الشياطين فقط!
ألقى الشياطين الثلاثة بأنفسهم فوق الأرض الصخرية، وزحفوا مبتعِدِينَ، وكانوا يدركون أن موقفهم سيِّئٌ جدًّا، وأنَّهم لن يتمكنوا من الهرب طويلًا، خاصة ولا أثر لسيارة الشياطين الأخرى.
وفجأةً صرخ «قيس» صرخة مكتومة، وأمسك بذراعه متألمًا محاولًا كَبْت آلامه، والتفتَتْ إليه «زبيدة» و«إلهام» في قلق وتساؤل، فقال وهو يضغط على أسنانه: لقد أصابتني رصاصة في ذراعي.
غَمْغَمَتْ «إلهام» قائلة في غضب: هؤلاء الجبناء … دَعْني أحاول ربط ذراعك وإيقاف النزيف.
قيس: لا يا «إلهام» … إنَّ أيَّة حركة سوف تكشفنا … دعوني هنا وحدي وحاوِلا الهرب.
إلهام: ماذا تقول يا «قيس» … وهل نتركك ونبتعد؟ هذا مستحيل.
وقالت «زبيدة» في تصميم: إنَّها معركتنا … وعلينا أن نخوضها بأيدينا العارية.
إلهام: معكِ حق … إنَّ الشياطين لا تعرف اليأس أبدًا، ولو كانت تواجه جحيم العالم كله.
ووقفَتِ الاثنتان لتظهرا في دائرة الضوء لحظة … وقبل أن ينهال الرصاص عليهما مرة أخرى قفزَتِ الاثنتان قفزةً عالية في الهواء، وهما ممسكتان بأيدي بعضهما … وجاءت سقطتهما فوق أقرب سيارات الجيب التي تحاصرهما … وفوجئ الجنود المسلَّحِينَ في السيارة بالصاعقة الثانية التي سقطت عليهم من الظلام … وبضربتَينِ هائلتَينِ أطاحت «إلهام» و«زبيدة» باثنَينِ من ركاب السيارة … وقبل أن يشرع الباقون في الهجوم عليهما انطلقت قبضتا الشيطانتَينِ نحو اثنين آخَرَينِ من الجنود، واختطفت «إلهام» و«زبيدة» أسلحتهما، وأدارتا السيارة الجيب، وصارتا في مواجهة بقية السيارات المهاجمة.
وصاحت «إلهام» في «زبيدة»: قودي أنتِ السيارة، وسأتكفل أنا بإبادة هؤلاء المجرِمِينَ.
واندفعت «زبيدة» بالجيب كالسهم، وانطلق من مدفع «إلهام» سيل متواصل من الرصاص … وتعالت الصرخات من الرجال الذين فوجئوا بالهجوم المباغت … وانفجرت إحدى السيارات … ثم أخرى … وقفز بقية الإرهابيِّينَ من سياراتهم، وانطلقوا هاربِينَ فوق الرمال … ومن الأمام واجههم «قيس» بمدفع رشاش استولى عليه من أحد الإرهابيِّينَ وأخذ يحصدهم.
ولم يمضِ وقت طويل حتى كان المكان قد عاد إلى سكونه، وامتلأ بالإرهابيِّينَ المصابِينَ، وأوقفَتْ «زبيدة» السيارة، وابتسمت وهي تمسح قطرات العرق الملتمعة فوق جبهتها قائلةً: لقد أدَّيْنا عملًا طيِّبًا.
وتهالك «قيس» فوق السيارة الجيب، وذراعه لا تزال تنزف، وأسرعت «إلهام» نحوه، وأخرجت منديلها وربطت به ذراع «قيس»، وتمدَّد «قيس» في مقعد السيارة الخلفي متألمًا، وقالت «إلهام»: علينا أن نحاول الوصول إلى «ليما» بأسرع ما يمكن؛ لعلاج «قيس».
زبيدة: وعلينا العثور على سيارة الشياطين والفريق العربي … إنَّني قلقة بشأنهما.
– معكِ حق … إنَّ عدم مجيئهم لنجدتنا يسبب لي قلقًا شديدًا … لا بد أنَّهم في مأزق.
– هيا بنا؛ فلا وقت لإضاعته.
وتسلَّحت الاثنتان بمدفعَينِ رشَّاشَينِ، وانطلقت «زبيدة» بالسيارة بسرعة، وقد أنارت كشافاتها محاولةً العثور على سيارة الشياطين وسيارة «سالم».
وفجأةً، صرخَتْ «إلهام» برعب: حاذِري يا «زبيدة» وضغطَتْ «زبيدة» فوق فرامل السيارة بأقصى ما تستطيع من قوة … وزأرَتْ عجلات السيارة بشدة فوق الرمال، وتوقَّفَتْ على بُعد سنتيمترات قليلة من هاوية مظلمة كادت تسقط السيارة فيها … ولم تصدِّق «زبيدة» عينَيْها وهي تحدِّق في الهاوية الرهيبة التي تمتد بأسفل إلى ما لا نهاية.
والتفتَتْ «زبيدة» إلى «إلهام» بذعرٍ هاتفةً: «إلهام» … هل يمكن أن … (ولم تستطع «زبيدة» إكمال عبارتها لشدة فزعها) … ونظرت إليها «إلهام» بفزع أشد، تُرى هل سقطت سيارة الشياطين في الهاوية بسبب الظلام كما كاد يحدث لسيارتنا؟
وانفجرت «زبيدة» باكيةً بشدة … وذهلت «إلهام» وصرخت: مستحيل … مستحيل.
ومن أسفل، وصلَتْ إلى آذانهما أصوات خافتة تأتي من الهاوية … ونظرَتْ «إلهام» و«زبيدة» لبعضهما غير مصدِّقَتَينِ، «زبيدة»: إنَّني أسمع صوتًا يأتي من أسفل.
وأسرعت تُحضر بطارية، راحَتْ تحرِّك ضوءها لأسفل … وعلى مسافة لا تقل عن ثلاثين مترًا شاهدت شجرة ناتئة بين الصخور المنحدرة، وقد تعلَّق بها شبحان يجاهدان لحفظ توازنهما حتى لا يسقطا في الهاوية، صرخت «إلهام» من شدة فرحها … كان الشيطانان «أحمد» و«عثمان» متعلِّقان بالشجرة … وكان يستحيل عليهما تسلُّق الصخور الحادة كالأمواس للصعود لأعلى، وصاح «أحمد» من أسفل: «إلهام» … «زبيدة» … أسرعا بإحضار أي شيء لإنقاذنا؛ فالشجرة لم تَعُدْ تحتمل ثقلنا وستسقط بنا.
أصاب الرعب «إلهام» و«زبيدة» … واندفعتا كالمجنونتَينِ تبحثان عن أي شيء تلقياه إلى الشيطانَينِ لإنقاذهما … ووقع بصرهما على حبل طويل في مؤخرة السيارة، فأسرعتا بربط مقدمته إلى السيارة الجيب، ثم أسقطاه نحو الشجرة … ولكن الحبل كان يبعد عن أيدي «أحمد» و«عثمان» بمسافة متر …
وصاحت «إلهام» حاول يا «أحمد» … حاول يا «عثمان» الوصول إلى الحبل.
ومن أسفل، سمعت «زبيدة» و«إلهام» صوت فرقعة، أعقبه انهيار، وصرخت «إلهام» في فزع: إنَّ الشجرة تسقط وتنهار … وفي لحظة واحدة قفز «عثمان» و«أحمد» قفزةً واحدة، ليتعلَّق «أحمد» بالحبل، ويتعلَّق «عثمان» بساقَيْ «أحمد».
ولم تصدِّق «إلهام» و«زبيدة» ما حدث … واندفعتا تديران السيارة إلى الوراء ببطء، وهما تسحبان الحبل للخلف … وأخيرًا ظهر «أحمد» و«عثمان»، وقفزا إلى السطح … واندفعت «إلهام» و«زبيدة» والدموع في عينَيْهما لشدة سعادتهما.
قال «أحمد»: لقد جئتما في اللحظة المناسبة.
تساءلَتْ «إلهام» في لهفة: ماذا حدث لكما؟
أحمد: كنا نسير مبتعِدَينِ، وسيارة «سالم» خلفنا … وفجأةً انتبهتُ إلى الهاوية، فصرختُ في «سالم» أن يحاذر، فانحرف بسيارته في آخِر لحظة، أمَّا نحن فلم نستطع إيقاف سيارتنا، فسقطَتْ في الهاوية، وقفزنا منها أنا و«عثمان» في اللحظة المناسبة، وتعلَّقْنا بالشجرة.
وتطلَّعَ إلى «إلهام» بقلق، وسألها: وأنتم ماذا حدث لكم؟
قصَّت «إلهام» على «أحمد» ما صادفهم مع الإرهابيِّينَ، وكيف تغلبوا عليهم، فقال «أحمد» بإعجاب: يا لكما من بطلتَينِ!
قالت «زبيدة» بقلق: إنَّ «قيس» مصاب في سيارتنا … وعلينا إسعافه بسرعة.
ألقى «أحمد» نظرة إلى «قيس» فوجده غارقًا في النوم في مقعده، فقال باسمًا: يبدو أنَّه نائم منذ وقت، ثم انتبه بشدة والتفتَ حوله متسائلًا: أين «سالم» و«ممدوح»؟
زبيدة: لا ندري … إنَّنا لم نرهما منذ وصلنا.
– دعونا نبحث عنهما.
وانطلق الأربعة يبحثون عن سيارة الفريق العربي، ووجدوها على مسافة، وقد اصطدمت بصخرة حادة وارتطم «سالم» و«ممدوح» بمقدمة السيارة، فغابا عن الوعي، واستطاع الشياطين إفاقة «سالم» و«ممدوح» اللذين لم يصدقا بنجاة «أحمد» و«عثمان»، وقال «سالم» مبهورًا: هذا مذهل … لقد شاهدنا سيارتكما وهي تهبط إلى الهاوية، فكيف استطعتما النجاة … إنَّ هذا يبدو كما لو كان بفعل الشياطين.
غمز «أحمد» بعينه قائلًا: ومن قال غير ذلك؟ إنَّ ما فعلناه من أعمالٍ خاصةٍ بالشياطين فقط!
عثمان: دعونا ننهي هذا الموقف … إنَّني أشاهد أضواء «ليما» العاصمة من هنا، كما أنَّ «قيس» بحاجة إلى إسعاف سريع.
أحمد: معك حق يا «عثمان» … وأعتقد أنَّ ما تبقى من رحلتنا لن يزيد على ساعة واحدة.
قالت «زبيدة» بقلق: ولكن … ربما يهاجمنا بعضهم فيما تبقى من مسافة قبل الوصول إلى «ليما»، ونحن بلا سلاح بعد فقدنا ذخيرتنا.
ردَّ «أحمد»: لا أظنُّ، فقد انتهينا من هؤلاء الإرهابيِّينَ وأَبَدْناهم جميعًا … وابتسم ابتسامة واسعة وهو يكمل: وحتى لو صادفنا الشيطان ذاته، فإنَّنا كَفِيلُونَ بالتعامل معه … فالشياطين ليست بحاجة إلى أسلحة للدفاع عن نفسها.
وقفز إلى السيارة الجيب مع بقية الشياطين، وانطلق يهبط الطريق الجبلي لأسفل نحو العاصمة «ليما»، وخلفه سيارة الفريق العربي.
وجاء في رسالة «إلهام» التي بَعَثَتْها إلى رقم «صفر».
وجاء في رسالة «إلهام» التي بَعَثَتْها إلى رقم «صفر» بعد إنهاء السباق: «أَنْهَيْنا المهمة بنجاح … «قيس» يتماثل للشفاء سريعًا، والفريق العربي حصل على مركز متقدِّم، ونال الإرهابيون درسًا لن ينسوه أبدًا … مع تحيات الشياطين … التفاصيل تحتاج إلى مجلد.»
وجاء الردُّ من رقم «صفر»: «أهنئكم بنجاحكم الباهر … لستُ بحاجة إلى معرفة التفاصيل، فأنا أستطيع أن أتخيلها … تلقَّت حكومتنا شكرًا من الحكومة العربية التي يشغل والد «سالم» فيها منصبًا هامًّا … إنَّكم مدعُوُّونَ لقضاء إجازة قصيرة هناك لتكريمكم.»
تناولَتْ «إلهام» البرقية، وقالت لزملائها: ما رأيكم في إجازة قصيرة عند «سالم» في البلد العربي الشقيق؟
ردَّ «أحمد»: إنَّنا بحاجة إلى مغامرة جديدة … وأظنُّ أنَّ هذا هو التكريم الوحيد الذي يُعجَبُ به الشياطين …
وابتسم ابتسامة واسعة، ما لبثت أن تحوَّلَتْ إلى قَهْقَهة عالية، شاركه فيها بقية الشياطين، فلَمْ يكن هناك بالفعل ما يمكن أن يثير اهتمامهم ويحمسهم أكثر من مغامرة جديدة، وخطر جديد في أي مكان في العالم.