حرف الراء
راحاب الإسرائيلية
امرأة مشهورة من «أريحاء» قبلت في بيتها الجاسوسين اللذين أرسلهما «يشوع» ليجسا الأرض، وأخْبَأتْهما عن أبناء بلدتها، وأنقذتهما بحيلة — كما هو مذكور في «الإصحاح الثاني من سفر يشوع» — غير مطيعة لأمر الملك؛ فكوفئت على ذلك بإنقاذها هي وكل عائلتها عندما فتح الإسرائيليون المدينة. ومن الاتفاق أن بيتها كان مبنيًّا على السور، فأمرها الجاسوسان أن تربط خيطًا من القرمز بالطاق، فيكون علامة لهم على بيتها، ثم صارت فيما بعد زوجة لسلمون وجدة للمسيح، وقصتها مع الجاسوسين إلى غير ذلك من أخبارها مذكورة في «الإصحاح الثاني والسادس من سفر يشوع»، وذُكرتْ أيضًا في إنجيل «متَّى» والرسالة إلى العبرانيين ورسالة يعقوب الرسول.
راحيل ابنة لابان
هي زوجة يعقوب وأم يوسف وبنيامين. قصتها وردت في «الإصحاح تسعة وعشرين» إلى «الإصحاح ثلاثة وثلاثين»، وفي «الإصحاح خمسة وثلاثين من سفر التكوين». وما جرى بينها وبين يعقوب هو من الأمور التي تلذ مطالعتها، فإن جمالها والحب الشديد الذي كان ليعقوب نحوها من حين التقيا أولًا على بئر «حاران»، حين قابلها على عادة أهل البادية وأخبرها بأنه ابنُ رفقة، والخدمة المستطيلة التي خدم بها أباها بصبر حتى كانت السبع سنين عنده كأنها أيام قليلة صبا بها، واتخاذه إياها زوجة أخيرًا عوض أختها «لبتة»، وموتها عند ولادتها ابنًا ثانيًا، كل ذلك مما يزيد قصتها اعتبارًا ولذة.
ولما توفيت دفنت على طريق «أفراتة» — أي بيت لحم — وأقام يعقوب نُصبًا على قبرها، وهو أول نصب على قبر مذكور في التاريخ؛ لأن أهالي تلك الأزمان كانت عادتهم إلى ذلك الوقت أن يتخذوا المقابر مدافن لهم، وكان موقع قبرها معروفًا في أيام «صموائيل» و«شاول» — كما يستفاد من العدد الثاني من «الإصحاح العاشر من سفر صموائيل الأول» — وقد وصفها «إرميا» النبي بعبارات مؤثرة جدًّا: «راحيل» المدفونة تبكي على فقد بَنِيها؛ وذلك لأن جماهير المسبيين الذين سيقوا إلى بابل اجتازوا بالقرب من قبرها.
وقد أشار إلى ذلك «متى الإنجيلي» عند قتل «هيروس» الأطفال في بيت لحم. وأما موقع الرامة الوارد ذكرها هناك، فهو من المسائل الواقعة تحت البحث عند جغرافيي فلسطين، ولكن موقع قبر «راحيل» على طريق بيت لحم بعيد قليلًا عن «أفراتة» في تخم بنيامين لم يقع فيه اختلاف، وهو على بعد نحو ميلين إلى الجنوب من أورشليم، ونحو ميل إلى الشمال من بيت لحم، وهو من الأماكن التي يزورها اليهود والمسلمون والمسيحيون تبركًا به، وزاره السائح «متدريل» سنة ١٦٩٧م، ووصفه الدكتور «روبنصن» وصفًا يتضمن ملخصه ما وصفه به السائحون الشرقيون، قال: هو مزار إسلامي أو مدفن شخص مقدس، حقير، مربع، مبني بالحجارة وله قبة، وداخله قبر أشبه بقبور المسلمين المألوفة، وكله مُطين بالطين من خارج، ومنظر البناء لا يدل على أنه قديم.
وفي القرن السابع لم يكن هناك إلا شبه هرم من الحجارة. وأما الآن فهو مُهْمَل وآخذ في السقوط، على أن السائحين من اليهود لا يزالون يزورونه، وجدرانه مغطاة بأسماء من عدة لغات، وكثير منها عبراني. واتفاق العموم على أن ذلك المقام هو قبر «راحيل» لا سبيل إلى الاعتراض عليه؛ لأن ما ورد في الكتاب المقدس يعضده من كل وجه. وقد ذكره أيضًا كثيرون من السائحين منذ سنة ٣٣٣ للميلاد، وذلك «إيروتبموس» وغيره في ذلك العصر.
رادغندة ابنة برنير ملك تورتجة
ملكة فرنساوية ولدت سنة ٥٢١م، فلما قام أخوها «هرمنفرو» على أبيه وقتله واختلس الملك، نهض عليه «سيرى» و«كلوتير الأول»، ملك فرنسا، وسلباه الملك، واقتسماه بينهما، فوقعت «رادغندة» في حصة «كلوتير»، وكانت قد تربت على الوثنية، وكان عمرها حينئذٍ عشر سنوات، فأدخلها «كلوتير» في المذهب المسيحي، حتى إذا تهذبت وترعرعت تزوجها سنة ٥٣٨م، وألبست تاج الملك في «سواسون»، وكان لها ميل شديد إلى العيشة الرهبانية، فلم تمضِ ست سنوات حتى استأذنت الملك في الاعتزال إلى بعض الأديرة، فسمح لها، ولم يكن له منها ولد، وأقطعها أرضًا تعيش فيها إذا أرادت، فأتت أولًا إلى «بواتيه»، ثم انتقلت سنة ٥٤٤م، لما قاطعها، فاشتهرت في «أكوتيانيا» بفضيلتها وتقواها حتى تقاطر إليها الناس وأشهْرُ الأساقفة.
وفي سنة ٥٥٩م، أنشأت ديرًا في «بواتيه» على اسم الصليب، وذلك لأن الإمبراطور «بوتينوس» كان قد أهدى إليها هدية من جملتها قطعة من خشبة الصليب، ثم بنت كنيسة على اسم العذراء، وأقامت تمارس الفضائل وأعمال القداسة والتقشف والزهد إلى أن توفيت في ١٣ آب (أغسطس) سنة ٥٨٧م، ودفنت تحت الخورس في الكنيسة التي بنتها، ونسب إليها فعل عجائب كثيرة، ونقلت جثتها إلى «ديجون» عند اكتساح العرب «أكوتيانيا» في القرن الثامن، ثم أعيدت إلى «بواتيه» بعد مدة طويلة.
وقيل: لما فتح قبرها سنة ١٤١٢م كان جسدها باقيًا لم يبلَ، وبقي هناك إلى سنة ١٥٦٢م، ثم تلاشى وتفرقت أجزاؤه في الحروب الدينية. ولها عيد في ١٣ آب المذكور. وكتب كثيرون من الآباء سيرتها، ونظموا على اسمها قطعًا كثيرة للترتيل، وحفظت من خط يدها رسالة بعثت بها قبل موتها بقليل إلى كل أساقفة فرنسا عنوانها وصية «رادغندة».
رادكليف مؤلفة إنكليزية
ولدت في لندن سنة ١٧٦٤م، وتوفيت سنة ١٨٢٣م، وتزوجت رجلًا من «أكسفرد» صاحب جريدة، واشتغلت في تصنيف قصص على طراز جديد، فاشتهرت في وقت قليل بحذقها في الإنشاء وحسن أساليبها، وكان مدار مواضيع هذه القصص بث انفعالات شديدة في النفس؛ كالرعب، والهول، وغوامض الأسرار، والأمور العجيبة، فالذي يقرؤها يتوهم نفسه مُحاطًا بالخيالات والأشباح الوهمية، والأرواح الجهنمية أو السماوية، ثم يظهر سرها وينكشف أمرها في آخر القصة، فتنطبق على أسباب طبيعية.
وقيل: إنها هي نفسها كانت تتخيل مثل هذه الخيالات المطبوعة في مخيلتها، فأفضى بها الأمر إلى اختلال عقلها في أواخر حياتها. ولما شاعت قصصها وتطلبها الناس برغبة صار بعض الكَتَبة ينشر قصصه تحت اسمها من قلمه، وإذ لم ترَ هذه القصص المزورة لائقة بها انقطعت عن التصنيف، ولم تكتب منذ ظهورها شيئًا، ويقال: إن القصة التي عنوانها «أسرار أودلف» اشتراها منها صاحب المطبعة بمبلغ ٢٥ ألف فرنك، وترجمت كل قصصها إلى الفرنساوية.
راعوث امرأة موابيه
كانت أولًا زوجة ﻟ «محلون»، وبعد وفاته تزوجت ﺑ «بوعز»، فولد له منها «عوبيد» جدُّ داود النبي. وهي واحدة النساء الأربع اللواتي ذكرهن القديس متَّى في سلسلة «ميلاد المسيح»، والثلاث الأُخَر هن: «ثاماء» و«راجاب» وزوجة «أوريا». وما جرى ﻟ «راعوث» مذكور بطريقة لطيفة في السفر المنسوب إليها، وملخصه: أنه حدث جوع شديد في أرض «يهوذا» ربما نشأ من حلول الموآبيين تلك الأرض في أيام «عجلون»، فألجئ أليملك، من أهالي بيت لحم «أفراتة»، أن يهاجر إلى أرض مداب هو وزوجته نعمى وابناه «محلون» و«كلبون»، وبعد مضي عشر سنين ترملت نعمى ومات ولداها، وسمعت أنه قد زالت المجاعة من أرض «يهوذا»، فرجعت «راعوث» وكنَّتُها معها؛ لأنها كانت تحبها جدًّا وتحب ديانتها، فوصلت إلى بيت لحم في أيام حصاد الشعير، فذهبت «راعوث» لتلتقط شعيرًا للقيام بأمر حماتها، واتفق أنها أتت حقل «بوعز» — وكان رجلًا غنيًّا وقريبًا لحَميها أليملك، وكان القوم قد بلغهم ما كان من صنيعها مع حماتها، وأمانتها لها، وتفضيلها لأرض بعلها على وطنها — فأحسن «بوعز» معاملتها، وأعطاها ما التقطته، ثم اتخذها له زوجة، فرُزق منها أولادًا كان من سلالتهم المسيح. وإذ كانت «راعوث» جدة نبي الله داود يستنتج أنها كانت في أواخر حبرية «عالي»، أو أول حبرية «صموائيل». ومن أراد تفاصيل قصتها فليراجعها في سفر راعوث.
راحيل الممثلة الشهيرة
ولدت هذه الشهيرة في الرابع والعشرين من شهر مارس سنة ١٨٢١م في قرية منف من أعمال سويسرا، وكان أبوها يهوديًّا يحمل البضاعة ويطوف بها على البيوت، وكان اسمها في الصغر «أليا»، ثم دعيت «راحيل» بعد أن صارت مُشخِّصة، وكان لها أخ وأربع أخوات صاروا جميعهم مشخصين.
وانتقلت هذه العائلة من «سويسرا» إلى «جرمانيا»، ثم جاءت فرنسا فاستوطنت أولًا بهون، ثم انتقلت إلى باريس، وكانت «راحيل» وأختها «سارة» تغنيان في القهاوي والأزقة، وكان الناس يتصدقون عليهما، واتفق يومًا أن رآهما أحد المحسنين فعجب بهما، وبالأخص ﺑ «راحيل» وسألها قائلًا: من علَّمك الغناء؟ فأجابته: قد تعلمته بنفسي، فقال لها: وأين سمعت هذه الأغنية؟ فأجابت: قد سمعتها وأنا في الشوارع أمام الشبابيك، فحفظت منها ما أمكن حفظه، فأعطاها بعض الثياب وصرفها، ومن ذلك الوقت لم تعد تظهر في الشوارع.
وظهرت «راحيل» أول مرة في المرسح الفرنساوي في ١٢ يونيو سنة ١٨٣٨م، ولم يكن في المرسح سوى أربعة أو خمسة أشخاص على الكراسي وبعض اليهود في أعلى التياترو، وهؤلاء كانوا قد أتوا ليسمعوا ابنة ملتهم. وقد وصف الدكتور «فرون» تلك الليلة بقوله: ذهبت ذات يومٍ مساءً للتنزُّه، وكان الوقت حارًّا قليلًا شأن أيام الصيف عندنا، فدخلت المرسح الفرنساوي وإذا في محل التمثيل فتاة جديدة، وقد رأيت على وجه هذه الفتاة ملامح الحذق والذكاء، حتى إن كل لفتة منها كانت تأتي بمعنى جديد، إلى أن قال: وما إخال أحدًا من القراء يجهل هذه الفتاة التي ملأ ذكرها الأسماع — ألا وهي «راحيل» الممثلة الشهيرة — ولم يأت آخر (أغسطس) من تلك السنة حتى ملأ صيتها باريس، وأطنب بمدحها كثيرون من أرباب الأقلام، من جملتهم «جولجانن» الشهير.
وفي مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر توجت ملكة التمثيل، وأشغلت الناس عن سواها من ممثلات تلك الأيام، واعتبرها الشعب الفرنساوي غاية الاعتبار، فكانت واسطة عقد جمعياتهم وزهرتها، وكانت الدعوات تأتي إليها من كل صوب حتى إنها كتبت إلى أحد أصدقائها تقول: لا يمكن للإنسان أن يأخذ حريته في معيشته إذا كان ممثلًا مشهورًا لدى الشعب الفرنساوي. وكانت الوزراء تتردد على التياترو لسماعها، والملك «لويس فيليب» أتى التياترو مرات عديدة إكرامًا لها، وذلك خلاف عادته. ولم يُنسها النجاح أهلها، بل كانت تودُّهم كثيرًا، وكتاباتها لهم مملوءة من المحبة والحنو، وكانت تود أصحابها القدماء كثيرًا، وبلغها ذات يوم وفاة أحدهم، فأرسلت إلى عائلته مبلغًا هائلًا من المال.
وقد أحيت بتمثيلها العوائد والمناظر الرومانية واليونانية التي كان قد مضى عليها مدة طويلة في زوايا النسيان، وقد وصفها «إسكندر دوماس»، الراوي الشهير، بأنها ذات سلطان قوي على عقول السامعين، فتؤثر فيهم حركاتها ونظراتها وصوتها المُشجي حتى كانوا يَمَلُّون من الفترة بين الفصول. وذهبت «راحيل» سنة ١٨٤٠م إلى إنكلترا، فأطنبت الجرائد بمدحها، منها جريدة «التيمس» التي قالت: «إن تأثيرها في العقول ابتدأ من أول عبارة لفظتها.»
وذكر أحد الذين حضروا هناك أنها كانت تظهر أمامهم بجميع المظاهر، وتبين لهم القلب البشري بكل أوصافه، فكانت تظهر تارة بزي القتلة، فتبدو على وجهها علامات الغضب والشر حتى لا يشك الناظر أنها قاتلة، ثم تمثل دورًا لطيفًا فتغلب عليها طبيعة النساء، وتُظهر من الرقة واللطف ما يخلب الألباب، وهكذا كانت تتلاعب بالحاضرين كأنهم آلة في يدها. ومما يدل على ثباتها وعزمها ما أظهرته في تمثيل رواية «بايزيد»، فإنها مثلتها أول مرة في ٢٣ (نوفمبر) سنة ١٨٣٨م، ولم تنجح فعادت بالفشل، وفي اليوم الثاني نشرت الجرائد الخبر في المدينة كلها، وقام الانتقاد عليها من كل صقعٍ ونادٍ، ولما رأت ذلك سارت إلى صديقها «جانن» — الذي مر ذكره — لعلها تُلطِّف حكمه عليها ولو قليلًا، فقابلها بلُطفٍ وبيَّن لها غلطها، ونصحها أن لا تُقدِم على تمثيل هذه الرواية مرة أخرى، فقالت له: إني سأمثل هذه الرواية بعدُ رغمًا عن كل أهل باريس، ومثلتها — كما قالت — فنجحت النجاح التام حتى أذهلت الحاضرين.
وكان «ألفردميست» من جملة المشهِّرين لها؛ فإنه كان يمدحها في الجرائد، ويحث الناس على الأخذ بيدها وتنشيطها. حُكي أنه صادفها ذات ليلة خارجة من التياترو الفرنساوي، فدعته مع بعض الأصدقاء إلى العشاء، قال: لما وصلوا إلى البيت نظرت إلى يديها فرأت أنها نسيت أساورها وخواتمها في التياترو، فأرسلت خادمتها تجيء بها إليها، ولما لم يكن في بيت أبيها غير هذه الخادمة، قامت هي بنفسها وذهبت إلى المطبخ، ثم عادت بعد ربع ساعة ووضعت أمامها صحنًا من المرق وبعض اللحم المشوي، وطلبت إلينا أن نأكل من الصحون الكبيرة؛ إذ كانت الصحون الصغيرة في الخزانة والمفتاح مع الخادمة، وكانت وهي على العشاء تحدثنا عن حالتها الأولى وما كان أبوها عليه من الفقر، وكانت والدتها وأخواتها ينظرون إليها شزرًا، ويشيرون إليها بأن تسكت.
أما هي فأجابتهم أنه لا عيب في الفقر، بل إنها تفخر بأنها نشأت من حال كهذه، ووصلت إلى ما وصلت إليه بجدِّها. وبعد العشاء ذهب الأصدقاء وبقيت أنا وحدي، فأخذت تقرأ لي أشعار «راسين»، وقد رأيتُ أنها تفهمها جيدًا، ودامت كذلك حتى مضى نصف الليل ورجع أبوها، فلما رآها انتهرها وأمرها أن تنام حالًا، فقامت والدموع ملء عينها، وسمعتها تقول وهي ذاهبة: سأشتري قنديلًا وأضعه في غرفتي الخصوصية حتى لا يمنعني أحد من المطالعة، فذهبت متعجبًا من اجتهادها وثباتها.
وذكر في موضع آخر أنه تغدى عندها ذات يوم، وكان على الغداء عدة من الأصحاب، فنظر أحدهم إلى يدها وقال لها: ما أجمل خاتمك! فقالت له: إذا كان قد أعجبك فسأضعه تحت المزايدة، فدفع أحد الحضور خمسمائة فرنك، ودفع الآخر ألفًا، وهكذا حتى بلغ ثلاثة آلاف، ثم التفتت إليَّ وقالت لي: وأنت كم تدفع؟ فأجبتها: إني أدفع محبتي، فرمت بالخاتم إليَّ وطلبت مني إتمام وعدي بنظم دور كانت طلبته مني.
إني أرسل احتراماتي إلى المداموازل «راحيل»، وقد استأجرت «لوجن» في التياترو حتى أتمكن من حضور تمثيلها.
وذهبت سنة ١٨٥٥م إلى أميركا، ولكنها لم تنجح؛ لأن الأمريكان لا يهتمون كثيرًا بالروايات الفرنساوية؛ لأنهم لا يفهمونها، واشتد عليها مرض الصدر في نيويورك، فرجعت إلى فرنسا، وأشار الأطباء عليها بالقدوم إلى مصر، فأتت إليها، ولكنها لم تستفد كثيرًا فيها؛ لأنها شعرت بنفسها أنها وحيدة بعيدة عن أصدقائها، حتى إنها كتبت إلى فرنسا تقول: إني سأموت من الوحدة لا من فعل المرض؛ لأني لا أرى حولي سوى خرائب الهياكل، وأنقاض الأبنية، ورجعت إلى فرنسا وزارت الملاعب التي كانت تُمثِّل فيها. وتوفيت في الثالث من يناير سنة ١٨٥٨م، والإجماع على أنها ملكت زمام التمثيل فانقاد لها طوعًا. ومع ما كانت من أمرها فقد أظهرت في عملها من الثبات والعزم — رغمًا عن ضيق ذات اليد — ما تقصر عنه هِممُ الرجال، وقد قالت مرارًا عديدة: «إني اتخذت الصبر والثبات دستورًا بمعونة الله؛ فوصلت إلى ما وصلت إليه.»
رابعة الشامية
هي زوجة أحمد بن أبي الحواري. كانت من العابدات الزاهدات، وكان فضلها لا يقدر، وكراماتها لا تنكر.
قال أحمد بن أبي الحواري: كانت رابعة لها أحوال شتى، فمرة يغلب عليها الحب، ومرة يغلب عليها الأنس، ومرة يغلب عليها الخوف، فسمعتها في حال الحب تقول:
وسمعتها في حال الأنس تقول:
وسمعتها في الخوف تقول:
قال: فقلت لها مرة — وقد قامت بليل: ما رأينا من يقوم الليل كله غيرك، قالت: سبحان الله، مثلك يتكلم بهذا! إنما أقوم إذا نوديت، قال: فجلست على المائدة في وقت قيامها، فجعلت تذكرني فقلت لها: دعينا نتهنَّا بطعامنا، فقالت: ليس أنا وأنت ممن ينغص عليه الطعام عند ذكر الآخرة، وقالت: لست أحبك حب الأزواج، إنما أحبك حب الإخوان، وقالت لزوجها: اذهبْ فتزوَّجْ، قال: فذهبتُ فتزوجتُ، وكانتْ تُطعمني الطعام وتقول: اذهب لأهلك، وكانت إذا طبخت قدرًا قالت: كلها يا سيدي؛ فإنها ما نضجت إلا بالتسبيح. وبقيت على عبادتها إلى أن توفاها الله.
رابعة ابنة الشيخ أبي بكر النجاري
الست الفاضلة العارفة الكاملة زوجة السيد أحمد أم السيد صالح ست الفقراء؛ رابعة. كانت سليمة الصدر، نقية القلب، لها معرفة جاذبة، وحزن دائم، ولا تأخذها في الله لومة لائم، كانت ذات سيرة جميلة، وأوصاف حميدة، سماها السيد أحمد: ست الفقراء، وكنَّاها أم الفقراء، ويقول: طاعتك على الفقراء واجبة. بكت بين يدي السيد أحمد مرة وقالت: كيف حالي بعدك؛ أبقى أنا وحيدة ويغلق باب المسرة والابتهاج في وجهي؟ فقال — رضي الله عنه: أهل المملكة يحبونك، وقولك مسموع، والنعمة عليك باقية، فانقاد أهل البيت الأحمدي لها مدة حياتها، وكانت تقف على ضريح زوجها وتُكلِّمه وتنتظر الجواب منه، فيأتيها شبيه الحلم بالجواب، وما أكرم أحد بعد وفاة زوجها بالولاية إلا وهي كانت عارفة به. سألت ربها في خلافة السيد محمد الموت، فتوفيت ليلة الجمعة النصف العاشر من شهر شوال سنة ٦١٣ﻫ، ودُفنت في القبة المباركة.
رابعة ابنة إسماعيل البصرية العدوية مولاة آل عتيك
كانت — رضي الله عنها — كثيرة البكاء والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زمانًا، وكانت تقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار، وكانت ترد ما أعطاه الناس لها وتقول: ما لي حاجة بالدنيا، وكانت بعد أن بلغت ثمانين سنة كأنها الخلال البالي تكاد تسقط إذا مشت، وكان كفنها لم يزل موضوعًا أمامها، وكان موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها، وسمعت — رضي الله عنها — سفيان الثوري يقول: وا حزناه! فقالت: وا قلة حزناه! ولو كنت حزينًا ما هناك العيش.
ومناقبها كثيرة — رضي الله عنها — ومشهورة، وجاء في ترجمتها لابن خلكان: أنها كانت من أعيان عصرها، وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة، وذكر أبو القاسم القشيري في الرسالة أنها كانت تقول في مناجاتها: «إلهي تحرق بالنار قلبًا يحبك؟» فهتف بها مرة هاتف: ما كنا نفعل هذا؛ فلا تظني بنا ظن السوء.
وقال بعضهم: كنت أهدي لرابعة العدوية، فرأيتها في المنام تقول: هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل من نور، وكانت تقول: «ما ظهر من أعمالي لا أعده شيئًا.» ومن وصاياها: «اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم.»
وأورد لها الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب «عوارف المعارف» هذين البيتين:
وكانت وفاتها في سنة ١٣٥ﻫ. ذكره ابن الجوزي في «شذور العقود»، وقال غيره: سنة ١٨٥ﻫ. رحمها الله تعالى. وقبرها يزار، وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمى الطور. وذكر ابن الجوزي في كتاب «صفوة الصفوة» في ترجمة رابعة المذكورة بإسنادٍ له متصل إلى عبدة بنت أبي شوال، قال ابن الجوزي: وكانت من خيار إماء الله تعالى، وكانت تخدم رابعة. قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله، فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها وهي فزعة: «يا نفس، كم تنامين! وإلى كم تنامين؟! يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور.»
وكان ذلك دأبها دهرها حتى ماتت، ولما حضرتها الوفاة دعتني وقالت: «يا عبدة، لا تؤذني بموتي أحدًا، وكفنيني في جبتي هذه.» وهي جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون، قالت: فكفنتُها في تلك الجبة وفي خمار من صوف كانت تلبسه، ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلة استبرق خضراء، وخمار من سندس أخضر لم أر شيئًا قط أحسن منه، فقلت: يا رابعة، ما فعلت بالجبة التي كفناك فيها والخمار الصوف؟ قالت: «إن الله نزعه عني، وأبدلت به ما ترينه عليَّ، فطويت أكفاني وختم عليها، ورفعت في عليين ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة.»
فقلت لها: لهذا كنت تعملين أيام الدنيا، فقالت: «وما هذا عندما رأيت من كرامة الله — عز وجل — لأوليائه.» فقلت لها: ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب؟ فقالت: «هيهات هيهات، سبقتنا والله إلى الدرجات العلا.» فقلت: وبمَ وقد كنت عند الناس أكبر منها؟ قالت: إنها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا أو أمست، فقلت لها: فما فعل أبو مالك — أعني ضيغمًا؟ قالت: «يزور الله — عز وجل — متى شاء.» قلت: فما فعل بشر بن منصور؟ قالت: «بخ بخ، أُعطِيَ والله فوق ما كان يُؤمِّل.» قلت: فمريني بأمرٍ أتقرَّب به من الله عز جل؟ قالت: عليك بكثرة ذكره؛ يوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك. رحمها الله تعالى.
وكان الحسن البصري توفيت زوجته فأراد زوجة، فقيل له عن رابعة العدوية، فأرسل إليها يخطبها، فردته وقالت:
وكانت تقول مرة: «إلهي ما عبدتك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك، بل حبًّا لك، وقصد لقاء وجهك.» وتنشد:
رابعة بنت إسماعيل
كانت تقوم من أول الليل إلى آخره، وكانت تقول: «إذا عمل العبد بطاعة الله تعالى أطلعه الجبار على مساوئ عمله، فيتشاغل بها دون خلقه.» وكانت تصوم الدهر وتقول: «ما مثلي يفطر في الدنيا.»
وكانت تقول لزوجها: «لست أحبك حب الأزواج، وإنما أحبك حب الإخوان.» وكانت تقول: «ما سمعت أذانًا قط إلا ذكرت منادي يوم القيامة، ورأيت أهل الجنة يذهبون ويجيئون، وربما رأيت الحور العين يستترن مني بأكمامهن.» ومناقبها كثيرة رضي الله عنها.
الرباب بنت امرئ القيس
ذكر في كتاب «نور الأبصار» ما ملخصه: أن الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن مرداس الكلبي، وكان نصرانيًّا فأسلم وجاء إلى عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — فدعا له برمح وعقد له على مَن أسلم بالشام من قضاعة، فتولى قبل أن يصلي صلاة، وما أمسى حتى خطب منه الحسينُ بنتَه الربابَ، فزوَّجه إياها، فأولدها عبد الله وسكينة، وكانت الرباب من خيار النساء وأفطنهن، وخُطبت بعد قتل الحسين — رضي الله عنه — فقالت: ما كنت لأتخذ حمًا بعد رسول الله ﷺ. وبقيت بعده سنة لا يُظلُّها سقف بيت إلى أن ماتت. رحمهما الله.
رصفة بنت آية
سرية أخذها «شاول» لنفسه من غير الإسرائيليين، فولدت له «أرموني» و«مغيبوشت»، وهي من النساء المشهورات في العهد القديم؛ مثل: «راعوث»، و«راجاب»، و«إيزابلا».
والراجح على ما جاء في قاموس التوراة أنها كانت غريبة عن شعب إسرائيل يتصل نسبها بإحدى العلائلات الشريفة؛ فإن «شاول» بأخذه لها وضع عادة جرى عليها ملوك بني إسرائيل من بعده؛ إذ كانوا يتخذون لأنفسهم السراري من غير أبناء جنسهم. وحدث بعد وفاة «شاول» ونزول الفلسطينيين شرقي الأردن أن رصفة ذهبت مع رفيقاتها من عائلة الملك إلى مقرهن الجديد في «محتايم»، فوقع لها في هذا المكان حادث ذُكر في التوراة؛ وهو أن «أشبوشت» اتهم «إبيزيا» بالدخول على سرية أبيه، فأنكر «إبيزيا» ذلك، وأقام الحجة عليه، ثم أعقبت هذه التهمة حادثة أخرى؛ وهي أن «إبيزيا» قتل بخيانة «يوآب»، وانتحر «أشبوشت» بعد ذلك.
والغالب على الظن بناء على ما يؤخذ من إنكار «إبيزيا» ومدلول الواقعة، أن التهمة المذكورة كانت محض زور وبهتان، ولم يذكر في التوراة شيء غير ذلك عن رصفة سوى ما ذُكر.
وبالاختصار هو أن داود لما رغب إليه الشعب في اقتضاء حقه من عائلة «شاول» وذوي قرباه مقابل ما ناله بسببهم من ضربة الجوع قال لهم: مهما قلتم لي أفعل، فقالوا له: الرجل الذي أفتانا والذين أمروه علينا يبيدونا لكيلا نقيم في كل تخوم إسرائيل، فلنعط سبعة رجال من بنيه، فنطلبهم للرب في جوعة «شاول» مختار الرب، فأخذ داود ابني رصفة ابنة آية، اللذين ولدتهما ﻟ «الشاول» «أرموني» و«مغيبوشت» وبني «ميراب» بنت «شاول» الخمسة الذين ولدتهم بعد «ريئيل بن برلاري المحولي»، وسلمهم إلى يد الجبونيين فصلبوهم على الجبل أمام الرب، فسقط السبعة معًا وقتلوا في أيام الحصاد في أولها في ابتداء حصاد الشعير، فأخذت رصفة مسحًا وفرشته لنفسها على الصخر من ابتداء الحصاد حتى انصب الماء عليهم من السماء، ولم تدع طيور السماء تنزل عليهم نهارًا ولا حيوانات الحقل ليلًا.
رضية ملكة دهلي في بلاد الهند
ابنة السلطان شمس الدين. كانت من أوفر نساء زمانها عقلًا، وأحسنهن وجهًا. تعلمت فنون السياسة من صغرها، ولما بلغت حد الكمال ازدادت رونقًا وبهاء وعقلًا.
ولما مات أبوها السلطان شمس الدين يلمش؛ اجتمع الناس على أخيها ركن الدين وبايعوه بالملك، فافتتح أمره بالتعدي على أخيه معز الدين فقتله، فأنكرت عليه شقيقته رضية ذلك، فأراد قتلها وأحسَّت بذلك، فلما كان بعض أيام الجُمَع خرج ركن الدين إلى الصلاة، فصعدت رضية على سطح القصر القديم المجاور للجامع الأعظم، ولبست عليها ثياب المظلومين، وتعرضت للناس وكلَّمتهم من أعلى السطح وقالت لهم: إن أخي قتل أخاه ظلمًا، وهو يريد قتلي معه.
وذكرتهم أيام أبيها وفعله الخير وإحسانه إليهم، فثاروا عند ذلك على السلطان ركن الدين وهو في المسجد، فقبضوا عليه وأتوا به إليها، فقالت لهم: القاتل يقتل، فقتلوه قصاصًا بأخيه. وكان أخوها ناصر الدين صغيرًا، فاتفق الناس على تولية رضية الملك، فولوها، واستقلت بالملك أربع سنين، ثم إنها اتُّهمت بعبد لها من الحبشة، فاتفق الناس على خلعها وتزويجها، فخلعت وتزوجت من بعض أقاربها، وولي الملك أخوها ناصر الدين.
رفقة ابنة بتوئيل
هي أخت «لابان» وزوجة إسحاق، وفي «الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين» خبر ذهاب عبد إبراهيم بأمر سيده إلى أرام النهرين ليأخذ زوجة لابنه إسحاق، وما جرى له مع رفقة وهو واقف على عين الماء لما خرجت بنات المدينة يستقين ماء، وقال: إن الفتاة التي أقول لها ناوليني جرتك لأشرب فتقول: اشرب وأنا أسقي جمالك أيضًا، هي التي عيَّنها الإله لعبده إسحاق، وإذ كان لم ينته كلامه خرجت رفقة التي ولدت ﻟ «بتوئيل» ابن ملكة — امرأة نحور أخي إبراهيم — وجرَّتُها على كتفها، وكانت الفتاةُ حسنةَ المنظر جدًّا، عذراء، فنزلت إلى العين وملأت جرَّتَها وطلَعت، فركض العبد للقائها وقال: اسقيني قليل ماء من جرتك، فقالت: اشرب يا سيدي. وأسرعتْ وأنزلتْ جرَّتَها على يدها وسقتْهُ، ولما فرغت من سقيه، قالت: استقِ لجمالك أيضًا حتى تفرغ من الشرب، فأسرعت وأفرغت جرتها في المسقاة، وركضت أيضًا إلى البئر لتستقي، فاستقتْ لكل جماله والرجل يتفرس فيها طامعًا؛ ليعلمَ أنجح الله طريقه أم لا.
وحدث عندما فرغت الجمال من الشرب أن الرجل أخذ حزمة ذهَبٍ وزنها نصف شاقل، وأعطاها إياها مع سوارين وزنهما عشرة شواقل ذهب، وقال: بنت مَن أنتِ؟ أخبريني، وهل عند أبيك مكان لنا لنبيت؟ فقالت له: أنا بنت «بتوئيل» ابن ملكة وعندنا كل ما تشتهي من القِرَى، فخرَّ الرجل وسجد لله تعالى وقال: تبارك الله الذي لم يمنع لطفه وحقه عن سيدي؛ إذ كنت أنا في الطريق هداني إلى بيت إخوة سيدي، فركضت الفتاة وأخبرت أبويها عن هذه الأمور، فجاء «لابان» أخوها إلى الرجل وهو واقف عند الجمال على العين فقال: ادخل يا مبارك، لماذا تقف خارجًا وأنا قد هيأت البيت ومكانًا للجمال؟ فدخل الرجل البيت وحلَّ عن الجمل، فأُعطِي تبنًا وعلفًا للجمال، وماء لغسل رجليه وأرجل الرجال الذين معه، ووضع أمامه الطعام ليأكل فقال: لا آكل حتى أتكلم كلامي، فقال: تكلم، فقال: أنا عبد إبراهيم، وإن الله قد أكرم مولاي جدًّا، فصار عظيمًا، وأعطاه غنمًا وبقرًا وفضة وذهبًا، وعبيدًا وإماء، وجمالًا وحميرًا، وولدت سارة امرأته ولدًا له أعطاه كل ماله، واستحلفني سيدي بقوله لي: لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن في أرضهم، بل تذهب إلى بيت أبي وعشيرتي وتأخذ منهم زوجة لولدي.
ثم قص عليهم ما جرى له مع رفقة عند العين، ثم قال: إني أحمد الله الذي هداني في طريق أمين لآخذ ابنة أخ سيدي لابنه. والآن إن كنتم تصنعون معروفًا وأمانة مع سيدي فأعطوني ما طلبت وإلا فأنصرف يمينًا أو شمالًا، فأجاب «لابان» و«بتوئيل» وقالا: من عند الله خرج الأمر؛ لا نقدر أن نكلمك بشرٍّ أو بخير. هذه رفقة أمامك خذها واذهب؛ فلتكن زوجة لابن سيدك كما أمر الله، فسجد العبد للأرض وأخرج فضة وذهبًا وثيابًا وأعطاها لرفقة، وأعطى تحفًا لأخيها وأمها، وسألوها: هل تذهبين مع هذا الرجل؟ قالت: أذهب. فأخذها ومضى، وسارت معها حاضنتها بعد أن ودَّعوا رفقة وقالوا لها: أنت بنتنا وأختنا مهما بعدت عنا.
وجاء في التوراة ما يستفاد منه أن إسحاق أحب رفقة؛ لأنها كانت جميلة، وصنيعة طائعة لطيفة. ولما مضى عليها تسع عشرة سنة وهي عاقر صلى إسحاق لله ودعاه لأجلها؛ فحبلت وكان في بطنها توءمان، وأحبت رفقة يعقوب ولدها الثاني، ولما صار إسحاق هرمًا من مجاعة إلى الأرض الفلسطينية بات محفوفًا بخطر من جمال زوجته رفقة. كما سمعت إسحاق يقول لعيصو بُكرةً: ائتني بعنز واصنع لي أطعمة لآكل وأدعو لك قبل وفاتي، فقالت ليعقوب: اذهب إلى الغنم وخذ لي من هناك جديين من المعز فاصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب، فتُحضرها إليه ليأكل حتى يدعو لك قبل وفاته، فقال: إن عيصو أشعرُ وأنا أملسُ، فربما جسَّني فأجْلبُ على نفسي لعنة لا بركة، فقالت له: لعنتك عليَّ يا ابني، فأجابها، فألبسته ثياب عيصو الفاخرة، وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جدي المعز؛ فنال يعقوب البركة.
فلما أُخبرتْ رفقة بأن عيصو توعَّد يعقوب بالقتل بعد وفاة أبيه؛ لغيظه منه لأنه سبقه إلى بركة أبيه، دعت يعقوب إليها وأخبرته بتوعُّد أخيه وقالت له: فالآن يا بني اسمع لقولي، وقم اهرب إلى أخي «لابان» إلى «حاران»، وأقم «عنده» أيامًا قليلة حتى يرتد سخط أخيك وينسى ما صنعت به، ثم أُرسلُ فآخذك من هناك لئلا أعْدَمكما في يوم واحد، وقالت لإسحاق: مللت حياتي من أجل بنات «حث»، إن كان يعقوب يأخذ زوجته من «حث»، مثل هؤلاء من بنات الأرض، فلما زال حيَّاه وسار برضا أبيه إلى «فزان أران». ولم تُذكَر رفقة عند عَوْد يعقوب إلى أبيه، ولا ذُكِر دفنها.
رقية ابنة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
ولدت له من أم حبيب الصهباء التغلبية. كانت من سبي الذرية الذين أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر، فاشتراها علي — رضي الله عنه — واستحظى بها، فأولدها عمرًا ورقية المُومَى إليها، فعمرو الأكبر شقيق رقية. وفي الفصول المهمة كانا توءمين، وعمَّر عمروٌ هذا خمسًا وثمانين سنة، وحاز نصف ميراث علي — رضي الله عنه — وذلك أن أخواته أشقاءه — وهم: عبد الله وجعفر وعثمان — قُتلوا مع الحسين بالطفِّ فورثهم.
وأخبرني الخواص أن رقية بنت الإمام علي — كرم الله وجهه — في المشهد الموجود بتكيتها المعروفة بتكية السيدة رقية بمصر. وهذه التكية في غاية الإتقان والخفة والنورانية، وبداخلها ضريح السيدة رقية، يعلوه قبة لطيفة الصنعة، وهناك مساكن للصوفية، وحنفيات للوضوء، وجنينة صغيرة، ويُعمل لها مقرأة وحضرة كل أسبوع، ومولد كل سنة. وشعائر هذه التكية مقامة من أوقاف السيدة رقية التي يبلغ مقدارها ثلاثة عشر ألف قرش وسبعمائة قرش وثمانية عشر قرشًا، واثنين وثلاثين بارة بالعملة الأميرية المصرية.
رقية بنت الفيف عبد السلام بن محمد مزرع المدينة
كانت عالمة عاملة، عاقلة كاملة، صادقة الرواية، حسنة الطوية. تعلمت العلم عن جملة من العلماء الأخيار، وحدثت بالإجازة عن شيوخ مصر والشام؛ كابن سيد الناس من المصريين، والمزي وغيره من الشاميين، وأقامت في المدينة، وفتحت درسًا للحديث، وانتفع بها أهل الحجاز، وهي من مشاهير المحدثين بتلك الأصقاع، ولم يوجد مثلها من نساء ذلك الزمان. رحمها الله رحمة واسعة.
رقاش ابنة مالك بن فهم بن غنم بن أوس الأسدي
رقاش ابنة مالك بن فهم بن غنم بن أوس الأسدي، وقيل التنوخي، أخت جذيمة الأبرش. كانت من أبدع نساء زمانها، وأحسنهن جمالًا، وكان عدي بن نصر نديمًا لجذيمة الأبرش، فأبصرته رقاش فعشقته وراسلته ليخطبها إلى جذيمة، وكانت على غاية من الظرف والأدب، فقال لها: لم أجترئ على ذلك ولا أطمع فيه، قالت: إذا جلس على شرابه فاسقه صرفًا، واسق القوم ممزوجًا؛ فإذا أخذت الخمرة فيه فاخطبني إليه، فلم يردَّك، فإذا زوجك فأَشْهِد القوم، ففعل عدي ما أمرته، فأجابه جذيمة وأملكه إيَّاها، فانصرف إليها فأعرس بها في ليلته، وأصبح بالخلوق فقال له جذيمة — وأنكر ما رأى به: ما هذه الآثار يا عدي؟ قال: آثار العرس، قال: وأي عرس؟ قال: عرس رقاش، قال: مَن زوَّجك بها؟ وَيْحك! قال: الملك زوَّجنيها، فندم جذيمة وأكب على الأرض متفكرًا، وهرب عدي فلم يُر له أثر، ولم يُسمع له بذكر، فأرسل إليها جذيمة:
فقالت: لا، بل أنت زوجتني امرأً عربيًّا حسيبًا، ولم تستأمرني في نفسي، وأنشدت:
فكفَّ عنها وعذرها. ورجع عدي إلى أياد فكان فيهم، فخرج معه فتية يومًا متصيدين، فرمى به فتى منهم فيما بين جبلين فتكسَّر فمات، وحملت رقاش فولدت غلامًا، فسمته عمرًا، فلما ترعرع وشبَّ ألبسته وعطرته وأزارَتْه خالَه، فلما رآه أحبه وجعله مع ولده.
وخرج جذيمة متبديًا بأهله وولده في سنة خصبة، فأقام في روضة ذات زهر وثمر، فخرج ولدُه وعمروٌ معهم يجتنون الكمأة، فكانوا إذا أصابوا كمأة جيدة أكلوها، وإذا أصابها عمرو خبَّأها، فانصرفوا إلى جذيمة يتعادون وعمرو يقول:
فضمَّه جذيمة إليه والتزمه وسُرَّ بقوله، وأمر له بحلي من فضة طوِّق به، فكان أول عربي أُلبس طوقًا. وقصة عمرو مشهورة مع الزباء وغيرها.
رقية ابنة رسول الله ﷺ
ولدت رقية ولرسول الله ﷺ ثلاث وثلاثون سنة، وكان تزوجها عتبة بن أبي لهب، وتزوج أختها أم كلثوم عتيبة أخوه، فلما نزلت: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ (المسد: ١)، قال أبو لهب لهما: رأسي من رأسكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد، ففارقاهما ولم يكونا دخَلَا بهما، وتزوج رقية عثمان بن عفان — رضي الله عنه — بمكة، وهاجر بها الهجرتين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وكانت ذات جمال بارع، وكان فتيان أهل الحبشة يتعرضون لها ويتعجبون من جمالها، فآذاها ذلك، فدعت عليهم فهلكوا جميعًا.
وولدت لعثمان بالحبشة ولدًا سماه عبد الله، وكان يكنى به، وبلغ الغلام ست سنين فنقر عينه ديك، فتورم وجهه ومرض ومات. وتوفيت رقية بالمدينة وكان النبي ﷺ في وقعة بدر، وكان عثمان قد تخلف عن بدر لأجلها، فجاء زيد بن حارثة بشيرًا بفتح بدر وعثمان قائم على قبرها. وكانت وفاتها لسنة وعشرة أشهر وعشرين يومًا من الهجرة.
رملة بنت الزبير بن العوام
كانت أخت مصعب بن الزبير بن العوام لأمه، وكانت أمها أم الرباب بنت أليف بن عبيد بن مصار الكلبي. تزوجها عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام بن خويلد؛ فولدت له عبد الله بن عثمان، وهو زوج سكينة بنت الحسين بن علي — عليها السلام — ثم تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وكان قتل ابن الزبير. ولما حج خالد بن يزيد خطب رملة بنت الزبير، فأرسل إليه الحجاج صاحبه عبيد الله بن موهب وقال: ما كنت أراك أن تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، وكيف خطبت إلى قوم ليسوا كُفْئًا، وكذلك قال جدك معاوية، وهم الذين قارعوا أباك على الخلافة، ورموه بكل قبيحة، وشهدوا عليه وعلى جدك بالضلالة؟ فنظر إليه خالد طويلًا ثم قال له: لولا أنك رسول والرسول لا يُعاقب لقطعتك إربًا إربًا، ثم طرحتك على باب صاحبك، قل له: ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أشاورك في خطبة النساء.
وأما قولك لي: قارعوا أباك وشهدوا عليه بكل قبيح؛ فإنها قريش يُقارع بعضها بعضًا، فإذا أقر الله — عز وجل — الحق قراره كان تقاطعهم وتزاحمهم على قدر أحلامهم وفضلهم.
وأما قولك: إنهم ليسوا بأكفاء؛ فقاتلك الله يا حجاج، ما أقل علمك بأنساب قريش؛ أيكون العوام كُفْئًا لعبد المطلب بن هاشم بتزوجه صفية، وبتزوج رسول الله ﷺ خديجة بنت خويلد، ولا تراهم أهلًا لأبي سفيان، فرجع إليه فأعلمه. ومن شعر خالد فيها:
ونشزت سكينة بنت الحسين — عليها السلام — على زوجها عبد الله بن عثمان، فدخلت رملة على عبد الملك بن مروان وهو عند خالد بن يزيد بن معاوية فقالت: يا أمير المؤمنين، لولا أنه يبتذ أمرنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا. سكينة بنت الحسين قد نشزت على ابني، قال: يا رملة، إنها سكينة، قالت: وإن كانت سكينة، فوالله لقد ولدنا خيرهم، ونكحنا خيرهم، وأنكحنا خيرهم — تعني بمن ولدوا فاطمة بنت رسول الله ﷺ، ومن نكحوا صفية بنت عبد المطلب، ومن أنكحوا النبي ﷺ — فقال: يا رملة، غرني منك عروة بن الزبير، فقالت: ما غرك، ولكن نصح لك لأنك قتلت أخي مصعبًا فلم يأمني عليك. ولم تزل به حتى أصلح بين سكينة وعبد الله بن عثمان.
رميصاء بنت ملحان
رميصاء بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية النجارية، وتلقب أم سليم أم أنس بن مالك. كانت عند مالك بن النضر والد أنس بن مالك في الجاهلية، فغضب عليها وخرج إلى الشام ومات هناك، فخطبها أبو طلحة الأنصاري — وهو مشرك — فقالت: إني فيك لراغبة، وما مثلُك يردُّ، ولكنك كافر وأنا امرأة مسلمة؛ فإن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره، فأسلم وتزوجها وحسن إسلامه، فولدت له غلامًا مات صغيرًا، وهو أبو عمير، وكان معجبًا به، فأسف عليه، وولدت له عبد الله بن أبي طلحة — وهو والد إسحاق — فبارك الله في إسحاق وإخوته، وكانوا عشرة كلهم حمل عنه العلم.
وقيل: إن أبا طلحة لما خطب رميصاء قالت: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد زينة من الأرض يحبرها حبشي بني فلان؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي تعبد خشبة؟ إن أنت أسلمت فإني لا أريد منك الصداق غيره، قال: حتى أنظر في أمري.
فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فقالت: يا أنس، زوِّج أبا طلحة، فتزوجها.
وكانت تغزو مع رسول الله ﷺ، وروت عنه أحاديث، وروى عنها ابنها أنس، وكانت من عقلاء النساء. رضي الله عنها.
رولاند الفرنساوية
ولدت هذه الفاضلة في ١٧ آذار (مارس) عام ١٧٥٤م من أبوين فقيري الحال، مختلفي الأخلاق والآراء، وكانت أمها دمثة الأخلاق، لينة العريكة، قانعة بهبات الباري تعالى، وكان أبوها طمَّاعًا، سيئ الطباع، كثير التذمر والحقد على المكارم والأشراف، زاعمًا أنهم علة تعاسته وسبب فقره؛ ولذلك كان يُندِّد بهم ككثيرين غيره من الفرنساويين.
وتعلمت القراءة والكتابة قبل بلوغها الرابعة من عمرها، وتعلقت بالمطالعة حين لم يكن لأبويها طاقة على ابتياع الكتب لها، فأرسلاها إلى دير من الأديرة لتقتبس العلوم عن راهباته، فأظهرت فيه من النجابة والبراعة في كل علم تعلمته ما جعلها فخرًا لمعلماتها، وقدوة لرفيقاتها، وأجادت في الموسيقى والتصوير، وطالعت كل ما عثرت عليه من التواريخ ودواوين الشعر والرحلات، والمقالات الدينية والعلمية والفكاهية والسياسية، وبالغت في استقصاء أحوال اليونان والرومان القدماء، واشتد ميلها إليهم.
قيل: إن أباها وجَدَها ذات يوم منخرطة في البكاء من أجل أنها لم تُولد رومانية، وكثيرًا ما كانت تتصور أمامها اليونان في سلطتهم، والرومان في أوجه عظمتهم، وتقابل بين أحوال ذينك الشعبين العظيمين وأحوال بلادها التي كانت قد أفرطت في الملاهي والترقي، وتهافتت على الباطل، فتنفر نفسها الأبية من الدنايا التي انغمس فيها أكابر قومها، وتتمنى أن يسود الإنصاف، ويسن بها الشرائع العادلة أبناء وطنها.
والظاهر أن ذلك رسخ في ذاكرتها منذ نعومة أظفارها؛ لكثرة ما كان أبوها يلقي على مسامعها من الأحاديث عن الملوك والأشراف وهو يجول بها في شوارع باريس، ويريها قصورها الشاهقة، ومبانيها الفاخرة، وأشراف المدينة وسيداتها خارجين إلى المتنزهات العمومية في عجلاتهم المذهبة بالخدم والحشم، لاهين بالأحاديث الفارغة، وخيولهم تدوس المساكين والبائسين وهم لا يبالون، ثم يقول لها: انظري يا ابنتي، أين العدل والإنصاف؟ أين الآخذون بناصر الإنسانية ليقتصوا من هؤلاء البرابرة القساة؟ ألا ترين أنهم يتوسدون الحرير والديباج، ويعيشون بالترف والشعب غارق في بحار الهموم، ومحاط بالأتعاب، يصل الليل بالنهار في الكدر والكدح ليحصل الخيرية التي يتمنع بها هؤلاء العتاة؟
وخرجت من المدرسة وهي في الرابعة عشرة، فجعلت أمها تمرنها على أشغال البيت فتخضع لأوامرها خضوعًا تامًّا، علمًا منها أن الأشغال البيتية من أهم واجبات المرأة، وكانت تبتاع لوازم بيتها بنفسها، فأكرمها البائعون لنباهتها ورزانتها. ولما بلغت سن الزواج تقاطر عليها الطلاب من كل فج، فرفضت طلبهم قائلة لوالديها: إن الطبيعة والشرائع قد اتفقت على وجوب تفضيل الرجل على المرأة، فأخجل أن أختار من لا يكون أهلًا لهذا المقام السامي. وحدث أن أحد الأشراف دخل مخزن أبيها ورأى إنشاءاتها فدهش من براعة أساليبها، وراعه إتقان قريحتها، فكتب إليها كتابًا يحثها فيه على التأليف، فأجابته لذلك بأبيات شائقة دقيقة المعنى أظهرت فيها الموانع التي تحول دون وصول المرأة إلى مثل تلك المنزلة الرفيعة.
ومن ذلك اليوم جرت المكاتبة بينهما، وكان لهذا الشريف ابن من أهل الطيش والجهالة، فأراد أن يزوجه بها ظنًّا منه أن حكمتها وعزمها يهديانه سواء السبيل؛ فأبتْ. ومن معرفتها بهذا الرجل تمكنت من معاشرة الأشراف؛ رغبة في الاطلاع على شئونهم، ولكنها لم تقتبس شيئًا من عوائدهم القبيحة، ولا شاركتهم في آرائهم، بل زادت بهم احتقارًا؛ إذ كان دأبهم الطرب والملاهي، وهمهم التأنق بالزينة والملابس.
وفي ٤ شباط (فبراير) سنة ١٧٨٠م، تزوجت ﺑ «رولاند»، أحد مفتشي المعامل في مدينة «ليون» — وكان رجلًا من ذوي الوجاهة والبراعة في العلوم، جامعًا بين الفضائل والمكارم، مشهورًا بالفضل والمآثر، وله كتابات عديدة تدل على جودة عقله — فأقاما سنة في باريس، ثم انتقلا إلى مدينة «إمبان»، ثم رجعا منها إلى «ليون» حيث قضت أسعد أيام حياتها، وأظهرت مناقب المرأة الكاملة، فرتبت بيتها على أحسن منوال، وعكفت على تربية ابنتها وتعليمها بنفسها، وكانت إذا انتقلت إلى مصيف زوجها في«لبلاتبيه» تخصص جانبًا من وقتها لزيارة المرضى والمساكين المجاورين لها، وتعالجهم بنفسها؛ لعدم وجود طبيب يعالجهم، فأحبوها محبة تفوق الوصف، واشتهرت بينهم بالفضائل والفواضل.
ولها على زوجها الفضل الأعظم، قال أحد أصحابه: لا أرى بين المحدثين من يشابه كانون الروماني أكثر من «رولاند». والحق أن يقال: «رولاند» مديون لامرأته بشجاعته ومعارفه؛ فإنها كانت متخذة أفكاره؛ ومعنية بأعماله، وكثيرًا ما كانت تصلح كتاباته؛ وتقوِّم براهينه بغزارة معارفها، وقوة بيانها، واتِّقاد تصوراتها، حتى طار صيته في بلاغة الإنشاء وقوة الكتابة.
ولما بلغها نبأ الثورة الفرنساوية تلقته بالترحاب، زعمًا منها أن الثورة أقرب طريق لسعادة فرنسا، وأحسن بشرى بتبديل أحوال هاتيك الأيام بأحسن منها، فبذلت كل قواها في تحريك الخواطر إليها، فلم يمض طويل الزمان حتى أضرمت نار الغيرة والحماسة في قلوب أهل وطنها، وحركت زوجها وأصحابها فأداروا دولاب الثورة بمدينتهم «ليون»، وعلَّق آمال الشعب «رولاند» وامرأته بخلع غلِّ الظلم عن أعناقهم، فوقف لهما جماعة من الأشراف بالمرصاد، ووضعوا عليهما العيون، فما ثناهما ذلك عن عزمهما، وزاد الناس حبًّا في «رولاند»، فاختاروه نائبًا عن مدينة «ليون» في مجمع الأمة الذي استدعاه «لويس السادس عشر» في بادئ الثورة، فتوجه هو وامرأته في ٢٠ شباط (فبراير) سنة ١٧٩١م إلى باريس، وكتبت مدام «رولاند» مقالة في أحوال تلك الأيام كان لها وقع عظيم.
وفي آذار (مارس) سنة ١٧٩٢م، انتخب زوجها وزيرًا للداخلية، وأعد لسكنه قصرًا مفروشًا مشيدًا بالأثاث الفاخر، ومُزيَّنًا بالزينة البهية، فدخلته مدام «رولاند» وكأنها خُلقت له ولم يُبنَ إلا لها، ثم لما طُلب من زوجها أن يُشير على الملك بإعلان الحرب على المهاجرين وحلفائهم، كتبت باسمه كتابًا للملك قوي الحجة، عظيم التأثير، حتى دهش زوجها من جراءتها وقوة أدلتها، ولكن كانت نتيجته خلع «رولاند» عن وظيفته؛ ولذلك أشارت امرأته عليه أن يعرض كتابه على المجمع لتعلم الأمة سبب خلعه، ففعل، فعُدَّ ضحية لحب الوطن، ثم طُبع الكتاب ووزع نسخًا عديدة في كل أنحاء المملكة، فهاجت الأمة بأجمعها حتى التزم الملك أن يُرجعَه إلى منصبه، فكانت زوجته سبب خلعه ثم نصبه ثانيًا.
واتفق أن الجاكويين اجتهدوا أيام كانت العائلة الملكية في السجن أن يهيجوا الشعب لينتقموا من مدام «رولاند»؛ بدعوى أن لها دخلًا في المكيدة التي كان يقصد بها تخليص الملك وإرجاعه إلى عرش المُلْك، وتكلف بإتمام ذلك رجل لئيم يسمى «أشيل فيارد»، فأظهر حزم «الجيرونديين» وهو يقصد باطنًا أن يتجسس أعمالهم، ويدبر على مدام «رولاند» مكيدة، فكان محذرًا حذرها منه، فأوجست منه خيفة وأبعدته عنها احتقارًا واستصغارًا، ومع ذلك فقد نجح باتهامها أمام الجمع أنه كان بينها وبين أصحاب النفوذ في فرنسا وغيرها مراسلة سرية واتفاق على إنقاذ الملك، فاستدعاها ديوان «الكونقاتسيون» لمرافعة خصمها، والمدافعة عن نفسها، فدخلت المحفل وكان غاصًّا بالجماهير وهم يحتدمون غيظًا، وقد علا لغطهم، فلما جلست سكتت الضوضاء، وأحدقت بها الأنظار، فدافعت عن نفسها وعن أصحابها دفاع أهل الحق والشيمة والشهامة، فبرَّأت نفسها، وتلعثم لسان خصمها عن الكلام فرجع بصفقة خاسرة، وأشار الرئيس أن يُظهر الأعضاءُ علامات اعتبارهم لها، فهنأها الجميع وصفقوا لها استحسانًا، وكان ذلك أمر من العلقم على أعدائها «كدانتون» و«مارات» و«روبس بير».
أما «روبس بير» هذا، فهو الذي خلَّصت حياتَه من القتل لما ثار الشعب وأراد قتله حنقًا عليه، ففر مذعورًا وقصد مدام «رولاند» وزوجها في منتصف الليل، وخبأته في بيتها، ثم استعانت على خلاصه بصديق لهما بعيد النفوذ والسطوة، فبرَّأه قبل صدور الحكم عليه، فما كان من «روبس بير» إلا أنه قابل الإحسان بالإساءة، فصار أشد العاملين على مدام «رولاند» وقتلها، حتى قال «لامرتين» الشهير في صدد ذلك: «لا شك أن مدام «رولاند» ذكرت في سجنها الليلة التي خلصت حياة «روبس بير» فيها؛ فإن كان هو أيضًا ذكرها وهو في أعلى مجده وقوته، فلا ريب أن ذكرها له كان عليه أشكى من وقوع السهام.»
ولا يخفى ما ألم بحزب الجيرونديين بعد ذلك، وما كان نصيبهم من الثورة، ففي ٣١ أيار سنة ١٧٩٣م، أُودعت مدام «رولاند» السجن، فصبرت على مشاقه كما صبرت وثبتت على الأهوال، ورتبت أحوال معيشتها فيه جاعلةً لكل ساعة من النهار شغلًا خصوصيًّا، فعينت وقتًا لدرس اللغة الإنكليزية، وآخر لإنشاء مقالات سياسية، وآخر للتصوير، وجعلت معظم همها تشجيع قلوب المسجونين ومساعدتهم بما كان يغض عن حاجاتها من المال.
وفي تشرين الثاني (أكتوبر) حكم عليها بالقتل فسيقت للذبح مكتوفة اليدين وعلامات الشجاعة تلوح على وجهها، فلما صارت بمرأى من تمثال الحرية، وكان منصوبًا حيث المسلة المصرية اليوم، التفتت إليه وقالت: أيتها الحرية، كم من ذنب يرتكبه الناس باسمك اليوم، أيتها الحرية، انظري كيف يتلاعبون باسمك. ويقال: إنها طلبت قلمًا وقرطاسًا لتخط ما جال في خاطرها وهي أمام الجلاد، فلم تُعطَهُما، وضُربت عنقها وهي في التاسعة والثلاثين من عمرها، فكان موتها سبب انتحار زوجها، كما عُرف من ورقة وجدت في جيبه بعد موته، وقد كتب عليها: لم يعد لي صبر على البقاء بعد موت امرأتي في عالم ملوث بالآثام.
رحمة زوجة نبي الله أيوب عليه السلام
هي بنت إفرايم بن يوسف بن يعقوب عليهما السلام. كانت من النساء الصالحات، الطائعات لأزواجهن، وقد اتصفت من دون النساء بالصبر الجميل على بلاء زوجها أيوب عليه السلام؛ حيث لم يبق له مال ولا ولد ولا صديق، ولا أحد يَقْربُه غيرها، فإنها صبرت معه على مضض ذاك البلاء الشديد، وكانت تسأل وتأتيه بطعام وشراب، ويبيتان يحمدان الله سبحانه وتعالى، ويرجوان منه عفوًا على ما نالهما من البلاء، فلما كانت في بعض الأيام وهي تسأل كعادتها، إذ تمثل لها إبليس في صورة رجل فقال لها: أين بعلك يا أمة الله؟ فقالت: هو ذاك يَحكُّ قُرُوحه، وتتردد الديدان في جسده.
فلما سمع منها طمع أن تكون كلمة جزع، فوسوس لها وذكَّرها ما كانت فيه من النعيم والمال، وذكَّرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه اليوم من الضر، وأن ذلك لا ينقطع عنه أبدًا، فصرختْ، فلما صرَخت علم أنها قد جزعت، فأتى بسخلة وقال لها: ليذبح أيوب هذه لي وسيبرأ، فجاءت تصرخ وقالت: يا أيوب، إلى متى يعذبك ربك ولا يرحمك؟ أين المال؟ أين الماشية؟ أين الولد؟ أين الصديق؟ أين ثوبك الحسر قد تغير وصار مثل الرماد؟ وأين جسمك الحسن الذي قد بلي يتردد فيه الدود؟ اذبح هذه السلخة واسترح.
فقال لها أيوب: أتاك عدو الله فنفخ فيك فأجبتِه، أرأيت ما تبكين عليه مما كنا فيه من المال والولد والصحة، مَن أنْعَم علينا به؟ قالت: الله، قال: فكم متَّعنا به؟ قالت: ثمانين سنة، قال: فمنذ كم ابتلانا الله؟ قالت: منذ سبع سنين، قال: ويلك، والله ما عدلت ولا أنصفت ربك! ألا صبرت في هذا البلاء الذي ابتلانا به ربنا كما كنا في الرخاء. والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة كما أمرتني أن أذبح لغير الله. طعامك وشرابك الذي تأتيني به عليَّ حرام لا أذوق مما تأتيني به بعد إذ قلت هذا، فاغربي عني لا أراك، فطردها.
فلما رأى أيوب امرأته وقد طردها وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق؛ خرَّ لله ساجدًا وقال: ربِّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (الأنبياء: ٨٣)، ثم رد الأمر إلى ربه فقال: وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء: ٨٣)، فأوحى الله إليه أن اركض برجلك، فركض فنبعت عين ماء فاغتسل، فلم يبق من دائه شيء ظاهر إلا سقط بأثره، وأذهب الله عنه كل ألم وداء وكل سقم، وعاد عليه شبابه وجماله أحسن ما كان، وأفضل مما مضى، وجعل يلتفت يمينًا وشمالًا فلم ير شيئًا مما كان من أهل وولد ومال إلا وقد ضاعفه الله تعالى، فخرج حتى جلس على مكان مشرف.
ثم إن «رحمة» قالت: أرأيت إن كان قد طردني، إلى مَن أكله؟ أأدعه حتى يموت جوعًا وعطشًا ويضيع فتأكله السباع؟ فوالله لأرجعن إليه. ثم رجعت فلا كناسة ترى، ولا تلك الحال التي كانت تعرف، وإذا هي قد تغيرت، فجعلت تطوف حول هذه الكناسة وتبكي، وذلك بمرأى من أيوب، فأرسل إليها أيوب فدعاها وقال لها: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت، وقالت: أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذًا على هذه الكناسة لا أدري أضاع أم ماذا فُعل به؟ فقال أيوب عليه السلام: ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعلي، فهل رأيته؟ فقال: وهل تعرفينه إذا رأيته؟ قالت: وهل يخفى على أحد رآه؟ ثم إنها جعلت تنظر إليه وقالت: أما إنه أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحًا، قال: فأنا أيوب، أمرتني أن أذبح لإبليس، فإني أطعت الله وعصيت الشيطان، فرد عليَّ ما ترين، فاعتنقته، فقيل: إنها ما فارقته من عناق حتى مر بها كل ما كان لهما من المال والولد.
فلما برأ أيوب أراد أن يبر يمينه بأن يجلد «رحمة»، فأمره الله أن يأخذ من جماعة الشجر مبلغ مائة قضيب خفافًا لطافًا ويضربها ضربة واحدة، كما قال الله تعالى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ (ص: ٤٤).
وقيل: كانت «رحمة» تكسب له ما تعمل للناس فتبيعه وتجيئه بقوته، فلما طال عليها البلاء وسئمها الناس فلم يستعملها أحد، التمست يومًا من الأيام تطعمه فما وجدت شيئًا، فجزت قرنًا من رأسها فباعته برغيف، فأتته به فقال لها: أين قرنك؟ فأخبرته الخبر، فحزن عليها وشكر صنيعها.
روشنك ابنة الدهقاء أوزبرت
كانت مشهورة بالجمال. تزوجها إسكندر المكدوني، ولما مات كانت حاملًا، ووضعت لثلاثة أشهر من موته ولدها إسكندر الملقب «إيروس»، واتفقت مع «برديكاس» وقتلا «ستايترا» زوجة إسكندر؛ لأنها كانت تحاول منع تنصيب ابنها «إيفوس»، فصفا له الملك بالإرث من أبيه، ثم اتحدت مع «أولبياس» على «فيليبس أرديوس» وامرأته «أوريدبكي»، ثم جعلت نفسها تحت حماية «يوليسيرخون»، ولما وصل «كاسندر» اعتصمت بمدينة «بيدنا»، ولما أخذت هذه المدينة وقتل «أولبياس» حبسها «كاسندر» في «أمغيبولبس»، وبها قتلت هي وابنها سنة ٣١١ قبل الميلاد.
والمشهور في تواريخ العرب أن «روشنك» هي ابنة «دارن الأصغر»، ملك الفرس، ظفر به الإسكندر، قال ابن الأثير: إن الإسكندر لما وجد «دارن» وقد ضربه حاجباه الضربة القاضية، أخذه وأسند رأسه إلى حضنه، وكلمه كلامًا لطيفًا باللطف والاحترام، وطلب أن يوصي بما يريد، فأوصاه بأن يتزوج ابنته «روشنك» ويرعى حقها، ويعظم حقها، ويستبقي أحرار فارس، ويأخذ له بثأره ممن قتله، ففعل الإسكندر كل ذلك، وبنى ﻟ «روشنك» مدينة بالسواد، وقيل: إنه جعل هيئة زفافها إليه على النسق الشرقي، وإنها قالت بعد موته: ما كنت أظن أن قاتل «دارن» يُقتل.
ريا بنت الغطريف السلمي
كانت ذات جمال باهر، وأدب ظاهر، ولها معرفة بأشعار العرب، وكانت تقول الشعر الجيد. عشقها عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري، عَلِقها بمسجد الأحزاب في المدينة المنورة يوم منتزه؛ إذ هو جالس في المسجد ودخل عليه نسوة وفيهن جارية لم ير مثلها، فوقفت وقالت: ما تقول في وصل مَن يطلب وصلك؟ ثم مضت ولم يعرف لها خبر، فلما كان في اليوم الثاني توجه إلى مسجد الأحزاب، وجلس في المكان الذي كان فيه بالأمس، وإذا بالنسوة قد أقبلن ولم ير الجارية فيهن، فقلن له: ما ظنك بطالبة وصالك؟ فقال: وأين هي؟ قلن له: مضى بها أبوها إلى السماوة، فأنشد:
وتوجه إلى أبيها هو وصاحب له، فأكرم وفادتهما وسألهما عن أمرهما وقال: اذكرا حاجتكما، فأخبراه بخطبة عتبة إلى ابنته، فقال: ذلك إليها، فدخل وأخبرها بذلك فأجابت وشكرت له عتبة، فقال: قد نمى إليَّ أمرك معه، وأقسم لا أزوجك به، فقالت: إن الأنصار لا يردون ردًّا قبيحًا، فإن كان ولا بد فاغلظ عليهم المهر، فقال: نِعْمَ ما أشرتِ به، ثم خرج فقال: قد أجبت ولكن على ألف دينار، وخمسة آلاف درهم هجرية، ومائة ثوب من الأبراد والخز، وخمسة أقراص من العنبر، فضمنا ذلك وقالا له: إذا أحضرناها لك أجبتَ؟ قال: أجبت، فأحضروا له ذلك فأولم أربعين يومًا. ثم أخذها ومضى، فلما قارب المدينة خرج عليه خيل كثيرة، فقاتل عتبة حتى قُتل، فحين علمت ريا بموته جاءت وبكت بكاءً مرًّا حتى أبكت عليه من كان حاضرًا، وأنشدت:
ثم شهقت شهقة فماتت، فواروهما التراب في قبر واحد، فنبت على قبرهما شجرة، فسموها شجرة العروسين.
ومن قول عتبة فيها:
وقوله فيها أيضًا:
ريا ابنة مسعود بن رقاش العشري التغلبي من ربيعة
كانت ذات ظرافة وفراسة ومعرفة وحسن. نشأت مع الصمة بن عبد الله بن مسعود صغيرين، وكانا يتذاكران الأدب وملح الأشعار، ونوادر السير والأخبار، حتى صارت أعجوبة زمانها، ونادرة أوانها، فأعجب بها، وتمكنت منه محبتها، ولم يكن عندها منه مقدار ما عنده منها، فلما شكا ما يجد منها إلى بعض أصدقائه أرشده إلى تزوجها، فخطبها إلى عمه، فأنعم على مائة من الإبل، فمضى إلى أبيه فأعطاه تسعًا وتسعين، فأبى مسعود إلا التمام، وعبد الله إلا ذلك، وحلف كلٌّ على ما قال، وأوقفوا الأمر، فحملت الصمة الأنفة على أنه خرج عنها إلى العراق، فقالت ريا: ما رأيت رجلًا أضاعه أبوه وعمه ببعير إلا الصمة! لما عندهما من العلم بحبه لها.
وفد رجل يقال له: علي غاوي، فخطب منه ريا وأمهرها ثلاثمائة ناقة برعاتها، فزوجه بها، فحملها إلى مذحج، فبلغ ذلك الصمة فلزم الوساد وقال:
وقد سمع امرأة تنادي ابنتها: يا ريا، فسقط مغشيًّا عليه، فاحتملوه إلى بستان هناك وأضجعوه، فلما أفاق أنشد:
ولم يزل يرددها حتى قضي عليه، ولما وصل خبره داخلها من الوجد ما أمسكت معه عن الطعام والشراب، وجعلت تبكيه حتى ماتت. ومن لطيف شعره فيها قوله:
ريطة بنت عاصم بن عامر بن صعصعة
وكانت شاعرة فصيحة، جميلة المنظر، لطيفة المخبر، عذبة المنطق. لها رثاء مقبول لا بأس فيه؛ منه ما قالته في قومها — وكانوا قد أصيبوا في يوم من أيام العرب:
ريطة بنت العجلان بن عامر بن برد بن منبه
هي أخت عمرو بن العجلان بن عامر الهذلي. قتله بنو فهم في بعض غزواته فقالت أخته ترثيه:
وكانت ريطة هذه من نساء العرب الموصوفات بالأدب والفصاحة والحماسة، لم يكن في زمانها أحسن منها سيرة، وأعذب منطقًا، وألطف شارة. لها جملة مراثٍ غير هذه، ولم تمكث زمنًا بعد أخيها؛ وذلك لحزنها عليه.