شيء لم يحدث من قبل!
كان التقرير الذي تلقَّاه الشياطين اﻟ «١٣» من رقم «صفر» هو أخطر تقرير تلقَّوه منه على الإطلاق … كان التقرير يعني في جملة واحدة أن حياة رقم «صفر» في خطر … وهو شيءٌ لم يُصدِّقه الشياطين في أول الأمر … لأن رقم «صفر» حرص ألَّا يكون ذلك واضحًا …
وكانت «إلهام» قد سمعت صوت الإنذار بوصول تقرير … صوتًا متقطِّعًا يصدر من جهازٍ ذي ذبذبةٍ خاصة … كما تُضاء لمبة حمراء على باب غرفة اللاسلكي.
وكان الشياطين جميعًا يستعدُّون في هذا اليوم للخروج إلى البحر … فقد كان يومًا شديد الحرارة في «بيروت»، ولم تستطِع أجهزة التكييف أن تتغلَّب على الإحساس بالجو القاسي.
وفي اللحظة التي استعد فيها الشياطين لمغادرة مقرِّهم السري … سمعت «إلهام» صوت جرس الإنذار … وكانت «هدى» هي التي ستبقى في المقر … ولكنها كانت تستبدل ثيابها.
وأسرعت «إلهام» تتلقَّى التقرير … وكان إلى جانب غرابته وخطورته شديد الطول ويحمل تعليمات كثيرة.
وعندما فرغت «إلهام» من تلقِّي التقرير أسرعت إلى الشياطين … ووجدتهم جميعًا في صالة الاجتماعات الواسعة … فقد عرفوا أنهم تلقَّوا تقريرًا من رقم «صفر»، وكان طبيعيًّا أن يُحيطوا بمائدة الاجتماع الفخمة للاستماع إلى التقرير.
ودخلت «إلهام» تحمل في يدها الورق الأحمر الذي تكتب عليه التقارير الخطيرة، وعرف الشياطين أنهم سيُكلَّفون بمهمةٍ صعبة … ولكن ما سمعوه كان آخر ما يمكن تصوُّره.
من رقم «صفر» إلى الشياطين اﻟ «١٣»
عليكم أن تتفرَّقوا فورًا … قسِّموا أنفسكم إلى مجموعات صغيرة بعضها في «بيروت»، والبعض الآخر خارج بيروت … وفي «دمشق» و«عمان».
إن موجةً ضخمةً من المجرمين تستعدُّ للقفز على «بيروت» من أماكن متعدِّدة … إيطاليا … فرنسا … اليونان … وتركيا … وهذه الموجة من المجرمين أتت خصوصًا للقضاء على منظمة الشياطين اﻟ «١٣».
توقَّفت «إلهام» ونظرت إلى الشياطين … ولكن أحدًا منهم لم يتحدَّث … وظلَّت الوجوه جامدةً ساكنةً في انتظار بقية التقرير.
إنكم تعرفون أننا نجحنا خلال الصِّدامات التي تمَّت بيننا وبين المنظمات الإجرامية في التغلُّب عليهم جميعًا … وقد نتج عن هذا أن بعض زعماء هذه المنظَّمات بدءوا يتساءلون عن حقيقة منظَّمتنا، كيف تعمل؟ من أين أتينا؟ وبعد أن نجحتم في كشف اتحاد العصابات في إيطاليا وزعيمه «جياكومو»؛ زاد اهتمام منظَّمات العالم السفلي بنا، ثم قرَّروا القضاء علينا.
وللأسف الشديد إنهم استطاعوا خطف أحد رجالي والذي يعرف كثيرًا من المعلومات عنَّا … وهو يحمل رقم «ش. ٢٨»، وربما حصلوا منه على معلوماتٍ خطيرة تُهدِّد منظَّمتنا كلها … بما في ذلك أنا شخصيًّا … إن «ش. ٢٨» ما زال موجودًا في بيروت لأنه لا يستطيع الخروج منها إلَّا بإذنٍ من السلطات اللبنانية … ولكنهم قد يتمكَّنون من إخراجه في أي لحظة، وتغيير اسمه … بل وشكله أيضًا بواسطة عملية تجميل، ويختفي بما يحمل من معلومات.
إنني لست متأكِّدًا أنه قد أدلى إليهم بالمعلومات التي يعرفها … كل ما أعرفه أنهم كانوا يُراقبونه … ثم اختفى فجأةً منذ ثلاثة أيام … وحتى لا نفاجأ فقد قرَّرت تغيير مكان إقامتي … وسأنتقل بين «بيروت» و«دمشق» و«عمان» … وقد لا أتصل بكم لفترةٍ طويلة لأنني سأدمِّر كل الأجهزة التي عندي … وعليكم أن تُنفِّذوا تعليماتي دون مناقشة … وتنقسموا إلى مجموعات صغيرة متفرِّقة … ولا تقوموا بأي نشاط حتى تصلكم تعليمات جديدة مني … وسيكون اتصالنا عن طريق تليفون ٣٣٣٠٣، وهو رقم سريٌّ عند أحد أعواني المخلصين … وسيرد بعد الدقَّة العاشرة … وهي علامة متفق عليها للتأكُّد من أن أحدكم أو أنا هو المتحدِّث.
إن الساعة الآن التاسعة وخمس دقائق … وسيصلكم آخر تقرير مني بعد ساعتَين بالضبط … وسيكون فيه بعض المعلومات عن المجرمين الذين يقومون بمطاردتنا … فقد تستفيدون من معرفتهم في الابتعاد عنهم … وحتى يصلكم التقرير الثاني … عليكم بالاستعداد للتفرُّق والاختفاء.
ساد الذهول الممزوج بالدهشة قاعة الاجتماعات … إن هذا التقرير العجيب يكاد يهدم منظَّمة الشياطين تمامًا … هذه المنظَّمة ذات الأهداف النبيلة والتي قامت لمقاومة الظلم والجريمة في العالم العربي … ومواجهة العصابات العالمية التي تُحاول أن تجعل العالم العربي مجالًا لنشاطها.
كيف يمكن أن يتحطَّم كل شيءٍ بهذه السهولة؟! كيف يمكن لأي مجموعة من الناس أن تنتصر على الشياطين اﻟ «١٣» وزعيمهم رقم «صفر»؟! إن الشياطين لا يمكن أن يستسلموا.
ودارت مناقشة بدأها «بو عمير» بقوله: إنني أُفضِّل أن نموت جميعًا على أن نهرب بهذه الطريقة … إن رقم «صفر» هو زعيمنا طبعًا … ونحن لا نستطيع حسب قانون العمل بيننا أن نخالف أوامره … ولكن هذه المسألة تتعلَّق بوجودنا جميعًا … وهو شيء لا بد أن يُناقش.
وبعده تحدَّثت «هدى» و«زبيدة» … و«مصباح» … و«عثمان» … و«خالد» … و«قيس» … و«باسم» وبقيَّة الشياطين … وتحوَّلت قاعة الاجتماعات إلى خلية نحل … ولكن «أحمد» ظلَّ صامتًا يستمع دون أن يتحدَّث … وبعد نحو نصف ساعة تحوَّل «عثمان» إلى «أحمد» قائلًا: لماذا لا تتحدَّث؟
ردَّ «أحمد» ببساطة: ألا يكفي أن تتحدَّثوا أنتم؟
عثمان: وأنت … أليس لك رأي؟
أحمد: رأيي أن نُنفِّذ تعليمات رقم «صفر» بلا مناقشة … إننا تلقَّينا تدريباتنا في المقر السري الرئيسي (ش. ك. س)، وأول هذه التدريبات ألَّا نُناقش تعليمات رقم «صفر» … فماذا حدث؟
عثمان: حدث أن رقم «صفر» يُطالبنا بأن نهرب!
أحمد: فلْنهرب!
بو عمير: ليس هناك قوة على الأرض تدفعنا إلى الهرب!
أحمد: دعونا من هذه المناقشة غير المجدية، ولْنستعد لمغادرة المقر بعد ساعتَين كطلب رقم «صفر»، وننتظر تعليماته على التليفون السري كما قال … بعد أن يصلنا منه التقرير القادم.
ساد الصمت المكان … وقام «أحمد» إلى غرفته يُعِد حقيبته قائلًا: ستخرج كل مجموعة وحدها … وهكذا … ولكل مجموعة أن تأخذ سيارة … وعددًا من قطع السلاح … وسأقوم بإعداد الدفاع الأوتوماتيكي للمقر … ووسائل الإنذار وغيرها لمنع أي شخص من دخول المقر السري.
قبل نصف ساعة من وصول التقرير الثاني من رقم «صفر» كان الشياطين اﻟ «١٣» يجلسون مرةً أخرى في قاعة الاجتماعات بعد أن تجهَّزوا للرحيل.
وهؤلاء الشبَّان الأقوياء الذين خاضوا أقسى المعارك مع عُتاة المجرمين وهم يبتسمون … والذين انتصروا في الصراعات الرهيبة مع العالم السفلي دون أن يُقيموا للحياة وزنًا؛ هؤلاء الشبَّان كانوا في هذه اللحظة كأنهم تلقَّوا أكبر هزيمة في حياتهم؛ فقد كسا وجوههم الحزن، وسادهم الصمت، وأخذوا يتحاشَون النظر أحدهم إلى الآخر.
وتحدَّث «أحمد» فقال: إننا سنفترق الآن … ولكننا سنجتمع مرةً أخرى. إن الحياة التي اخترناها ليست ككل حياة، وجزء منها أن نفترق بين فترة وأخرى … إنني متفائل رغم كل شيء، ولا أظن أن رقم «صفر» سيُهزم لأن أحد رجاله قد خُطف رغمًا عنه … أو هرب بمحض إرادته … إن كل جهاز في العالم معرَّض لمثل هذه الأزمة، وسيتوقَّف علينا وعلى شجاعتنا أن نعود مرةً أخرى.
وصمت «أحمد» لحظات ثم قال: والآن، سنُقسِّم أنفسنا إلى مجموعات، وإنني أقترح التقسيم الآتي:
«رشيد» و«قيس» و«ريما» إلى «الأردن».
«خالد» و«هدى» و«مصباح» إلى «دمشق».
و«باسم» و«زبيدة» في جبل «لبنان».
و«إلهام» و«عثمان» و«أحمد» و«بو عمير» في «بيروت»، وطبعًا في غير المقر السري.
وسيكون اتصالنا جميعًا على التليفون السري … وإذا حدث أي شيء لهذا التليفون أو لم يرد، فسيكون اتصالنا عن طريق المقر السري هنا مع عم «سرور» والسيدة «بديعة»، فسوف يبقيان هنا طبعًا.
إلهام: ألا يشملهما قرار رقم «صفر»؟
أحمد: بالطبع لا … فهما ليسا من الشياطين!
وفي هذه اللحظة دقَّ جرس الإنذار في غرفة اللاسلكي، وكانت «إلهام» تتلقَّى التقرير.
ساد الصمت قاعة الاجتماعات الواسعة … وأخذ كل واحد من الشياطين يُفكِّر في التقرير القادم … وهل يتراجع رقم «صفر»؟ هل يُصدر تعليمات جديدة؟ هل يبقون في المقر السري؟ هل عاد الرجل المخطوف رقم «ش. ٢٨»؟
أسئلة كثيرة … و«إلهام» تتلقَّى التقرير الثاني … فماذا في التقرير؟