إنَّ غدًا لناظره قريب!
وقَفَ الأمير رزق مقيَّدًا أمام سرير الملك الجريح، الذي كان يصارع الموت في جَلد وصبر … وتكلَّم بركات مخفيًا حُزنه في احترام: أبي الحبيب … جئتُ إليك بمَن تسبَّب في الجرح القاتل … كي تقتصَّ منه، وليلقى جزاءه على فعلته الغادرة!
ابتسم الملك الزحلان ابتسامةً ضعيفة … ورفع رأسه بصعوبة ونظَرَ إلى بركات وهو يهزُّ رأسه ملاحِظًا الشبه الغريب بين الأب وابنه الحبيب … رغم اختلاف لونِ البشرة وقال: إنه والدك يا بركات … لقد سامحتُه من أجل خاطرك … فسامحْه يا ولدي … رزقٌ أمير شجاع … فكَّ قيوده يا فتى … لا يصحُّ أن يقف مقيدًا … هيا … واذهبْ وأحضر حلَّتي الملوكية الموشَّاة بالذهب … ذات الأزرار العشرة … لأخلعها عليه تكريمًا وترحيبًا به … هيَّا يا ولدي … واخترْ من الخيل أكرمها … ودعْه حرًّا يذهب حيث يشاء … وكما يريد … ولا تعامله كالعبيد … فهو ذو بأسٍ شديد … آه … لقد آلمتَني كثيرًا يا رزق، ولكنني أغفر لك … ولنبدأ من جديد.
نظَرَ بركات غيرَ مصدِّق … ووقف في حيرةٍ وتردُّد، كأنه لا يفهم قولَ الملك الزحلان ولا يعرف ماذا يريد … لكنَّ نظرة الملك كانت قاطعة … وأشار إليه ألَّا ينطق بكلمةٍ أو يزيد … ففكَّ قيود والده … الذي أسرع نحو سرير الزحلان وانحنى عليه مقبِّلًا جبينه ويدَيه! … وجاءت «خضرة» في اللحظة التي دخل فيها بركات بحُلة الزحلان الملوكية ذات الأزرار العشرة اللؤلؤيَّة … ليخلعها على الأمير رزق هديَّة وعطيَّة … واعتدل الملك الزحلان وقال: الآن اجتمَعَ شمل أُسرتك يا رزق. وها هو ولدك يعود إليك بعد كلِّ هذه السنوات بطلًا بين الأبطال، وفارسًا تخشاه الفرسان في كلِّ مكان.
لكنَّ بركات اندفع نحو الملك الزحلان صائحًا وقد تملَّكه الغضب: لا … يا أبي … ليس لي أبٌ سواك يا مليكي ووالدي وولي نعمتي … لن أترك هذا البيت مهما حدث … فإني أنتمي إليه … لأمي الحقُّ أن تسامح زوجها لأنه زوجها، ولها أن تعود إليه لأنها إن شاءت تنتمي إليه … أمَّا أنا … فأنا أنتمي إلى هنا … في هذا البيت تربَّيت … وها هما أخواي … نعيم ومنعم … أنتم طفولتي وصباي … أنا ابن الملك الزحلان، مهما كان، إن الدم وحده لا يكفي الآن لينسبني لإنسانٍ غريب.
بكتْ خضرة … وتألَّم رزق وعضَّ قلبَه الندم … وكان الجميع وقوفًا كأنَّ على رءوسهم الطير … وبركات يتقدَّم من الملك الزحلان … ليجلس إلى جانبه … وهو ينظُر في ثباتٍ لخضرة ولرزق ويقول: الدم وحده لا يكفي لتحديد الحبيب من الغريب … ولكنْ غدًا … مَن يدري؟ ما سيحدث من الأعاجيب … إنَّ غدًا لناظره قريب!