الفصل الثاني
لو عرف الناس الجمال في كل جميلٍ، لتبيَّنوا القبح جليًّا، فإنْ أدركوا الخير في كل صفات الخير، تجاهروا بكل نعوت الشر؛ فلذلك يولد الوجود والعدم ضدين مُتقابِلَين، ويتبادل اليُسر والعُسر المواقع، ويحلُّ الطول محل القِصر، تتساند الذرا والوهاد على مُتَّكأ واحدٍ، وينسجم رنين الصوت في الصدى، فيسعى اللاحق في إثر مَن مضى؛ فلأجل هذا يُقيم القديسون بحال من الزهد؛ يعظون بغير تراتيل، يرضون والعالم سخط، يقنعون والناهب ينتهب.
إنهم الكرماء تحت بهاء العزَّة، لا يتباهون بفضلٍ إذا فاضت تحت أيديهم ساحات الرخاء، فيدوم لهم دوام بقاء الذكر خالدًا خلود المدى.