الخدعة الكبرى!
امتدَّتْ أيدي الحراس تفتِّش وتنقِّب في سيارة الشياطين الثانية، وأمسك أحدهم بصندوق قنابل يدوية مُقفَل، وهتف متسائلًا: ما هذا؟! افتحوا هذا الصندوق! وتلاقت نظرات الشياطين في قلق … وأشار الضابط بإصبعه قائلًا: ماذا تنتظرون … افتحوا هذا الصندوق.
تقدَّم «قيس» من الضابط قائلًا في احتجاج: هذه ليست معاملة حسنة … ثم إنَّه لا وقت لدينا لإضاعته معكم، فنحن نريد أن ننهي السباق …
قاطعه الضابط ببرود قائلًا بالألمانية: افتحوا الصندوق أو سنُضطَّر إلى اعتقالكم جميعًا. كان الموقف دقيقًا … ولم يكن هناك مفرٌّ من إطاعة أمر الضابط، خاصة وقد كان هناك ما يقرب من خمسِينَ جنديًّا قد وقفوا متأهِّبِينَ مُصوِّبِينَ رشاشاتهم نحو الشياطين … وتلاقت أبصار الشياطين وتفاهموا على خطة موحدة … وأمسك «قيس» بصندوق القنابل اليدوية وأخرجه من السيارة وسار به حتى وضعه أمام الضابط، وتراجع إلى الخلف وهو يقول: تستطيعون أن تفتحوه بأنفسكم … ستجدون به بعض المُعلَّبات والأطعمة الفاخرة فهنيئًا لكم بها.
أومأ الضابط برأسه لأحد جنوده فأحضر الجندي عتلة حديدية، وأخذ يحطِّم بها قفل الصندوق، وما كاد غطاؤه ينكشف حتى صاح الجندي مبهورًا: إنَّها قنابل يا سيدي.
صاح الضابط في جنوده: اقبضوا عليهم.
ولكن قبل أن يتحرك أحد الجنود صوب «أحمد» مسدسه إلى الصندوق وأطلقه قبل أن يلقى بنفسه فوق الأرض، ويتبعه باقي الشياطين و«سالم» و«ممدوح»، ودوَّى انفجار الصندوق هائلًا، أطاح بالضابط وعدد من الجنود وحطَّم المتاريس، واندفع الشياطين إلى داخل سيارتهم وخلفهم «سالم» و«ممدوح» إلى سيارتهما أيضًا.
ودارت محركات السيارات الثلاثة، في اللحظة التي اندفع فيها بقية الجنود نحو السيارات الثلاث، وهم يطلقون رصاصهم … واستدار أحمد بسيارته، وأخذ يطلق مدفعه الرشاش حتى يتفرق الجنود … واندفع بالسيارة يشقُّ الطريق بسرعة هادرة، وخلفه سيارة «سالم» وسيارة بقية الشياطين … ومن الخلف انطلقت وراءهم خمس سيارات جيب مليئة بالجنود المسلَّحِينَ … وهكذا بدأت المطاردة في الصحراء … أطفأت السيارات الثلاث مصابيحها الأمامية والخلفية، وانطلقت تشقُّ عتمة الظلام بقوة، ومن الخلف انطلقَتِ السيارات الجيب الخمسة، وهي تطلق رصاصها بدون أن تصيب سيارات الشياطين.
وتساءلت «زبيدة» بقلق: «إلهام» … لماذا تصرَّف «أحمد» على هذا النحو … لم يكن هناك أي داع للدخول في معركة مع حرس الحدود.
إلهام: إنَّهم ليسوا حرسًا للحدود.
– ماذا تقصدين … وكيف عرفتِ؟
– كان هذا واضحًا عندما نطق قائدهم بالألمانية يطلب منا فتح الصندوق … إنَّ سكان هذه البلاد لا يعرفون الألمانية، ولغتهم الثانية إمَّا الفرنسية أو الإنجليزية … وعلى ذلك فإنَّ هذا الضابط المزعوم لا بد وأن يكون واحدًا من الإرهابيِّينَ الذين يطاردوننا.
تألَّقَتْ عينا «زبيدة» وهي تقول: معكِ حق … لقد نال ما يستحق.
إلهام: ولكن هناك خمس سيارات جيب لا تزال تطاردنا.
زبيدة: وماذا يستطيعون أن يفعلوا … إنَّهم لا يملكون سوى مدافعهم الرشاشة وسياراتنا مُحصَّنة ضد الرصاص.
إلهام: لا أظنُّ أنَّهم سيكتفون بإطلاق الرصاص فقط … ولم تَكَدْ «إلهام» تنطق عبارتها حتى دوَّى صوت انفجار هائل على يمين سيارتهم، وتأرجحت السيارة، وأبطأت في سيرها وهي تهتز بشدة …
هتف «قيس» في غضب: لقد أطلقوا علينا قنابلهم؛ فأصابوا أحد الإطارات.
قالت «زبيدة» في قلق: لن يمكننا مواصلة السير طويلًا بعجلة معطوبة … سيلحقون بنا.
إلهام: سأخبر «أحمد» و«عثمان» بما جرى.
وشرعت تنقل رسالة إلى الشيطانَينِ بما جرى لسيارتهم … وقبل أن تبدأ الرسالة، دوَّى انفجار آخَر شديد، ومالت السيارة على جانبها، وصاح «قيس»: اقفزا من السيارة.
وقفز «قيس» من السيارة المندفعة بشدة، وقفزت «إلهام» و«زبيدة» خلفه، وانقلبت السيارة عدة مرات، ثم انفجرت بصوت مُدَوٍّ، وتحوَّلَتْ إلى كتلة من اللهب والشظايا.
تدحرجت «إلهام» و«زبيدة» و«قيس» فوق الرمال وهم يلهثون، فلو كان قفزهم قد تأخر ثانية واحدة لتحوَّلوا إلى كتلة من اللهب داخل السيارة بذخيرتها الحيَّة … هتفَتْ «زبيدة» بغضب شديد: لقد ضاعَتْ منا كل ذخيرتنا … إنَّ هذا يضعنا في موقف حرج جدًّا.
وتلفَّتَتْ «إلهام» حولها في قلق متسائلة: أين سيارة «أحمد» و«سالم»؟ لقد اختفتا.
قال «قيس» بقلق شديد: ربما لم ينتبهوا لما حدث لنا واستمروا في سيرهم.
زبيدة: ولكننا بلا أيِّ سلاح … وسوف يصل الإرهابيون إلينا في الحال.
وعلى مسافة قريبة، لمعَتْ كشَّافات سيارات الجيب وهي تهدر نحوهم، وقد كشفت بضوئها مساحة كبيرة حولهم …
وهتف «قيس» في زميلتَيْهِ: دعونا نحتمي خلف أي شيء.
وانطلق يعدو، وخلفه «إلهام» و«زبيدة»، والرصاص يلاحقهم كالمطر … وتدحرج الثلاثة بسرعة، ثم احتموا خلف إحدى الصخور العالية … ووقف ثلاثتهم وهم يلهثون، وقالت «إلهام» وأنفاسها تتصاعد وتهبط بشدة: لن يمضي وقت طويل قبل أن يصلوا إلينا … وسوف يكون موقفنا سيِّئًا جدًّا، ونحن بلا سلاح.
هتفَتْ «زبيدة» بغضب شديد: سوف أقاتلهم بأظافري.
واقتربَتِ السيارات الجيب من مكانهم … وأخذت تدور وهي تُطلق كشَّافاتها في المكان، وانكمش الشياطين الثلاثة في مكانهم … وفجأةً سقط ضوء قوي عليهم، وصاح صوت يقول: ها هم.
واتبع ذلك الصوت سيل من الرصاص انطلق نحو الشياطين الثلاثة المحاصَرِينَ في الفخ الطبيعي بين الصخور.