مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
قارئي العزيز
أما الشكر فللإقبال والتعضيد اللذين لقيهما الكتاب منذ إصدار طبعته الأولى في أواخر عام ١٩١٩، فطبعته الثانية في أوائل عام ١٩٢٢.
وأما الاغتباط فلرواج الكتاب في زمن كثر فيه تهافت القراء على الغث من القصص الموضوعة أو المعربة، وفي زمن عمَّت فيه الشكوى من الفوضى السائدة في سوق الطباعة والنشر في مصر. وهذا الشعور يشاركني فيه أهل الغيرة من الراغبين في الإصلاح.
لقد تقدم الفن القصصي بين الأمم الغربية في يومنا هذا وأصبح من أعظم الوسائل التي يعتمد عليها رجال التفكير والإصلاح في بث آرائهم وأفكارهم وخلاصة أبحاثهم ونظراتهم في شئون الحياة. ولقد خرجت القصص بهذا التطور الجديد عن دائرة الغرض الذي وُضعت من أجله؛ أي التسلية.
ولكن لمن الفضل في هذا التطور؟ الفضل بلا ريب عائد على القارئ ذاته، الذي أصبح لا يميل إلى قراءة الروايات التي تصور له الوقائع الدموية والمشاهدات العنيفة بين اللصوص ورجال الشرطة التي يدُور عليهم محور القصة. أو التي تصور لهم مناقشات العُذَّال ومجادلات الرقباء لحبيبين يجعلهما القصصي الشخصيتين اللتين يبني عليهما الحديث.
هذا النوع من القصص قد قضي عليه في أوروبا وجرفه تيار النوع الجديد الذي يجمع بين التسلية والإفادة، النوع الجديد الذي يرمي إلى بث الآراء الإصلاحية والأفكار والملاحظات الاجتماعية في الثوب القصصي.
قد يقول قائل: إن الفرق بيننا وبينهم ما زال واسعًا، وإن ناشري الكتب يجارون في تلك البلاد عقلية آخذة في مدارج الكمال، عقلية تستطيع أن تتذوق هذا النوع الجديد وأن تتفهم ما فيه من فكر ومغزى. ولكنني أقول إن هذه حجة واهية؛ لأن القارئ في بلادنا إذا كان يقرأ القصة لمجرد التسلية فإنه يجد بغيته في النوع القصصي الجديد أيضًا، لا سيما إذا كانت القصة مكتوبة بلغة سهلة. فاللوم إذن يقع على الناشرين الذين أحدثوا في أسواق المطابع تلك الفوضى التي يشكو الجميع منها. ولكن لا تنس — أي قارئي العزيز — أن عليك نصيبًا من هذا اللوم؛ لأن الناشر والمعرِّب والمؤلف والطابع كل هؤلاء إنما يأتمرون بأمرك ويتمشون مع رغبتك، فإن أردت أن ترغمهم على تقديم النافع الصالح وعرض الجديد الطيب من مبتكرات القوم فأعرض عما يقدمونه لك من القصص التافهة والروايات الغثة أمثال (وقائع كارتر) و(الحلقات البوليسية) و(مجموعات جونسون) وذيولها … وروكامبول وأم روكامبول وابن روكامبول … وما إلى ذلك من القصص التي إثمها أعظم من نفعها.
عاهدني أن تفعل ذلك منذ اليوم وأن تنشر الفكرة بين إخوانك وبني عشيرتك فلا تلبث أن ترى ثمرات هذا العهد بعد زمن قصير.
لقد أطلْتُ عليك الحديث، وخرجت بك عن موضوع المقدمة دون أن أحدثك عن محتويات الكتاب ومزاياه كما هي العادة في المقدمات، ولكن ما لي والتعرض لهذا الأمر؛ فالكتاب بين يديك — وقد نقدْتَ ثمنه بلا ريب — فاقرأه وانقده ووازن بين ما دفعته من ثمن وبين ما استفدته من مطالعته، فإذا وجدت نفسك رابحًا فاطلب من المولى أن يعينني على السير في هذا السبيل، أما إن كنت تجده تافهًا لا يستحق ما بذلته أنا من وقت في التعريب وما صرفته أنت من وقت في القراءة؛ فعاملني إذ ذاك بجميل صنعك، واعلم أن لي من حسن النية خير شفيع، والسلام.