بين جابرٍ وجُبير
قال الراوي …
أخيرًا يا سادة يا كِرام تحقَّقَت الأحلام … والمنذر الذي كان يحلُم بابنٍ واحد … رزقه الله بولدَين.
فالله يفعل ما يشاء حين يشاء … والمقدَّر والمكتوب على الجبين … لا بد أن تراه العين … وما لا بد أن يكون يكون … لأنَّ لله في خلقه شئون … وكَمْ للأحداثِ من شُجون.
فهلالٌ الذي طرَدَ المنذر من ظلال رحمته … لأنَّه أراد أن يتزوج امرأةً من قبيلةٍ ليست في مكانةِ قبيلته، وليس لها أصلٌ مثل أرومته … امرأةٌ من البكريِّين رعاة الإبل والأغنام، بينما هو سليل التَّغلِبيِّين المحارِبين ذوي المكانة والمقام … لقنتْه الأيام درسًا؛ لأنه نسي ما أوصى به الإسلامُ، وما أقرَّه من مساواةٍ بين خلق الله من الأنام … وحرَمَه اللهُ من أعزِّ أولاده؛ فلَمْ يشهد يومَ ميلاد أحفاده.
بينما عوَّض اللهُ المنذر عن أيام غربته، وأوقع في قلب «هذبا» محبته، ثم حرَمَها من الولد؛ ليكتمل الدرس من حِكمته … التي تعجز عنها الأفهام … ليأتي اليوم فنعرف ممَّا حَدَث … عِبرة الأيام … خاصة عندما لا يستوعب الأبناء أخطاء الآباء.
صلُّوا على مَن كان خير الأبناء وأكرم الآباء.
لقد اختارتْ «هذبا» لزوجها زوجةً هي «عذبا»، بنت الملك الصالح، لتُنجب له ما يشتاق إليه من ولد … وتُزيل عن قلبه ما هو فيه من كَمَد، وأحضرتْها بنفسها إلى البلد … وعطفتْ عليها وتقرَّبت إليها … وعاملتْها برقَّة؛ لتُشعرها بالأمان، وأخفتْ ما بقلبها من أحزان … وهيَّأتْ لها الفرصة، وكلُّ أملها أن يتحقَّق أمل زوجها وحبيبها في الخِلفة التي حُرمتْ منها، وغمرتْها بالحُب والألفة، على عكس ما تفعله النسوان … وأبعدتْ كلَّ منغِّصٍ عنها … وقد زاد هذا من محبة المنذر لها … وزادت عنده مكانتها … وكلَّما كانت محبَّتُها في قلبه تزيد … كان حُبه في قلبها يتجدَّد من جديد … فكان ما أرادتْه حكمة الرحمن … وهي أن يفهم الإنسان أنه يريد وغيره يريد … ولكنَّ الله في النهاية يفعل ما يريد.
وكانت المُعجِزة …
فحَمَلتْ «هذبا» التي كانت عاقرًا محرومة من الإنجاب، في نفس الوقت الذي حَمَلتْ فيه «عذبا» … والله وحده يسبِّب الأسباب.
ولذا كانت الفرحة فرحتَين.
وبَدَل الابن يا مُنذِر … وهَبَك ولَدَين.
فربُّك للمكسورين — كما يقولون — جابر.
تَصون الأمانة وتعي الدرس، وتكون للغرباء في بيتك … جبير.
صلُّوا … على مَن كان الكلمةَ واللِّسان للأخرس، وعيونًا للبصير … نبي الله السميع القدير.
•••
في نفس الوقت الذي أنجبتْ فيها «عذبا» ابنها جُبير … وضعتْ «هذبا» ابنًا يضاهيه في الحُسن، أسماه والده جابر.
وأُقيمت الأفراح والليالي المِلاح، ووزَّعوا الأموال، وذُبحت الذبائح، وظلَّت الولائم للرائح والغادي، من أهل الحضر والبوادي … حتى ظهَرَ الهلال التالي لشهر جُمادى.
وكانت مَحبَّة «هذبا» قد زادت في قلب المنذر … لأنها فعلَت المستحيل؛ كي تحقِّق رغبته في ابنٍ يرث إمارته … وزوَّجَته من جميلةٍ غيرها، على غير ما تفعل النساء … واحتملتْ كلَّ ما فجَّره هذا من آلام وأحزان؛ حين تراه في أحضانِ غيرها … بإرادتها وتدبيرها.
وها هي كما شاءت الأقدار تُنجب له هي الأخرى، وفي نفس الوقت، بعد أن طال حرمانها … وصحيحٌ أنها ندمت لتسرُّعها هي الأخرى فيما فعلتْه، ولامت نفسها كثيرًا على قلَّة صبرها … ولكنَّها والحقُّ يقال صانتْ عهدها … وظلَّت تعامل «عذبا» بكلِّ إعزازٍ واحترام … كاتمةً ما بقلبها … باعتبار أنها فعلتْ ذلك بنفسها.
أمَّا المنذر … فصار يلوم نفسه هو الآخر بشدَّة؛ لأنه أطاعها، وتزوج بامرأة لا يحبُّها. والحقيقة أنَّه لم يشعُر يومًا بالحُب لعذبا، مقارنةً بما يشعُر به من عواطف نحو «هذبا»، وانعكس هذا على موقفه من جُبير ابن «عذبا»، بينما زادت محبته لجابر ابن «هذبا» … وكأنه يكفِّر عن ذنبه حِيالَها، ويعوِّضها عمَّا جرى لها.
•••
أحضر المنذر لطفلَيه أفضلَ المربِّين … ولمَّا شبَّا على الطَّوق؛ استقدم لهما خيرَ المعلِّمين … وعندما صارا شابَّين سلَّمهما لأشجعِ المدرِّبين … فشبَّا فارسَين، لا يُشقُّ لهما غبار في العلوم والأدب … فصيحَين في حكايةِ الحكايات ورواية الأشعار … رجلَين متمرِّسَين بفنون الحرب والقتال … كانا نموذجَين لمَا يجب أن يكون عليه أحفاد جدِّهما هلال.
وحدَثَ أنَّ الملك الصالح والد «عذبا» عندما وافتْه المنيَّة وأحسَّ باقتراب الأجل … دعا إليه ابنه مُفلِح على عَجَل وأوصاه ألَّا يكفَّ عن زيارة «عذبا» وصِلة رحمها كلما أتاحتْ له الظروف ذلك؛ حتى لا تحسَّ الغربة عن أهلها … ولا تهون مكانتها لدى زوجها … ولذلك قرَّر مُفلِح أن يزور أخته فورَ وفاة والده … في موكبٍ عظيم تتحدَّث عنه الرُّكبان، ويحفظ كرامتها بين العربان.
فخرج لزيارة المنذر فيما يزيد عن ألف فارس في عدَّتهم وكامل عتادهم، ومعهم خمسمائة ناقةٍ محمَّلة بالهدايا التي تزخر بها بلادهم.
وخرج المنذر لاستقبالهم أحسنَ استقبال، وإن لم يُعجِبْه تمامًا هذا الاستعراض للكرم والقوة … أمَّا جابر فإنه كان أكثرَ من والده غيظًا، واستعرتْ في قلبه غيرةٌ لا حدَّ لها ممَّا فاض على جُبيرٍ من عواطفِ خاله وهداياه … وحرَّك هذا الغيظَ في قلبه ما أخفاه، والذي لم يكن يخفي على والده، وكان مع أخيه يراه.
وبعد أن بقي مفلح عند صهره مدة من الزمان عاد إلى بلاده … ولكن الزيارة فجَّرت ما كان يخفيه المنذر من تفرقة بين أولاده، فلَمْ يعُد يجِدُ حرجًا في إعلان تفضيله لجابرٍ على جُبير، وانحيازه الصارخ لابن «هذبا» على ابن «عذبا».
ولم يفاجِئ هذا «عذبا» التي كانت تحسُّه منذ اللحظة الأولى … كانت تحسُّ في عينَي المنذر ندمًا خفيًّا على زواجه منها … وما أقسى هذا الشعور على امرأةٍ محبَّة وغريبة، عندما ترى وكأنَّ حبَّها مفروضٌ على زوجها، وهي من وهبتْه الابنَ الذي طالما حلَمَ به … وازداد هذا الشعور عندما حملتْ «هذبا» التي زوَّجتْ زوجها بنفسها … امرأةً في حُسنها ونسبها، فإذا بها تُنجب طفلًا مثلها … ولم يعُد المنذر مضطرًّا لإخفاء مشاعره مراعاةً لها، ولا مُجبَرًا على التظاهُر إرضاءً لها.
كانت «عذبا» في البداية تلومه … ثم أصبحت ترجُوه، ثم ذهبت لهذبا تشكوه … وتسرُّ إليها أنَّ المنذر يزرع في قلب جُبير الكراهيةَ لأبيه وأخيه … ورَجَتْها أن تحدِّثه في الأمر وما فيه.
وملَّ المنذر من إلحاحها … وشكواها إليه تارةً وتارة لزوجته … فامتنع عن زيارتها ولُقياها … حتى ثارت ذات يومٍ وانفجرتْ باكية أمام ابنها … وهي تسأله عمَّا فعلتْه لأبيه وعمَّا رآه منها ليعاملها هذه المعاملةَ القاسية، ويعامله وهو الشريف الحرُّ كأنَّه ابنٌ لجارية.
ذهب جبير إلى أبيه غاضبًا … وقد فاض به ما كان في قلبه من مشاعر، حيال ما يلاقيه من أخيه جابر … الذي يصرُّ على أن يقابل مَحبَّته بكراهيةٍ لا يُداريها … ويرفض ودَّه بقسوةٍ لا يُخفيها … وسأل والده عن السرِّ في تفرقته في المعاملة بين أمِّه وبين «هذبا» … ولم يقدِّم أخاه عليه، وهو ابن «عذبا»، حفيد الملك الصالح وابن أخت الأمير مُفلِح العظيم … فردَّ المُنذِر عليه، وهو كظيم … بأنَّ عليه وعلى أمِّه أن يعيشا في قصرهما مكرَّمَين كبقيَّة الآخرين، وإن لم يُعجبهما رعايته لهما وما يجدانه من حمايةٍ في ظِل مكانته؛ فلْيعودا إلى حيث يجِدُون عزًّا أكبر … ومكانةً أفضل … هناك في مملكة جدِّه وبلاد أبيها … تحت رعاية خاله المتكبِّر المغرور أخيها.
ولمَّا عرفتْ «عذبا» بما جرى … ذهبتْ إليه غيرَ مصدِّقة؛ فأعاد عليها حديثه القاسي … فكتمتْ دموعها ودفنتْ حُزنها في قلبها وخرجتْ مصرَّة على الرحيل … ولم يهتمَّ المنذر كثيرًا ولم يُشفِق عليها، ولا عُني بالاعتذار إليها، ونسِيَ أنَّه يفعل بالضبط ما فعله معه أبوه هلال! عندما طرَدَه من رعايته، ولم يراعِ بُنوَّته … ها هو يرتكب نفس الخطأ مع ولده جُبير دون أن ينتبه إلى القسوة التي تتمُّ بها فعلته.
وهما لم يُسِيئا إليه … ولا يدَ لهما فيما صارَت الأمورُ عليه.
قال الراوي …
عندما عرفتْ «عذبا» بحقيقةِ ما يشعُر به زوجُها نحوها … دَعَت ابنها جُبير إلى الرحيل والخروج إلى بلاد أهلها … وجمَعَ جُبير رجاله وماله وخرَجَ غيرَ نادمٍ على ما كان … وخرج معه عددٌ من أصدقائه الفرسان.
وأرسل المنذر معهم وزيره … ليصحبهم إلى بلاد الأمير مفلح … وعندما اقتربوا من بلاد الأمير مرزوق الواقعة بين بلاد السرو وبلاد الشيخ؛ طلبتْ «عذبا» من الوزير أن يعود من حيث أتى … فهي تخشى أن يَفهَم أخوها مُفلِح الأمر على غير حقيقته ويظنُّ بها سوءًا، خاصَّة وأنَّه لم يرَ ما يُثير القلق عند زيارته الأخيرة لها وللمُنذِر … ووافقها الوزير الذي لم يكُن راضيًا عن الأمر كلِّه من البداية، وعاد أدراجه.
وأمَرَ جُبير رجاله بالنزول في طللٍ قديم على حدود مملكة مرزوق، بعد أن أرسل رسولًا إليه يستأذنه في ذلك.
وكان الأمير مرزوق قد سمِعَ عن جُبير وشجاعته … وكان يعرف مكانة «عذبا» لدى أبيها وأخيها … فخرَجَ بنفسه إليهم في موكبٍ كبير حاملًا معه الهدايا والعطايا … وحين عرف بالحكاية، أصرَّ على دعوتهم للنزول في أرضه … وتحت رعايته وحمايته … وأعطاهم من الأرض والعبيد والجواري. ما يكفي للاستقرار والحياة الكريمة حسب العُرف الجاري.
وتعمَّقت الصِّلة بينه وبين جُبير الذي أظهَرَ شجاعةً كبيرة، وقدَّم لمرزوق خِدماتٍ كثيرة … فأحبَّه وقرَّبه إليه … وسمح له أن يفعل كلَّ ما يعود بالخير عليه … فصار له أتباعٌ وأعوان وجماعةٌ تزيد على الخمسمائة من الفرسان الشجعان.
وحدَثَ في يوم من الأيام … أن حلَّ عليهم ثلاثة ضيوف من أهل بلاد الشيخ ومن رجال المنذر، فرأوا ما له من مكانةٍ وجاه، وما يتمتع به من قوةٍ وسلطان … فأبلغوا أخاه.
وغضب المنذر، واعتبر ذلك تحدِّيًا له، واستدعى وزيره وسأله عن السبب في أنه لم يُوصِل «عذبا» إلى أرض أخيها. فحكى له الحكاية وأن ذلك هو ما طلبتْه «عذبا» … وقال له: هذا أمرٌ لا أهمية له … خاصَّة وأنَّك طلَّقتَها، وراحت لحال سبيلها.
ووجَدَ جابرٌ في غضب أبيه فرصةً كي يطلُب منه الإذن للانقضاض على جُبير قبل أن يستفحل أمره … ويزيد شرُّه … فيعود لينتقم منهم لمَا فعلوه معه ومع أمِّه.
وكان جابر قد صار جبَّارًا. واستغلَّ حُب المنذر له؛ فأصبح يأمر وينهى في كثيرٍ من الأمور … حتى دون عِلم والده … حتى كادت الإمارة أن تكون ملك يده.
كتَبَ جابرٌ كتابًا إلى مرزوق يهدِّده … ويأمُره بطرْدِ جُبير وأمِّه … وعن بلاده يُبعده، وإلا حمَلَ عليه وشتَّت أهله وخرَّب أرضه … وانتقم منه شرَّ انتقام؛ لأنه يُئوي عدوًّا لهم لا بد من طرده.
•••
كان جُبير في إحدى رحلات الصيد وحده … عندما صادَفَ العبد الذي يحمل الرسالة؛ فأخذها منه وقرأها … فتكدَّر … لكنَّه أخفى حقيقةَ شخصيَّته عن العبد، وكتب ردًّا إلى جابر، أعطاه للعبد وأمره أن يُوصله إليه … وأمَرَه أن يُخبره أنَّ سيده الأمير مرزوق قد أطاع الأمر على الفور، وأنه طرَدَ جبيرًا وأمه إلى الصحراء.
لم يكُن جبير ليرضى أن يتعرَّض الأمير مرزوق للأذى على يد جابر، وأن تتعرض أرضه للخراب على يد المنذر … وقرَّر الرحيل في سلام. واستأذن الأمير مرزوق في الرحيل إلى بلاد السرو حيث خاله … فَقَد اشتاقتْ أمُّه لأخيها … ولم يُخبره شيئًا عن تهديدات جابر … حتى لا يرفض رحيله … إذ كان يعرف أنَّه لا يخضع لتهديد أو يتخلَّى عن مروءة.
•••
ضحك الأمير جابر متشفِّيًا، ودخل على أبيه المنذر منتشيًا بالانتصار على أخيه، وأخبره أن جُبيرًا وأمَّه يهيمان الآن في الصحراء … حسب ما أراد وشاء.
ولكنَّ المنذر تأثَّر من ذلك وزاد عليه المرض … وتذكَّر ما حدث له عندما طرَدَه أبوه هلالُ بن عامر، وما لاقاه من مصاعبَ ومتاعب … وداهمه الإحساس بالغُربة والشتات، وطلب من جابرٍ أن ينسى ما فات … وأن يرسل لأخيه كي يعود إليهم … ويكفي ما جرَّه العنادُ عليهم.
لكنَّ جابرًا أقسَمَ أن يشرِّد جُبيرًا في الأرض، وكتب رسائل إلى كلِّ الإمارات المُجاوِرة … يهدِّدهم إن آووا جُبيرَ أو استضافوه بالانتقام منهم … بتخريب بلادهم وتشريد أولادهم … وأرسل رسالة أشدَّ لهجةً إلى الأمير مُفلِح الذي لا بد سيكون أول مَن يلجأ إليه ابن أخته جُبير … وحين وصَلَت الرسالة ليد مُفلِح تعجَّب من الأمر … فلَمْ تكُن لديه أيَّة فكرة عمَّا جرى. ولم تكُن قد وصلتْه أيَّة أخبار عن أخته وابنها … منذ أن كان في زيارتها عند المنذر … وبينما هو في دهشته … وقد أثَّر فيه تهديدُ جابر ونال من شجاعته … إذ أتاه مَن يُخبره بقدوم أخته «عذبا» وابنها جبير … فخرج إليهم ومعه رسولُ جابر ورسالته … ولمَّا الْتقاهم أحسَّ جُبير بما في كلام خاله من فتور … وحين قدَّم له رسالة أخيه … انكشَفَت الأمور.
قال مُفلِح في صوتٍ مهزوم: يا ابن أختي. ها أنت ترى أنَّ أباك يهدِّدنا بالقتل والخراب، ونحن لا قِبَل لنا بالمنذر وجيشه … فإن رأيتَ أنت في نزولك عندنا خيرًا؛ فأهلًا وسهلًا بك، على الرحب والسعة.
فردَّ عليه جُبير بقلبٍ مُفعَم بالحزن والألم: ألْفُ إهانةٍ لنا، ولا إهانةٌ لك يا خالي الغالي … إنَّ لنا ربًّا لن يتخلَّى عنَّا … وسوف أكتُب لأبي ألومه على هذه الأعمال … التي لا أدري سببًا لها.
•••
وكتب جُبير رسالةً إلى أبيه وأخيه … يلومهما على ما يفعلان … ويُبدي دهشته لكلِّ هذا الحِقد الذي يحملان، وهو لم يفعل سوى أن طلب الإنصاف بين أمِّه وزوجة أبيه … والعدل والقسط بينه وبين أخيه … وطلب منه أن يكفَّ عن هذا العدوان والتهديد للجيران … وإلا فإنَّه سوف يعود إليهم يومًا لينتقم منهم ويشتِّت شملهم … ولولا أنه ما زال يحبُّهم … لرجع إليهم على الفور لتذكيرهم بمغبَّة وسوء فعلتهم … ثم أعطى الخطاب إلى رسولِ أبيه بعد أن ختمه، متعمِّدًا تذكيرَه برحلةِ شَتاته حين طرَدَه أبوه … ولامه لأنَّه يفعل ما فعَلَه هلالٌ فيه.
وقبل أن تركب «عذبا» هودجها … الْتفتت إلى أخيها قائلة: الله سيكون لنا خيرًا منك … وسينصرنا لأننا مظلومين وفيكم ومنكم مغدُورين.
والْتفتت إلى ابنها تواسيه … وتخفِّف عنه فعلةَ أبيه، وتدعوه أن يعتزَّ بنفسه ولا يُطَأطِئ رأسَه إلا لخالقه وباريه … وأردفتْ: لعلَّها يا بنيَّ لعنةُ بني هلال … فلا تحزن؛ فمَن يعاني لعنةَ الشَّتات، لا بد أن يكتب له الله بعد الغربة فرحةَ الانتصار.