حرف الزاي
زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي
هي امرأة هارون الرشيد وأم ولده محمد الأمين. كانت ذات معروف وخير وفضل ونفقة واسعة على البر وأصحاب الحاجات، وقصة حجها وما فعلته في طريقها من الإحسان مشهورة في كتب التواريخ شهرة عظيمة، فوق ما كان لها من شهرة الشرف، والثروة الواسعة، فإنها جمعت شرف الخلافة من أطرافها؛ فأبوها ابن خليفة، وعمها المهدي خليفة، وزوجها أشهر الخلفاء، وابنها خليفة أيضًا؛ ولذلك قد كثرت عنها الحكايات والأخبار في كتب العرب.
قال ابن الجوزي: إنها سقت أهل مكة الماء بعد أن كانت الراوية عندهم بدينار، وإنها أسالت المياه عشرة أميال بحط الجبال ونحت الصخور حتى غلغلته من الحل إلى الحرم، وعملت عقبة البستان فقال لها وكيلها: يلزمك نفقة كثيرة، فقالت: اعملها ولو كلفت مشربة الناس دينارًا. وكان لها مائة جارية تحفظن القرآن، ولكل واحدة ورد عشر القرآن، وكان يُسمع في قصرها كدوي النحل من قراءة القرآن.
وقيل: كان اسمها أمة العزيز، فلقبها جدها المنصور زبيدة؛ لبضاضتها ونضارتها.
قال ابن الأثير: وكان مولد زبيدة بقصر حرب، وهو قصر بناه حرب بن عبد الله، من أكابر قواد المنصور، حينما وجهه المنصور مع ولده جعفر أبي زبيدة ليكون نائبًا عن مالك بن الهيثم في ولاية الموصل. وهذا القصر بأسفل الموصل. وتزوج بها الرشيد سنة ١٦٥ هجرية، وكان يحبها كثيرًا، ويكرمها غاية الإكرام. وكانت هي شديدة البر به والاحتفاظ على رضاه. ولم يكن يمنع عنها شيئًا من كل ما تطلبه من نفقة وما يتعلق بها وبغيرها مما يسرها وينفعها، غير أنها بعد تلك الكرامة والعزة والأبهة أصبحت بعد موت الرشيد في حالة سيئة من الكآبة والذل وخفض الجناح؛ وذلك لما وقع بين الأمين والمأمون من الفتن، ولا سيما بعد قتل ولدها الأمين في تلك الأثناء. وقد كتبت للمأمون بأبيات ترثي بها سوء حالها بعد فقد ولدها؛ وهي:
وذلك لأن طاهر بن الحسين هو الذي قام بحرب الأمين وكان السبب في قتله.
وقالت زبيدة أم جعفر ترثي ولدها الأمين:
فلما قرأها المأمون بكى وقال: أنا الطالب بثأر أخي، قتَل الله قَتَلَته. ثم إن المأمون عطف على زبيدة فجعل لها مكانًا في قصر الخلافة، وأقام لها الوظائف والخدم والجواري، وكانت حاضرة عند دخوله الغرفة التي زُفَّت إليه بها بوران بنت الحسن، وطلبت لها بوران منه الإذن بالحج، فأجابها إلى طلبها، وألبست بوران بيدها قسمًا من ملابسها.
وأما حجتها المشهورة فقيل: أنفقت فيها في بناء المساجد والصدقات ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وأجرت الماء من دجلة إلى عرفات، ثم إلى مكة حتى سقت أهلها — كما مر. وهذه مبالغة عظيمة؛ فالماء الذي أجرته إلى مكة ليس من دجلة. قيل: وأجرت نبع العرعار من جبل لبنان إلى بيروت حتى وصل إلى وادي المكلس، فبنوا له طبقات قناطر حتى جرى الماء فوقها إلى جانبه الآخر وتطرق إلى بيروت؛ لأنها كانت قد مرت من هناك في حجتها المذكورة فوجدت الماء قليلًا، وإلى الآن يقال لهذه القناطر: قناطر زبيدة.
والأرجح أن بانية هذه القناطر إنما هي زنوبية، ملكة تدمر المعروفة باسم زبيدة أيضًا. ولها آثار كثيرة من مثل ذلك تدعى الزبيدية — غالبًا نُسبتْ إليها — منها بِرْكة في طريق مكة بين العقيق والعذيب، بها قصر ومسجد عمرتهما من مالها، ومحلات ببغداد مشهورة أيضًا باسمها، ولكثرة مالها وسعة نفقتها ضرب المثل الحريري بقوله: «لو حبتك شيرين بجمالها، وزبيدة بمالها.»
ومما يُحكى عن حلمها وحسن أخلاقها وفهمها، أن أحد الشعراء مدحها بقصيدة يقول من جملتها:
فهمَّ الخَدَم بضربه وطرده — وكانت هي خلف الستارة تسمعه — فقالت: دعوه؛ لأنه لم يُرِدْ إلا خيرًا، ولكنه أخطأ الصواب، فإنه سمع شمالك أندى من يمين غيرك، وقفاك أحسن من وجه سواك، فظن أن الذي ذهب إليه من ذلك القبيل. أعْطُوه ما أمَّل، ونبِّهوه على ما أهمَل. وأخبارها كثيرة، منها: أنه حصل جفاء بينها وبين المأمون يومًا، فوجهت إلى أبي العتاهية تُعلمه بذلك وتأمره بأن يقول أبياتًا تُعطِّفه عليها، فقال:
فلما سمع المأمون هذه الأبيات حسن موقعها عنده، وأحسن إليها، وبكى وقام من وقته إليها، وأكب عليها، وقبَّلت يديه، وقال لها: ما جفوتك تعمدًا، ولكن شُغلت عنك بما لم يمكن إغفاله؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، إذا حسُن رأيك لم يوحشني شغلك، وأتمَّ يومه عندها.
قال الحسن بن إبراهيم بن رباح: كان مخارق المغني يهوى جارية لأم جعفر يقال لها: نهار، ويستر ذلك عن مولاتها حتى بلغها ذلك، فأَقصَتْه ومنعته عن المرور ببابها، وكان بها كلِفًا، فلما بلغه الخبر أن أم جعفر علمت حبهما قطعها وتجافاها إجلالًا لأم جعفر، وطمعًا في السلو عنها، وبقي على ذلك حتى ضاق ذرعه، وبينما هو ذات ليلة راكب في زلال، وقد انصرف من دار المأمون وأم جعفر، وكان يشرف على دجلة، إذ جاز دارها، فرأى الشمع يُزهر فيها، ولما صار بمسمعٍ منها ومرأى اندفع يغني:
فقالت أم جعفر: مخارق والله، ردُّوه، فصاحوا به: قدِّم، فقدم، وأمره الخدم بالصعود فصعد، وأمرت له أم جعفر بكرسي وصينية فيها النبيذ، فشرب وخلعت عليه، وأمرت الجواري فغنينه، ثم ضربت عليه فغنى، وكان أول ما غنى به:
ولما انتهى من غنائه اندفعت نهار فغنَّت كأنها تباين، وإنما قصدها إجابته عن معنى ما عرَّض لها به:
ففطنت أم جعفر أنها خاطبت بما في نفسها فضحكت وقالت: ما سمعنا بأملح مما صنعتما، ووهبتها له.
ومنها ما قاله أبو العتاهية عن نفسه، قال: لما جلس الأمين بالخلافة أنشدت أبياتًا هي:
وبعد فراغه من الأبيات ذهب لأم جعفر فقالت له: أنشدني ما أنشدت أمير المؤمنين، فأنشدها، فقالت: أين هذا من مدائحك في المهدي والرشيد؟ فغضب وقال لها: أنشدت أمير المؤمنين ما يستملح وأنا القائل فيه:
فقالت لي: الآن وفيت المديح حقه، وأمرت لي بعشرة آلاف درهم.
قال محمد بن الفضل: كان المأمون يُوجِّه إلى أم جعفر زبيدة في كل سنة مائة ألف دينار جُدُدًا، وألف ألف درهم، فكانت تعطي أبا العتاهية منها مائة دينار وألف درهم، فأغفلته سنة، فرفع رقعة إلى محمد بن الفضل وقال له: ضعها بين يديها، فوضعها، وكان فيها:
فقالت: إنا والله أغفلناه، فوجَّهت إليه بوظيفة على يدي ابن الفضل المذكور. ولها أخبار كثيرة خلاف هذه، وكانت وفاتها ببغداد في جمادى الأولى سنة ٢١٦ هجرية. رحمها الله تعالى.
زبيدة القسطنطينية
هي ابنة أسعد بن إسماعيل بن إبراهيم بن حمزة الحنيفية. ذكرها المرادي من جملة مشاهير أبناء القرن الثاني عشر للهجرة وقال: هي أم الفطنة الشاعرة المشهورة، وصاحبة الديوان، الأديبة الفاضلة، الكاملة الحاذقة.
ولدت بالقسطنطينية، ونشأت بكنف والدها شيخ الإسلام المولى أسعد، مفتي الدولة العثمانية، وقرأت القرآن، واشتغلت بأخذ الفنون، وقرأت الفقه واللغة والآداب، ونظمت الشعر الفارسي والتركي، وتعلقت على الأدب، واشتهر ذكرها، وشاع صيتها، وكانت تخترع كل معنى مبتكر تحار به الألباب، وامتدحت سلاطين وقتها ووزراءه، واشتغلت بمطالعة الكتب، واتصل بها المولى الرئيس، ودرويش عبد الله، نقيب الأشراف وقائد العساكر، وتنافس الناس بشعرها وتداولته الأيدي. وكانت وفاتها في ذي القعدة سنة ١١٩٤م.
زباء نائلة بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة العمليقي
ملك الجزيرة ومشارق الشام. كان جذيمة الأبرش قتل أباها، فملكت هي بعده، ونهضت بالأخذ بثأره من جذيمة، قيل: وكانت مملكتها من الفرات إلى تدمر، وجنودها بقايا العمالقة وغيرهم، فلما استجمع لها الأمر، واستحكم ملكها؛ تأهبت لغزو جذيمة، فقالت لها أختها — وكانت عاقلة: إن غزوت جذيمة فإنما هو يوم له ما بعده، والحرب سجال، ثم أشارت عليها بترك الحرب وإعمال الحيلة، فأجابتها إلى ذلك، وكتبت إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها، وقالت له: إن ملك النساء قبح في السماع، وضعف في السلطان، وإنها لم تجد لملكها ونفسها كفئًا غيرك.
فلما وصله الكتاب وهو ببقة من شاطئ الفرات استدعى خواصه واستشارهم في الأمر، فأجمع رأيهم على أن يسيروا إليها، ويستولي على ملكها ويتزوجها، وكان فيهم رجل يقال له: قصير بن سعد من قبيلة لخم — وهو ابن جارية لجذيمة كان أبوه تزوجها، وكان أديبًا حازمًا ناصحًا لجذيمة، مُقرَّبًا إليه — فخالفهم فيما أشاروا به وقال: رأي فاتر، وعدو حاضر.
وقال لجذيمة: اكتب إليها: إن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلَّا فلا تُمكِّنها من نفسك، وقد وترتها وقتلت أباها، فقال جذيمة: رأيك في الكن لا في الضح — أي في البيت لا في الخارج — ثم دعا بابن أخته عمرو بن عدي فاستشاره، فشجَّعه على المسير وقال: إن قومي مع الزباء، فإذا رأوك صاروا معك، فأطاعه، فقال قصير: لا يطاع لقصير أمر، ثم إن جذيمة استخلف على الملك عمرو بن عدي، وعلى خيوله عمرو بن عبد الجن، وسار في وجوه أصحابه ومعهم قصير، فلما أبعدوا قليلًا قال لقصير: ما الرأي؟ قال: ببقة تركت الرأي، ثم استقبله رسل الزباء بالهدايا والألطاف فقال: يا قصير، كيف ترى؟ قال: خطر يسير وخطب كبير، وستلقاك الخيول؛ فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة، وإن أخذت جنبتيك فأحاطت بك؛ فإن القوم غادرون، فاركب العصا، فإني راكبها ومسايرك عليها — والعصا فرس كانت لجذيمة لا تجاريها الخيل.
فلما لقيته الكتائب حالت بينه وبين العصا، فركبها قصير ونظر إليه جذيمة موليًا على متنها فقال: ويل أمه، حزمًا على متن العصا، ما ضل من تحرى العصا! فلما وصلوا به أدخلوه على الزباء فأجلسته على نطع، وأمرت بطشت من ذهب، وسقته الخمر بكثرة، ثم أمرت براهشيه فقطعا، وقدمت إليه الطشت وقد قيل لها: إن قطر من دمه شيء في غير الطشت طلب بدمه — وكانت الملوك لا تُقتل بضرب الرقبة تكرمة للملك — فلما ضعفت يداه سقطتا فقطر من دمه خارج الطشت، فقالت: لا تُضيِّعوا دم الملك، فقال جذيمة: دعوا دمًا ضيَّعه أهلُه، ثم هلك جذيمة على هذا الحال.
وأما قصير فقد جرت به العصا إلى غروب الشمس، وقد قطعت أرضًا بعيدة، وقد سقطت به ميتة فدفنها وبنى عليها بناء، وسار حتى دخل على عمرو بن عدي وقال له: تهيَّأ ولا تَطِلَّ دم خالك، فقال: وكيف لي بها وهي أمنع من عقاب الجو؟
وكانت الزباء قد سألت كهنتها عن أمرها وكيفية موتها، فقالوا لها: نرى قتلك يكون على يد عمرو بن عدي، فحذرتْ عمرًا من ذلك اليوم، واتخذت لنفسها سربًا من مجلسها إلى حصن لها داخل مدينتها، حتى إذا فاجأها أمر دخلت السرب ومضت إلى الحصن، ثم دعت برجلٍ مُصوِّر حاذق في صناعته وأرسلته إلى عمرو بن عدي متنكرًا، وقالت له: صوِّره قائمًا وجالسًا ومتفضلًا، ومتنكرًا ومتسلحًا بهيئته ولبسته ولونه، وذلك حتى إذا رأته في أية حالة منها تعرفه، ففعل المُصوِّر ما أمرته به، وأتى إليها بالصور.
وأما قصير فقال لعمرو: اجدع أنفي، واضرب ظهري، ودعني وإياها، ففعل به عمرو ذلك، وخرج قصير حتى قدم على الزباء فأُدخل عليها، فلما رأته أجدع قالت: لأمر ما جدع قصير أنفه، ثم قالت: ما الذي أراه بك يا قصير؟ قال: زعم عمرو أني غدرت بخاله، وزينت له المسير إليك، ومالأتُك عليه، ففعل بي ما ترين، فأقبلتُ إليك وقد عرفتُ أني لا أكون مع أحد هو أثقل عليه منك، فأكرَمَتْه، ورأتْ ما أعجبها من حزمه وحذقه ودرايته ومعرفته بأمور الملك، فلما عرف أنها قد وثقت به قال: إن لي بالعراق أموالًا كثيرة، ولي بها طرائف وعطر، فابعثيني لأحمل مالي وأحمل إليك من طرائفها ومن صنوف ما يكون بها من التجارة، فتصيبين أرباحًا وبعض ما لا يكون للملوك غنًى عنه، فأذنته ودفعت إليه أموالًا، وجهزت معه الدوابَّ، فسار حتى قدم العراق وأتى عمرو بن عدي مختفيًا وأخبره الخبر.
وقال: جهزني بصنوف البز والطرف لعل الله يمكننا من الزباء فتصيب منها ثأرك، فأعطاه ما طلب، وعاد به إلى الزباء، فأعجبها ذلك كثيرًا، وزادت بقصير ثقتها، ثم جهزته بعد ذلك بأكثر مما جهزته في المرة الأولى، فسار إلى العراق ولم يدع طرفة إلا قَدِم بها عليها حتى تعجبت منه، ثم عاد الثالثة وقال لعمرو: اجمع لي ثقات أصحابك وجندك، وهيئ لهم الغرائر — وهي كالصناديق، كان هو أول من اخترعها — فلما تهيَّأت جعل كل رجلين في غرارتين على ظهر بعير، وجعل معقد رءوسهما من باطنهما، وقال لعمرو: إذا وصلنا أقمتك على باب السرب، ثم أخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة، فمن قاتلهم قاتلوه، وإن أقبلت هي إلى سربها قتلتها أنت، فلما تمَّ ذلك، سار قصير مجدًّا حتى إذا قرب سبق إليها وبشَّرها بكثرة ما حمل إليها من المال والتحف والثياب، وكان المسير في الليل، ويكمن في النهار لراحة القوم، فأشرفت الزباء من قصرها وأبصرت الإبل مثقلة بالأحمال تسير الهوينا، وتكاد قوائمها تسوخ في الأرض، فقالت: يا قصير:
ثم دخلت الإبل المدينة، فلما توسطتها أنيخت وخرج الرجال من الغرائر، ودخل عمرو على باب السرب، ثم وضعوا السيف في أهل البلد، وأقبلت الزباء تريد الخروج من السرب، فلما أبصرت عمرًا عرفته بالصورة، فمصَّت سمًّا كان بخاتمها وقالت: بيدي لا بيد عمرو، وتلقاها عمرو بالسيف فقتلها، وأصاب ما أصاب من المدينة، ثم رجع إلى العراق وجلس على سرير الملك بعد خاله جذيمة.
الزرقاء جارية ابن رامين
كانت من المشهورات بالجمال والحسن والغناء، وافتتن بها غالب أهل زمانها، وكان الناس يقصدونها لسماع صوتها، ويبذلون لها مالًا خطيرًا، فاشتد ولوع يزيد بن عون الصيرفي بها، فدخل عليها ومعه لؤلؤتان، فقال لها: قد بُذل لي فيهما أربعون ألف درهم، فقالت: هبهما لي، فقال: أفعل إن شئت، قالت: شئت، فحلف لا يعطيهما لها إلا من فمه إلى فمها، فغمزت الخادم فخرج، وكان يزيد واقفًا متكسرًا بين يديها كاتفًا يديه، فجلس أمامها وتقدم إليها، فأقبلت لتنالهما فجعل يروغ بفمه ليستكثر من مقابلتها، فانقضت عليه فأخذتهما وقالت: مَن هو المغلوب منا؟ فقال: والله لا يزال طيب هذه الرائحة في فمي ما حييت أبدًا.
ولما أفضت إلى جعفر بن سليمان وأبوه عامل المنصور على البصرة، فدخل على ابنه يعتبه على شرائها، واشتغاله بها في هذه الأيام وقد خرج عليهم خارجي، فغمز جعفر الخادم فأخرجها إليه، فبُهت من جمال طلعتها، وحلاوة منطقها، فرضي ولم يعتب بعدها أبدًا، وقال للزرقاء يومًا: هل تمكَّن أحد من محبيك منك بشيء؟ فخشيتْ أن تكتمه ما عساه أن يكون بلَغه، فأخبرته بموافقة الصيرفي، فاحتال عليه حتى حصل عنده فضربه حتى مات، وبقيت الزرقاء عنده في عزٍّ وجاهٍ إلى أن ماتت.
الزرقاء ابنة عدي بن قيس الهمدانية
كانت ذات شجاعة وبلاغة عظيمة، وكانت شهدت مع قومها صفين، ولها جملة خُطب ألقتها في مواقف القتال، حتى خيل لمن يسمعها أنها أضغاث أحلام. وبينما معاوية بن أبي سفيان جالس في ديوانه بدمشق، بعدما آل الأمر إليه، واجتمع حوله حاشيته، تذاكروا حرب صفين فقال أحدهم: إنه رأى الزرقاء وهي راكبة على بعير واقفة بين الصفين وهي تحرض الناس على القتال، ولم ترهب أحدًا من الفريقين.
فقال معاوية: أوهي حية إلى الآن؟ فقيل له: نعم، هي مقيمة بالكوفة، فقال: يجب أن نستقدمها إلينا، ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يوقرها مع ثقة من ذوي محارمها وعدة من فرسان قومها، وأن يمهد لها وطاء لينًا، ويسترها بسترٍ حصين، ويوسع لها في النفقة، فأرسل إليها فأقرأها الكتاب، فقالت: إن كان أمير المؤمنين جعل الخيار لي فإني لا آتيه، وإن كان حتمًا فالطاعة أولى، فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به، فلما دخلت على معاوية قال: مرحبًا وأهلًا، قدمت خير مقدم قدمه وافد، كيف حالك؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين، أدام الله لك النعمة، قال: أتدرين فيم بعثنا إليك؟ قالت: إني لا أعلم ما لم أعلم، قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر الواقفة بين الصفين تحضين على القتال، وتوقدين الحرب، فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين، مات الرأس، وبتر الذنب ولم يعد ما ذهب، والدهر ذو غير، من تفكَّر بصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
قال لها معاوية: أتحفظين كلامك يومئذ؟ قالت: لا والله لا أحفظه، ولقد أُنسيته، قال: لكني أحفظه، لله أبوك حين تقولين: أيها الناس، ارعووا وارجعوا؛ إنكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلاليب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء لا تسمع لناعقها، ولا تنساق لقائدها. إن المصباح لا يضيء في الشمس، ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد. ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه. أيها الناس، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبرًا يا معشر المهاجرين على المضض، فكأن قد اندمل الشتات، والتأمت كلمة الحق، ودمغ الحق الظلمة، فلا يجهلن أحد فيقول: كيف وإنى؛ ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا. الآن آن الأوان: خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، ولهذا اليوم ما بعده، والصبر خير في الأمور عواقبَ. إيهًا في الحرب قُدمًا غير ناكصين ولا متشاكسين.
ثم قال لها: والله يا زرقاء لقد أشركت عليًّا في كل دم سفكه، قالت: أحسن الله شاركتك، وأدام سلامتك، مِثلُك مَن يُبشِّر بخير ويسرُّ جليسه، قال: أوَيسرك ذلك؟ قالت: نعم، والله لقد سررت بالخبر، فأنَّى لي بتصديق الفعل، فضحك وقال لها: والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب مِن حبكم له في حياته. اذكري حاجتك، قالت: يا أمير المؤمنين، آليت على نفسي أن لا أسأل أميرًا أعنتُ عليه أبدًا، ثم انصرفت، وبعد ذلك أرسل لها معاوية جائزتها.
زرقاء اليمامة ابنة مرة الطسمي
هي أخت رياح بن مرة. كانت حادة البصر ليس على وجه الأرض أبصر منها، وكانت تبصر الراكب على مسيرة ثلاثِ ليالٍ، فلما أغار على قومها الملك حسان، أحد ملوك اليمن، وكان أخوها مع القوم — وذلك في خبر طويل — وحين قربوا من اليمامة حذرهم رياح من أخته، وأخبرهم بأنها تنظر الراكب من مسيرة كذا ميلًا، وأمرهم أن يقلعوا الشجر، وكل شخص يحمل أمامه شجرة، ففعلوا ثم ساروا، ولما أشرفت من منظرها قالت: يا جديس، لقد سارت إليكم الشجر، قالوا لها: ما ذاك؟ قالت: أشجار يسير وراءها شيء، وإني لأرى رجلًا من وراء شجرة ينهش كتفًا، أو يخصف نعلًا، فكذبوها، وكان ذلك كما ذكرت، فغفلوا عن أخذ أهبة الحرب. ففي ذلك تقول الزرقاء لجديس تحذرهم:
فلم يسمعوا لها، وهجم عليهم الملك حسان بحمير فأفناهم وشتت شملهم، فلما فرغ حسان من جديس دعا باليمامة بنت مرة فأمَر بها فنُزعت عيناها، فإذا هي داخلها عروق سود، فسألها عن ذلك فقالت: حجر أسود — يقال له: الإثمِد — كنتُ أكتحل به، فنشب إلى بصري. وكانت أول من اكتحل به، فاتخذوه بعد ذلك كحلًا. وأمر الملك باليمامة فصُلبتْ على باب خيمتها — وهو اسم البلد الذي كانت جديس مقيمة فيها — وسمِّيت الزرقاء المذكورة باسمها.
زليخا امرأة قطفير عزيز مصر
قيل: إن اسمها راعيل ابنة عابيل، وقيل: اسمها بكا ابنة فيوش، وأكثر التواريخ أن اسمها زليخا.
وكان والدها من أولاد ملوك القبط الذين حكموا مصر قبل دخول العرب، الذين سماهم المؤرخون ملوك الرعاة. كانت زليخا رأت في نومها أنها ستكون ملكة على مصر، وأن القمر صار تاجًا لها ولبسته يوم توليتها على عرش المملكة، فقيل لها: إنها ستتزوج بملك مصر، ومضى على ذلك أيام وليالٍ، ولم يظهر لمنامها تأثير حتى إنها تزوجت بقطفير عزيز مصر، الذي كان بذاك الزمان محافظًا على البلد من قِبَل ملكها، وظنَّت أن منامها كان أضغاث أحلام فصرفت أفكارها عما رأت.
وفي أثناء ذلك دخلت العرب إلى مصر واستولت عليها، وأبقت من دخلوا تحت الطاعة في الأحكام، مثل قطفير وخلافه، وبذلك صارت زليخا مسموعة الكلمة، مطاعة الأوامر، مقبولة الرجاء عند ملوك الرعاة، ولم تطلب أمرًا إلا تُجاب عليه، وبقيت تحت قطفير حتى قيض الله لها يوسف بصفة عبد جاءت به التجار، وصارت عليه المزايدة حتى رسا مزاده على قطفير زوج زليخا، فأخذه إليها وأمَرها بإكرامه، فأخذته إليها وأكرمت مثواه إكرامًا لا مزيد عليه، حتى جعلته بمثابة أولاد الملوك، وكانت تُلبسه الديباج وقراطق الحرير، وتوقفه على رأسها وتأمره بما تريد من أمرها.
ولما تفرس العزيز في يوسف الخير والصلاح لم ينزله منزلة العبيد، بل قال لامرأته: أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا، وهو يومئذٍ ابن سبع سنين، وقيل: سبع عشرة سنة، فكانت زليخا تمشط شعره بيدها، وتخدمه بنفسها. وما زالت زليخا في كل يوم تُحسن إلى يوسف وتتولى أمره حتى مال قلبها إليه، وتكاثر وجدها عليه، وهو مع ذلك لا يلتفت إليها بعينه حياءً من ربه، ولا ينظر إليها حتى تكاثر همُّها، ودقَّ عظمُها، وكابدتها الشُّجون، وواصلها النُّحول.
فلما عيل صبرها، وضاق صدرها، دخلت حاضنتها، فقالت لها: يا سيدتي، أرى غصنك ذابلًا، وجسدك ناحلًا، وقلبك مائلًا، فقالت لها: وكيف لا وأنا أخدم هذا الغلام منذ سبع سنين ألاطفه بلساني، وأتحبب إليه بإحساني، وكلما زدت ميلًا إليه زاد إعراضًا عني، وكلما قربت منه تباعد مني؟ فقالت الحاضنة: يا سيدتي، لو نظر إليك لكان أسرع إليك منك إليه، ولو نظر إلى حسنك وجمالك وصفاء لونك لما قرَّ له قرار دونك، فقالت لها: وكيف لي به؟ قالت لها: مكنيني من الأموال، فقالت: ها خزائني بين يديك؛ خذي منها ما شئت، ودعي ما شئت، لا حساب عليك في ذلك، فتمكَّنتْ من الأموال ودعَتْ أهل البناء والهندسة وقالت: أريد بيتًا تُرى الوجوه في سقفه وحائطه كما ترى في المرآة المصقولة، فأجابوا بالسمع والطاعة، ثم بنوا لها بيتًا سمته القيطوم، فلما تكامل بناؤه وتم إتقانه دعت بحضور مُصوِّر حاذق، فصوَّر في الحائط صورة يوسف وزليخا متعانقين، ولم يبق من صورتهما شيء إلا صور، وأمرت بسرير من ذهب مُرصَّع بالدر والياقوت واللؤلؤ، فوضعته في صدر البيت، وجعلت عليه فرش الديباج والحرير الملون، ثم فرشت البيت وأرخت الستور، ثم ألبست زليخا من نوع الحلي والحلل النفيسة ما لا يوصف ولا يقدر بقيمة، وأجلستها على مرتبة عظيمة مما يليق بمثلها.
ثم خرجت إلى يوسف وهي مستعجلة فقالت: يا يوسف، أجب سيدتك زليخا؛ فإنها تدعوك في بيتها القيطوم، وكان سامعًا لها مطيعًا، وكان بيده قضيب من ذهب يلعب به، فرمى القضيب من يده وأسرع إلى الباب ليدخل، فنادته زليخا مستعجلة له بالدخول، فظن السوء في نفسه وأراد الرجوع بعد أن وضع رجله داخل العتبة، فتوقف عند ذلك، وزاد إحساس قلبه بالشر، فأسرعت إليه وجذبته إلى السرير وقالت: هيت لك، فأغمض عينيه، وكف يديه، ونكس رأسه حياء من الله تعالى، فقالت له: يا يوسف، ما أحسن وجهك! قال: الله صوَّره في الأرحام، قالت: ما أحسن عينيك! قال: هما أول ما يسقطان مني في قبري، قالت: ما أحسن شعرك! قال: هو أول ما يبلى مني، قالت: يا يوسف، ما أطيب ريحك! قال: لو شممت رائحتي بعد ثلاث لفررت مني، قالت: يا يوسف، أتقرب إليك فتتباعد مني؟! قال لها: أرجو بذلك التقرب من ربي.
قالت: أنظر إليَّ نظرة واحدة، قال لها: أخشى العمى من ربي في آخرتي، قالت: ضع يدك على فؤادي، قال لها: إذن تغل في النار يدي، قالت: أشتريك بمالي وتخالفني، فقال: الذنب لإخوتي إذ باعوني حتى ملكتني.
قالت: اصبر معي ساعة واحدة في البيت، قال لها: ليس فيه شيء يسترني من ربي، قالت: يا يوسف، بأي وجه تخالفني، وبأي حكم ترجع عن مرادي ولا ترعى صنعي؟ قال لها: حكم إلهي الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه وبطشه، وإكرامًا لسيدي الذي أكرم مثواي، وأنزلني منزلة الأولاد، فقالت له: أما إلهك الذي في السماء، فإني أفتح بيوت الأموال وأتصدق عنك بها، وأهديها إليه؛ حتى يرضى عنك ويغفر لك، ولا أبالي أنا فيما يفعل في حقي لمرادي وقضاء حاجتي، وأما سيدك الذي أكرم مثواك، فأنا أطعمه السم حتى ينتثر لحمه، ويسقط عظمه، ويموت جهدًا وكمدًا، وأكون أنا وأموالي وما ملكت يداي ملكك وطوع يمينك، قال: إذن فما يكون عذري يوم القيامة بين يدي ربي إذ أكون فضلًا عن ارتكاب المعصية سببًا في جريمة قتل سيدي الذي أحسن إليَّ. وبعد هذه المحاورة التفت يوسف إلى صنم داخل البيت وعليه ستر، فقال لها: لماذا سترت هذا الصنم؟
قالت: استحيتُ منه، فقال: إذا كنت تستحين من هذا وهو لا يسمع ولا يرى، ولا ينفع ولا يضر، فكيف أنا لا أخاف من ربي؟ وقام وبادر بالخروج من الباب من غير أن يكون بينهما سبب من الأسباب، وقد شهد الحق له بذلك في كتابه العزيز بقوله تعالى: كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (يوسف: ٢٤).
ولما رأته فرَّ يريد الباب أدركته وجذبت قميصه من خلفه، فتمزق القميص، ووافق ذلك الوقت أن العزيز مرَّ بالباب يريد قضاء بعض حوائجه؛ فإذا بوجبة فالتفت، فإذا بالباب يحمل ويساق، فدفع الباب وقال: مَن؟ فإذا يوسف مقدود الثوب باكي العين، وإذا زليخا ناشرة الشعر، محمرة الوجه، باكية العين، فقال العزيز: فيم أنتما؟ فقالت زليخا: يا سيدي، غلامك العبراني الذي ائتمنته على أهلك، ومننت عليه بفضلك، وأحللته محل ولدك يريد بأهلك السوء.
فأقبل العزيز على يوسف بوجهه وقال: يا يوسف، هذا جزائي منك، ائتمنتك على أهلي، وأحللتك محل الأولاد المكرمين، ورجوت الخير والانتفاع بك، فصرت تخونني في أهلي، فقال يوسف: معاذ الله أن أخونك في أهلك وأرضى بذلك! بل هي راودتني عن نفسي، فوقف العزيز متحيرًا ينظر إليها تارة، وإليه أخرى، فقال يوسف: إن لي شاهدًا يشهد ببراءتي، فقال العزيز: ما هو الشاهد ولم يكن معكما أحد في البيت؟ فقال: انظر هذا القميص كيف قُدَّ من دُبُر، فلو كنت أنا المراود لكان القميص قُدَّ من قُبُل، وهذا برهان محسوس على ذلك. وكان مع العزيز ابن عم لزليخا، فلما سمع هذا الدليل وجده قاطعًا فقال: انظر إلى قميصه إن كان قدَّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قدَّ من دُبُر فكذبت وهو من الصادقين، فنظر العزيز إلى القميص فوجده قدَّ من دُبُر، فقال لها: إن ذلك من كيدكن، إن كيدكن عظيم، ثم قال ليوسف: اكتم هذا ولا تبح به لأحد، وقال لها: استغفري لذنبك؛ إنك كنت من الخاطئين، ثم تركها وانصرف.
وبعد ذلك قالت ليوسف: قد فضحتني والله؛ لأسلمنك للمعذبين يُعذِّبونك حتى ينسلَّ جسمُك كما سللت جسمي، فقال لها: إن كنتِ احتَقَرْتِني لغُربتي فالله حسبي ونعم الوكيل. واشتغلت عن ذلك بكلفها به، وشاع الخبر بمصر أن امرأة العزيز راودت فتاها عن نفسه قد شغفها حبًّا. وقد اجتمع نساء الملوك والأمراء والقادة مرةً وتذاكرن أمرها فاستقبحنه وقلن: إنها في ضلال مبين، فبلغ ذلك زليخا، وعظم عليها، فأرادت أن تُبيِّن عُذرها لهن فيه، فصنعت لهن صنيعًا، وأرسلت إليهن تدعوهن لضيافتها، وهيَّأت لهن مجلس أنس، وأوجدت فيه كل معدات الطرب، وكن عشر نسوة من نساء الملوك والأمراء، وعشر بنات أبكار من بنات الملوك والأمراء، وبعد أن تناولن الطعام قدمت لكل واحدة منهن صحفة من عسل وأترجة وسكينًا حادًّا، وقالت لهن: ما حقي عليكن؟ فقلن لها: أنت سيدتنا وكبيرتنا والمطاعة فينا، نسمع لك ونطيع، فقالت لهن: بحقي عليكن إذا خرج عليكن فتاي يوسف إلا ما قطَّعتن له مما في أيديكن وأعطيتنَّه يأكل، فقلن لها: حبًّا وكرامة.
فتركتهن وذهبت إلى يوسف وقالت له: يا يوسف، أطعني اليوم واعصني أبدًا، قال: أما ما لم يكن فيه سخط ربي فلا أبالي، فقالت له: دعني حتى أزينك وإن كنت مُزيَّنًا، قال: اصنعي ما بدا لك، فرصَّعت جوانبه بالدر والياقوت، وكللت جبينه بالجوهر، وألبسته قباء أخضر، ومنطقته بمنطقة من ذهب أحمر، ووضعت على عاتقه منديلًا من السندس، وكأسًا من ذهب في يده، وقالت: اخرج عليهن، فلو رأين منك ما رأيت لذهبن عن أنفسهن، ولتركن الطعام والشراب وَلُمْنَ أنفسهن كما لُمْنني.
فخرج عليهن وهن قعود يقطَّعن في الأترج، فلما رأينه ظنن أنه صنم زليخا الذي تعبده، وكُنَّ يسمعن به ويحببن أن ينظرن إليه، فلما بدا لهن يوسف أكبرنه وصرن شبه السكارى والحيارى من كثرة تعجبهن من بهائه وكماله، وأمعنَّ في نظرهن إلى حسنه وجماله، ورُمْن أن يُقطِّعن ما في أيديهن كما شرطت زليخا عليهن، فصرن يقطعن أيديهن، وصارت الدماء تسيل في حجورهن ولا يجدن ألم القطع، ولا حدة السكاكين، ولا وقوع الدم على الأجسام، ويوسف يقول: ويحكن! ماذا تصنعن بأنفسكن إنما أنا عبد من عبيد ربي؟ وزليخا تضحك مما تراه منهن من تقطيع أيديهن، وذهاب عقولهن، وأمرته بالانصراف، فلما غاب عن عيونهن رجعن إلى حسهن، فقالت لهن زليخا: ويحكن من لحظة واحدة فعلتن بأنفسكن هذا، وأنا منذ سبع سنين أقاسي منه ما أقاسي، وأخدمه على أطراف البنان وهو لا يعيرني طرفه، ولا يلتفت نحوي، فقلن لها: حاشا لله، ما هذا بشرًا؛ إن هذا إلا ملك كريم، فقالت لهن: ما هذا الذي فعلتنه بأنفسكن؟ فلما رأين ما نزل بهن أدركهن الخجل وذكَرنَ ما لُمْنَها به.
فقالت لهن: هذا الذي لمتنني فيه، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وأبى، ولئن لم يفعل ما آمره لأسجننه وأعذبنه حتى يكون من الصاغرين. وقد أقرت لهن بأمرها لكونهن عذَّالها، ورأتهن وقعن بما وقعت به، فقلن لها: إنك لمعذورة، فمُرينا أن نُكلِّمه بشأنك؛ عساه أن يطيع ويسمع عندما نوبخه من إعراض نفسه، فأذنت لهن بالخلوة طمعًا في أن يُمِلنه إليها، فجعلت كل واحدة منهن إذا خلَتْ به تدعوه إلى نفسها، وتشكو إليه وجدها، فقال يوسف: يا ربي، كانت واحدة ولم أقدر عليها إلا بعنايتك، وقد صِرْن جماعة رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (يوسف: ٣٣).
ولما رأين أن لا حيلة لهن باستمالته قلن لها: افعلي ما بدا لك فيه، فطاولته مدة من الزمن، ولما يئست منه قالت لزوجها: إن هذا الغلام فضحني بين الناس، ونكَّس رأسي بين نظرائي، وقد شاع خبري وخبره في مصر، ولا براءة لي عندهم إلا أن أحبسه في السجن، فقال لها زوجها: لا يحبسه إلا الملك الريان بن الوليد. وكان مراده أن يَخرُج أمرُه من يدها؛ لأنه إذا كان أمره بيدها ربما حنت عليه وأخرجته من السجن، فلما سمعت ذلك لبست ثيابها وزينتها، وجعلت تاجها على رأسها، وخرجت حتى أتت إلى الريان بن الوليد — وكان في بيته الأعظم، وهو بيت من الحديد والنحاس فيه الزخارف بأنواع الجواهر والمعادن، وكان يجلس في أعلى الباب حتى إذا دخل عليه أحد يراه قبل دخوله، فإن شاء أذن له، وإلا ينصرف.
ولما رأى زليخا مقبلة أذن لها بالدخول، وأمر الغلمان بفتح الأبواب أمامها — وكانت ذات قدر عظيم عنده، مسموعة الكلمة؛ لأنها من بنات الملوك — ولما دخلت على الملك خرت له ساجدة، فقال لها الملك: ارفعي رأسك؛ فأنت المقربة المرضية، وحاجتك عندي مقضية، فرفعت رأسها إليه وأخذت في الثناء عليه بقولها: أيها الملك، دام لك العز والبقاء، وألبست ثوب النعمة والرخاء، لم تزل لي مكرمًا، ولقضاء حاجتي مسرعًا. وإن عبدي العبراني قد استعصى عليَّ، وأُحبُّ أن تأذن لي بحبسه في سجن المجرمين حتى يتأدب ولو بعد حين، فقال لها: قد أجبتُك، وجعلت أمر السجن بيدك، فانطلقي فأطلقي من شئت، واحبسي من شئت، فأخذت إذنه ورجعت إلى منزلها، وأمرت بإحضار الحدادين إليها، فمثلوا بين يديها، فقالت لهم: إني أريد أن تصنعوا لي قيدًا محكمًا لعبدي يوسف العبراني، فقالوا: أيتها الملكة المطاعة في أمرها، العظيمة في قومها، إنا نرى بدنًا ناعمًا، وساقًا رقيقًا، ووجهًا أنيقًا، وإنه رُبِّي بنعمة كاملة، وعافية شاملة، فكيف يقوى على حمل القيد الحديد الثقيل؟
فقالت: قيدوه وهذا لا يعنيكم، فقال يوسف: افعلوا ما أمرَتْكم به؛ فإني من أهل بيت البلاء، فقيدوه وحملوه على الأكتاف، وانطلقوا به إلى السجن، وتسامع الناس به فأقبلوا إليه من كل مكان حتى غصت الطرقات، وصاروا ينظرون إليه ويقولون: إنه عصى سيدته الملكة، وهو مُنكِّسٌ رأسه ويقول: هذا خير من عصيان رب العالمين، فلما وصلوا به إلى باب السجن قالوا للسجان: خذْ هذا؛ فإن سيدته غضبت عليه، وأمرت أن يُسجن في سجن المجرمين، فأدخله السجان إلى السجن، ووضعه بين أصحاب الكبائر والجنايات، ودخل العزيز على زليخا وقال: ما فعلت بيوسف؟
قالت: قيَّدته وحبستُه — وكان مرادها أن تخرجه عن قريب — فقال لها: أقسمتُ عليك بالملك الريان ورأسه إلا ما أبقيت يوسف في السجن ما دام الملك حيًّا، فلم يمكنها إلا إبرار القسم، وأدركها الندم، ولم تجد عذرًا تُخرجه به، وكانت تصعد إذا جن الليل إلى أعلى قصرها وتنظر إلى جهة السجن وتبكي وتقول: حبيبي يوسف، ليت شعري أنائم أنت أم يقظان، أجائع أنت أم عطشان، وتبقى على ذلك النحيب والبكاء حتى ينفجر الصبح وجْدًا عليه، وشوقًا إليه، وقد أنحلها الغرام، وخالطها الهيام، وداخلها السقام، وهجرها المنام، وتعذر على ناعتها إثباتها، ودامت على ذلك لا تشكو إلا بذكره، ولا تسأل إلا عن أمره مدة اثنتي عشرة سنة، حتى أذن الله ليوسف بالخروج من السجن، كما جاء في قصته.
ولم يشأ الخروج إلا بعد براءة ساحته، فجاء الملك بالنسوة اللاتي قطعن أيديهن وسألهن عن ذنب يوسف، بقوله: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ وكيف دعوتنَّه إلى الفاحشة؟ فأقررن عند ذلك وقلن: حاشا لله، ما علمنا عليه من سوء، ولا كانت رغبة فينا ولا دعوة للزنا، وإنه لبريء الساحة طاهر الذيل، فقالت زليخا: هذا وقت بيان الحق واضمحلال الباطل. إن مراد حبيبي إقراري؛ فأنا أقرُّ بذنبي. الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين.
ولما ظهرت براءة يوسف، وتبوَّأ المُلك، وحصل القحط في مصر، نسي زليخا ولم يفتكر بها لكثرة أشغاله، وقد مات العزيز زوجها، وهي لكثرة إسرافها نفدت أموالها، خصوصًا في أيام القحط التي حصلت بمصر في مدة يوسف، حتى صارت لا تملك شيئًا، ومدَّت يدها للسؤال، فقيل لها: لو تعرضت للصدِّيق لرحمك وأعطاك شيئًا عن الناس يُغنيك.
وقيل لها من آخرين: لا تفعلي، فربما يذكر ما كان منك إليه من المراودة، وطول السجن، والمخالفة، فيُسيء إليك ويعاقبك، فقالت: أنا أعلم بحبيبي منكم؛ إن من خلقه الصفح والاحتمال، والفضيلة والابتهال، ثم نهضت حتى جلست على ربوة بطريقه، وكان ليوسف يوم يركب فيه في كل أسبوع، وكان يركب معه من عظماء دولته ووزرائه وقواده وأرباب مملكته نحو المائة ألف نفس، فلما أقبل يوسف وأحسَّت به قامت ونادت بأعلى صوتها: سبحان من جعل العبيد ملوكًا بالطاعة، وجعل الملوك عبيدًا بالمعصية، فأمسك العنان ونظر إليها وهي واقفة في ذلك المكان، فقال لها: مَن أنت؟ قالت: أنا التي كنت أخدمك دهرًا، وأُرجِّل جمَّتك، وكان مني ما كان في ذلك الزمان، قد ذقت وباله، ولقيت نكاله، وتغيرت — كما ترى — أحوالي، وصرتُ أسأل الناس الذين كانوا يسألوني، فمنهم مَن يرحمني، ومنهم مَن يُعرض عني. وهذا جزاء مَن خالف مولاه واتبع هواه.
فلما سمع الصديق كلامها بكى إشفاقًا عليها ثم قال لها: هل بقي بقلبك شيء مما كان؟ قالت: والله لنظرة فيك أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، ثم قالت: ناولني طرف سوطك، فناولها إيَّاه فوضعته على قلبها، فأحس يوسف بانتفاض يده مع السوط من شدة انتفاض قلبها، وقال لها: ما أصاب قلبك؟ فقالت: يا يوسف، هو كما ترى، فقال لها: اذهبي إلى منزلك، وإنا سننظر في أمرك، ثم ذهب باكيًا، وبعد وصوله إلى مستقره أرسل إليها رسولًا فقال لها: يقول لك الملك إن كنت أيمًا تزوجناك، وإن كنت ذات بعل أغنيناك، فقالت للرسول: إليك عني؛ فإن الملك أعرف بالله من أن يستهزئ بي، فإنه لم يلتفت إليَّ أيام شبابي وجمالي، فكيف يلتفت إليَّ الآن؟ ولم تصدق قوله، فرجع الرسول وأخبر الصدِّيق بما قالت وذكرت من شأنها، فعلم أنها غير واثقة بما قاله لها الرسول.
فلما كان في الأسبوع الثاني مرَّ الصديق عليها بموكبه، فرآها على الحالة التي رآها بها أول مرة، وقالت له كما قالت في الأول، فقال لها: ألم يُبلغك رسولي ما أُرسِل به إليك، فما ترين؟ فقالت: ألم أقل إن نظرة إليك أحب إلي من الدنيا وما فيها. فلما سمع منها ذلك أمر بحملها إلى قصره، وأحضر الشهود وتزوجها، فلما زُفَّت عليه وأُدخلت إليه نظر إليها فزاد إشفاقًا عليها، فأكرمها إكرامًا لا مزيد عليه، ورتَّب لها مَن يقوم بأودها، ولم يمضِ زمنٌ حتى عاد إليها جمالها ورونقها وبهاؤها وكمالها، وذلك مِن سُرورها بما نالت من حبيبها حلًّا بعد الحرام، وانتقالها من دنيا إلى أخرى بقدرة الملك العلام.
وقيل: إنها طلبت إليه أن يدعو الله أن يرد لها جمالها، ففعل، وهنالك تذكرت المنام الذي كانت رأته قبل تزوجها بقطفير، فرأت أن تفسيره قد حصل بزواجها بيوسف، وأن لبست تاج مصر في مدته، وصارت ملكة كعادة زمانهم. ولما دخل عليها يوسف وجدها بكرًا، فتعجب من ذلك وقال لها: ما كنت تفعلين حين راودتني عن نفسي، قالت: أيها الصديق، اعذرني ولا تلمني؛ فإن الله كساك حلة الجمال والبهاء والكمال، وكان زوجي عنينًا لا يقرب النساء، فغلب عليَّ حب الشهوة، ففعلت ما فعلت.
ولمَّا أتاها ولدت له «إفرايم» وبعده «منشا»، وذلك في مدة أربع سنوات، ولم تلد له خلافهما مدة حياتها.
زوي إمبراطورة المملكة الشرقية
هي ابنة «قسطنطين التاسع». زُفَّت إلى «رومانوس الثالث» سنة ١٠٢٨م، ثم عشقت صائغًا يدعى «ميخائيل»، وهو «ميخائيل الرابع» البافلاغوني، فأهلكت زوجها وتزوَّجته، فرقي تخت الملك، ولم يلبث أن أساء معاملتها، فاتفقت مع أخيه — وعلى رواية ابن أخيه — يوحنا المُلقَّب مِن ثَمَّ «ميخائيل الخامس»، وخلعاه، ورقي «ميخائيل» تخت الملك سنة ١٠٣٥م، فأساء معاملتها أيضًا، فأثارت هيجانًا في القسطنطينية وخلعت «ميخائيل»، ورقَتْ مكانه مع أختها «تيودورا» فتزوَّجت، وكانت في الثالثة والستين من عمرها «قسطنطين العاشر مونوماخوس» سنة ١٠٤٢، فصفا لها الجو وحكمت كيف شاءت إلى أن هلكت سنة ١٠٥٢ ميلادية.
زينب ملكة تدمر
كانت آية زمانها في الجمال، ونادرة عصرها في الفضل المقرون بالجلال، تعرف عند الرومان ﺑ «زنوبيا» ملكة الشرق. تولَّت عرش تدمر بعد زوجها «أذينة» المقتول عام ٢٦٧ للميلاد، وكان اشتد ساعدها، ورسخت في البلاد وطأتها، فشادت في عاصمتها البناءات الباهية الأنيقة، وغرست في ضواحيها الرياض الزاهية، حتى تركتها جنة من الجنان، فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام، والحب ذو العصف والريحان.
ثم جنحت إلى المغازي والفتوحات فدانت لشدة بأسها العباد، وفتنت ببديع حسنها وسحر أساليبها الملوك، فأسكرها الفوز والنصر، وبعثها على التمادي في طلاب العز والتماس الفخر، فبعثت بالسرايا والصوائف إلى مصر فقهرتها، ولقَّبت ذاتها بألقاب أهاجت عليها حسد مملكة الرومان، فنَاوَتْها وزحَف عليها «أورليان» قيصر الروم، فعبأت الجيوش وقابلته على مقربة من أنطاكية فحمص، فهزمها شر هزيمة حتى اعتصمت منه بقاعدة بلادها تدمر، فأدار عليها رحى الحرب حصارًا وقتالًا حتى تداعت له أسوارها عنوة، فأعمل في أهلها السيف، وفي قصورها التخريب، حتى غادروها قاعًا صفصفًا يأوي إليها البوم والقطا، نادبة سالف مجدها المذكور، وقديم عزها المأثور.
وأما «زنوبيا» فأسرها «أورليان» وقادها إلى عاصمة الرومان ذليلة صاغرة، حيثما دخلها بموكب حافل وهي ترسف بقيودها الذهبية أمام العواجل، وكان ذلك عام ٢٧٢ للميلاد. فسبحان الحي الباقي مَن لا عاصمَ من يديه ولا واقي.
وأما تدمر فهي مدينة قديمة ذات آثار عظيمة كانت تعرف بمدينة النخل، ويسميها الأقدمون «بالميرى»، واقعة بين نهري الفرات، والعاصمة تبعد نحو ٩٠ ميلًا عن حمص إلى الشرق، و١٥٠ ميلًا عن دمشق إلى الشمال الشرقي.
قيل: إنها سميت باسم تدمر بنت حسان التي بنت المدينة في أيامها، والصحيح: أنها من بناء سليمان — كما ورد في التوراة — وقد زعم العرب أن الجن بنوها له، وعلى ذلك يقول النابغة:
ولم تنل تدمر عزًّا مثل ما نالته في مدة «زنوبيا»، ولم يرجع إليها رونقها الأصلي أبدًا حتى صارت خرائب في هذا الزمان يأوي إليها البوم والغربان.
زينب ابنة عبد الله بن عبد الحليم
كانت حنبلية المذهب، وهي بنت أخي الشيخ تقي الدين، قال الحافظ ابن حجر: سمِعتْ من ابن الحجار وغيره وحدَّثت، وانتَفَع الناس بعلمها، ولي منها إجازة. وهي من نساء الحديث المشهورات، ذات لهجة صادقة؛ ولذلك عُدَّت من المُحدِّثين.
زينب ابنة محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية
كانت أحسن نساء زمانها منظرًا، وأعذبهن مقالًا، وأفصحهن منطقًا، وأعلمهن بالفقه والحديث، وكان يُعرف أبوها بابن العصيدة. حدثت بالإجازة العامة عن فخر الدين بن الحجار وغيره، ومن تلامذتها: الحافظ ابن حجر، وله منها إجازة. وعمرت أكثر من مائة سنة وعشر سنين، وكانت حلقة درسها لا تقل عن الخمسين طالبًا للحديث، ولم يسمع بامرأة مثلها فتحت حلقة درس واجتمع فيه طلاب مثل طلاب حلقة درسها.
زينب ابنة عثمان بن محمد لؤلؤ الدمشقية
كانت من أفاضل العلماء، ولها اليد الطولى في علوم السُّنَّة. سمعت من الحافظ ابن حجر، وأخذ منها الحافظ ابن حجر، وتوفيت سنة ثمانمائة، ولها رسائل في الفقه والسنة استند عليها كثير من العلماء.
زينب المرية
هي ابنة أحد مشاهير العرب. ولدت بالمرية من أعمال الأندلس، ولم نقف على تاريخ ولادتها واسم أبيها، والذي وصل إلينا أنها كانت ذات حسن وجمال، وبهاء وكمال، وأدب وظرف، وتهذيب ولطف، رقيقة المعاني، جزلة الألفاظ، حاضرة النادرة، لها شعر بديع. جالست الأدباء، وساجلت الشعراء، حتى إنها كان يشار إليها بالبنان في ذلك الأوان. ومن شعرها:
وتوفيت بالمرية مأسوفًا عليها من ذوي الأدب وأهل العلم.
زينب ابنة حدير
كانت من عاقلات ذاك العصر وأطوعهن لأزواجهن، وكان زوجها القاضي شريح كما روى عنه الشعبي؛ فإنه قال: قال لي شريح: يا شعبي، عليكم بنساء بني تميم؛ فإنهن النساء، قلت: وكيف ذلك؟ قال: انصرفت من جنازة ذات يوم ظهرًا فمررت بدور بني تميم، فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة، وفي جانبها جارية كأنها البدر في الليلة الداجية، فاستقيت، فقالت لي: أي الشراب أعجب إليك؛ النبيذ أم اللبن أم الماء؟ قلت: أي ذلك تيسر عليكم، فقالت: اسقوا الرجل لبنًا فإني إخاله غريبًا، فلما شربتُ نظرتُ إلى الجارية فأعجبتني، فقلت: من هذه؟ قالت: ابنتي، قلت: وممن؟ قالت: زينب بنت حدير إحدى نساء تميم، ثم إحدى نساء بني حنظلة، ثم إحدى نساء بني طهية.
قلت: أفارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة، قلت: أتزوجينيها؟ قالت: نعم، إن كنت كفئًا، لها عم فاقصده. فانصرفت إلى عمها فقال: يا أبا أمية، ما حاجتك؟ قلت: إليك، قال: وما هي؟ قلت: ذُكِرتْ لي بنت أخيك زينب بنت حدير، قال: ما بي عنك رغبة، ولا بك عنها مقصر، وإنك لنهزة، وزوَّجني بها وبارك القوم لي، ثم نهضنا، فما بلغنا منزلي حتى ندمت فقلت: تزوَّجت إلى أغلظ العرب وأجفاها، فهممت بطلاقها ثم قلت: أجمعها إليَّ؛ فإن رأيت ما أحب وإلا طلقتها، فأقمتُ أيامًا ثم أقبل نساؤها يُهادينها.
فلما أجلست في البيت أُخلي لي البيت فقلت: يا هذه، إن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلي وتصلي ركعتين، ويسألا الله خير ليلتهما، ويتعوذا بالله من شرها، فقمت أصلي ثم التفتُّ فإذا هي خلفي، فصليت فإذا هي على الفراش، فمددت يدي فقالت: على رسلك، فقلت: إحدى الدواهي منيتُ بها، فقالت: إن الحمد لله وحده، أحمده وأستعينه، إني امرأة عربية، ولا والله ما سرتُ سيرًا قط أشد عليَّ منه، وأنت رجل غريب لا أعرف أخلاقك، فحدِّثني بما تحب فآتيه، وما تكره فأنزجر عنه.
فقلت: الحمد لله، وصلى الله على محمد، قدمت خير مقدم على أهل دار زوجك، سيد رجالهم، وأنت سيدة نسائهم. أحب كذا، وأكره كذا، قالت: أخبرني عن أختانك؛ أتحب أن يَزُوروك؟ فقلت: إني رجل قاضٍ، وما أحب أن تملوني، قال: فبتُّ بأنعم ليلة، وأقمتُ عندها ثلاثًا، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يومًا إلا هو أفضل من الذي قبله، حتى إذا كان عند رأس الحول دخلتُ منزلي، فإذا عجوز تأمر وتنهى، فقلت: يا زينب، مَن هذه؟ فقالت: والدتي، قلت: حياك الله بالسلام، قالت: أبا أمية، كيف أنت وحالك؟ قلت: بخير والحمد لله، قالت: كيف زوجتك؟ قلت: كخير امرأة، قالت: إن المرأة لا تُرى في حال أسوأ خلقًا منها في حالين: إذا حظيت عند زوجها، وإذا ولدت غلامًا، فإن رابك منها ريبٌ فالسَّوط، فإن الرجال والله ما جازت إلى بيوتهم شر من الورهاء المتدللة.
قلت: أشهد أنها بنتك قد كفتنا الرياضة، وأحسنت الأدب، قال: فكانت في كل حول تأتينا فتذكر هذا ثم تنصرف، قال شريح: فما غضبت عليها قط إلا مرة واحدة كنت لها ظالمًا فيها؛ وذلك أني كنت إمام قومي، فسمعت الإقامة وقد ركعت ركعتي الفجر، فأبصرت عقربًا، فعجلت عن قتلها، فأكفأتُ عليها الإناء، فلما كنتُ عند الباب قلت: يا زينب، لا تحركي الإناء حتى أجيء، فعَجِلت فحرَّكت الإناء فضرَبتْها العقرب، فجئتُ فإذا هي تلوَّى، فقلت: ما لك؟ قالت: لسعتني العقربُ، فبهذا السبب كان غضبي لتعجيلها رفعه، وكان لي جار يضرب زوجته فقلت في ذلك:
زينب ابنة جحش
أم المؤمنين بنت جحش بن الرئاب زوجة النبي ﷺ، تكنى أم الحكيم، وأمها أميمةُ بنت عبد المطلب عمَّةُ النبي، كانت قديمة الإسلام، ومن المهاجرات مع الرسول، وكانت قبل النبي ﷺ تحت زيد بن حارثة، ومضى النبي يومًا إلى بيته لغرضٍ فرفعت الريح باب الخباء فرأى زينب حاسرة فأعجبته، ومن ثَمَّ كرهت إلى زيد فلم يستطع أن يقربها، فجاء إلى النبي ﷺ فأخبره، فقال: «أرابك فيها شيء؟» قال: لا، فقال النبي ﷺ: «أمسك عليك زوجك واتق الله.» ففارقها زيد، واعتدَّت فحلَّت للرسول ﷺ، فأنزل الله عليه فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا (الأحزاب: ٣٧)، فقال النبي ﷺ: «مَن يُبشِّر زينب أن الله قد زوَّجَنِيها.» وقرأ عليهم: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ (الأحزاب: ٣٧) الآية.
فكانت زينب تفتخر على نسائه وتقول: زوَّجكُنَّ أهلكن وزوَّجني الله من السماء، وذلك سنة ٥ للهجرة، فلما دخل عليها قال لها: «ما اسمك؟»
فقالت: برة، فسماها زينب، ولما تزوجها تكلم في ذلك المنافقون وقالوا: حرَّم محمدٌ نساءَ الولدِ وقد تزوج امرأة ابنه! لأن زيد بن حارثة مولَى النبي ﷺ كان يُدْعَى بابن محمد على سبيل التبني، فأُنزلت الآية؛ وهي: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ (الأحزاب: ٤٠)، والآية الأخرى ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ (الأحزاب: ٥).
فدُعي زيدٌ مِن ثَمَّ بابن حارثة. وكانت زينب قصيرة، جميلة، صناع اليدين، صوامة قوامة، تشتغل وتتصدق من شغل يدها.
وقالت عائشة: يرحم الله زينب بنت جحش! لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف؛ إن الله — عز وجل — زوَّجها بنبيه، ونطق به القرآن، وإن الرسول قال لنا ونحن حوله: «أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا.» فبشَّرها بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة، وذلك لأنها أول من توفيت من نسائه بعده، وكان يريد بطول اليد كثرة الصدقة.
وقال لعمر بن الخطاب: «إن زينب أواهة.» أي خاشعة متصدعة. وتوفيت سنة ٢٠، وقيل: ٢١ للهجرة، وكان عمرها حين تزوَّجها ٣٥ سنة.
زينب ابنة الحارث
امرأة يهودية من خيبر كانت زوجة سلام بن مشكم، فلما استقر النبي ﷺ في خيبر أهدت له شاة مصلية مسمومة، فوضعتها بين يديه، فأخذ مضغة فلم يسغها ومعه بشير بن البراء بن معرور، فأكل بشير منها، وقال النبي: «إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة.» ثم دعا المرأة فاعترفت، فقال: «ما حملك على ذلك؟»
قالت: بلغت من قومي ما لم يَخْفَ عليك فقلتُ: إن كان نبيًّا فسَيُخبر، وإن كان ملكًا استرحنا منه.
فتجاوز عنها ومات بشير في تلك الأكلة. أما النبي ﷺ فلم يُؤثِّر فيه السم إلا تأثيرًا خفيفًا، فحجم بين كتفيه وقال في مرضه الذي مات فيه: «هذا وإني وجدت انقطاع أبهري من أكلة خيبر.»
فكان المسلمون يرون أنه مات شهيدًا مع كرامة النبوة، وادعى ورثة بشير على زينب فقُتلت.
زينب ابنة الإمام أحمد الرفاعي
لبست الخشن من الثياب، وتركت الطيب من الطعام والشراب، وكانت قد أرخت الحجاب وتملت بعبادة الملك الوهاب، وقنعت بدون اليسير مع القدرة، ولزمت حنين أبيها، وتبعت أثر طريقته بالذل والانكسار، والسكينة والافتقار.
كان السيد أحمد — رضي الله عنه — يقول: كأنها خلقت رجلًا، والناس يظنون أنها خلقت امرأة، وقال السيد عمر الفاروثي: كنت ذات يوم عند السيد أحمد، فأظهرني على كثير من أسراره، ثم أخذني بيده ودخل بيته على رابعة، فقال له: سلِّم عليها واخدمها واسألها أن تدعو لك، فجاءت زينب فقبَّل رأسها ثم قال لي: أي عمر، سلِّم عليها واخدمها واسألها أن تدعو لك ولذريتك، ففعلت ذلك.
ثم قلت في نفسي: الأولى أنه كان يأمرني بالخدمة والتعظيم لرابعة؛ فإنها أكبر سنًّا، فالتفت إليَّ السيدُ أحمد — قدس الله سره العزيز — وقال لي: أي عمر، إن الله وعدني أن يحيي بها الآثار، ويُعمِّر بها الديار، فقالت زينب: أي سيدي، تعيش أنت ويعيش السيد صالح، ويجعلني الله فداءك، ويحيي الله بك الآثار، فقال: بل فيك، فقالت: يا سيدي، أأنا أقعد وأُحدِّث الناس وأجلس معهم في المجالس؟ فقال لها: يا زينب، لا، ولكن ذريتك يبقون إلى يوم القيامة.
إلا أن صاحب الشفاء أورد هذه الحكاية في كتابه بغير هذا النسق. قالت مريم بنت الشيخ يعقوب: قد قالت لي زينب: نتعب قليلًا ونستريح طويلًا، السفر بعيد، والطريق طويل، والجسد ضعيف، والزاد قليل، وليس لنا بدٌّ من هذا السفر. لو ندركه قبل أن يدركنا، ونستقبله قبل أن يستقبلنا لكان خيرًا لنا.
قال الزبرجدي: حفظت القرآن وتفقهت وسمعت الحديث من خالها الشيخ أبي البدر الأنصاري الواسطي، وأخذ عنها أولادها الأئمة الأعلام، وسمع منها الشيخ الكبير عمر أبو الفرج الفاروثي الكازروني، وكانت عظيمة القدر، رفيعة المنزلة. أقبلَ على زروع أهل واسط وأم عبيدة جيش الجراد، فالتجأ الناس إليها، فتقنعت وصعدت السطح وقالت: إلهي عبيدك ساقهم حسن الظن إليَّ، وأنت الذي ألقيت ذلك في قلوبهم، وإني أقلُّ من أن أسألك لذنوبي وسواد وجهي، وأنت أكرم من أن تَرُدَّ المُنكسرين يا أرحم الراحمين. فزمَّ الجراد زمَّة واحدة وكأنه إبل ساقها رعاتها حتى لم يبق منه جرادة واحدة.
توفيت سنة ثلاث وستمائة بأم عبيدة، ودُفنت بالمشهد الأحمدي المبارك. رضي الله عنها.
زينب ابنة رسول الله ﷺ
هي أكبر أولاده. ولدت ولرسول الله ﷺ ثلاثون سنة، وماتت سنة ثمان للهجرة في حياة أبيها وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد، وقد قيل: إنها لم تكن أكبر بناته، وليس بشيء، إنما الاختلاف بين القاسم وزينب؛ أيهما وُلِد قبل الآخر، فقال بعض العلماء بالنَّسَب: أول ولد وُلِد له القاسم، ثم زينب، وهاجرت بعد وقعة بدر، وقد تزوجت لقيطًا الملقب بأبي العاص بن الربيع، وولدت منه غلامًا اسمه علي، فتوفي وقد ناهز الاحتلام، وكان رديف النبي ﷺ يوم الفتح، وولدت له أيضًا بنتًا اسمها أمامة. وأسلم أبو العاص وكان الإسلام قد فرَّق بين زينب وبين أبي العاص، إلا أن رسول الله ﷺ كان لا يقدر أن يُفرِّق بينهما بمكة لعدم قوة الإسلام بها حينئذٍ، وقيل: إن أبا العاص لمَّا أسلم ردَّ عليه رسول الله ﷺ زينب، فقيل: بالنكاح الأول، وقيل: ردها بنكاحٍ جديد.
وتوفيت زينب بالمدينة في السنة الثامنة للهجرة، ونزل رسول الله ﷺ في قبرها وهو مهموم محزون، فلما خرج سُرِّي عنه وقال: «كنت ذكرت ضعفها فسألت الله تعالى أن يخفف عليها ضمَّه ففعل وهون عليها.» ثم توفي بعدها زوجها أبو العاص.
وقال آخرون: إن زينب ولدت في سنة ثلاثين من مولده ﷺ، وأدركت الإسلام وأسلمت وهاجرت، وكان أبوها يحبها، وتزوَّجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، ففرَّق بينهما الإسلام، ثم لمَّا أسلم زوجها جمع ﷺ بينهما، قال بعضهم: ولم يُفرق بينهما من أول البعثة لأن تحريم نكاح المشرك للمسلمة إنما كان بعد الهجرة.
وعن عائشة — رضي الله عنها — قالت: كان الإسلام فرق بين زينب وبين أبي العاص، إلا أن رسول الله ﷺ كان لا يقدر أن يفرق بينهما؛ لأنه كان مغلوبًا بمكة، وولدت زينب لأبي العاص عليًّا وأُمامة؛ فأما عليٌّ فمات مراهقًا، وأما أمامة فتزوجها علي بن أبي طالب بعد خالتها فاطمة، بوصية من فاطمة، وتزوَّجها بعد موت عليٍّ المغيرةُ بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، بوصية من علي. وكان رسول الله ﷺ يحب أُمامة، وهي التي كان يحملها في الصلاة على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رأسه من السجود أعادها.
ولما أسر أبو العاص في وقعة بدر، وكان مع الكفار، أرسلت زينب في فدائه الربيعَ بمال دفعته إليه، من ذلك قلادة لها كانت أمها خديجة قد أدخلتها بها على أبي العاص، فقال رسول الله ﷺ: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا.» فقالوا: نعم. وكان أبو العاص مصاحبًا لرسول الله ﷺ مصافيًا، وكان قد أبى أن يُطلِّق زينب لما أمَره المشركون أن يُطلِّقها، فشكر له صنيعه.
ولما أطلقه النبي ﷺ من الأسر شرَط عليه أن يرسل زينب إلى المدينة، فعاد إلى مكة وأرسلها إلى المدينة؛ فلهذا قال رسول الله ﷺ: «حدَّثني فصدقني، ووعدني فوفى.»
ولم تزل زينب بالمدينة وأبو العاص بمكة على شركه، فلما كان قبيل الفتح خرج بتجارة إلى الشام ومعه أموال من أموال قريش، ومعه جماعة منهم، فلما عاد لقيته سرية لرسول الله ﷺ أميرهم زيد بن حارثة، فأخذ المسلمون ما في تلك العير من الأموال، وأسروا أناسًا وهرب أبو العاص بن الربيع، ثم أتى المدينة ليلًا فدخل على زينب، فاستجار بها فأجارته.
فلما صلى النبي ﷺ الصبح صاحت زينب: أيها الناس، إني قد أجرتُ أبا العاص بن الربيع، فلما سلَّم رسول الله ﷺ أقبل على الناس وقال: «هل سمعتم ما سمعتُ؟» قالوا: نعم، قال: «والذي نفسي بيده ما علمتُ بذلك حتى سمعتم.» وقال: «يجير على المسلمين أدناهم»، ثم دخل على ابنته فقال: «أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك؛ فإنك لا تحلين له.» قالت: إنه قد جاء في طلب ماله، فجمع رسول الله ﷺ تلك السرية وقال: «إن هذا الرجل منا حيث علمتم، وقد أصبتم له مالًا، وهو مما أفاء الله عليكم، وأنا أُحبُّ أن تُحسنوا وتردوا عليه الذي له؛ فإن أبيتم فأنتم أحق.»
فقالوا: بل نردُّه عليه، فردوا عليه ماله أجمع، فعاد إلى مكة وأدى إلى الناس أموالهم، ثم أسلم وحسن إسلامه، ثم قدم إلى المدينة ورد عليه رسول الله ﷺ ابنته، ولم تزل معه حتى توفيت سنة ثمانٍ من الهجرة.
زينب ابنة جزيمة
زينب ابنة جزيمة بن حارثة بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية زوجُ النبي ﷺ، يقال لها: أمُّ المساكين؛ لكثرة إطعامها وصدقتها عليهم، وكانت تحت عبد الله بن جحش، فقتل عنها يوم أحد، فتزوَّجها رسول الله ﷺ، وقيل: كانت عند الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، ثم خلف عليها أخوه عبيد بن الحارث. كانت أخت ميمونة زوج النبي ﷺ لأمها، وتزوجها رسول الله ﷺ بعد حفصة، ولم تلبث عند رسول الله ﷺ إلا يسيرًا — شهرين أو ثلاثة — حتى توفيت، وكانت وفاتها في حياته ﷺ لا خلاف فيه.
وقال ابن منده: إن النبي ﷺ قال: «أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا.» فكان نساء النبي يتذارعن أيتهن أطول يدًا، فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدًا في الخير، وهذا وهم؛ فإنه ﷺ قال: «أسرعكن لحوقًا.» وهذه سبقته، إنما أراد أول نسائه تموت بعد وفاته، وقد تقدم في زينب بنت جحش، وهو لها أشبه؛ لأنها كانت كثيرة الصدقة من عمل يدها، وهي أول نسائه توفيت بعده، والله أعلم.
زينب ابنة العوام أخت الزبير
وهي أم عبد الله بن حكيم بن حزام. أسلمت وبقيت إلى أن قتل ابنها يوم الجمل، فقالت ترثيه وترثي الزبير أخاها:
كانت شاعرة، أديبة، جريئة على القول والفعل، ذات شهامة، زائدة الجد، وكان لها ميل كلي إلى عثمان وأحزابه، وطالما هيجت العرب على حرب عليٍّ، وقد حضرت وقعة الجمل ولها فيها مشاركة، وتوفيت بعدها بقليل.
السيدة زينب بنت الإمام علي كرم الله وجهه
السيدة زينب بنت الإمام علي — كرم الله وجهه — بن أبي طالب، وأمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله ﷺ، فهي شقيقة الحسن والحسين عليهما السلام. تزوجها ابن عمها عبد الله بن جعفر الطيار ذو الجناحين ابن أبي طالب، وولدت له عليًّا، وعونًا — ويدعى بالأكبر — وعباسًا، ومحمدًا، وأم كلثوم.
وحضرت مع أخيها الحسين بكربلاء. ذكر ابن الأنباري أنها لما قُتل أخوها الحسين أخرجت رأسها من الخباء وأنشدت رافعة صوتها:
لكن في «كامل ابن الأثير» أن هذه الأبيات لابنة عقيل بن أبي طالب، وفي «نور الأبصار» عن خزيمة الأسدي قال: دخلنا الكوفة سنة إحدى وستين، فصادفت منصرف علي بن الحسين — عليهما السلام — بالدربة من كربلاء إلى ابن زياد بالكوفة، ورأيت نساء الكوفة يومئذٍ قيامًا يندبن متهتكات الجيوب، وسمعت علي بن الحسين يقول: يا أهل الكوفة، إنكم تبكون علينا، فمَن قتلنا؟ ورأيت زينب بنت علي فلم أر والله خفرة أنطق منها كأنما تنزع عن لسان أمير المؤمنين، فأومأت إلى الناس أن اسكتوا، فسكتت الأنفاس، وهدأت الأجراس، فقالت: «الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين. أما بعد، يا أهل كوفة الختل والخذل، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة. إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، تتخذون أيمانكم دخلًا بينكم، ألا وإن فيكم الصلف والضعف وداء الصدر الشنف، وملق الأمة، وحجز الأعداء كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما تزرون. أي والله، تدحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، ومدار حجتكم، ومنار محجَّتكم، وسيد شباب أهل الجنة. ويلكم يا أهل الكوفة، ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون، أتدرون أي كبد لرسول الله ﷺ فريتم؟ وأي دم له سفتكم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ لقد جئتم شيئًا إدًّا، تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدًّا، ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء طلاع الأرض. أفعجبتم إن أمطرت السماء دمًا؟ فلعذاب الآخرة أخزى، وأنتم لا تنصرون؛ فلا يستخفنَّكم المهل، فلا يحقره البدار، ولا يخاف عليه فوت الثأر. كلا إن ربي وربكم لبالمرصاد.» ثم سارت، قال: فرأيت الناس حيارى واضعي أيديهم على أفواههم، ورأيت شيخًا قد دنا منها وهو يبكي حتى اخضلت لحيته، ثم قال: بأبي أنتم وأمي؛ كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونسلكم لا يبور ولا يخزى أبدًا.
وفي «كامل ابن الأثير» أنها سمعت الحسين وهو في كربلاء قبل مشهده يقول:
فأعادها مرتين أو ثلاثًا، فلما سمعته لم تملك نفسها أن وثبت تجر في ثوبها حتى انتهت إليه ونادت: «وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، والحسين أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي.» فذهب فنظر إليها وقال: أخية لا يذهبن حلمك الشيطان! قالت: «بأبي أنت وأمي، واستقتلت، نفسي لنفسك الفداء.» فردد غصته وذرفت عيناه، ثم قال: لو ترك القطا لنام، فلطمت وجهها وقالت: «وا ويلتاه، أفتغصبك نفسك اغتصابًا؛ فذلك أقرح لقلبي، وأشد على نفسي.» ثم لطمت وجهها، وشقت جيبها، وخرَّت مغشيًّا عليها، فقام إليها الحسين فصبَّ الماء على وجهها وقال: اتقي الله، وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله. أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة، فعزَّاها بهذا ونحوه.
ولما حملوا السبايا إلى الكوفة اجتازوا بهن على الحسين وأصحابه صرعى، فلطمن خدودهن، وصاحت زينب أخته: «يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء. هذا الحسين بالعراء، مزمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا.» فأبكت كل عدو وصديق.
فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست أرذل ثيابها وتنكرت، وحفت بها إماؤها، فقال عبيد الله: من هذه الجالسة؟ فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثًا وهي لا تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب ابنة فاطمة، فقال لها ابن زياد — لعنه الله: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم، فقالت: «الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرًا، لا كما تقول، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر.» فقال: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت: «كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده.» فغضب ابن زياد وقال: قد شُفي غيظي من طاغيتك والعصاة المَرَدة من أهل بيتك، فبكت وقالت: «لعمري لقد قتلت كهلي، وأبرزت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي؛ فإن يشفك هذا فقد اشتفيت.» فقال لها: هذه شجاعة. لعمري لقد كان أبوك شجاعًا، فقالت: «ما للمرأة والشجاعة.»
فلما نظر ابن زياد إلى علي بن الحسين قال: ما اسمك؟ قال: علي بن الحسين، قال: أوَلم يُقتل علي بن الحسين؟ فسكت، فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: كان لي أخ يقال له أيضًا علي فقتله الناس، فقال اللعين ابن زياد: إن الله قتله، فسكت علي، فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: الله يتوفى الأنفس حين موتها وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ (آل عمران: ١٤٥)، فقال: أنت والله منهم، ثم قال لرجل: ويحك! انظر هذا هل أدرك. إني لأحسبه رجلًا، فكشف عنه مري بن معاذ الأحمر فقال: نعم، قد أدرك، قال: اقتله، فقال علي: مَن يتوكَّل بهذه النسوة؟ وتعلقت به زينب فقالت: «يا ابن زياد، حسبُك منا. أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحدًا؟» واعتنقته وقالت: «أسألك بالله إن كنت مؤمنًا إن قتلته أن تقتلني معه.»
وقال علي: يا ابن زياد، إن كان بينك وبينهن قرابة فابعث معهن رجلًا تقيًّا يصحبهن بصحبة الإسلام، فنظر إليها ساعة ثم قال: عجبًا للرحم، والله إني لأظنها ودَّت لو أني قتلته أن أقتلها معه! دعوا الغلام ينطلق مع نسائه. ولما دخلن الشام على يزيد بن معاوية والرأس بين يديه جعلت فاطمة وسكينة ابنتا الحسين تتطاولان لتنظرا إلى الرأس، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما، فلما رأين الرأس صِحْن، فصاحت نساء يزيد، وولولت بنات معاوية، فقالت فاطمة — وكانت أكبر من سكينة: بنات رسول الله ﷺ سبايا يزيد؟ فقال: يا ابنة أخي، أنا لهذا كنت كارهًا، قالت: والله ما ترك لنا خرص، فقال: ما أتى إليكن أعظم مما أخذ منكن، فقام رجل من أهل الشام فقال: هبْ لي هذه — يعني فاطمة بنت الحسين — فأخذت فاطمة ثياب زينب وصرخت، فقالت زينب: «كذبت ولؤمت، ما ذلك لك ولا له.» فغضب يزيد وقال: والله إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلته، قالت: «كلا والله، ما جعل الله لك إلا أن تخرج من ملتنا، وتدين بغير ديننا.» فغضب يزيد واستطار ثم قال: إياي تستقبلين بهذا، إنما خرج من الدينِ أبوك وأخوك، قالت زينب: «بدين الله ودين أبي وأخي وجدي اهتديتَ أنت وأبوك وجدك.» قال: كذبت يا عدوة الله، قالت: «أنت أمير تشتم ظلمًا، وتقهر بسلطانك.» فاستحى وسكت.
وعلى اختلاف الروايات أن للسيدة زينب — رضي الله عنها — مقامين؛ أحدهما بدمشق، وهو مقصود من كل الجهات، خصوصًا من أهل الشيعة، والثاني بمصر، وهو أشهر من الأول، ولها أوقاف وإيراد زائد من ديوان عموم الأوقاف المصرية، ولها مسجد في مصر لم يوجد مثله، قد ذكر أوصافه الأمير علي باشا مبارك في خططه المسماة بالخطط التوفيقية. ولكون أوصافه جاءت مسهبة اقتصرنا عنها مُنوِّهين على محل وجودها.
زينب ابنة الطثرية
هي زينب بنت سلمة بن سمرة من بني عامر بن صعصعة، والطثرية أمها. قُتل أخوها يزيد بن الطثرية الشاعر المشهور في خلافة بني العباس سنة ١٢٦ هجرية، الموافقة لسنة ٧٤٤ ميلادية، قتله بنو حنيفة، فقالت أخته ترثيه:
وكانت زينب ذات جمال وأدب وكمال، شاعرة مشهورة مطبوعة على الشعر والفضل والأدب، متجملة بالفصاحة التي هي حلية العرب، ولها مراثٍ كثيرة في أخيها لم نعثر عليها الآن.
زينب ابنة أبي القاسم الشهيرة بأم المؤيد عبد الرحمن
وهو ابن الحسن بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبدوس الجرماني الأصل، النيسابوري الدار، كانت فاضلة عالمة، أدركت جماعة من أعيان العلماء، وأخذت عنهم رواية وإجازة، فممن أخذت عنهم: أبو محمد إسماعيل بن أبي القاسم النيسابوري القاري، وأبو المظفر عبد المنعم، وهو نبن عبد الكريم بن هوازن القشيري، صاحب «الرسالة القشيرية»، وممن أجازها الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي، والعلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري مؤلف «الكشاف»، وممن أجازتهم من أكابر العلماء العلامة المؤرخ شهاب الدين قاضي القضاة ابن خلكان، صاحب «التاريخ المشهور»، وهي في القرن السابع من الهجرة.
الأميرة زينب هانم أفندي
هي أصغر كريمات المرحوم محمد علي باشا، والي مصر وأول مؤسس للحكومة الخديوية. ولدت في حدود سنة ١٢٤٤ هجرية في مصر القاهرة، ووالدتها شمع نور قادين أفندي من محاظي المرحوم محمد علي باشا، وهي جركسية الأصل.
وفي سنة ١٢٦٤ﻫ، تأهلت بالمرحوم يوسف كامل باشا، وأقيمت لها الأفراح في مصر إلى الدرجة التي لم يسبق لها مثال، وكان زفافها في سراي الأزبكية.
ولما توفي محمد علي، وتولى عباس باشا حكومة مصر، واشتدت البغضاء بينه وبين الأمراء «المورهليين»: باقي بك، وسامي باشا، وكامل باشا، وسائر العائلة الخديوية، اضطروا للهجرة من مصر.
هاجرت المُترجَمة المرحومة مع زوجها كما هاجرت أختها الكبرى الأميرة نازلي هانم أفندي إلى الآستانة، وذلك في حدود ١٢٦٨ﻫ، فأكرمت الدولة العلية مثوى الجميع، وتقلب كامل باشا في مناصب الدولة حتى صار صدرًا أعظم في مدة المرحوم السلطان عبد العزيز، ثم توفي في حدود التسعين.
وبقيت المترجَمة في الآستانة في منزلها الكائن في ميدان السلطان بايزيد ومنزله الساحلي في بيتك الشهير داخل الخليج القسطنطيني.
وتوفيت في ربيع سنة ١٣٠٢ﻫ، ودفنت في مدفنها الخصوصي خارج «إسكدار»، في الموقع المعروف بقره جه أحمد سلطان، وكان لوفاتها وجنازتها شأن عظيم في عموم الآستانة.
وخلفت من الأموال والجواهر والأراضي والعقارات شيئًا عظيمًا قد لا يقل عن ثلاثة ملايين جنيه، ولم تعقب ذرية لا هي ولا زوجها، وورث جميع ذلك أخوها المرحوم البرنس عبد الحليم باشا بن محمد علي باشا. فمما تركت من العقارات الشهيرة سراي بيك، وسراي ميدان السلطان بايزيد، ومن ذلك أسهم الشركة الخيرية، وهي شركة «وابورات البوغاز» في الآستانة، ولا تقل عن أربعين وابورًا، وسراي الأزبكية في مصر، وسراي شبري الصغيرة.
وكانت — رحمها الله — كثيرة الخيرات والمبرات، سخية اليد، عالية النفس، محبة لإعانة الفقراء وإغاثتهم؛ كانت تصرف على كثير من البيوت حتى بلغ من كان يعيش بإحساناتها في نفس الآستانة فقط أكثر من أربعمائة عائلة.
ولها أوقاف عظيمة أوقفتها على نفسها وزوجها وذريتها، ثم جعلت ربع تلك الأوقاف لجملة محلات مباركة؛ كالمسجد الحسيني في مصر، ومساجد السيدة نفيسة والسيدة زينب وغيرهما نحو ١٤ مسجدًا، وعدة تكايا، منها: المولوية والنقشبندية والكاشنية، وعلى ليلة المعراج وليلة القدر في قراءة القرآن بمسجد والدها في قلعة مصر.
وجعلت من ذلك الربع قدرًا لمُدرِّسي الفقه الحنفي في الجامع الأزهر، ومُدرِّسي الفقه الشافعي والمالكي والحنبلي، وخصصتْ لكلٍّ تخصيصات.
ثم إنها خصصت ربعًا من ذلك أيضًا لكل من قرأ القرآن في سراياتها، ولكل من خدمها أو لازمها إلى حين الوفاة من الرجال والنساء، وجعلت لمن يبلغ زمن ملازمته لها أو قيامه بخدمتها عشر سنين فأكثر ضعف من كان زمنه أقل من ذلك، وكذلك لعتقائها وعتقاء أمها وفقراء معتوقي والدها. ومن خيراتها مساهمتها بالاشتراك مع زوجها في بناء مستشفى في مدينة «إسكدار» من دار الخلافة، وسبيل في قصبة قرطال بقرب «إسكدار».
وأوقفت عليها الأوقاف الكافية، كما أوقفت على قبرها وقبر زوجها وعلى بعض التكايا والزوايا في الآستانة وغيرها.
وكانت المُترجَمة متوسعة في دائرتها، مطموعًا فيها لمالها وسخائها، ومحترمة جدًّا في جميع دوائر الدولة، حتى إنها كانت معتبرة جدًّا في السراي السلطاني ولدى جلالة الخلفاء العظام عمومًا، وجلالة سيدنا أمير المؤمنين خصوصًا، وكان لها وقع سياسي في الأحوال المصرية في شأن العصبة العرابية.
قيل: إنها صرفت من أربعين إلى خمسين ألف جنيه لمساعدة أخيها البرنس حليم باشا، حتى إن الحكومة قبضت على وكيل دائرتها في مصر عثمان باشا لتداخله بأمرها مع عصبة الأشقياء لتستميلهم إلى أخيها.
وكان أخوها قد قل ماله، وكانت تعينه كما تعين غيره من العائلة، ولما دنَتْ وفاتها أوصت له بكثير من أموالها وعقاراتها.
قال أهل الاطلاع على حقيقة حالها: إنها أصيبت بشيء من اختلال الشعور قبل موتها بمدة. وفي تلك المدة اهتم البرنس حليم باشا بتحوير الوقفيات، وحصر قسمها الأعظم فيه وفي أولاده، واستغل الفائدة من ذلك الوقت إلى أن توفي في سنة ١٣١٢.
وحينئذ قام بعض الناس وحرك أصحاب الحقوق بالمطالبة، ولا يزال النزاع فيها إلى الآن.