رقم «صفر» غاضب
كان هناك شبحان أسودان يقفان على الشاطئ … وفي يد كل منهما مسدس يلمع على وهج الأضواء البعيدة … ورفع أحدهما يده بالمسدس، وكان واضحًا أنه سيهوِي به على رأس «عثمان» … عندما انطلقت رصاصة في الظلام أطارت المسدس من يد الرجل، وارتفع صوته مزمجرًا … وقفز «عثمان» على الرجل الآخر قبل أن يُفيق من أثر المفاجأة.
لم يعرف «عثمان» مصدر الطلقة … كان الظلام كثيفًا والأرض موحلة، واستطاع الرجل الإفلات من قبضة «عثمان»، وأطلق ساقيه للريح … وفي هذه اللحظة سمع «عثمان» صوت «إلهام» تقول: «عثمان»!
ردَّ «عثمان»: ماذا حدث؟
إلهام: لقد أرسلت «زبيدة» إلى «أحمد» لتبلغه بالتطورات، وركبتُ سيارة وانطلقتُ بجوار شاطئ النيل لأراقب فيها اليخت حتى توقَّف عند الجزيرة، فنزلت وحضرت.
عثمان: لقد حضرتِ في الوقت المناسب.
إلهام: لقد هرب الرجلان، ولم أُرِدْ إحداث ضجَّة تلفت الأنظار.
عثمان: خيرًا فعلتِ … إنهم ذاهبون إلى حلوان باليخت … وأعتقد أن ثمة طائرةً مُعدَّة لنقل بعض الأشخاص أو شخص واحد خارج مصر.
سار الاثنان حتى اجتازا الجزيرة … ووجدا القارب الذي حضرت فيه «إلهام» ما زال مكانه، فركباه واتجها إلى شاطئ النيل، حيث كانت أضواء الكازينوهات اللامعة وأضواء الشوارع تُبدِّد الظلام.
كانت ثياب «عثمان» المُبلَّلة والريح الباردة أكثر مما يحتمل، فقالت «إلهام»: سنعود فورًا إلى المقر السري.
عثمان: ولكن …
إلهام: ليس هناك ما يمكن عمله … وسنرى ما هي معلومات «أحمد» وكيف نتصرف.
استقلَّا تاكسيًا إلى المقر في الدقي … وعندما وصلا إلى هناك لم يجدا «أحمد» ولا «زبيدة» وكانت هناك رسالة مكتوبة من «أحمد».
«لقد حدَّد لي عميل رقم «صفر» تحركات السيارة الكاديلاك … إنها ملك شخص يدعى «معوض الشامي» وهو ليس مصريًّا ويقيم في شارع بالمعادي … سأذهب مع «زبيدة» لاستطلاع الموقف … وسأتصل تليفونيًّا.»
أسرع «عثمان» بتغيير ثيابه، وأعدت له «إلهام» فنجانًا من الشاي الساخن، وأحسَّ بالدِّفء والراحة … وفي هذه اللحظة أشارت اللمبة الحمراء أن ثمة رسالة من «ش. ك. س».
وأسرعت «إلهام» تتلقى الرسالة …
كانت من نائب رقم «صفر»: «إلى ش١٣ … ما هي الأخبار؟»
ردَّت «إلهام» على الفور: «لقد وضعنا أيديَنا على بعض المعلومات الهامَّة … إننا نُرجِّح أن «هشام» ما زال في القاهرة، أرجو أن نتمكَّن من إنقاذه.»
من «ش. ك. س» إلى ش١٣
«اتصل رقم «صفر» منذ ساعة … وهو غاضب جدًّا لتدخُّلكم ويطلب منكم العودة فورًا.»
فكَّرت «إلهام» قليلًا ثم تحدثت مع «عثمان»، وقال «عثمان»: إن تعليمات رقم «صفر» لا يمكن تجاهلها!
إلهام: ولكننا نكاد نصل إلى شيء مهم.
عثمان: الحل الوحيد هو أن نُسرع في العمل، لا بُدَّ أن ننتهيَ منه الليلة.
إلهام: وماذا تقترح؟
عثمان: قولي له إننا سنعود غدًا، ولعلنا نستطيع الوصول إلى «هشام» في هذه الليلة.
من ش١٣ إلى «ش. ك. س»
«سنُنفِّذ تعليمات رقم «صفر» ونعود غدًا.»
وعادت إلى «عثمان» … وجلسا بجوار التليفون في انتظار مكالمة «أحمد» … ولم ينتظرا طويلًا … فقد دقَّ جرس التليفون وتحدث «أحمد»، وعندما سمع صوتَ «عثمان»، قال: الحمد لله …
عثمان: لقد اتصل رقم «صفر» بالمقر السري … وطلب عودتنا فورًا … لأننا تدخَّلنا … دون إذن منه.
أحمد: لقد رأيت رقم «صفر»!
ذُهل «عثمان» — فهذه أول مرة يرى فيها أحد الشياطين رقم «صفر» — وقال: كيف؟
أحمد: إنني لم أره طبعًا وجهًا لوجه … ولكنني عندما وصلتُ إلى رقم ١ بشارع بالمعادي وجدتُ فيلَّا مطفأة الأنوار … ووجدت السيارة الكاديلاك موجودة في الحديقة … ونزلت مع «زبيدة» … وقد قرَّرنا فتح الفيلَّا، ومحاولة العثور على «هشام» فيها، أو على أي دليل يمكن أن يَهديَنا … وعندما اقتربنا من الباب متستِّرين خلف أشجار الحديقة، شاهدت شبحًا يمرق خارجًا … كان الظلام كثيفًا … ولكني عرَفت من الهيكل الخارجي للرجل أنه رقم «صفر»، ولعلك تذكر أننا رأيناه من مسافة بعيدة في بيروت … وقد تأكدت، عندما سار على ممر الحديقة … وسمعت نفس الخطوات الثقيلة.
عثمان: معنى ذلك أنه حصل على نفس المعلومات؟
أحمد: نعم … ولكن ربما بطريقة أخرى.
عثمان: ما العمل؟
أحمد: ما هي معلوماتك؟
عثمان: إنهم الآن في حلوان … في مكان قريب من الكوبري العالي.
أحمد: تعالَ أنت و«إلهام» فورًا. سننتظركم عند «الجود شوط».
عثمان: فورًا!
أسرع «عثمان» و«إلهام» إلى السيارة المرسيدس، ولم ينسَ «عثمان» أن يأخذ معه الأسلحة الكافية.
قادت «إلهام» السيارة كالريح … وبعد نصف ساعة كانوا أمام «الجود شوط»، وكانت السيارة المرسيدس الثانية تقف أمام باب الكازينو وفيها «أحمد» و«زبيدة» … وانطلقت السيارتان في طريق حلوان.
كان الأربعة يفكرون في شيء واحد … البحث عن اليخت الأبيض قرب الكوبري العلوي … ولم يكن ذلك صعبًا …
بعد نحو ربع ساعة أشرفا على منطقة المصانع في «حلوان»، ولحسن الحظ كان انسياب المرور معقولًا، فلم يتعطَّلا في العبور في دائرة الكوبري … ثم مرَّا فوقه … ونزلا مرة أخرى في الجانب الآخر منه …
كانت هناك مجموعة من المقاهي والبيوت الصغيرة تحيط بالمكان، فاختارا الجانب الآخر من الشارع حيث تتجاوز مئات من أشجار النخيل، ويمكن أن تُخفيَ أيَّ شيء. نزل الأربعة من السيارتين واتجهوا إلى شاطئ النيل … لم يستغرق البحث سوى عشر دقائق، وشاهدا اليخت الأبيض يقف عند الشاطئ … ونزلوا إليه.
كان اليخت مُطفأ الأنوار عدا ضوء واحد ينبعث من المقدمة، حيث كان ثمة حارس يقف وحده … أشار «عثمان» … أنه سيتكفَّل به …
فهمس «أحمد»: نريده سليمًا حتى نتحدث معه!
أخرج «عثمان» كرته الجهنمية، وقرَّر أن تكون الضربة متوسطة الشدة، بحيث تُسقِط الرجلَ وقد فقد وعيه …
اقترب حتى مسافة خمسة أمتار … ثم هزَّ الكرة بضعَ هزَّات، وأطلقها كالصاروخ … أصابت الرجل، فدار حول نفسه … وسقط.
في قفزتين سريعتين كان «عثمان» قد ركب اليخت، ووقف عند رأس الرجل الذي كان يحاول الوقوف.
وبقدمه ألقى سلاح الرجل إلى مياه النيل، وقال: لا تحاول الحركة.
وصل «أحمد» و«زبيدة» و«إلهام».
قال «عثمان» للرجل: أين هم؟
الرجل: من هم؟
أحمد: لا تضيِّع وقتًا وإلَّا …
وهزَّ مسدسه الضخم في وجه الرجل … صمت الرجل لحظات، ثم قال: إنني مجرد حارس … و…
أحمد: نحن نعرف أنك مجرد حارس.
أشار الرجل بيده إلى طريق مُمهَّد بين أشجار النخيل، وقال: إنهم في عزبة الشامي … على بعد أمتار من هنا.