وقت تنفيذ المهمة
رغم هيكله، كان «ليونز» أو «بيكر» شديد العنف ويتحرك بصعوبة، وقد جلس على أقرب مقعدٍ إليه، ومدَّ يدَه وأخرج كوبًا من البلاستيك واستخدمه في شُرب الماء، بعد أن وضع فيه قرصًا فوارًا، وبعد أن تناول القرص ألقى بالكوب في سلة المهملات …
وقام «أحمد» بأخذ كوبٍ آخر وشرب أيضًا، ثم ألقى الكوب عامدًا خارج سلة المهملات، وأخذ يعتذر، وهو يلتقِط الكوب ثم يضعه في السلة، ويأخذ الكوب الذي استخدمه «ليونز» ويُخفيه داخل ثيابه، ثم يتحدَّث إلى «ليونز» وساعته التي تحمل جهازًا للتسجيل دقيق الحجم … تُسجِّل الحديث …
ثم انصرف الجميع على موعدٍ في الغد … وعاد «أحمد» ومديره إلى السيارة.
وصل «أحمد» إلى المقر في الساعة السادسة مساء، وقص على الشياطين ما حدث وأسرع إلى المعمل لتحليل بصمات «ليونز» من على الكوب …
كذلك بدأ في تسجيل صوته على شريطٍ لإرسال البصمات والصوت إلى المقر الرئيسي؛ ليتعرَّف الخبراء على بصمات «ليونز» وهل هي بصمات «كارل بيكر»؟
كذلك مقارنة التسجيل بصوت «بيكر» المسجل في المقر السري منذ كان طالبًا في الجامعة …
وتسلم عميل رقم «صفر» هذه المعلومات، وبأجهزةٍ خاصة استطاع أن ينقل صورة البصمات، وكذلك الصوت إلى المقر السري الرئيسي للشياطين، حيث قام الخبراء هناك بفحص المعلومات …
وكانت المفاجأة الأولى أن البصمات ليست ﻟ «كارل بيكر»، ولكن الخبراء قالوا: إنه إذا كان قد أجرى عملية تجميل، فمن المُمكن تغيير البصمات أيضًا …
أما ذبذبات الصوت فكانت مُطابقة تمامًا لذبذبات صوت «كارل بيكر» المحفوظة في أرشيف المنظمة … وهذا يعني أن الشياطين كانوا في الطريق الصحيح … وأن استنتاجات «أحمد» كلها كانت دقيقة … وقد تسلم «أحمد» رسالةً شخصية من رقم «صفر» يُطالب فيها بتجنب الأخطار … وسرعة إنهاء المهمة …
كان الشياطين سعداء برسالة رقم «صفر» … وكانوا يعرفون أيضًا أن إنهاء العملية بنجاحٍ يستدعي جهدًا خارقًا …
قام «أحمد» و«بو عمير» و«إلهام» بوضع خطة العمل في حالة غياب «أحمد» أو عدم قُدرته على مغادرة أرض المفاعل … أو تعرُّضه لأخطارٍ تمنعه من الاتصال بالشياطين …
وفي التاسعة صباحًا كان «أحمد» يقف أمام باب الشركة انتظارًا للعربة التي ستُقِلُّه إلى المفاعل النووي … وعلى امتداد الطريق كان «أحمد» يُفكر فيما سيفعله مع «كارل بيكر» … وكذلك عن التجربة النووية الجديدة التي يعمل بها … ولم ينتَهِ من أفكاره إلا عندما أخبره السائق أنهم وصلوا بالفعل إلى المفاعل …
كانت ترتيبات استقبال «أحمد» مُعَدَّة، وبعد دقائق كان في المعمل وبدأ عمله في مراقبة التفاعلات الناشئة عن استخدام قذيفةٍ نووية صغيرة، استمرَّ العمل ما يقرُب من ثلاث ساعاتٍ، وعند اكتمال التجارب والبدء في العملية النهائية طلب دكتور «فوجل» تليفونيًّا الاستعانة ﺑ «ليونز»؛ لكي يَدُلَّهم على كيفية استخدام الشفرة السرية …
وصل «ليونز» أو «كارل» ومعه أحد الرجال، وكان يبدو أن صحته قد تحسَّنَت قليلًا عن أمس، وإن بدت عليه دلائل التوتُّر، وأخذ يُحدِّث «فوجل» بصوتٍ منخفض، أخذ يرتفع تدريجيًّا … وسمع نبرة غضب واضحة … ولم يدْرِ «أحمد» ما السبب! … حتى سمع المدير الذي حضر في تلك اللحظة، وقال:
لقد وعدتُك أن تراها في خلال أيامٍ وأنا عند وعدي، فقط أكمِل التجربة ودعْ لي ترتيب سفركما كما أخبرتُك من قبل، لتعلم أن كل شيءٍ يسير على ما يُرام … فنحن لا نتراجع عن وعدٍ قطعناه على أنفسنا.
بدأت ثورة «كارل» تهدأ واختار كرسيًّا دوَّارًا أمام أحد أجهزة التحكُّم الإلكترونية، وأخذ يعمل بهمةٍ وحذَر … وأصابعه تُحرِّك الأزرار الإلكترونية في مهارةٍ شديدةٍ …
وقف «أحمد» وطلب الإذن لدخول دورة المياه، وأخرج جهاز الإرسال الصغير، وبدأ في إرسال رسالةٍ إلى الشياطين الأربعة الذين كانوا على بُعدٍ من بوابة دخول المفاعل، في انتظار إشارة البدء لتنفيذ خطة «أحمد».
وبعد دقائق عاد «أحمد» مرَّةً أُخرى إلى الغرفة، وبدأ في مساعدة العالِم وكتابة تقرير عن سَير التجربة، وكان كل شيء يسير على ما يرام.
وبعد حوالي ساعة قال دكتور «فوجل»: أعتقد أن التجربة تسير سيرًا حسنًا … وسأذهب الآن للراحة، وتناوُل فناجين من الشاي، وسأعود إليكما بعد قليل …
ووجد «أحمد» في ذلك فرصته الذهبية لكي ينفرد «بكارل» ليُخبره بالحقيقة عن «ساندي»، التي تردَّد اسمها على لِسانه أثناء غضبه …
اقترب «أحمد» من «كارل» وقال له:
إنك من أمريكا كما سمعت.
ردَّ كارل باقتضاب: نعم.
أحمد: إنها بلادٌ قوية وجميلة.
لم يرد «كارل» ولم يجد «أحمد» بدًّا من مصارحته بالحقيقة، وقال:
اسمع مستر «كارل».
نظر إليه الرجل بدهشةٍ شديدة، وترك كل شيء والتفت إليه … فقال «أحمد»:
إنك لست «ليونز» … أنت «كارل بيكر» الطيار الأمريكي … وأنا أعرف كلَّ شيءٍ عنك، وعن الطائرة المخطوفة … والصواريخ النووية وعملية التجميل التي أُجْرِيَت لك.
بدا الذُّعر على وجه «كارل»، فعاد «أحمد» يقول:
إنني صديق … صدِّقْني؛ إنني أريد أن أساعدك … إن كل من حولك يخدعونك!
كارل: من أنت؟
أحمد: قلت لك إنني صديقٌ يُريد مساعدتك.
قام «كارل» من مكانه وهو يصيح:
أنت خائن … من الذي أتى بك إلى هذا المكان؟!
وأسرع «كارل» إلى باب الغرفة يُريد أن يفتحه، ولكن «أحمد» قفز بسرعةٍ وحال بينه وبين الباب، وقال:
سأقول لك الشيء الذي يؤيد كلامي … إنك كنت تطلُب من المدير أن ترى خطيبتك السابقة «ساندي راي» … ولكن «ساندي راي» يا صديقي ودَّعَت الحياة أمس … لقد أطلقوا عليها النار!
«كارل»: لا يمكن … لقد فعلتُ كل هذا من أجل «ساندي»!
أحمد: إنني أقول لك الحقيقة.
كارل: ولكن «ساندي» كانت معي أمس!
وقبل أن يرد «أحمد» فتح الباب ودخل دكتور «فوجل».