في الأسر!
صاح «قيس» بغضب شديد: دعونا نتتبع هؤلاء الرجال ونخلِّص «إلهام» من أيديهم.
وكاد يندفع تجاه الأشجار الكثيفة، التي اختفى الرجال خلفها، فأمسكه «أحمد» من ذراعه قائلًا: وهل تظنُّ أننا سنلحق بهم … إنهم يعرفون هذه الغابات كما يعرفون راحة يدهم، وسوف نعطيهم بذلك فرصة لاقتناصنا كلنا لو تتبعناهم.
قال «عثمان» ذاهلًا: وماذا سنفعل … هل نترك «إلهام» لهم؟
أحمد: سننقذها طبعًا … ولكن علينا أن نعرف مكان القبيلة أولًا، ونتسلل إليها في الليل فنفاجئهم وننقذ «إلهام».
قالت «زبيدة» بقلق شديد: وهل سيترك هؤلاء «إلهام» حيَّة حتى المساء إنهم يعتقدون أننا أعداء.
أحمد: فمن الواضح أنهم اختطفوا «إلهام» لإقامة بعض الطقوس الوثنية … وهم عادةً لا يقومون بهذه الطقوس قبل منتصف الليل عندما يتوسط القمر كبد السماء.
تساءل «عثمان» بقلق: وكيف سنعثر على مكان القبيلة … إننا نجهل كل شيء عن هذه الغابات …
كان «عثمان» مُحِقًّا في تساؤله، كان من الضروري سرعة العثور على «إلهام» وإنقاذها قبل انتصاف الليل، خاصةً وقد بدأ الليل يهبط على المكان … وفي تلك اللحظة وقعَتْ عينا «أحمد» على النسناس «صديق» ودقَّ الأمل في صدره، فأسرع إليه ورفعه من فوق الأرض، وكان النسناس يصرخ ويستغيث بصوت خفيض، كأنه يعاني من ألم فراق «إلهام»، أمسكَ «أحمد» بإحدى حراب الرمال وقربها من النسناس وهو يقول له: الشانتس … المحاربون «إلهام».
نظر النسناس إلى «أحمد» بعينَينِ واسعتَينِ، كأنه يستفسر منه عما يقول، عاد «أحمد» يقول للنسناس بصبر وهو يرجو الله أن يوفقه في إيصال ما يريد للنسناس: الشانتس … أريدك أن تأخذنا إلى هناك.
قفز النسناس من بين ذراعَيْ «أحمد» وظهر عليه الخوف وأخذ يتشقلب على الأرض ويصيح في رعب فقال «عثمان»: يبدو أنه فهم ما نريد … ويخشى من الذهاب إلى هناك.
وتوقَّفَ النسناس عن الصياح والشقلبة لحظةً، وبدا عليه التفكير، ثم نظر إلى الشياطين كأنه يريد التأكد من غياب «إلهام»، وظهر عليه التردُّد، ثم أشار للشياطين أن يتبعوه … صاحَتْ «زبيدة» من الفرحة، وأسرع الشياطين خلف النسناس ومعهم «سالم» و«ممدوح». وأخذ النسناس يعدو والباقون خلفه … وبعد قليل حلَّ الليل تمامًا، وسادت العتمة المكان … ولكن ذلك لم يوقف الشياطين فاندفعوا خلف «صديق» والأغصان تجرح وجوههم وأذرعتهم وهم لا يبالون … و«صديق» يظهر لهم بين الحين والآخَر؛ ليرشدهم للطريق بصيحاته وصراخه … وبعد وقت تكشَّفَتْ لهم على البُعد ساحةٌ واسعة خالية من الأشجار، أُقيمَ في وسطها ما يشبه المعسكر الكبير، في قلبه ما يزيد على عشرين كوخًا من البوص … وفي المنتصف أُقيمَتْ نار هائلة من الأغصان المشتعلة، وحولها أخذ عشرون راقصًا من أفراد القبيلة الأشداء يرقصون في إيقاع صاخب … على حين وقف المئات حول دائرة النار في أيديهم الرماح والأقواس … ووقعت أعين الشياطين على «إلهام» مُقيَّدة، وأمامها ساحر القبيلة، وهو يتمتم بكلمات مُبهَمة غامضة، ويضرب الأرض بقدمَيْه، ويدور حول «إلهام» وهو يصرخ صرخات مخيفة، أخافت النسناس «صديق» فقفز فوق كتف «أحمد» وانكمش في رعب …
هتف «أحمد» في راحة: الحمد لله … إنهم لم يبدءوا طقوسهم بعدُ.
قال «عثمان» في غضب: ماذا تنتظرون … هيا بنا ننقذ «إلهام».
أمسك «أحمد» عثمان من ذراعه قائلًا: انتظر يا «عثمان» … إنهم بالمئات، وهجومنا عليهم هو عملية انتحارية لنا … من الأفضل أن ننتظر حتى منتصف الليل حين يكون التعب قد حلَّ بهم، فنهجم عليهم على حين غرة، وننقذ «إلهام» ونسارع بالهرب …
صمتَ «عثمان» … ووقف الجميع في مخبئهم يشاهدون الطقوس التي يقوم بها أهل القبيلة … وأخذ ساحر القبيلة العجوز يواصل رقصه المحموم حول «إلهام»، وقد ارتدى قناعًا فوق وجهه على شكل نمر وهو يصرخ بكلمات عالية … ووصلت بعض الكلمات إلى آذان الشياطين فقال «قيس» ذاهلًا: إنَّ هذا الساحر يعرف بعض الكلمات الإنجليزية … هذا مذهل.
أحمد: لا بد أنَّه تعلمها من المستعمرين، وهو يستخدمها أمام أهل القبيلة لإبهارهم …
وتحرَّكَ القمر في السماء وبدأ يقترب من منتصفها، وهمس «أحمد»: لقد حانت اللحظة.
والتفتَ إلى رفاقه قائلًا: سنهجم جميعًا عليهم، وسوف تُلقي يا «عثمان» قنبلتك الباقية وسط الساحة بعيدًا عن «إلهام» لإخافتهم، وسنسرع لحل قيود «إلهام» والهرب بها قبل أن يفيقوا من المباغتة.
هزَّ الباقون رءوسهم ﺑ «نعم»، وأخرج الساحر من حزامه آلة عجيبة راح يُقرِّبها من «إلهام» وهو ينظر لها نظرات عنيفة، لكن فجأةً طارت «بطة»، كرة «عثمان»، لتصطدم به، فصرخ الساحر في رعب وألم وهو يهتف بالإنجليزية: الشيطان … الشيطان!
وعلى الفور، اندفع الشياطين الأربعة و«سالم» و«ممدوح» صارخِينَ بكل قوتهم، وبُوغِتَ رجال القبيلة بالهجوم المفاجئ، وألقى «عثمان» قنبلته في وسط الساحة فدوَّى انفجارها عاليًا … وصرخ الرجال في رعب، وتفرقوا في كل اتجاه … بينما أسرع الشياطين نحو «إلهام» التي لم تصدق ما حدث، وحلَّ «أحمد» وثاقها بسرعة وصاح في الباقِينَ: هيا بنا.
ولكن، وقبل أن يبادروا بالفرار، تنبَّه الرجال إلى ما يحدث، واندفعوا بالعشرات يسدون الطريق على الشياطين و«سالم» و«ممدوح» وهم يصوِّبون سهامهم نحوهم، على حين لم يكن مع الشياطين أيُّ سلاح أمام السهام والحراب المسمومة.
وظهر جليًّا للشياطين أنَّ النهاية قد حانت … وأنَّ المقاومة في مثل هذا الموقف لا جدوى منها … وأنَّهم بدلًا من إنقاذ «إلهام» صاروا جميعًا أسرى لقبيلة «الشانتس» وضحايا لما تركه الاستعمار من أثر سيئ في نفوس هؤلاء البسطاء!