نقطة التماس
قال «بو عمير» متحمِّسًا: هل سنُخالف تعليمات رقم «صفر»؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: لا … ولكن سنبحث بحذر شديد عن نقطة التماس؟
إلهام: إننا نلعب مباراةً في كرة إذن … وليس صراعًا بين قوتَين؟
أحمد: إن لعبة كرة القدم هي صراع بين قوتَين أيضًا … وأنتم تعرفون أيضًا خط التماس في ملعب الكرة … إنه الخط الذي يصل بين عرض الملعب، إننا سنبحث عن نقطة التماس … أو نقطة التلامس بيننا وبين مثلث الرعب هذا المكوَّن من «مالمو» و«بولت» و«كاتسكا». إننا لا نعرف عنهم إلَّا صفاتهم الإجرامية، ولم يُزوِّدنا رقم «صفر» بأية معلومات عنهم … شكلهم … الأسماء المستعارة التي يُمكن أن يختفوا خلفها … أماكن نزولهم … لهذا فنحن في حاجة إلى أن نتلامس معهم … أن نصبح على اتصال بهم … وفي نفس الوقت دون أن يعرفوننا …
عثمان: إنك تتفلسف!
أحمد: ذلك أننا نُواجه عدوًّا غير عادي … لقد واجهنا أشرس رجال العصابات من حمَلة البنادق والرشاشات … بل والقنابل، وهؤلاء نعرف كيف نتعامل معهم … ولكن قارئ الأفكار هذا شيء آخر … معركة أخرى لها طابعها الخاص … ويجب أن نُفكِّر بأسلوبٍ مختلف. وبالضبط كما قلت يجب أن نتصل بهم … أو نُلاحقهم دون أن يشعروا بنا … لسببٍ بسيط … هو أنهم إذا عرفوا من نحن أصبح من السهل التغلُّب علينا … لأن «مالمو» سيتمكَّن من قراءة أفكارنا … ثم من اكتشاف خططنا وإحباطها … بل والقضاء علينا.
بو عمير: ولكن كيف؟
أحمد: ذلك ما يجب أن نُفكِّر فيه معًا … كيف الوصول إلى مثلث الرعب دون أن يشعر بنا؟! لقد كان رقم «صفر» هو دائمًا مصدر معلوماتنا، والآن ليس هناك رقم «صفر» … ويجب أن نعتمد على أنفسنا في التوصُّل إلى هؤلاء الثلاثة … بشرط ألَّا يعرفوننا!
قالت «إلهام» وهي تنظر إلى بعيد: هناك حل واحد!
التفت إليها الثلاثة في اهتمام فقالت: أن نعتمد على «ش. ٢٨» … إننا نعرفه … أو على الأقل يعرفه «عثمان» لأنه تمرَّن على يدَيه … فلو كان «ش. ٢٨» ما زال في «بيروت» … فإنه سيكون الخيط الذي يقودنا إلى الرجال الثلاثة … أو بتعبير «أحمد» سيكون هو نقطة التماس … أو التلامس بيننا وبينهم.
أحمد: هذا كلام معقول جدًّا!
إلهام: ويمكن اختصار الوقت بأن نتصل برقم التليفون الذي تركه لنا رقم «صفر» وهو ٣٣٣٠٣، ونسأل عن مكان إقامة «ش. ٢٨» لعله ما زال يتردَّد على منزله!
بو عمير: ولكن رقم «صفر» يقول إنه اختفى!
إلهام: إنني أعرف أنه اختفى … ولكن قد يظهر في أي وقت!
أحمد: على كل حال سوف نُجرِّب هذه الخطة … وعلينا أن نفتح عيوننا على كل مكان في «بيروت» لعلنا نصل إلى «ش. ٢٨».
عثمان: أقترح أن يشترك معنا مجموعة الجبل المكوَّنة من «فهد»، «باسم»، «زبيدة» … فإننا نحتاج إلى عدد كبير للبحث عن «ش. ٢٨».
أحمد: معقول جدًّا … ولْتقم «إلهام» بالاتصالات اللازمة، من الآن!
وقامت «إلهام» إلى التليفون … وبدأت اتصالاتها … وكانت مفاجأة أن رقم «صفر» رفض أن يُعطيهم عنوان «ش. ٢٨» وكان الرد صارمًا وقاسيًا: لقد قلت ابتعدوا عن ميدان المعركة!
نقلت «إلهام» إلى الشياطين اﻟ «١٣» ما قاله رقم «صفر»، فقال «أحمد»: لا بأس … سنبحث عن «ش. ٢٨» حتى نعثر عليه حتى ولو كان تحت الأرض … هل اتصلت بمجموعة الجبل؟
ردَّت «إلهام»: نعم … وقد وعدوا بالمساعدة … فإن «باسم» يعرفه … وسوف يبحثون هم في الجبل، ونبحث نحن في «بيروت».
عثمان: إنني أُرجِّح أنه في «بيروت» … وعلينا أن نُجرِّب خطة الانتشار في الفنادق الكبرى كما فعلنا من قبلُ في مغامرة «ثعالب الخليج».
بو عمير: إذن فلْنبدأ من الآن … فقد يُساعدنا الحظ في العثور عليه سريعًا.
وبعد ساعة من هذا الحديث، كان «أحمد» و«إلهام» من ناحية، و«عثمان» و«بو عمير» من ناحية أخرى، يدخلون جميع فنادق «بيروت» يسألون عن مجموعة من الأمريكيين نزلوا معًا في وقت واحد … ولم يكن ذلك أمرًا سهلًا … ولكن «إلهام» باتصالاتها الواسعة في المدينة التي وُلدت فيها استطاعت أن تفعل المستحيل، وفي النهاية استطاعت أن تصل إلى نتيجةٍ طيِّبة … إن ثلاثةً من الأمريكيين نزلوا منذ أيام في فندق «الهولدي إن»، وخمسة نزلوا معًا في «فينسيا»، وثلاثة آخرون نزلوا في «كارلتون».
وعندما عادت هي «وأحمد» إلى الشقة المفروشة … كانا سعيدَين جدًّا بما حقَّقاه … وفي تلك الأثناء كانت أحداث أخرى لا تقل أهميةً قد وقعت ﻟ «عثمان» و«بو عمير» … فقد دخلا بعض الفنادق … وسألا بعض أصحاب العمارات التي تُؤجِّر الشقق المفروشة … وبينما هما في السيارة التي كان يقودها «عثمان» في شارع الحمراء صاح «عثمان» فجأة: هذا هو «ش. ٢٨»!
وأوقف السيارة بفرامل مفاجأة، وحدث ارتباك … فقد خبطت السيارة التي خلفه في سيارته … وقفزت سيارته لتخبط في السيارة التي أمامها … وحدث ضغط على أسلاك في السيارة الأمامية فأطلقت نفيرها المزعج بشكل مستمر … وتوقَّفت حركة المرور في شارع «الحمراء»، بينما قفز «عثمان» إلى الشارع، وترك السيارة في وسط الطريق … وتجمَّع الناس … وجاء شرطي المرور مسرعًا وهو يسبُّ ويلعن، وحدث ارتباك لا مثيل له … وانتقل «بو عمير» سريعًا إلى مكان «عثمان» وضغط البنزين، وأسرع يُخلي الطريق ويقف على الرصيف … وبينما اختفى «عثمان» في الزحام، وجد «بو عمير» نفسه محاطًا بعدد هائل من الناس يصيحون في وجهه، بينهم سائق السيارة الأمامية وسائق السيارة الخلفية … وارتفعت صيحات: شو بدك يا أزعر! … وبدأ سؤال وجواب، و«بو عمير» يلعن «عثمان» وما فعله، وفي نفس الوقت يلتمس له العذر …
ومرةً أخرى في وسط هذا الصخب، ظهر «عثمان» وفتح الباب الجانبي للسيارة وصاح بزميله: هيا خلف هذه السيارة!
وأشار إلى سيارة سوداء من طراز «بونتياك»، ولدهشة الجميع اندفع «بو عمير» بالسيارة «البورش» كالصاروخ، مُخلِّفًا وراءه عشرات العيون المندهشة والأفواه اللاعنة.
مضت السيارة «البونتياك» تشق طريقها بسرعة متوسطة، وقال «عثمان» ﻟ «بو عمير»: إن «ش. ٢٨» فيها … ونُريد أن نتبعه دون أن يرانا … ومضت السيارة «البونتياك» السوداء حتى منتصف الشارع، وانحدرت يمينًا في اتجاه البحر، ثم أخذت طريق الكورنيش.
مضى «بو عمير» يقود «البورش» ببراعة، واضعًا بينه وبين «البونتياك» مسافةً كافية. وشيئًا فشيئًا ابتعدت السيارتان عن الشوارع المزدحمة ووصلتا إلى منطقة المزارع الهادئة، وفجأةً أطلقت «البونتياك» لسرعتها العنان، وانطلق «بو عمير» خلفها.
قال «عثمان»: لقد طاردته خلال الشوارع دون أن يُحس بي، وصعد إلى إحدى العمارات فقضى فيها بضع دقائق ونزل، ولا نُريده أن يُفلت منا … إنها فرصتنا الوحيدة وربما الأخيرة!
ووضع «بو عمير» قدمه على بدَّال البنزين وأخذ يضغط … كانت السيارة «البورش» مجهزةً كسيارة سباق، وكان في إمكانه في أية لحظة أن يتجاوز «البونتياك» لو شاء، ولكنه ظلَّ محافظًا على المسافة بينه وبين «البونتياك» … وتجاوزت السيارتان كازينو «لبنان» العالمي … وبدأتا الصعود في الجبال … ولم تُخفض السيارة «البونتياك» سرعتها مطلقًا.
وقال «بو عمير» في دهشة: إنه يُعرِّض نفسه لخطر الموت … إن سرعته تتجاوز المائة والعشرين ميلًا، وهي سرعة زائدة جدًّا بالنسبة لهذه المنحنيات الخطرة إلَّا لرجل يُريد أن يموت.
واختفت «البونتياك» في أحد المنعطفات … وكان آخر مرة يراها فيها «عثمان» و«بو عمير»؛ فقد اختفى صوت السيارة فجأة، وخلَّف سكونًا شاملًا للحظات … ثم سمعا صوت صدمةٍ عنيفة بعيدة … وعندما وصلت «البورش» إلى المنعطف أوقفها «بو عمير» ونزل هو «وعثمان» مسرعَين …
وفي هوةٍ سحيقة أسفل الجبل كانت «البونتياك» السوداء الفخمة قد تحوَّلت إلى كومةٍ من الحديد واشتعلت فيها النيران.
نظر «بو عمير» إلى «عثمان» … وقد بدا عليهما معًا الذهول، وقال «بو عمير»: لقد قلت لك منذ لحظات إنه رجلٌ يُريد أن يموت … إنني لا أشك لحظةً أنه قتل نفسه!
وصاح «عثمان» في ضيق وحزن: هيا بنا!
واندفع «عثمان» و«بو عمير» معًا نازلَين الجبل بكل ما يملكان من سرعة رغم خطورة الصخور … وظلَّا ينزلان … وكلما اقتربا من السيارة شاهدا النيران تشتعل أكثر فأكثر، وعندما وصلا عندها تمامًا … نظر «بو عمير» إلى مكان القيادة فلم يجد أحدًا.
صاح «بو عمير»: لقد خدعنا!
عثمان: فهمت … لقد قفز من السيارة، ثم تركها تندفع إلى القاع!
وأخرج «بو عمير» ورقةً وقلمًا وأخذ رقم السيارة، وحاول الاثنان أن يحصلا على أي شيء منها قد يُفيدهما، وفجأةً حدث شيء مثير! …