز والجري وإلقاء الأحجار وغيرها.
وبعد أن تم إنشاء الدولة اليونانية ببضع سنوات، استأنف الشعب اليوناني ممارسة الألعاب الرياضية، ولكن نظرًا لأن وسائله كانت في ذلك الحين محدودة، اقتصر الأمر في بدايته على ألعابٍ بسيطة في المدارس بمقتضى مرسوم سنة ١٨٣٤م، وأنشئ في مدينة «نوبلي» أول عاصمة لليونان الحديثة، الملعب الأول لهذه الرياضة ثم أنشئت ملاعب أخرى في أثينا بعد انتقال العاصمة إليها، وقد أقيم هناك أول احتفال رياضي في عام ١٨٥٩م، ولكن النهضة الرياضية الحقة لم تبدأ إلا في سنة ١٨٧٠م، ثم أخذت تزدهر منذ سنة ١٨٩١م؛ إذ أنشئت عدة أندية رياضية في أثينا وغيرها من المدن اليونانية.
وبعد ذلك نمت الألعاب الرياضية على اختلاف أنواعها، ولما أخذ البارون بيير دي كوبرتان في نشر فكرة إحياء الألعاب الأوليمبية في عام ١٨٩٣م، قوبلت فكرته بحماسٍ شديد في اليونان بوجهٍ خاص، وتألَّفت أول لجنة أوليمبية يونانية، وتَكفَّل مواطن يوناني كان يعيش في الإسكندرية وهو جورج أفيروف بنفقات إنشاء إستاد باناثنياك الحالي على أرض الملعب القديم، وهو مبنى من الرخام ويحتوي على ٦٨ ألف مقعد.
وفي سنة ١٨٩٦م أقيمت أولى الألعاب الأوليمبية الحديثة في أثينا، كما أقيمت الألعاب الدولية سنة ١٩٠٦م، وقد سمَّاها اليونانيون أوليمبية أيضًا، ومنذ ذلك الحين تقدَّمت الألعاب الرياضية في اليونان تقدمًا سريعًا.
وقد اشتركت اليونان في جميع الألعاب الأوليمبية، كما اشتركت في المسابقات الرياضية التي أقيمت في مختلف العواصم البلقانية، وفازت في جميع هذه المباريات عدا مرة واحدة، جاء ترتيبها فيها الثانية.