الشاهد المشلول
ازدادت علامات الاهتمام على وجه «أحمد» … وسكت الولد لحظات ثم مضى يقول: إنني أعرف جميع السيارات التي تقف في شارعنا وأعرف أرقامها؛ لأنني أجلس هنا أغلب الوقت أرقب ما يحدث في الشارع … وأتفرَّج على مباريات الكرة … سواء في الشارع أو في ملعب الزمالك.
أحمد: إنك ولد رائع.
وحيد: لقد كنت أتمنى أن أكون لاعب كرة … ولكن شلل الأطفال هاجمني وجعلني عاجزًا عن الحركة.
أحس «أحمد» أن يدًا حديدية تعتصر قلبه … ولكنه ابتسم ابتسامة مشجعة، وقال: ستُشفَى بإذن الله وتحقِّق أمنيتك.
وحيد: لا أظن ذلك … فلا بُدَّ من سلسلة من العمليات الجراحية التي تتكلف كثيرًا ونحن لسنا أغنياء.
أحمد: بإذن الله ستجد من يساعدك … سواء من الحكومة أو من غيرها …
الولد: آسف أن أشغل وقتك بالحديث عني.
أحمد: أبدًا … إنني أشكرك كثيرًا.
الولد: في ذلك اليوم لاحظتُ وجود سيارة من طراز كاديلاك، وهو طراز نادر الوجود في شارعنا على الأقل.
أحمد: هل تعرف أنواع السيارات بسهولة؟
الولد: نعم … وعندي سيارات أقصد نماذج لأغلب السيارات وأنواعها … وأبي يُحضر لي الكتالوجات الخاصة بالسيارات.
أحمد: عظيم!
وحيد: إنها من طراز كاديلاك موديل ١٩٥٨م.
أحمد: إنها قديمة.
وحيد: نعم … ولكنها في حالة جيدة جدًّا … تبدو وكأنها خارجة من المصنع …
أحمد: وبعد …
وقفت السيارة بجوار المنزل الذي يُطِلُّ على الناصية … ولم أستطع أن أشاهد من فيها … ولكن وقوفها الطويل أثار انتباهي … وعندما أخذ الأولاد يخرجون من المدارس وبدأت مباريات الكرة … لاحظت أن رَجُلين قد خرجا من السيارة ووقفا على قمة الشارع، ثم عادا بعد قليل وقادا السيارة إلى نهاية الشارع … وكان واضحًا من وقفتهما أنهما يراقبان أحدًا …
أحمد: كيف عرفت؟
وحيد: من تحركهما الدائم … فهما لا يقفان في مكان واحد … بل يتحركان معًا أو كل واحد وحده … ولكنَّ عينيهما مركزة على شخص واحد؛ هو «هشام»!
زاد انتباه «أحمد» لحديث «وحيد» وقال مشجعًا: وماذا حدث بعد ذلك؟
وحيد: كانا يتبعان تحركاته في انتظار لحظة مناسبة … وقد جاءت اللحظة عندما دخلت الكرة إلى الشارع الضيق، وسقطت خلف السيارة الكاديلاك الكبيرة … في لحظات كان الرجلان ينقضَّان على «هشام» … الذي كان قد انحنى على الأرض للبحث عن الكرة … وفتحا غطاء الشنطة الخلفية للسيارة وألقياه فيها … ثم انطلقت السيارة بأقصى سرعتها …
أحمد: وهذه المعلومات … هل أبلغتَها للشرطة؟
وحيد: لم يسألني أحد!
أحمد: هل تذكر رقم السيارة؟
وحيد: لم يكن في إمكاني أن أراها بالكامل … ولكن نهاية الأرقام كانت ٦٦.
أحمد: أشكرك كثيرًا …
وحيد: كنت أريد أن أدلي بهذه المعلومات لمن يستفيد منها، ولكني مشلول ولا أستطيع الذهاب إلى الشرطة.
أحمد: إنها معلومات على جانب كبير من الأهمية … وسوف يتم الاستفادة منها لإنقاذ «هشام».
وحيد: أتمنى أن تخبرني بوجوده إذا عثرت عليه … فقد كنت مُعجبًا به جدًّا.
أحمد: سأخطرك بذلك … وربما بأشياء أخرى.
ونزل «أحمد» وصديقه «شريف».
وأسرع «أحمد» إلى سيارته بعد أن اتفق مع «شريف» على لقاء آخر.
دخل «أحمد» المقر السري للشياطين في حي الدقي، وكان بقية الشياطين في انتظاره … وقال «عثمان» على الفور: لقد وصلت رسالة لاسلكية من رقم «صفر-١».
تقول: «إن رقم «صفر» قد غادر مصر إلى جهة غير معلومة … وهذا يعني أن الولد المخطوف تم نقله من مصر …»
وقعت هذه الأخبار على «أحمد» وقْعَ الصاعقة … فإذا كان «هشام» قد خرج من مصر … فإن جميع المعلومات التي حصل عليها من «وحيد» لا قيمة لها … فارتمى على أقرب مقعد حزينًا واجمًا …
ولكن بعد لحظات استعاد نفسه وقال: ربما يكون ذلك صحيحًا … وربما لا يكون … لقد حصلتُ معلومات هامة عن عملية اختطاف «هشام» …
وأخذ يشرح لزملائه الثلاثة ما حصل عليه من معلومات … ثم طلب من «إلهام» أن تتصل بعميل رقم «صفر» في القاهرة، وتطلب التحري عن السيارة الكاديلاك السوداء … ثم استلقى على الفراش واستسلم للنوم.
خرج الشياطين الثلاثة وتركوا «أحمد» ليرتاح … أخذوا يسيرون في شوارع الدقي متجهين إلى أحد فنادق القاهرة … والذي كان يُطل على النيل، في مشهد من أجمل مشاهد القاهرة.
وعندما وصلوا إلى مدخل الفندق، توقَّف «عثمان» فجأة وأخذ ينظر إلى شخص دخل الفندق قبلهم … ثم ترك «إلهام» و«زبيدة» قائلًا: نلتقي في الكافيتريا.
أسرع «عثمان» خلف الرجل الذي اتجه ناحية المصاعد … ووقف أمامه … وقف «عثمان» ينتظر المصعد أيضًا. والتفت إليه الرجل، وألقى إليه نظرة غامضة … وتظاهر «عثمان» بأنه ينظر إلى أرقام المصعد التي كانت تتصاعد كلما مرَّ المصعد بأحد الأدوار … وأخيرًا وصل المصعد، ودخل المنتظرون وكانوا أربعة … ودخل «عثمان» أيضًا، وبطرف عينه نظر إلى يد الرجل وهو يضغط زر الطابق الثاني والعشرين … كان الرجل طويلًا ونحيفًا، ولكن من الواضح أنه قوي العضلات … وكان يرتدي معطفًا أسود … ليُخفيَ الجزءَ الأكبر من وجهه … الذي يُشبه وجه الفأر.
وصل المصعد للطابق الثاني والعشرين … وخرج «عثمان» أولًا … ولكنه تظاهر بأنه يربط رباط حذائه حتى تتاح له الفرصة ليرى أين يذهب ذو المعطف الأسود …
رآه «عثمان» يتجه إلى ١٠ / ٢٢ ويفتح الباب، وذهب «عثمان» إلى الناحية الأخرى حتى لا يثير شكوك الرجل … ثم انتظر دقيقة، وعاد للمصعد مرة أخرى … ووقف ينتظر … وهو يختلس النظر إلى باب ١٠ / ٢٢ … وكانت مفاجأة له عندما لاحظ أن الباب لم يكن موصدًا بالكامل … بل كان مفتوحًا قليلًا … وثمة شخص يقف خلفه يراقبه … تأكدتْ شكوك «عثمان» فهو يتذكر هذا الوجه … لقد رآه من قبل في إحدى مغامرات الشياطين اﻟ «١٣» في أمريكا …
وما دام الرجل يراقبه هو الآخر فمعنى هذا أن شكوكه في موضعها … فهذا الرجل المريب أحد أفراد العصابات … التي اشتبك معها الشياطين اﻟ «١٣» … فما هي مهمته في القاهرة؟!