حرف الطاء
طغاي زوجة الملك الناصر قلاوون
هي اﻟ «خوندة» الكبرى زوجة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأم ابنه الأمير «أنوك». كانت من جملة إمائه فأعتقها وتزوجها، ويقال: إنها أخت الأمير «آقبغا» عبد الواحد. وكانت بديعة الحسن رأت من السعادة ما لم يره غيرها من نساء ملوك الترك بمصر، ولم يدم السلطان على محبة امرأةٍ سواها وسوى طولباي الناصرية، وحج بها القاضي كريم الدين الكبير واحتفل بأمرها، وحمل لها البقول في محائر طين على ظهور الجمال، وأخذ لها الأبقار الحالبة فسارت معها طول الطريق لأجل اللبن الطري وعمل الجبن.
وكان يلقى لها الجبن في الغداء والعشاء، وإذا كان البقل والجبن بهذه المثابة وهما أحسن ما يؤكل، فما عساه يكون بعد ذلك؟! وكان القاضي وأمير المجلس وعدة من الأمراء يمشون رجالًا بين يدي محفتها، ويُقبِّلون الأرض لها، ثم حجَّ بها الأمير «بشتاك» سنة ٧٣٩ﻫ.
واستمرت عظمتها بعد موت السلطان إلى أن ماتت سنة ٧٤٩ﻫ — أيام الوباء — عن ألف جارية، وثمانين خادمًا خصيًّا، وأموال كثيرة جدًّا، وكانت عفيفة طاهرة كثيرة الخير والصدقات والمعروف. جهزت سائر جواريها، وجعلت على قبر ابنها بقبة المدرسة الناصرية بين القصرين قرَّاء، ووقفتْ على ذلك وقفًا، وجعلت من جملته خبزًا يُفرَّق على الفقراء، ودفنت بهذه الخانقاه — وهي من أعمر الأماكن إلى يومنا هذا.
طولباي الناصرية
طولباي هذه هي من ذرية «جنكزخان». تزوجها الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولما جاءت من بلادها إلى الإسكندرية في شهر ربيع أول سنة ٧٢٠ﻫ وطلعت من المركب، حُملتْ في محفة من الذهب على العَجل وجرَّها المماليك إلى دار السلطنة بالإسكندرية، وبعث السلطان إلى خدمتها عِدَّة من الحجاب، وثماني عشرة من الحرم، ونزلت في الحراقة، فوصلت إلى القلعة يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول — المذكور — وفرش لها بالمناظر في الميدان دهليز أطلس معدني، ومد لها سماط، ثم عقد عليها يوم الاثنين ٦ ربيع الآخر على ثلاثين ألف دينار.
وبقيت عنده مسموعة الكلمة، محظية لديه، حتى إنه مال إليها بكلياته وجزئياته، وسلمها أمور داره، واعتمد بذلك على حسبها ونسبها، وهي وفَتْ له بما ائتمنها عليه، وكانت مشهورة بفعل الخير واجتناب الشر، ولها مآثر غريبة من مدارسَ ومصانعَ ومساجدَ وغيرِ ذلك.
طَيْطُغْلِي خاتون زوجة السلطان أوزبك الكبرى
إن «طَيْطُغْلِي» — بفتح الطاء المهملة الأولى، وإسكان الياء آخر الحروف، وضم الطاء الثانية، وإسكان الغين المعجمة، وكسر اللام، وياء مد — هي أحظى نساء هذا السلطان عنده، وعندها يبيت أكثر لياليه، ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها، كما أخبر بعض العارفين بأخبار هذه الملكة أن السلطان يحبها لموافقتها لطباعه.
وقيل: إنها من سلالة المرأة التي يذكر أن المُلك زال عن سليمان — عليه السلام — بسببها! ولما عاد إليه ملكه أمر أن توضع بصحراء لا عمارة فيها، فوضعت بصحراء «قفجق»، وتزوجت هناك وتناسلت!
ومن ذريتها هذه «الخاتون»، قال: وفي غد اجتماعي بالسلطان دخلت إلى هذه الخاتون وهي قاعدة فيما بين عشرة من النساء القواعد كأنهن خادمات لها، وبين يديها نحو خمسين جارية صغارًا يسمون البنات، وبين أيديهن طيافير الذهب والفضة مملوءة بحب الملوك وهنَّ ينقينه، وبين يدي الخاتون صينية ذهب مملوءة منه وهي تنقيه، فسلَّمنا عليها، وكان في جملة أصحابي قارئ القرآن على طريقة المصريين بطريقة حسنة وصوت طيب، فقرأ، ثم أمرت أن يُؤتى بالقمز، فأُتي به في أقداح خشبٍ لطافٍ خفافٍ، فأخذت القدح بيدها وناولتني إياه — وتلك نهاية الكرامة عندهم — ولم أكن شربت القمز قبلها، ولكن لم يمكنني إلا قبوله، وذقته — ولا خير فيه — ودفعتُه لأحد أصحابي، وسألتني عن كثير من حال سفرنا فأجبناها، ثم انصرفنا عنها.
وكان ابتداؤنا بها لأجل عظمتها عند الملك، وأن هذه الملكة من النساء العاقلات اللاتي يسلبن ألباب الرجال بحسن آدابهن وتدابيرهن، وقد ملكت عقل ذلك الملك حتى صار لا يقطع رأيًا ولا يبتُّ أمرًا إلا بمشورتها.
وهي من النساء المعدودات الموصوفات بفعل الخيرات والمبرات، ولها جملة مآثر في بلادها، مثل مساجد ومدارس ومارستانات وغير ذلك من فعل الخيرات، وتوفيت قبل زوجها؛ فأسف عليها، وكانت جنازتها أشهر ما يكون من الجنائز.