شريط فوق الأشجار
قضى المغامرون الأربعة تلك الأمسية في عملَين مختلفَين … «أحمد» و«إلهام» من ناحية أخذا يطوفان بمختلِف المكتبات يسألان عن كتب في قراءة الأفكار … وكانت فكرة «إلهام» أن على الشياطين لمواجهة هذه القوة الخارقة ﻟ «مالمو» أن يعرفوا أكبر قدر من المعلومات عن سلاحه الرهيب؛ سلاح قراءة الأفكار … وعندما عادا إلى الشقة المفروشة كانا يحملان عددًا لا بأس به من الكتب انهمكا في قراءتها.
في ذلك الوقت كان «عثمان» و«بو عمير» يقومان بعمل آخر مختلف تمامًا … لقد انتظرا هبوط الظلام، ثم تسلَّلا إلى المقر السري للشياطين، وقابلا «سرور»، وطلبا منه فتح غرفة التنكُّر حيث يستطيع الواحد أن يجد أي زيٍّ في العالم … من زي القراصنة وقُطَّاع الطرق … إلى أزياء الملوك والملكات. وعندما خرجا كانا يحملان حقيبتَين صغيرتَين بهما بعض الملابس … وبعض الأجهزة. واجتمع الأربعة في الشقة وقال «أحمد» عندما شاهدهما يدخلان: هاتان الحقيبتان من المقر السري.
عثمان: لقد كُنَّا هناك!
أحمد: لماذا؟
عثمان: لقد وضعت خطةً أنا و«بو عمير» للتجسُّس على هؤلاء القرود الثلاثة «مالمو» … ومستر «ون بولت» و«كاتسكا»، ونرجو ألَّا تعترض!
انتبه «أحمد» وقال: وما هي هذه الخطة؟
عثمان: لقد وضعنا خطتنا على أساس أن ندخل مقر الثلاثة بعد أن يخرج قارئ الأفكار هذا … وهي تقوم على الآتي؛ سأذهب أنا و«بو عمير» الليلة إلى عامود التليفونات الذي يحمل الوصلة التي تؤدي إلى تليفون مقر العصابة، وسنصعد في الظلام … وفي الأغلب لن يرانا أحد. وسنُركِّب جهازًا صغيرًا ينقل إلينا المكالمات التليفونية التي سيُجريها الثلاثة … وكلما دقَّ جرس التليفون عندهم عرفنا بالمكالمة واستمعنا إليها، وكذلك إذا طلبوا هم أي رقم عرفناه.
أحمد: وأين سيكون مقرُّكما؟
عثمان: وراء أي صخرة في الجبل.
أحمد: ولماذا لا تستأجران مكانًا قريبًا؟
عثمان: لأن هذا سيستغرق بعض الوقت!
أحمد: سأقوم أنا و«إلهام» غدًا بالبحث عن سكن لكما قرب مقر العصابة ونحن في ثياب الرعاة.
وقضى الشياطين الأربعة أول الليل في إعداد خطتهم لمراقبة مقر القرود الثلاثة كما أسماهم «بو عمير» … وفي الفجر تسلَّلوا إلى الجبل … «أحمد» و«إلهام» في ثياب الرعاة … و«بو عمير» و«عثمان» في ثياب عُمَّال التليفونات … وأسرع «أحمد» إلى إحدى المزارع فاشترى عددًا من الخراف … وبعد لحظات، انطلق الاثنان في ملابس الرعاة في اتجاه المنطقة التي وصفها «ش. ٢٨» في رسالته … وكان «أحمد» يحفظ كلمات «ش. ٢٨» في وصف المكان … خلف شجرة أرز … قرب مطعم الديك الذهبي … وشريط أصفر مُعلَّق على غصن شجرة الأرز.
وكانت «إلهام» في ملابس الرعاة غايةً في الجمال … حتى إن «أحمد» قال لها: ما رأيك أن ننتهز الفرصة ونترك عذاب المغامرات والألغاز وطلقات الرصاص … ونعيش هذه الحياة البسيطة إلى الأبد؟
ردَّت «إلهام» في ابتسامة زادتها جمالًا: يبدو أن مشاهد الطبيعة قد أثَّرت على أعصابك … كيف تنسى أن رقم «صفر» مهدَّد بالقتل … وأن الشياطين اﻟ «١٣» مهدَّدون بالفناء؟!
لم يردَّ «أحمد» ورفع عصا الراعي، وأخذ يسير بالخراف في الاتجاه الذي يُريده. كان المكان ما زال بعيدًا … ولكنهما كانا سعيدَين بالرحلة في الجبل والشمس تبزغ هادئةً من بعيد … ورائحة أزهار الفاكهة تملأ الجو برائحةٍ جذَّابة … والهدوء يشمل كل شيء … كأنهما انتقلا من القرن العشرين … قرن الصخب والعنف إلى القرون الوسطى.
وشيئًا فشيئًا بدأت الحياة تدبُّ في الجبل … وقال «أحمد» وهو يُشير بعصاه: هذا هو مطعم الديك الذهبي … إنه يُطلُّ على أشد مناطق الجبل وعورة.
إلهام: إننا لم نستفسر بعدُ عن سكن «بو عمير» و«عثمان».
أحمد: بعد أن نُحدِّد مكان القرود الثلاثة «مالمو» … ومستر «ون بولت» و«كاتسكا»، سنبدأ البحث.
وأخذا يقتربان وقال «أحمد»: هل عرفتِ شيئًا مُهمًّا من الكتب التي قرأتِها عن «قراءة الأفكار»؟
إلهام: لا شيء ملفت على وجه التحديد.
أحمد: هناك فصل هام في أحد الكتب التي قرأتها عن أسلوب قارئي الأفكار، ثم فصل آخر عن طريقة مقاومة قارئ الأفكار.
إلهام: إن ذلك شيءٌ هام حقًّا!
أحمد: إن قارئ الأفكار يحتاج إلى فترة تركيز طويلة قبل أن يبدأ محاولته في قراءة فكر الشخص … وفي نفس الوقت يمكن للشخص الذي يُحاول القارئ قراءة أفكاره أن يُضلِّل قارئ الأفكار.
بدا الاهتمام أكثر على ملامح «إلهام» وقالت: كيف؟
أحمد: هناك طريقتان … الأولى أن يُوقف أفكاره تمامًا … وهذا شيء صعب ويحتاج إلى مِران … والطريقة الثانية أن يُفكِّر في شيء آخر … فإذا كان قارئ الأفكار يُريد أن يعرف منه مثلًا مكانًا مُعيَّنًا فعليه أن يُفكر في مكان مختلف … ويُصر على التفكير فيه باستمرار، وبهذا يُضلِّل قارئ الأفكار عن المكان الذي يُريده.
إلهام: إن ذلك شيءٌ مثير حقًّا! ومن الممكن استخدامه إذا حدث والتقينا بهذا القارئ الغريب!
أحمد: ستُدهشين إذا علمتِ أنني لم أتمن لقاء إنسان في حياتي كهذا الشخص. إنه شيءٌ جديد علينا حقًّا … وقد نتعرَّض في المستقبل لمعارك مماثلة نحتاج فيها إلى كل ما نستطيع من معرفةٍ بوسائل الصراع الحديثة؛ فإنني أتوقَّع أن ينتهي عصر المجرم الذي يحمل مسدسًا … إلى عصر المجرم الذي يتسلَّح بأحد مبتكرات العلم.
وكانا قد اقتربا من المنطقة التي يبحثان عنها … وأخذا يقودان قطيعهما الصغير في طرقات متعرِّجة بحثًا عن شجرة الأرز التي تحمل الشريط الأصفر … ولم يكن ذلك شيئًا سهلًا؛ فهناك ألوف من أشجار الأرز المتشابهة حولهما على سفوح الجبال.
وبعد أكثر من ثلاث ساعات من البحث لم يعثرا على ضالَّتهما … وجلسا في ظل شجرة وقد أنهكهما التعب … وفجأةً نظرت «إلهام» إلى الأمام وأشارت بأصبعها وقالت: الشريط الأصفر!
وفي نفس الاتجاه نظر «أحمد» وقال: لقد وصلنا إلى نقطة التماس … بدأت المعركة! وتحرَّكا في اتجاه الشجرة … ونظر «أحمد» حوله … كانت الشجرة بعيدةً عن طرق سير السيارات … وكل شيء هادئ حولهما … فأسرع يتسلَّق الشجرة … ومن خلف الأغصان المتشابكة استطاع أن يرى خلف مجموعة ملتفة من الأشجار والأعشاب الكثيفة سلكًا رقيقًا من الصلب … كان واضحًا أنه مثبَّت في أحد المنازل.
كان السلك الرفيع يُشبه «إيريال» غير عادي … وقد أُخفى بمهارة، وتأكَّد «أحمد» أن مثل هذا «الإيريال» لا يمكن أن يكون مثبَّتًا في منزل عادي … وأن هذا هو مقر القرود الثلاثة.
نزل «أحمد» من الشجرة وقال ﻟ «إلهام»: إن المنزل هنا … وهناك «إيريال» وُضع فوق سطحه … إنهم على اتصال بالعالم الخارجي باللاسلكي … إننا نكتشف كل يوم أنهم مستعدُّون للمعركة تمامًا … إنهم قوةٌ فعلًا لا يُستهان بها، وقد كان رقم «صفر» على حق عندما قرَّر إبعادنا.
وسكت «أحمد» … وتصاعد في الصمت صوت محرِّك سيارة أخذ يقترب … ثم مرَّت السيارة بجوارهما في اتجاه المنزل … وبعد لحظات سكت المحرك، وعرفا أنها وقفت أمام المنزل.
قالت «إلهام»: إن جزءًا من مهمتنا قد انتهى … المهم الآن البحث عن مكان ﻟ «عثمان» و«بو عمير».
أحمد: أعتقد أن القرود الثلاثة يستخدمون هم وأعوانهم اللاسلكي، وأن فكرة التجسُّس بواسطة التليفون غير مجدية … وأعتقد أن لا يوجد تليفون في هذا المنزل.
في هذه اللحظة ظهر «عثمان» و«بو عمير» يسيران وكلٌّ منهما يحمل حقيبة العمل … ونظرا إلى «أحمد» و«إلهام» من بعيد … وتلفَّت «أحمد» حوله … ولمَّا تأكَّد أن المكان ما زال خاليًا … أشار لهما بالاقتراب.
اقترب «بو عمير» و«عثمان» … وكان تنكُّرهما في ثياب عُمَّال التليفونات متقنًا، حتى إن «أحمد» ابتسم وقال ﻟ «إلهام»: إنهما لَيخدعان بهذه الملابس مدير التليفونات نفسه.
واقتربا عاملا التليفون … ومرةً أخرى نظر «أحمد» حوله وتأكَّد أن كل شيء على ما يرام، ثم حدَّد لزميلَيه مكان المنزل.
وقال: يبدو أن القرود الثلاثة يستخدمون اللاسلكي … إنهم على قدرٍ كبير من المهارة.
ابتسم «عثمان» عن أسنانه البيضاء اللامعة ثم قال: لا أعتقد أنهما أمهر منا على كل حال … لقد أحضرت معي من المقر السري جهاز الجاسوس اللاسلكي الإلكتروني … يعمل كالرادار في مسح المنطقة التي تُحيط به … ويمكنه أن يتسمَّع حتى إلى حديثٍ هامس بين صديقَين.
ابتسمت «إلهام» واحمرَّ وجهها … وفتح «عثمان» الحقيبة … وأخذ يستخرج قطع اللاسلكي الإلكتروني الجاسوس … وبدت على وجه «أحمد» علامات الاهتمام الشديد.