الرائدات
(١) الوردتان
والغريب أيضًا أن أوليات الرائدات، كأوائل الرواد، قد كان أدبهن شعرًا، فعندما مات فرنسيس المراش نظمت أخته مريانا قصيدة في رثائه، وبعثت بها إلى «الجنان»، فتهلل لذلك المعلم بطرس، ورحب بها في جنانه؛ لأن المعلم كان أول من دعا لتعليم المرأة.
فلمريانا المراش دُوَيْوِين شعر مطبوع، أما الرائدات الأخريات فهمن وردة الترك، ووردة اليازجي، وعائشة تيمور.
فلوردة اليازجي ديوان سمته «حديقة الورد» افتتحته بأبيات وجهتها إلى سميتها وردة نقولا الترك، وهذا مطلعها:
أما عائشة تيمور الرائدة فلها شعر طيب، وهي عندي أخطر شأنا من وردتينا، ومن مريانا، كما أنها تفوق ديباجةً الكثيرين من طلائع الرواد. لعائشة ديوان «حلية الطراز» أهدت نسخة منه إلى اليازجية فشكرتها هذه بقصيدة. ومن حق النساء أن يتشبهن بالرجال، وخصوصًا في تقارض الثناء الذي قال شوقي إنه يغرهن … قالت وردة:
ولوردة مشاركة في قول الرثاء، فكأنها فيه بنت أبيها حين تقول راثية مارون النقاش:
وكأن القدر قد أطال عمر وردة؛ لترثي جميع أهلها حتى أخاها إبراهيم فتشبه نفسها بالخنساء، حين تقول، والضمير عائد إلى الخنساء:
(٢) عائشة تيمور
هي بنت إسماعيل باشا تيمور، أخذت العلم من وراء الحجاب، عن جلة المشايخ وكانت تصغي إلى مذاكراتهم كلما اجتمعوا في مجلس أبيها، ومن شعرها قولها في وصف نفسها:
وقد قالت بعد شفائها من رمد أصابها:
ثم عاودها ذاك الرمد، فقالت:
وهذه الشاعرة الكبيرة — بالنسبة إلى العصر — من فئة المستعربين، فهي تركية أصلًا، ومصرية وطنًا، ولها شعر قسمته «ميٌّ» في درسها لها إلى خمسة أقسام:
الغزلي، والأخلاقي، والديني، والعائلي، وشعر المجاملة. ولعل أروع شعر عائلي قرأته لها، فأحسست بقشعريرة، رغم أن جلدي سميك … هو قول الشاعرة بلسان ابنتها «توحيدة» التي فقدتها:
أما الأم فتجيب في القصيدة نفسها:
هذه هي الرائدة الكبيرة التي درستها «مي» في المقتطف درسًا مطولًا، فهل تنبري كاتبة من كاتباتنا لدراسة باحثة البادية وميٍّ، فتقضي ما وجب علينا من الحقوق نحو هاتين اللتين يصح فيهما ما قاله النابغة في الخنساء.