البلدوزر
قام «عثمان» بتقييد الرجل وتكميمه سريعًا … ثم قال «أحمد»: سأذهب مع «عثمان» … عليكِ يا «زبيدة» أنتِ و«إلهام» بالتغطية.
وتقدَّم «أحمد» و«عثمان» في الظلام بين أشجار النخيل العالية والمتشابكة والريح الباردة تعصف … ومن ورائهما بمسافة سارت «إلهام» و«زبيدة» … وكان الجميع مسلحين تسليحًا جيدًا.
كان الظلام كثيفًا … ولكن «أحمد» لم يغامر بإشعال أي ضوء، وسارا متقاربين، يحاولان الاستماع إلى أي صوت … ولكن لم يكن هناك إلا صوت الريح … ولكن بعد نحو خمسين مترًا، شاهدا ضوءًا ثابتًا على مرتفع من الأرض … واتجها إليه، وهما يحاولان الاحتماء بالنخيل قد الإمكان … فاللحظات القادمة حاسمة … وأي خطأ قد ينتهي بمأساة.
اقتربا من الضوء … كان يصدُر من ماكينة ريٍّ تعمل ليلًا، وقد جلس بجوارها فلاح، اقتربا منه …
فسأله «أحمد»: أين عزبة الشامي؟
ردَّ الرجل: لماذا تسأل؟
أحمد: إننا ذاهبون لمقابلة الحاج.
الفلاح: الحاج؟! لقد مات!
أحمد: آسف … إنني أقصد ولده.
الفلاح: سيد!
أحمد: نعم!
الفلاح: ولكن «سيد» سافر للعمل خارج مصر!
ضاق صدر «أحمد» وقال: أين العزبة؟
سكت الفلاح قليلًا ثم قفز فجأةً من مكانه … وفي نفس الوقت انهال سيل من الطلقات … لحسن الحظ كان «أحمد» و«عثمان» قد ألقيا بنفسيهما سريعًا على الأرض … كما حال الظلام والأشجار دون إصابتهما … وفي نفس الوقت انطلقت سلسلة من الرَّصاص قادمة من بعيد نسبيًّا، في الاتجاه الذي أتت منه الطلقات الأولى … وأدرك «أحمد» و«عثمان» من صوت الطلقات المتميزة … أن «زبيدة» و«إلهام» يتبادلان إطلاق الرَّصاص على المهاجمين.
جرى «أحمد» و«عثمان» معًا بحيث يبتعدان عن مجال الضرب … وفكر «أحمد» لحظات وهو يجري، ثم قال ﻟ «عثمان»: تسلَّق النخلة التي أمامك!
وقام الاثنان بسرعة بتسلُّق نخلتين متجاورتين … ومن ارتفاع خمسة أمتار استطاعا أن يشاهدا ما حولهما بصورة أفضل … كانت هناك ثمة حديقة مترامية الأطراف … يحيط بها سور مرتفع، وفي وسطها مبنًى قديم من ثلاثة أدوار، بجواره فيلَّا حديثة … بينما كان المنزل مطفأ الأنوار عدا بعض الإضاءة الخفيفة …
كانت الفيلَّا مضاءة من الداخل … وتنعكس هذه الإضاءة من خلال شيش النوافذ …
وشاهد «أحمد» و«عثمان» أشباحًا كثيرة تتحرك بين الفيلَّا والمبنى القديم، ثم لاحظ «عثمان» وجود شبح طائرة صغيرة واقفة على السطح الواسع خلف المبنى القديم … وتذكَّر ما سمِعه من الرجلين على سطح اليخت … وترابطت معاني الكلمات في ذهنه … حلوان … الطائرة.
كانت النخلة تهتز بشدة مع الريح … ولكن «أحمد» كان يدير مسدسه في كل اتجاه بحثًا عن المهاجمين …
وفجأة شاهد شبحًا يتسلل بين النخيل في هدوء وعلى الأضواء البعيدة … أحس أن هذا الرجل ليس من العصابة … إنه رجل آخر أشبه ما يكون برقم «صفر».
فهل هو رقم «صفر» أم لا؟
إذا كان رقم «صفر» فلا بُدَّ من حمايته … ففي غابة النخيل هذه لا أحد يستطيع أن يضمن سلامته … وظهر خلف الرجل من بعيد ثلاثة أشخاص اقتربوا من النخلتين حيث كان «أحمد» و«عثمان»، وشاهداهم في نفس الوقت … وقد انطلق الرصاص … وترنَّح رجلان منهم بينما اختفى الثالث …
ونزل «أحمد» مسرعًا … وكذلك فعل «عثمان» وقال الأخير: ثمة طائرة خلف المبنى القديم.
أحمد: طائرة!
عثمان: نعم … وقد سمعتُ رجلين يتحدثان في اليخت عن طائرة!
أحمد: أي نوع؟
عثمان: إنها من طائرات رش المبيدات.
أحمد: معقول جدًّا وجود طائرة رش مبيدات في منطقة زراعية، وبالطبع يمكن استخدامها في نقل أي شخص.
عثمان: تصور أنه «هشام»!
أحمد: ممكن جدًّا!
عثمان: ولكن إلى أي مدى يمكن أن يحملوه؟
أحمد: من السهل جدًّا نقله إلى شاطئ بحر، حيث تستطيع طائرة من هذا النوع أن تنزل على الشاطئ … ثم ينقل بواسطة سفينة أو قارب كبير إلى خارج مصر.
عثمان: إذن علينا أن نوقف الطائرة!
أحمد: نعم … هيَّا بنا!
سار «عثمان» … أمام «أحمد» بين النخيل في الاتجاه الذي حدده «عثمان» لمكان الطائرة خلف المبنى القديم …
ومرة أخرى شاهد «أحمد» شبح الرجل المجهول يسير في نفس الاتجاه …
وقال وهو ينحني على «عثمان»: إن رقم «صفر» هنا.
عثمان: غير معقول!
أحمد: إنني مثل كل واحد من الشياطين لم أره في حياتي … ولكن هيكله العام، وطريقة سيره يؤكدان أنه هو.
عثمان: قد يصاب بسوء!
أحمد: إن رقم «صفر» من خيرة المقاتلين … لقد كان أستاذًا في مدرسة الأسلحة الصغيرة، قبل أن ينضم إلى شياطين الكهف السري … وليس من السهل اصطياد رجل من هذا النوع!
سارا بسرعة … ووجدا أن السور المحيط بالمبنى القديم والفيلَّا عالٍ جدًّا … ومحكم الإغلاق … واستطاعا أن يشاهدا فوق السور أشباح الحراس … كان واضحًا أن العصابة قد أكملت خطتها … مكان بعيد … محروس جيدًا … ولا أحد يعرف ماذا يدور خلف السور.
كانت فكرة تسلُّق السور مستحيلة … ولا بُدَّ للوصول إلى الطائرة من اجتياز السور … وشاهد «أحمد» بلدوزر مما يستخدم في جرِّ السيارات وتمهيد الأرض يقف غير بعيد …
وقال ﻟ «عثمان»: سأستخدم هذا البلدوزر.
عثمان: ولكنك ستُحدث ضجَّة عالية.
أحمد: ابحث عن «إلهام» و«زبيدة»، وقوموا بحمايتي … بينما أندفع بالبلدوزر لتحطيم جزء من السور واقتحام المكان … وعليكما بحماية الفتحة.
عاد «عثمان» إلى الخلف، وأطلق صيحة البومة … كان يعرف أن «إلهام» و«زبيدة» قريبتان … وفعلًا جاء الرد وسار بضعة أمتار إلى اتجاه الصوت والتقى الثلاثة …
وشرح لهما «عثمان» خطة «أحمد»، وقال: إن رقم «صفر» هنا.
صاحتا في نفس واحد: رقم «صفر»!
عثمان: نعم … لقد حصل على نفس المعلومات … إنه رجل عبقري.
إلهام: لماذا لا ينضم إلينا؟
عثمان: ألا تتذكرين أنه طلب أن نعود فورًا … إننا الآن نخالف الأوامر.
ووقف الثلاثة قرب البلدوزر الذي لم يجد «أحمد» أي صعوبة في إدارته … ثم عاد به إلى الخلف بضعة أمتار، واندفع في اتجاه السور كالعاصفة … وقد غطَّى صوت الرياح على صوت البلدوزر الذي اصطدم بالسور صدمة أحدثت دويًّا مخيفًا … وقفز «أحمد» من البلدوزر … واندفع «عثمان» و«إلهام» و«زبيدة» خلفه وهم يطلقون الرَّصاص بشكل متصل …
فكَّر «أحمد» لحظات … ثم عاد يقفز إلى البلدوزر مرة أخرى … ثم يعود إلى الخلف، وينطح الجدار مرة أخرى … ليوسع الثغرة التي فتحها … ثم يسرع بالبلدوزر، وطلقات الرصاص تنهمر من كل اتجاه … وظل يجري به، حتى وصل إلى الطائرة … ثم ينطحها بالبلدوزر نطحة قوية أطاحت بها ثم قلبتها على جانبها … عندئذ انفتحت أبواب الجحيم … فقد انفتحت نوافذ المبنى القديم والفيلَّا، وتحوَّلت الحديقة إلى ساحة قتال بين الأطراف المختلفة … واشتعل الليل بالنار.