الرجل العظيم
كانت طلقات الرَّصاص تشبه عصافير ملونة تنطلق في جو الحديقة المظلم … وأشار «أحمد» إلى «إلهام» و«زبيدة» بالانطلاق والالتفاف حول المبنى القديم والفيلَّا … فقد توقَّع أن يحاول زعماء العصابة الهرَبَ من الباب الخلفي أثناء تبادل إطلاق النيران.
قاد «أحمد» البلدوزر، و«عثمان» يحتمي بجانبه في محاولة لاقتحام الفيلَّا، واستطاعا أن يشقَّا طريقهما بين مئات الطلقات التي تُدوِّي في كل مكان … حتى لم يعد أحد يعرف مَنْ يضرب مَنْ.
وصل «أحمد» إلى باب الفيلَّا بالبلدوزر … واقتحمه كأنه دبابة في معركة … واهتزَّ المبنى كله أمام الصدمة، وساد الصمت لحظات … بينما قفز «عثمان» … إلى داخل الفيلَّا … وكان أول مشهد وقعت عيناه عليه … ثلاثة رجال يجرون من الباب الخلفي … فأطلق ثلاث طلقات مباشرة على سيقانهم لمنعهم من الحركة … وسقط الثلاثة …
ثم شاهد شخصًا يحمل مدفعًا رشَّاشًا ينزل على السُّلَّمِ الداخليِّ وهو يُطلق الرصاص في كل اتجاه … وألقى «عثمان» نفسه تحت إحدى الموائد … لم يكن مسدسه يكفي لمواجهة هذا المدفع القوي … وفجأة ظهر «أحمد» … وأطلق «عثمان» صيحة البومة؛ تحذيرًا عندما انطلق المدفع الرشاش في اتجاه «أحمد» … مما أتاح الفرصة ﻟ «عثمان» … أن يبرز من تحت المائدة، ويوجِّه طلقة مُحْكَمة إلى الرجل، اهتز لها لحظات ثم سقط على السُّلَّم … وأخذ يتدحرج حتى وصل إلى الصالة …
سكتت طلقات الرصاص داخل الفيلَّا … فأسرع «أحمد» و«عثمان» إلى الغرف يفتحانها ويفتِّشان فيها …
كانت الغرف خالية … وفي غرفة أخيرة صغيرة خلف الفيلَّا، عثرا على شيء هام … فردة حذاء صغيرة تناسب صبيًّا في عمر «هشام» … كان هذا الأثر كافيًا ليعرفا أنهما في الطريق الصحيح … ثم أثار انتباهَ «أحمد» شيء آخر … ففي نهاية الغرفة في الاتجاه نحو المبنى القديم كان ثمة إطار ضخم لصورة ليست موجودة.
وبدأ «أحمد» يتحسَّس هذا الإطار في جوانبه المختلفة … كانت أصابعه حساسة كأصابع الجرَّاح وأحسَّ ببروز صغير في الزاوية العليا للبرواز فضغط عليه … وسرعان ما انفتح البرواز ودار حول نفسه … وانكشف عنه باب يؤدي إلى دهليز طويل تحت مستوى الأرض.
أضاء «أحمد» كشافه الكهربائي، ونزل وخلفه «عثمان»، كانت هناك أشياء كثيرة مبعثرة كأنما سقطت سهوًا من أشخاص كانوا يجرون … ثم وصلا إلى سُلَّم قديم من الخشب صعداه إلى فوق … ووجدا تقسيمًا بجوار سور المبنى القديم في وسط النخيل … وسمعا صوت سيارة تبتعد … وقال «أحمد»: من المدهش أنها إحدى السيارتين المرسيدس!
عثمان: لعل «إلهام» و«زبيدة» يطاردان أحدًا من العصابة!
أحمد: أكثر من ذلك … إنني أتوقع …
وقبل أن يكمل «أحمد» جملته انفجرت عبوة ناسفة أخرى على بعد عشرة أمتار … وبدا واضحًا أن سلسلة الانفجارات سوف تصل في ثوانٍ إلى حيث «أحمد» و«عثمان»، ولم يكن أمامهما إلا النزول مرة أخرى في الدهليز الذي تحت الأرض … فليست هناك حماية أفضل منه.
سارعا بالنزول … وقد كان ذلك أفضل ما فعلاه … فقد هزَّ الأرضَ انفجار ثالث في نفس المكان الذي كانا فيه … وأخذا يجريان في اتجاه الفيلَّا في الظلام … ولكن عندما وصلا إلى بداية الدهليز، اهتزت الفيلَّا بانفجار عنيف، وانهار جزء من مدخل الدهليز وأُغلق الباب …
هكذا وجد «أحمد» و«عثمان» نفسيهما داخل الدهليز المظلم وقد أُغلق البابان … وانتشرت رائحة الديناميت … وساد ظلام كثيف …
قال «أحمد»: لقد وقعنا في فخ مخيف!
عثمان: إننا لم نُقدِّر ذكاء رجال العصابة كما ينبغي … ويبدو أن هناك أجهزة تليفزيونية تراقب الدهليز … ومركزًا للتحكم في أعلى الفيلَّا.
كان الموقف حرجًا … وصعبًا … ومخيفًا … خاصة وأن «إلهام» و«زبيدة» قد ابتعدتا عن المكان ولم يعد هناك مَنْ يمكن أن يقوم بإنقاذهما من هذا المأزق.
أخذا يتقدمان ببطء بين ركام الأحجار المنهارة … وقد انتابهما سعال قوي نتيجة البارود المنفجر … كان «أحمد» يفكر في الاحتمالات القادمة … إذا استمر بقاؤهما في الدهليز المغلق نصف ساعة على الأكثر فسوف يموتان اختناقًا …
وفعلًا … بدأ الأكسجين في الهواء ينفد تدريجيًّا … وأحسَّ «أحمد» بالاختناق … وكذلك «عثمان» … وحاولا قدر الإمكان أن ينظما تنفسهما حتى لا يستهلكا كمية أكبر من الأكسجين … ولكن حتى ذلك لم يكن ممكنًا … وبدأ كل منهما يحس بالإغماء … ولم يكن في إمكانهما أن يتحدثا …
أشار «أحمد» إلى «عثمان» أن يتمدد على الأرض … حتى لا يبذل مجهودًا يستهلك به القليل من الأكسجين الذي بقيَ في الدهليز … وتمدد كلاهما على الأرض في انتظار المصير المحتوم … فلم يكن في الإمكان مطلقًا إزالة الأحجار، والشظايا التي تجمَّعت … وسدَّت البابين بعد الانفجار …
ولكن فجأة … وهما بين اليقظة والإغماء سمِعا صوت دقٍّ منتظم عند مدخل الدهليز من ناحية المبنى القديم … ثم سمعا صوتًا عميقًا يعرفانه جيدًا … صوتًا طالما استمعا إليه في المقر السري … صوت رقم «صفر» … كان كعادته يُلقي التعليمات … قال لهما: إنني طلبت من الشياطين البقاء في الكهف … ولكن خالفتم تعليماتي … على كل حال … أنا شاكر لكم جدًّا … ما فعلتموه من أجلي … والآن، أنت يا رقم «واحد»، ورقم «اثنين» … ازحفا بهدوء جدًّا في الاتجاه ناحية المبنى القديم …
وبدأ «أحمد» و«عثمان» الزحف رغم ضِيق التنفُّس والإحساس بالإغماء …
عاد رقم «صفر» يقول: أعتقد أنكما ستصلان إلى سطح الأرض بعد نحو عشرة أمتار … عودا فورًا إلى المقر السري.
بدأت تهب ريح باردة محمَّلة بالأكسجين … داخل الدهليز … وفي ثوانٍ قليلة أخذ «أحمد» و«عثمان» يستردَّان وعيهما … ثم وصلا إلى نهاية الدهليز … وكانت هناك فتحة تكفي لخروجهما.
صعدا مرة أخرى إلى سطح الأرض … وأخذ كل منهما نفسًا عميقًا … ونظرا حولهما … كان شبح رقم «صفر» يبدو من بعيد يسير بخطواته الثابتة …
قال «عثمان»: يا له من رجل عظيم!
أحمد: يجب أن ننقذ «هشام»!
عثمان: ولكن أين «هشام» الآن؟
أحمد: إنني أعرف أين يمكن أن يكون.