الفصل الثاني والعشرون
عندما وضعت خطة هذا السمينار، كانت تحدوني الرغبة في تأمل تجربتي العامة في الحياة بجانبيها العلمي والشخصي. تصورت أن محاولة صياغتها في كلمات، ثم مشاهدة انعكاسها على عقول أخرى، قد تضيء بعض جوانبها، وخاصة فيما يتعلق بحياتي الداخلية. فلم يحدث أن عكفت على دراسة بعض حلقاتها واستخلاص مدلولاتها البعيدة، شأني في هذا شأن أغلب الناس الذين ينشغلون بالحياة نفسها عن تأملها؛ إلا أني لم ألبث أن بدأت أتحفَّظ في حديثي عن نفسي، بعد أن وجدت أن ما أقوله يجد طريقه خارج قاعة الدرس. لكن هذا لم يمنعني من الحفر في الذاكرة واستخراج مواقف اختفت في ثناياها، وخصوصًا تلك التي رافقت مرحلة إعداد رسالة الدكتوراه.
لم يعترض الأستاذ المشرف على اختياري لموضوع «القرامطة»؛ فبالرغم من أفكاره الرجعية كان من الجيل القديم المتمسك بالقيم الأكاديمية التقليدية، واكتفى ببعض التحفظات التي تلاشت عندما عرضت عليه خطتي.
انطلقت من أن مشروع الرسول تضمن المساواة الإنسانية على كل الأصعدة. وطوال عقد كامل حلق الحلم بمجتمع مثالي تنتهي فيه الولاءات القبلية، وينصهر فيه الجميع في أمة واحدة يربطها رباط روحي في ممارسة ديموقراطية. لكن هذا المشروع تعرض لانتكاسة عندما بدأت الفتوحات تعطي ثمارها، وتكونت الثروات عن طريق الاستثمارات التجارية والزراعية، وتُوِّج ذلك باستيلاء «بني أمية» على السلطة فتراجعت مبادئ العدالة والمساواة.
وارتفعت أصوات الاستنكار والمعارضة في كل مكان، واتخذت المقاومة أغطية دينية ومذهبية وعصبية.
وتفاقم الوضع في ظل الدولة العباسية؛ فقد تجمعت الثروات في أيدٍ قليلة وصار للبيوتات التجارية مكانتها على صعيد السلطة، كما عظم الإقطاع الزراعي وبات رجال السلطة يملكون العديد من القرى، ويحصلون على المزيد بشتى السبل من شراء واغتصاب. وجلب كبار الملاك والتجار والقادة العسكريين الرقيق، وخاصةً الأَسْود، للعمل في مزارعهم، والجواري للخدمة في مخادعهم.
ومع ذلك ظهرت لدى بعض المؤرخين وخاصة «الطبري» إشارات إلى التزامهم بالفرائض. وأن أنصارهم سمَّوا أنفسهم «المؤمنون المنصورون بالله، والناصرون لدينه، والمصلحون في الأرض». وذكر غيره عرضًا أنهم كانوا يحرِّمون شرب الخمر، وأنهم كانوا يحملون أعلامًا بيضاء كُتب عليها: «ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين». وأفتى «أبو حنيفة النعمان»، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعتمدة، بالقتال إلى جانب «القرامطة»، حسب ما يقول «الخطيب البغدادي» في مؤلفه عن تاريخ «بغداد».
وكان هناك بالطبع ما يبرِّر هذا الاتجاه؛ فقد كانت الدولة القرمطية تحتكر الاقتصاد أو — بالتعبير العصري — ملكية وسائل الإنتاج (مطاحن الحبوب ومعامل الجلود). وقد ألغت كافة أنواع الضرائب، وأنشأت نوعًا من المصارف التعاونية المملوكة للدولة؛ لمساعدة المحتاجين من أصحاب المهن. وابتدعت نظامًا تدريجيًّا للعدالة الاجتماعية، أسمته بنظام «الألفة»، وصل إلى إلغاء الملكية الخاصة. وأقامت في كل قرية مختارًا من الثقات يجمع عنده أموالها من غنَم وبقر ومتاع، ويقدم لسكانها حاجتهم من المأكل والملبس. وشجَّعت الصناع على التخلي عن ولاءاتهم القبلية والتجمع في «إخوانيات الحرفة».
صادف هذا الخط في التفكير هوًى في نفس المشرف، إذ أرضى قناعاته المحافظة ونفوره من أي تنظيم اجتماعي ذي صبغة يسارية، وفي نفس الوقت أشبع احترامه لتقاليد البحث العلمي. وانطلقت أعمل على هذا الأساس.
كنت سعيدًا بأن أموري انتظمت أخيرًا، وأن مقعد الأستاذ الجامعي صار قاب قوسين أو أدنى كما يقولون.
وذات يوم كنت خارجًا من مكتبة الكلية بعد رحلة طويلة بين صفحات كتاب «النوبختي» عن فِرق «الشيعة»، في محاولة لتقصي علاقة «القرامطة» ﺑ «الإسماعيلية»، فعرجت على بوفيه الكلية. وفي نفس المكان الذي رأيتها فيه لأول مرة منذ ستة عشر عامًا بالضبط. كانت تجلس.
عرفتها بالطبع على الفور، وفقدت توازني عندما التقتْ عيناي بعينَيها اللوزيتين الواسعتين السوداوين، ووجهها المستطيل بالوجنَتين البارزتين والأنف المستقيمة. أنا الذي تصورت أني قد نسيتها.
وقفت أحدِّق فيها منعقد اللسان، وابتسمت هي في رقة، وخاطبتني قائلةً: تغيَّرت؟
تلعثمت وأنا أحاول الرد عليها، فوضعت يدَها على حافة المقعد المجاور، وقالت: اقعد.
جلست إلى جوارها في صمت، ولم ألبث أن استجمعت مداركي، وسألتها عن أخبارها وعن «حلمي». قالت إنهما كانا طوال السنوات الخمس الماضية في الجامعة الخليجية، وإنها صارت أمًّا لطفلتين، ودكتورة أيضًا، رغم أنها لم تمارس التدريس بسبب أعبائها المنزلية، وإنهم في «القاهرة» من شهر. وعاد «حلمي» إلى الخليج قبل أيام، وبقيت هي لإنهاء بعض الأوراق التي يحتاجها ثم تلحق به.
– وأنت؟
لم يبدُ عليها أنها فوجئت بعدم حصولي على الدكتوراه حتى الآن، وجاءني انطباع أنها تعرف كل شيء عني.
أنهت كوب العصير الذي كانت تشربه ونهضت واقفةً باسطة جسدًا مفرودًا متينًا.
قالت: لازم أطلع للعميد. أشوفك بعدين.
تابعتها بعيني، وهي تخطو مبتعدة. وكأنما خطر لها خاطر فتحولت إليَّ قائلة: ألا تحب أن ترى بناتي؟
قلت: طبعًا.
قالت: إيه رأيك تمر عليَّ بكرة؟ عندك حاجة؟
لم تنتظر إجابة كأنما أيقنت من قبولي. ووصفت لي منزلها في شارع «جامعة الدول العربية» بحي «المهندسين».
في مساء اليوم التالي اعتنيت بمظهري، واشتريت باقة زهور، وغالبت اضطرابي والهوة التي أحسست بها في أحشائي، وذهبت إليها في الحي الذي صار رمزًا على التحولات الاجتماعية الجارية في البلاد.
كان المنزل كما توقعت من البنايات الحديثة التي بُنيت على عجل بعد حرب «أكتوبر»؛ لتستوعب شريحة جديدة من البشر انفردت بثمارها، وتغذَّت بدماء ضحاياها، واستفادت من فضلات العوائد البترولية، وعزمت على إلحاق البلاد بركب العصر بتزويدها ﺑ «سفن أب» و«كوكاكولا» و«مارلبورو»، وأربعين نوعًا من السيارات الحديثة.
ولجت مدخلًا مهيبًا اصطفَّت أمامه سيارات «مرسيدس» و«بيجو». صعِدت درجات رخامية عالية قبل أن أكتشف هشاشة الجدران ورداءة دهاناتها. ورافقني البوَّاب في مصعد ذي باب من الألومنيوم الرقيق يتعذر إغلاقه، فيظل أحد مصراعيه مفتوحًا.
استقبلتني «جمالات» بذراعين عاريين مرفوعين في الهواء حتى يجف طلاء أظافرها، كانت ترتدي فستانًا أبيض اللون ينتهي عند ركبتَيها، ويلتصق بجسمها ابتداء من استدارة الكتفين، حيث انطبقت عليهما حافة الرداء كما انطبقت على قاعدة رقبتها.
قادتني إلى صالة واسعة مفروشة من الحائط إلى الحائط بموكيت أبيض اللون يشبه فِراء الخراف، البدعة التي وفدت من الشمال، عبر الخليج، دون اعتبار لطبيعة الجو الحار.
جلست في فوتيه ضخم وسط فوضى ضاربة؛ صناديق من الكرتون من أحجام مختلفة، بينها واحد لجهاز تليفزيون كبير الحجم، قطع ملابس ولعب أطفال متناثرة، تليفزيون أبيض وأسود استلقت أمامه على الأرض طفلتان إحداهما في السادسة من عمرها تحمل ملامح أبيها، والثانية في الثالثة قطعة من أمها.
حاولت «جمالات» إحداث شيء من النظام في المكان، بينما كنت أتأمل ما طرأ عليها من تغير؛ فقد امتلأ جسدها واختفى ما كان يميزها من خفر، وحلَّ مكانه جلال ورصانة المرأة المدركة لما تملك من جمال وأنوثة.
انهمكت في إعداد العشاء لطفلتيها وإقناعهما بتناوله على المائدة، ثم خضعت لرغبتهما في البقاء أمام التليفزيون. وكنت قد حاولت التقرب منهما ومداعبتهما، لكنهما عاملتاني بجفاء؛ ربما لأن اهتمامهما تركَّز على متابعة ضحكات «إسماعيل يس» البلهاء. ولم يمنعهما هذا من التدخل بمجرد أن يبدأ حديث بيني وبين أمهما، فتستفسر إحداهما عن أحد مشاهد الفيلم، وتشكو الثانية من شيء ما.
صبَّت لي فنجانًا من الشاي، وجلست أمامي واضعة ساقًا فوق ساق، ووجدت صعوبة في تحويل عيني عن قصبتها الممتلئة المشدودة.
سألتني عن سبب تأخري في الحصول على الدكتوراه التي حصل عليها «حلمي» في ٦۷ أي منذ تسع سنوات. ذكرتها بأنه كان متقدمًا عني، وأني أضعت سنتين في رسوب متكرر، ثم سبع سنوات في حرب الاستنزاف.
قالت: ولم تتزوج؟
سددت نظري إلى عينيها مباشرة، وقلت: لم أجد مَن تستحق.
حدثتها عن شلل أمي، واضطراري للبقاء إلى جانبها، الأمر الذي حرمني من الاختلاط بالناس، ومنعني من التقدم لإحدى البعثات.
ابتسمت ثم حدثتني عن الملل الذي تعانيه في الخليج، وسألتني إذا كنت قد قرأت كتاب «حلمي» عن «السادات» الذي أصدره بعد حرب «أكتوبر»، ووصفه فيه ببطل الحرب والسلام. أجبت بالنفي فوعدت بأن تعطيني نسخة، ثم أفضَت إليَّ بأنه يتردد على «القاهرة» بانتظام؛ ليساعد ابنة رئيس الوزراء في الحصول على الليسانس. قالت: إن هذا الأمر سرٌّ. وناشدتني ألا أبوح به لأحد.
انتهى الفيلم، وبدأت محاولة إقناع الطفلتين بالاغتسال والالتجاء إلى الفراش. وأخيرًا استقرت أمامي وهي تتنهَّد.
كنت أرتعش، وقمت فجأةً وانحنيت فوقها. لم تفاجأ، بادلتني قُبلة سريعة، ثم تناولت يدي قائلةً: تعالَ.
تبعتها إلى مخدعها، وتركتني لتطمئن على طفلتيها في الغرفة المجاورة. عادت بعد لحظات فاحتضنتها، تخلصت مني وأطفأت النور، مكتفية بضوء الصالة عبر الباب المفتوح. ثم أعطتني ظهرها وطلبت مني أن أفكَّ لها سحاب الفستان. جذبته إلى أسفل بيدِ مرتعشة، فاشتبك بخيط وعجزت عن تخليصه. تعجبت ضاحكة من أن رجلًا في سني لم يكتسب بعدُ مهارات التعامل مع ثياب المرأة. تولت هي نزع ردائها وسوتيانها، فتدلى ثدياها المنتفخين. همست أنها أرضعت مرتين. لم أعبأ بتهدلهما ولا برائحة الكاوتشوك من أثر السوتيان، وهبطت بفمي فوق حلمة حتى استطالت وتصلبت، فانتقلت إلى الثانية. ورمقتها بطرف عيني، فألفيتها تتأملني في استغراق.
أبعدتني عنها بعد لحظات، واستلقت فوق الفراش. أعطيتها ظهري وتخلصت من ملابسي، ثم رقدت بجوارها واحتضنتها. وكانت هي التي أمسكت بزمام المبادرة، فجذبتني فوقها، ومدت يدها فوضعتني داخلها. تحركتُ برفق وأنا أمتص شفتيها مدقِّقًا النظر في وجهها. رددت اسمها قائلًا إني أحبها. أغمضت عينيها ثم فتحتهما، والتقتْ عيوننا، لكنها لم تكن تنظر إليَّ. أرهفت أحاسيسي لألتقط مكامن لذتها مصممًا على إمتاعها، وعليَّ أن أحفر اسمي في جسدها وذاكرتها. هاجمتني الشكوك والهواجس، وخضت معركة يائسة وأنا أحاول السيطرة على نفسي، إلى أن بدأت عيناها تفقدان تركيزهما وارتعشت عدَّة مرات ثم شهقت. شعرت أنها غابت في دنيا خاصة بها ليس لي مكان فيها. وفجأةً ظهرت الصغيرة عند مدخل الغرفة، وهي تبكي بحرقة. أبعدتني عنها، وقفزت خارج الفراش وهي تلتقط روبا وتغطِّي عريها. انحنت على الطفلة وحملتها مهدهدة، ثم مضت بها إلى غرفتها. وتركتني راقدًا وسط خليط من الروائح الفواحة والأحاسيس الملتبسة التي تجمع بين الانتصار والإحباط.
عادت بعد قليل واستلقت بجواري. احتضَنْتها من جديد، ثم رقدت فوقها، واستقبلتني بغير حماس. سألتني بعد دقائق عما إذا كنت عازفًا عن الانتهاء. كنت فعلًا مستمتعًا بالبقاء داخلها، بالسيطرة على جسدها، متوجسًا من أن ينتهي كل هذا فجأةً. قلت: إني أتمنى لو كنَّا متزوجين؛ لكي تكون في أحضاني طول الوقت، فضحكت ساخرةً.
عندئذٍ تركت العنان لنفسي فوق بطنها. ونهضت هي على الفور، وأسرعت إلى الحمام وعند عودتها طلبت مني الانصراف؛ لأن الطفلة قلقة ولا تريد أن تنام.
تلفنت لها في اليوم التالي كما اتفقنا فلم ترد. تلْفَنت عدة مرات في ذلك اليوم، واليوم الذي تلاه، ثم ذهبت إلى منزلها وعلمت من البواب أنها سافرت.
وجدت صعوبة في استئناف العمل في الرسالة. كان مشهد لقائنا يُخايلني دائمًا. أستعرضه لحظة بلحظة، ويداعبني الأمل في أن تكون نادمة على فراقي. ولا ألبث أن أعجب كيف أنها لم تفُه باسمي مرة واحدة، بينما كنت أردد اسمها طول الوقت؟ لماذا تجنبتني بعد ذلك؟ لقد التذَّت بالتأكيد، وهو حسب الخبراء دليل التورط الكامل. ولم أكن قد عرفت بعد أن الالتذاذ درجات وذروات، وأنه بقدر ما يمثل الأساس في لقاء مشبع وناجح؛ فإنه قد لا يعني شيئًا على المدى البعيد. ومع الزمن ونضوجي حلت محلها أسئلة من نوع آخر، أكثر واقعية: أكان ما حدث مجرد نزوة عابرة؟ هل كانت تمر بأزمة ما، وأرادت أن تثبت لنفسها أنها ما زالت مرغوبة؟ هل أرادت أن تنتقم من «حلمي» لسببٍ ما؟
مرت أسابيع وأنا عاجز عن العمل، رغم تشجيع المشرف لي. ولم يلبث أن خذلني بوفاته المفاجئة في سنة ۷۸. وقام مجلس أساتذة القسم بتوزيع الرسائل التي كان يشرف عليها على بقية الأساتذة. وجئت من نصيب الأستاذ «عبد الظاهر»، أو بالأصح جاء هو من نصيبي.
رحَّب الدكتور «عبد الظاهر» بخطتي للرسالة مما أصابني بالذهول؛ لأنه كان معروفًا بميوله الدينية، وبإعلانه أن الاعتقاد في الخلافة شرط من شروط الإسلام. وبالتالي كان أبعد شخص عن الاهتمام برسالتي ذات الموضوع الشائك. قدَّرت أن الأقدار تقف في صفي، وحرصت على محاولة لقائه كل فترة لأطلعه على تقدمي؛ كي لا تكون هناك مفاجآت، وحرص هو بدوره على تجنُّب هذا اللقاء. ثم بدأت أسمع إشارات عابرة عنه، يهاجم فيها التيارات الإلحادية بين الأساتذة وفي الرسائل العلمية. وبلغني أن الطلاب يلقبونه ﺑ «أبي جهل». ومضى بعض الوقت قبل أن أدرك الفخ الذي وقعت فيه. كان «عبد الظاهر» يستخدم رسالتي لإرهاب هيئة التدريس بالتدليل على التوغل المزعوم للتيار الإلحادي في الجامعة، معفيًا نفسه من كل مسئولية؛ فليس هو الذي أقرَّ الموضوع منذ البداية، كما أنه لم يقبل الإشراف عليها إلا مكرمة منه لروح زميله المشرف السابق.
وكان «السادات» هو الذي أنقذني منه في سنة ۸۱ عندما اعتقل كل ألوان الطيف السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ فقد كان بين المعتقلين، هو و«رشدي». وسارعت بنقل الإشراف على رسالتي إلى أستاذ عائد من بعثة في ألمانيا. وبعد اغتيال «السادات» بشهرين ناقشت الرسالة وحصلت على الدكتوراه أخيرًا بمرتبة الشرف. أصبحت عضوًا في هيئة التدريس، وتصورت أن أصعب مرحلة في حياتي قد انتهت، لكني كنت واهمًا.
وفي المدينة «مطاحن مملوكة للسلطان تطحن الحبوب للرعية مجانًا، ويدفع السلطان نفقات إصلاحها وأجور الطحانين». ويوجد مسجد. ويتم البيع والشراء بواسطة رصاص في زنبيل يزن ستة آلاف درهم، فيدفع الثمن عددًا من الزنابيل. وهذه العملة لا تسري في الخارج. وهم ينسجون فوطًا جميلة ويصدرونها إلى «البصرة» التي تبعد عنهم خمسين فرسخًا.
ويجيب السلاطين مَن يحدثهم من الرعية برقة وتواضع، ولا يشربون الخمر مطلقًا، ويحتفظون بجواد مهيَّأ بعناية أمام قبر مؤسس الدولة «أبي سعيد الجنابي»؛ ليستخدمه حين عودته إلى الحياة كما يعتقدون. وبالمدينة تمر كثير حتى أنهم يسمنون به المواشي.