قارئ الأفكار
كان التقرير الثاني الذي أرسله رقم «صفر» أخطر من التقرير الأول وأكثر غرابة … إنه ليس تقريرًا يتحدَّث عن الصراع القادم بين العالم السفلي وبينه … إنه بحثٌ علميٌّ غريبٌ وإن كان جزءًا من الصراع.
عندما أرسلتُ لكم التقرير الأول لم أكن أتصوَّر أن الأمر بهذه الخطورة … ولكن سيل المعلومات لم يتوقَّف من أعواني في مختلِف أنحاء العالم … وآخر هذه المعلومات وصل من الولايات المتحدة الأمريكية.
إن العصابات التي اصطدمنا بها خسرت بجانب الرجال مئات الملايين من الجنيهات نتيجةً لتحطيم شبكات التهريب … لهذا فإن هذه العصابات قرَّرت أن تقضي علينا تمامًا … وهم في هذا لا يستخدمون الأسلحة التقليدية؛ الخنجر والمسدس والمدفع … إنه شيء جديد تمامًا لم نستعدَّ له … إنه قراءة الأفكار!
وتوقَّفت «إلهام» عند هذه الجملة، ونظرت إلى الشياطين … وفي هذه المرة صاح «عثمان»: ماذا حدث لرقم «صفر» … هل سنُحارب بالسحر والشعوذة؟ ما هي حكاية قراءة الأفكار هذه؟
إن هناك علمًا جديدًا غريبًا اسمه علم قراءة الأفكار … وقد كان هذا العلم فرعًا من علم اسمه «الباراسيكولوجي». وقد كانت قراءة الأفكار موضع جدل بين الناس … هل هي خرافة وشعوذة … أم هو علمٌ له قوانين ونظريات كبقية العلوم.
وفي السنوات الأخيرة بدأت ظاهرة «قراءة الأفكار» … تدخل المعامل وتبحث كشيءٍ حقيقيٍّ وليس مجرَّد أسطورة … وقد اهتمَّت الدول الكبرى وأجهزة المخابرات التابعة لها بهذا العلم الجديد؛ للاستفادة منه في أغراض التجسُّس والأهداف الحربية … فقد أصبح من الممكن لأحد قارئي الأفكار في «الولايات المتحدة» أن يقرأ ما يُفكِّر فيه شخص في الاتحاد السوفييتي مثلًا … كما يستطيع قارئ الأفكار في «الاتحاد السوفييتي» قراءة أفكار شخص في «أمريكا» على بُعد ألوف الأميال … وقد آمن بهذه النظرية علماء كبار مثل «فون براون»، وهو من يُسمُّونه أبو القنبلة الذرية … و«أزموندكورس» عالم الأحياء، و«راسل فارج» عالم أشعة «الليزر» الشهير … وسير «جيمس جينز» عالم الفيزياء … وعشرات بل مئات من علماء الطبيعة المشهورين، وقد شهدوا تجارب لا تقبل الشك من هذه الظاهرة.
وسكتت «إلهام» لحظات … وبدأ الشياطين يُدركون خطورة ما يحدث … فقد فهموا ما يقصد رقم «صفر» من هذه المحاضرة العلمية.
ولعلَّكم أدركتم الآن ما أعني … إن العصابات استطاعت تجنيد أحد علماء قراءة الأفكار لمحاربتنا، وفي إمكان هذا الرجل واسمه «سندرمالمو» أن يقرأ ما نُفكِّر فيه … وبهذا يعرف خططنا ويمكن للعصابات أن تحبطها … وأن تعرف أماكننا.
وقد تحرَّك «سندرمالمو» إلى الشرق الأوسط منذ ثلاثة أيام، يصحبه زعيم أحد العصابات الأمريكية، وشخص آخر لا يقل خطورةً عن «مالمو» اسمه مستر «ون بولت» وترجمتها كما تعرفون «السيد طلقة واحدة». ومستر «ون بولت» هو أشهر قاتل في «أمريكا» … ويُطلقون عليه هذا اللقب لأنه يقتل بطلقة واحدة، ولا يُطلق غيرها … إنه يستطيع الإصابة من أي زاوية، وبكلتا يديه، وعلى أي هدفٍ مهما كان صغيرًا … حتى إنهم يقولون إنه يمكنه قتل ذبابة طائرة فلا يُخطئها! …
إن هؤلاء الثلاثة «مالمو» وزعيم العصابة «كاتسكا» ومستر «ون بولت» يُمثِّلون أخطر مجموعة واجهتنا حتى الآن … بل إنني أستطيع أن أقول دون تردُّد أننا يجب أن نختفي فترةً حتى ندرس سلاح قراءة الأفكار هذا، خاصةً وأن زميلنا المختفي «ش. ٢٨» يعرف الكثير وأعتقد أنهم بواسطة قراءة الأفكار يُمكنهم معرفة كل شيء عنا منه، سواء كان بإرادته أم رغمًا عنه، وليس هؤلاء الثلاثة فقط، بل أيضًا اتجه إلى المنطقة عدد كبير من المجرمين، والحل الوحيد أن تختفوا حتى أتصل بكم …
وإنني أتمنَّى لكم وقتًا طيبًا، حتى نلتقي.
مضت ثلاث دقائق كاملة دون أن يتحدَّث أحد … ثم قال «بو عمير»: شيء مذهل! كيف يمكن أن يصل العلم إلى هذا الحد!
إلهام: إن المخ البشري ما زال سرًّا ولغزًا محيِّرًا … ولم يستطِع العلم حتى الآن معرفة كل ما يحوي من قدرات … وقد قرأت مرةً أن شخصًا يستطيع بتركيز ذهنه أن يُحرِّك الأشياء التي حوله دون أن يمد يده إليها.
أحمد: الآن … إلى اللقاء …
وكان عم «سرور» والسيدة «بديعة» يقفان قرب الباب، فصافحهما الشياطين ونزل أول ثلاثة، ثم الثلاثة الآخرون، وهكذا، حتى غادر الجميع المقر السري.
قال «أحمد» محدِّثًا زملاءه في العربة: ما رأيكم … أين نذهب؟
ردَّت «إلهام» على الفور: دعوا هذه المهمة لي … إنني أعرف عمارةً حديثةً بها شقق مفروشة مناسبة لنا جدًّا!
بو عمير: ألا نذهب إلى مقرٍّ من المقارِّ الفرعية التي جهَّزناها من قبل؟
أحمد: ممكن … ولكن «مالمو» قارئ الأفكار يستطيع أن يعرف من «ش. ٢٨» أي شيء يعرفه … ومن الأفضل ألَّا نُغامر!
عثمان: إنني أذكر «ش. ٢٨» هذا … لقد كان رجلًا رائعًا وكنت أُعجب به جدًّا … بل إنه أول رجل علَّمني إطلاق النار، فكيف استطاعوا السيطرة عليه؟!
أحمد: إن قارئ الأفكار لا يُهمُّه أي نوع من الأشخاص أمامه … ما دام يريد قراءة أفكاره … إنها ليست مسألة عضلات، إنها مسألة هذا الشيء العجيب الذي داخل الرأس.
ودقَّ «أحمد» على رأسه بأصبعه … وكان واضحًا أنه في غاية الضيق، ولكنه يُحاول أن يُمسك أعصابه.
مضت السيارة التي تقودها «إلهام» على طول الكورنيش حتى تجاوزت فندق «فينسيا» ثم توقفت أمام عمارة جديدة وقالت: هنا!
تمَّ كل شيءٍ بسرعة وهدوء … ووجد الشياطين الأربعة أنفسهم في شقة أنيقة تُطلُّ من بعيد على مرفأ «بيروت» … وقام «عثمان» و«بو عمير» بعملية تحصين وتأمين شامل للشقة، وقالا إنها في حاجة إلى بعض الشناكل والترابيس والأقفال حتى تُصبح الشقة منيعةً على من يُحاول الدخول. ثم اختار كل واحد غرفةً تناسبه، وأخرجوا ثيابهم، وقال «عثمان» ضاحكًا ومحاولًا تخفيف الجو الحزين: سنعتبرها إجازةً من الرصاص واللكمات … إن التغيير ضروري بين فترة وأخرى.
ثم أخرج «بطة» وهي كرته المطاط الجهنمية وأخذ يقذفها إلى فوق ويتلقَّفها.
ثم قال: ربما كانت «بطة» أشدنا حزنًا؛ فهي لن تُصافح رأس مجرم لتُسقطه على مبعدة … ولن تشترك في المعارك إلى حين.
أحمد: ربما لن يطول انتظارها!
التفت إليه «عثمان» وقال: هل تتوقَّع شيئًا؟
أحمد: إنني لن أنتظر التوقُّعات!
لفت هذا الحوار أنظار الشياطين الثلاثة ﻟ «أحمد»، فالتفتت إليه «إلهام» وقالت: إنك تتحدَّث بالألغاز؟
قال «أحمد»: تعالَوا نُعِد أكواب الشاي … فهناك حديث طويل بيننا!
قالت «إلهام»: سأهتم أنا بالشاي … فقط اجلسوا في أماكنكم، ولا تتحدَّثوا حتى أعود.
جلس الثلاثة في الشرفة الواسعة … «أحمد» يُفكِّر … «عثمان» يهز كرته الجهنمية، و«بو عمير» يراقبهما.
وعادت «إلهام» تحمل أكواب الشاي وبعض البسكويت … وبعد الرشفة الأولى قالت «إلهام»: والآن … هاتِ ما عندك.
تمهَّل «أحمد» قليلًا ثم قال: لعلكم لاحظتم إصراري على تنفيذ تعليمات رقم «صفر» رغم اعتراض الأغلبية عليها.
لم يردَّ أحد، فمضى «أحمد» يقول: لقد أردت أن نتفرق فعلًا … فإن العدد الكبير عُرضة للإصابة أكثر. إن حماية ١٣ شخصًا مسألةٌ صعبة … ولو وقع واحد من اﻟ «١٣» لوقعنا جميعًا … لهذا رأيت أن نتفرَّق ونبقى نحن الأربعة … فقد عملنا كثيرًا معًا!
بو عمير: ولكن الشياطين اﻟ «١٣» كلهم ممتازون!
أحمد: إنني لم أتحدَّث عن فوارق بين الشياطين اﻟ «١٣»، ولكن خطتي في مواجهة مثلث الرعب … «مالمو» ومستر «ون بولت» و«كاتسكا»، تعتمد في مرحلتها الأولى على عدد قليل من الشياطين ثم بعد ذلك ينضم الباقون.
قال «عثمان» مندهشًا: مواجهة مثلث الرعب! … إذن نحن لم نهرب!
أحمد: نهرب؟ … كيف نهرب؟! … إننا لن نهرب أبدًا وإذا كان رقم «صفر» يُريد سلامتنا … فإن سلامتنا وسلامته أيضًا هي في المواجهة وليس في الهرب!
وابتسم الشياطين الأربعة معًا … لأول مرة في هذا اليوم الكئيب.