الفصل الرابع والخمسون
لا زوال لما استقر منبتُ جذوره،
ولا انفلات لما عانقته السواعد؛
هي أشياء تتوارثها الأجيال،
ويسير بها موكب الأحفاد في إثر الأجداد،
مسيرة دهريةٌ لا تتبدل،
مسلك لخلق فاضله؛١
فاتخذ لنفسك معيارًا تصلح به شأنك؛
ترى الناس سمت خلق واحد،
من معدن أصفى، ومشرب أنقى وأطهر؛
ثم اتخذه نموذجًا يحتذيه أهل بيتك،
تجد الفضل فيهم بالغًا حد التمام،
واتخذه مرشدًا لترتيب أحوال عشيرتك،
تجد الفضل فيها مكتنفًا كل ساحة؛
واتخذه مفتاحًا للخير في مدينتك،
تجد الفضل فيها رائجًا في كل ناحية،
واتخذه سياسة تسوس بها،
شئون مملكتك المترامية تحت السماء،
تجد كريم الفضائل في كل ربوعها؛
لذلك فمعيارك للحكم على أخلاق الفرد،
هو مجموع فضائل الفرد نفسه؛
ومعيارك للحكم على أخلاق أسرتك،
هو مبلغ الفضائل السائدة فيها؛
ومعيارك للحكم على أخلاق عشيرتك،
هو ما استقرَّ فيها من فضائل؛
ومعيارك للحكم على أخلاق مدينتك،
هو جملة الفضائل المعهودة فيها؛
ومعيارك في مراقبة أخلاق مملكتك،
هو المبدأ الأخلاقي الذي جرت عليه طبائعها.
فما وسيلتي إذن،
في معاينة الطيب والخبيث،
من أحوال الدنيا؟
فالوسيلة في ذلك،
هي عين ما تقدَّم لك ذكره آنفًا،
[… فتأمل ذلك!]
١
لا بد من التذكير، هنا، بأن ما يقصده «لاو تسو»
بالفضائل والأخلاق، يختلف عما تُشير إليه
الكونفوشية، ذلك أنه يرفض تمامًا مفهوم الأخلاق
الكونفوشية (أخلاق النبلاء السادة المهذبين …
دعاوى الكذب والنفاق … إلخ)، مفهوم يربط بين
نظريته عن الأخلاق في هذا الفصل وتصوراته لملامح
نظرية معرفية (سادت كثيرًا في الصين القديمة)، ترى
أن إصلاح الفرد لشئونه الذاتية بواسطة السير على
نهج الطاو، كفيل بأن يفتح له آفاق الفهم، ويبصره
بأنماط السلوك القائمة لدى الفرد والأسرة فالعشيرة
والمجتمع بل الدنيا بأسرها؛ فمعرفة الفرد لنفسه هي
وسيلته لمعرفة العالم كله من حوله.
(المترجم)