الليل
رَحِمَ اللَّيْلُ أَعْيُنَ السُّهَّادِ
وَمَحَتْ كَفُّهُ الشُّعَاعَ الْمُنَادِي
أَخْرَسَتْ كُلَّ صَيْحَةٍ فِي فَمِ الشَّمْـ
ـسِ وَمَالتْ بِكِبْرِيَاءِ الْمِهَادِ
وَبِمِثْلِ الْحَنَانِ سَرْبَلَتِ الْكَوْ
نَ بِبَرْدٍ مِنْ هَيْنَمَاتِ السَّوَادِ
أَيُّ رَبٍّ يَا لَيْلُ أَنْتَ رَئِيفٌ
بِتَجَنِّي الْوَرَى وَرِجْسِ الْعِبَادِ
مَا كَسَوْتَ الْوُجُودَ لُطْفَكَ إِلَّا
خَجَلَ الشَّوْكِ بِالرُّءُوسِ الْحِدَادِ
وَاسْتَفَاقَتْ عَلَى يَدَيْكَ الْأَمَانِي
حَالِمَاتِ الْأَلْوَانِ وَالْأَوْرَادِ
تَمْلِكُ الْغَمْرَ وَالتُّرَابَ كَمَا يَمْـ
ـلِكُ قَلْبَ الْعَذْرَاءِ حُلْمٌ غَادِ
ثُمَّ تَغْشَى الْجَوَّ الْفَسِيحَ وَتَنْسَا
بُ حَيَاةً رَيَّانَةً فِي الْجَمَادِ
وَيَفِيضُ الْجَمَالُ مِنْكَ فَلَا يَبْـ
ـقَى قَبِيحٌ فِي الْكَوْنِ إِلْفَ حِدَادِ
بَسْمَةٌ أَنْتَ فِي السُّفُوحِ وَعَفْوٌ
دَائِمُ الْفَيْضِ دَائِمُ الْمِيلَادِ
كُلُّ حُسْنٍ مِنْ فَضْلِ كَفِّكَ حُسْنٌ
رَوْعَةُ الصَّمْتِ وَالْجَلَالِ الْبَادِي
انْظُرِ الْأَرْضَ حِينَ تَلْفَحُ أَنْفَا
سُكَ وَجْهَ السُّهُولِ وَالْأَنْجَادِ
تَرَهَا وَالْخُشُوعُ هَدْهَدَ عِطْفَيْـ
ـهَا تَهَادَتْ بِالْإِثْمِدِ الْمُتَهَادِي
فَشِفَاهُ الْوُرُودِ فَوْحُ بَخُورٍ
مُرْسَلٌ فِي مَجَاهِلِ الْأَبْعَادِ
تَنْحَنِي دُونَكَ الْبَرَايَا وَتَنْهَدُّ
سُكَارَى بِنَشْوَةِ الْعُبَّادِ
فَالتَّسَابِيحُ مِنْ صُدُورِ الرَّوَابِي
صَاعِدَاتٌ وَمِنْ ذُرَى الْأَطْوَادِ
وَالضَّرَاعَاتُ تَائِهَاتٌ عَلَى رِجْـ
ـلَيْكَ مَسْفُوحَةٌ عَلَى كُلِّ وَادِ
شَرَّبَتْكَ الدُّنْيَا كَمَا تَتَمَلَّى
هَاطِلَاتِ الْغُيُوثِ عَطْشَى الوِهَادِ
عَبَدَ النَّاسُ دُونَكَ الشَّمْسَ فِي الْأَعْـ
ـصُرِ قِدَمًا فَيَا لَجَهْلِ الْعِبَادِ
مَرَّغُوا الْهَامَ دُونَ «مَرْدُوكَ» فِي بَا
بِلَ خَوْفَ السَّنَا الْمُشِعِّ الْبَادِي
وَاسْتَذَلُّوا حِيَالِ «آتُنِ» مِصْرَ
قَبْلَ فَجْرِ الْأَهْرَامِ قَبْلَ الْعَوَادِي
وَثَرَى الصِّينِ خَافِقٌ بِدَمِ الْكُهَّـ
ـانِ غِبَّ الصَّلَاةِ فِي الْأَعْيَادِ
آنَ تَسْتَقْبِلُ الْخُدُودُ الْمَدَى وَالْـ
أَرْجُلُ النَّارَ وَالْجُمُوعُ نَوَادِ
وَيُذَرُّ الْأَرُزُّ وَالْمِلْحُ فِي النَّا
رِ فَتَزْدَادُ فَوْقَ كُلِّ ازْدِيَادِ
وَتَوَالِي الْفَحِيحِ فَهْيَ أَفَاعٍ
تَتَلَوَّى جَرِيحَةً فِي الرَّمَادِ
وَعَذَارَى حُرِمْنَ فِي طُرُقِ الشَّمْـ
ـسِ نَوَاجِي الْهَوَى وَدِفْءَ الْوِدَادِ
خَالِعَاتٍ مُنَى الشَّبَابِ عَلَيْهَا
وَاهِنَاتٍ فِي عُزْلَةِ الزُّهَّادِ
ظَامِئَاتٍ لِلْحُبِّ فِي مَسْرَحِ النُّو
رِ فَهَلْ نِلْنَ غَيْرَ غُصَّاتِ صَادِ
حَمَّلُوهُنَّ فَوْقَ مُتَّسَعِ الْأَنْـ
ـفُسِ طُهْرًا وَتِلْكُمُ الْأَجْسَادِ
سَائِلُوا بَعْلَبَكَّ هَلْ شَهِدَتْ
شَمْسُكِ إِلَّا مَوَاكِبَ اسْتِشْهَادِ
سَائِلُوهَا كَمْ مَرَّةٍ نَثَرَ السَّيْـ
ـفُ عَلَى حَدِّهِ سَنَى الْأَجْيَادِ
عَبَدَ النَّاسُ وَحْدَةَ الضَّوْءِ قِدْمًا
وَفَدَوْهُ بِطَارِفٍ وَتِلَادِ
رَهِبُوا الْوَهْجَ فِي الْمَشَارِقِ وَارْتَدُّ
وا حَيَارَى فِي سِرِّهِ الْوَقَّادِ
لَوْ دَرَوْا بَعْضَ مَا تُكِنُّ لَخَرُّوا
فِي الْعَشِيَّاتِ فَوْقَ صَدْرِ الْجِهَادِ
كُنْتَ قَبْلَ الزَّمَانِ فِي خَاطِرِ الْغَيْـ
ـبِ وَتَبْقَى عَلَى مَدَى الْآبَادِ
حِينَ لَا تُشْرِقُ الشُّمُوسُ وَلَا يَلْـ
ـمَعُ فِي الْأُفْقِ كَوْكَبٌ فَوْقَ حَادِ
وَتَمُوتُ الْأَزْهَارُ إِلَّا أَرِيجًا
فِي حَوَاشِيكَ عَالِقًا فِي الْبِجَادِ
وَتَرُوحُ الدُّنَى يُجَلْبِبُهَا الثَّلْـ
ـجُ بِأَكْفَانِهِ وَتَمْضِي بِدَادِ
فَإِذَا أَنْتَ وَاحِدٌ أَرْوَعُ الْوَحْـ
ـشَةِ تَسْمُو إِلَى ذُرَى الْآحَادِ
أَنَا أَهْوَاكَ فِي الشِّتَاءِ غَضُوبًا
بَيْنَ لَمْعِ الْبُرُوقِ وَالْإِرْعَادِ
غَضَبَ الْمُؤْمِنِينَ تَحْتَ مَثَارِ النَّـ
ـقْعِ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى وَالْجِهَادِ
تَرْزَحُ الْبِيدُ تَحْتَ عَصْفِكَ خَوْفًا
وَتَمِيدُ الْجِبَالُ غَيْرَ جِلَادِ
أَنَا أَهْوَاكَ فِي الرَّبِيعِ رَقِيقَ الْـ
ـبَثِّ حُلْوَ الْمُنَى كَوَجْهِ بِلَادِي
تَحْلُمُ الشُّهْبُ فِي ذُرَاكَ عَلَى الْأَدْ
وَاحِ مَأْخُوذَةً بِتَرْجِيعِ شَادِ
وَتَكَادُ الْحَيَاةُ تَسْعَى مَعَ الرِّيـ
ـحِ عَلَى كُلِّ مُورِقٍ مَيَّادِ
أَنَا أَهوَاكَ فِي الْخَرِيفِ وَفِي الصَّيْـ
ـفِ وَأَهْوَاكَ فِي غِنَاءِ الْحَادِي
لَيْتَ لِي ضَمَّةً أَشُدُّكَ فِيهَا
بِذِرَاعَيَّ مُعَانِقٌ مُتَمَادِ
فَيَمِيلُ الْوُجُودُ حَوْلِي وَيَنْهَا
رُ وَتَبْقَى مُخَلَّدًا لِفُؤَادِي