الأرقام السرية

لم يُصدِّق «أحمد» نفسه فلم يكن يتوقَّع أن يخدمه الحظ إلى هذا الحد، ففجأة وجد نفسه في المكان الذي به «ساندي راي» دون بحثٍ ولا مجهود …

ترك الرجل «أحمد» في الغرفة وحده … وكان «أحمد» يُحسُّ أنها فرصةٌ أن يقوم بفحص كل شيء الآن … لعله يعثر على معلوماتٍ تُفيده بشكلٍ أو بآخر … ولكنه فضَّل الانتظار للأيام القادمة … فلا بدَّ أن هناك مُراقبة له … باعتباره موظفًا جديدًا.

أما باقي الشياطين فكانت فرحتهم كبيرةً بهذا النجاح السريع والعثور على «ساندي» بهذه البساطة، وخاصة أن «أحمد» كان هو صاحب فكرة أن تكون «ساندي» هي مِفتاح بحثهم عن «كارل»، وعن الطائرة المفقودة.

أما «عثمان» و«بو عمير» و«زبيدة» فكانت المعلومات التي حصلوا عليها عن «ساندي» تكشف عن شخصيةٍ انعزالية؛ فهي تعيش وحيدةً في شقتها، لا يتردَّد عليها شخصٌ مُعيَّن، إنما بعض أصدقاء العمل … وهي ليست كثيرة الخروج أو السهر خارج منزلها … علاقتها حسنة بجيرانها وبزُمَلائها في العمل.

ولكن كان هناك شيء واحد لفت نظر الشياطين، وهو أن «ساندي» تذهب كل يومِ أحدٍ في الساعة التاسعة صباحًا إلى أحد مكاتب البريد الذي يبعد عن منزلها بنحو عشرة كيلو مترات تتسلَّم خطاباتها … والشيء الغريب أنه عند السؤال عنها في هذا المكتب، لم يجدوا أي صندوق بريدٍ يحمل اسم «ساندي راي» … مما يؤكد أن «ساندي» تتلقى خطاباتها تحت اسمٍ مُستعار، وهذا يعني أن هذه الرسائل تحتوي على أسرارٍ أو معلوماتٍ لا يَصحُّ أن تصِل إليها تحت اسمها الحقيقي … وعرف الشياطين أنها لم تذهب يوم الأحد السابق إلى مكتب البريد، وهو شيءٌ لم يحدُث منذ وصولها إلى «هامبورج».

وأدرك «أحمد» خطورة هذه المعلومات وبدأ شكُّه يزداد في علاقة «ساندي» بحادث الطائرة …

أحمد: «وهل يعرف أحدًا من جيرانها أين هي الآن؟»

زبيدة: عرفت من سيدةٍ عجوز أنها سافرت إلى «ميونخ»، في زيارةٍ لبعض أصدقائها هناك.

أحمد: من الواضح أن «ساندي» لها علاقات مُتعددة، ولكنها تحرص على التظاهر بغير ذلك … هيا نتغدى أولًا.

وقام الشياطين الخمسة إلى المائدة لتناوُل طعام الغداء.

وفي اليوم التالي بدأ «أحمد» عمله الجديد في الشركة بِهِمةٍ ونشاط، كأي موظفٍ جاد في عمله، وبعد حوالي ساعتَين من العمل بدأ في عملية التفتيش … ولكن بهدوءٍ وكأنه يبحث عن أي شيءٍ في المكتب، وكما توقَّع، لم يجد أيَّ شيءٍ يلفت نظره، ومضى اليوم دون أن تظهر «ساندي»، وكذلك لم تأتِ في اليوم التالي …

وبعد حوالي خمسة أيام دخل «أحمد» إلى مكتبه في الصباح، ووجد على المكتب الذي يُقابله فتاةً في حوالي الثامنة والعشرين من العمر شقراء … ملامحها جميلة ومطابقة للصورة التي أرسلها لهم رقم «صفر»، فلم يشك لحظةً أنها «ساندي» …

كانت «ساندي» تبحث عن شيءٍ في دُرج مكتبها، وهو المكان الوحيد الذي لم يقُم «أحمد» بتفتيشه، فقد كان مُغلقًا بالمفتاح ولم يُحاول فتحه بالقوة … حتى لا يلفت الأنظار إليه، أحسَّت «ساندي» بدخول «أحمد» إلى الغرفة فأغلقت دُرج المكتب ثم ابتسمت وحيَّته …

اتجه «أحمد» إلى مكتبه وأخذ يقوم بعمله بجدية … ولكنه كان يُراقب تصرُّفات «ساندي»، التي كانت لا تزال تبحث في أدراج مكتبها، ثم ارتفعت عنها تنهيدة ارتياح عندما عثرت على ورقةٍ صغيرة، قرأتها بلهفةٍ ثم طبقتها بعناية، ووضعتها في حقيبة يدِها … ثم أحسَّ «أحمد» أن ملامح «ساندي» بدأت تستريح وارتسمت على وجهها ابتسامة … وأدرك أن هذه الورقة التي كانت تبحث عنها «ساندي» لها أهمية كبيرة من المُهم أن يطلع عليها مهما كان الثمن …

رن جرس التليفون على مكتب «ساندي»، وتحدثت لحظةً ثم وقفت وأحضرت بعض المَلفَّات ثم غادرت الغرفة، وكانت هذه الفرصة ذهبية «لأحمد» أن يَطَّلِع على الورقة الصغيرة …

انتظر «أحمد» لحظات حتى يتأكد من ابتعاد «ساندي» عن الغرفة ثم وقف … وفتح الباب، ووجدها تسير في نهاية الممرِّ في طريقها إلى مكتب مدير الشركة … فأسرع وفتح الحقيبة ووجد الورقة في مكانها، ولكنه فضَّل أن يُصوِّر محتويات الورقة، وأخرج «أحمد» من جيب معطفه ولاعةً مُثبَّتًا بها كاميرا تصوير تعمل بالميكروفيلم، وقام بتصوير الورقة بسرعة … ثم أعادها إلى مكانها في لحظاتٍ … وأسرع إلى مكتبه يُتابع عمله وكأن شيئًا لم يحدُث، وما هي إلا لحظات حتى وجد «أحمد» … «ساندي» تفتح باب الحجرة واتَّجهت إلى مكتبها في هدوء، وبدأت عملها … ثم فجأة قالت له:

عرفتُ الآن أنك عربي ولكنك اجتزْتَ اختبارات العمل هنا في الشركة، رغم صعوبتها البالِغة، فأين درستَ الإليكترونيات؟

أحمد: كان أبي مهندسًا، وورِثتُ عنه حب الإلكترونيات باعتبارها أخطر تطوُّر تمَّ في السنين الأخيرة … فتابعتُ دراستها في كلية الهندسة …

ابتسمت «ساندي»، ثم قالت: حسنًا … وإنني سعيدةٌ بالتعرُّف عليك وسنتحدَّث كثيرًا فيما بعد … أما الآن فسوف أخرج لارتباطي بموعدٍ هام خاصٍّ بالعمل.

ثم غادرت الغرفة مُسرعة …

وقضى «أحمد» بقية الوقت يعمل بهمَّةٍ ونشاط … حتى انتهى موعد العمل، فعاد إلى مقر الشياطين … وقصَّ عليهم بسرعة ما حدث في الشركة، ثم أسرع إلى المعمل الصغير المُلحَق بالمقر، وقام بتحميض الفيلم، واستخرج صورة الورقة، ولدهشة «أحمد» فقد كانت الورقة تحوي بعض الأرقام … قد تكوَّنَت بطريقةٍ غريبة وكأنها أرقام فتح خزانة، وكانت الأرقام كالآتي:

«٣٤٧–٥٥–٧٧–٣٤٧–٢٩–٥٩».

ولم يستطع أيٌّ من الشياطين أن يستنتج السِّرَّ وراء هذه الأرقام … فقامت «إلهام» إلى جهاز الكومبيوتر وقامت بإعطائه هذه الأرقام، ولكنه لم يُعطِ لهم أي إجابة واضحة عنها …

فقرر «أحمد» أن يتَّصِل برقم «صفر» حتى تقوم معامل الأبحاث بفكِّ الشفرة في المقر السري بمحاولة فكِّ رموز هذه الأرقام …

وبعد حوالي خمس ساعاتٍ كان تقرير رقم «صفر» يصل للشياطين … وقد كان مفاجأةً كاملة لهم … فلم يتصوَّروا للحظةٍ واحدة أنهم وصلوا إلى السرِّ الخطير …

وكان تقرير رقم «صفر» في سطرٍ واحد: «هذه أرقام شفرة إطلاق الصواريخ النووية المُركَّبة في الطائرة.» …