القاتل الإلكتروني
كان «أحمد» يحسُّ … ربما لأول مرة في حياته … بالخوف … إن هؤلاء القرود الثلاثة يملكون أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الحديثة من وسائل الفتك والإجرام، خاصةً هذا المجال المغناطيسي الذي يجذب على مسافة بعيدة كل ما هو مصنوع من المعادن … ومعنى ذلك عدم إمكان الهجوم على المقر بأية أسلحة … وتذكَّر «أحمد» كرة «عثمان» الجهنمية «بطة» وتمنَّى لو أن «عثمان» كان موجودًا.
تقدَّم وهو يُحس أنه مراقب … وأنه في أية لحظة قد يصطدم بستار من الدفاع غير المنظور مثل المجال المغناطيسي … وأنه قد يقع دون أن يدري في أيدي هؤلاء القرود ويتعرَّض لقراءة أفكاره … ومعنى ذلك ليس فقط القضاء على رقم «صفر»، بل القضاء على منظمة الشياطين نهائيًّا.
استجمع كل ما يملك من شجاعة وثبات وأخذ يتقدَّم حتى أصبح على مقربة من الفيلا الضخمة … ولاحظ وجود السيارة في شكل غريب … إنها نائمةٌ على الأرض وكأنها بلا عجلات … شيءٌ مدهش آخر لم يرَه من قبل … أين ذهبت عجلات السيارة … هل من الممكن أن يكونوا قد نزعوا العجلات … ولكن لماذا؟
ولاحظ أن ثمة أضواءً ملوَّنةً حمراء وخضراء وزرقاء تدور داخل السيارة، وعرف أنها سيارة أجهزة إلكترونية معقَّدة … وقد يكون ضمن أجهزتها الآلة الغريبة التي تصنع المجال المغناطيسي.
واقترب أكثر … وفجأةً أحسَّ بشيء يمر بجوار أُذنه … وأدرك على الفور أنها رصاصة أُطلقت من مسدس صامت … وعرف أنه وقع في المصيدة كما تقع ناموسةٌ صغيرة في شبكة خيوط العنكبوت.
والتصق بالأرض وهو يتصبَّب عرقًا، وأخذ يدور في مكانه كالسحلية محاولًا تضليل من يُطلق عليه الرصاص … ولكنه مرةً أخرى سمع الطلقة وهي تغوص في الأرض بجواره … وأدرك أن الضرب يتم أتوماتيكيًّا … وأن حراسة المكان تتم بطريقة إلكترونية … وأن السيارة هي مصدر كل هذه الحراسة القوية؛ فالسيارة إذن يجب تعطيلها أو نسفها … ولكن كيف؟
كان راقدًا على الأرض … ووجد أن الفيلا ترتفع عن سطح الأرض مسافة نصف متر تقريبًا … فانزلق سريعًا تحتها … وأصبح بذلك في مأمن من ذلك القاتل الإلكتروني الذي يضرب في الظلام … وفي نفس الوقت سمع صوت أقدام تتحرَّك قرب السيارة. وفي هذا المأمن المؤقت أخذ يُفكِّر سريعًا … لا بد أن هناك وسيلةً ما للهجوم … ولكن كيف؟ لا أسلحة! وهذا القاتل الإلكتروني العجيب! وقارئ الأفكار! والقاتل الآخر الذي لا يُخطئ! والسيارة التي فقدت عجلاتها! وهؤلاء الذين يبحثون عنه!
وفجأةً خطرت له فكرة، لا بد أن هناك وسيلةً ما بين الفيلا والسيارة … وصلة كهربائية لتغذية المجال المغناطيسي وتحريك الأجهزة التي بها … من المهم العثور على هذه الوصلة قبل أن يصلوا إليه.
أخذ يتحرَّك تحت الفيلا كالثعبان حتى اقترب من المدخل … ووجد ما كان يبحث عنه … حبل من السلك السميك يمتد من الفيلا إلى السيارة … ولكن كيف يمكن قطع هذا السلك؟ إنه سيتعرَّض للموت بالتيار الكهربائي لو حاول جذبه، بالإضافة إلى أنه سيثُير انتباه الرجال الذين يبحثون عن المتسلِّل … وكلهم مسلَّحٌ ومعهم هذا القاتل الرهيب؛ «ون بولت» … الذي لا يُخطئ.
لم يكن هناك سوى حل واحد، أن يعود فورًا … وحتى هذا لم يكن متاحًا؛ فالقاتل الإلكتروني يُطلق رصاصه بدقة … ولقد أفلت منه بأعجوبة … وقد لا يفلت هذه المرة، بالإضافة إلى الرجال الذين قد يرونه في الظلام.
وفكَّر «أحمد»؛ لقد كان رقم «صفر» على حق، لم يكن أمامنا إلَّا الهرب أمام هذه القوة الرهيبة.
كانت عيناه قد ألِفتا الظلام … واستطاع أن يرى بوضوح مرتفعًا من الصخور في الطرف الشرقي للفيلا … مرتفعًا من صنع إنسان … ودون أن يعرف ماذا تعني هذه الكومة اتجه إليها … ومدَّ يده وأخذ يُزيح الصخور بحذر حتى لا يُحدث صوتًا … وشيئًا فشيئًا بدت تحت الكومة فتحة سوداء … ودون تردُّد زحف فدخل فيها … لم يكن يُهمُّه ما يحدث داخلها … دخل من الفتحة في دهليز معتم … وتحسَّس بيده جدار الدهليز … ووجد أن من الممكن السير فيه منحنيًا … فوقف نصف وقفة … وانطلق يجري بكل ما يمكنه من سرعة متحاشيًا الاصطدام بالجدران الصخرية التي ترتفع حوله … ولاحظ أن الأرض مبتلَّة … وكلما أوغل في الدهليز أحسَّ بالمياه تُغطي قدمَيه … ثم تتزايد تدريجيًّا … وفي النهاية وجد نفسه يصل إلى نهاية الدهليز، وقد وصلت المياه إلى ركبتَيه تقريبًا … وشاهد النجوم لامعةً في السماء فعرف أنه انتهى من الدهليز، فوقف وقد أحسَّ بآلام مبرحةٍ في ظهره وقدمَيه … ولكنه على كل حال أفلت من الفخ.
لاحظ تحت ضوء النجوم غديرًا صغيرًا من الماء هو الذي تدخل مياهه إلى الدهليز، واستنتج أنه مجرًى طبيعي من المياه، قام أصحاب الفيلا بتوصيلها إلى الفيلا في الماضي ثم جفَّ بمرور الوقت.
توقَّف قليلًا ليستطلع مكانه … ثم أدرك أن «بو عمير» على بُعد بضع أمتار منه، فسار متجهًا إليه وهو يُطلق صيحة الخفاش حتى لا يظن «بو عمير» أنه عدو فيُطلق عليه النار.
وجد «بو عمير» ما زال واقفًا مكانه … ولم يكد يرى «أحمد» حتى قال: ماذا حدث؟
قال «أحمد»: إننا نواجه عدوًّا لم يسبق أن رأينا مثله … بل لم يسبق أن فكَّرنا في وجود مثيل له.
ثم روى ﻟ «بو عمير» ما حدث … و«بو عمير» يستمع مذهولًا إلى هذه القصة التي لا تكاد تُصدَّق، ثم في النهاية قال «أحمد»: ماذا ترى؟
بو عمير: ماذا ترى أنت؟
أحمد: سنهاجم عن طريق الدهليز السري … فاذهب سريعًا وأحضر جميع الشياطين … إن المدخل قريبٌ من هنا وسنعتمد على المفاجأة.
بو عمير: والتسليح؟
أحمد: جميع أنواع الأسلحة التي يمكن أن نحملها … وبالأخص كمية من الديناميت. إن أول انفجار سيقع سيهز ثقتهم في نظام دفاعهم، وستكون فرصتنا أن نضرب وهم مرتبكون.
بو عمير: والمجال المغناطيسي؟
أحمد: لا أظن أنه يعمل تحت الأرض؟
بو عمير: سأعود فورًا!
أحمد: سنلتقي عند الغدير الصغير في هذا الاتجاه.
ترك «بو عمير» ما يحمل من أسلحة ﻟ «أحمد»، ثم أسرع جاريًا وقطع المسافة بين فيلا القرود الثلاثة … والفيلا التي يسكنون فيها في خمس دقائق … وكان الشياطين واقفين في مدخل الفيلا في انتظار أي أخبار.
روى لهم «بو عمير» بسرعةٍ ما حدث … وطلب منهم حمل أسلحتهم والسير خلفه. وسرعان ما كان الشياطين الستة يتسابقون لحمل الأسلحة … وكان «باسم» أكثرهم خبرةً بالديناميت فأحضر كميةً ضخمةً منه … والأسلاك اللازمة له.
وفي هذه اللحظة التي كادوا يُغادرون فيها الفيلا … لاحظ «عثمان» أن جهاز الرادار اللاسلكي يُطلق أضواءه … فأسرع إليه وأخذ يستمع والشياطين يُحيطون به في انتظار أخبار جديدة.
كان «عثمان» يستمع ووجهه كله يعكس مدى اهتمامه بما يسمع … وكان واضحًا أنه يسمع أنباءً على أعلى قدر من الخطورة. فلمَّا انتهت الرسالة التفت إلى بقية الشياطين قائلًا: سيهاجمون رقم «صفر» الليلة!
إلهام: متى؟!
عثمان: سيتحرَّكون الآن في اتجاه البحر، حيث يوجد المقر الجديد لرقم «صفر» حيث يعيش باسم «فاسكو».
إلهام: إذن يجب أن ننقسم إلى قسمين … قسم يذهب إلى «أحمد» لمهاجمة مقر القرود الثلاثة، وقسم ينتظر على الطريق؛ ليتبع السيارة التي ستحمل الذاهبين لاغتيال رقم «صفر».
ثم التفتت إلى «بو عمير» وقالت: أنت يا «بو عمير» تعرف مكان «أحمد» … فاذهب أنت و«فهد» و«باسم» إلى «أحمد» … وسأجلس أنا و«عثمان» و«زبيدة» في السيارة في انتظار خروج سيارة القرود الثلاثة لنتبعها إلى المقر الجديد لرقم «صفر» محاولين إنقاذه.
عثمان: ستكون أكبر مفاجأة لرقم «صفر» أن يرانا هناك!
إلهام: إنها أفضل من أن يُفاجئه هؤلاء القرود ولا يجد حوله من يتدخَّل لحمايته.
باسم: سنأخذ معنا أجهزة «توكي ووكي» لنتصل ببعضنا البعض؛ فقد نحتاج لنقل بعض قوتنا إلى هنا أو هناك.
إلهام: تمامًا … هيا بنا.
أسرع الفريقان … «بو عمير» و«فهد» و«باسم» إلى حيث كان «أحمد» ينتظر … و«إلهام» و«عثمان» و«زبيدة» لانتظار السيارة التي ستحمل القرود الثلاثة ومن معهم من أعوانٍ للانقضاض على رقم «صفر».
كانت السيارة الحمراء التي تنتظر الشياطين من السيارات الحديثة التي أحضرها لهم رقم «صفر» منذ شهور قليلة، وتتميَّز بالسرعة الفائقة … وبميزات إضافيةٍ خاصة في مقاعدها، ووسائل تسليحها … وجلس «عثمان» إلى عجلة القيادة وهو يهز كرته المطاط الجهنمية.
مضت بضع دقائق وهم يراقبون مقر القرود الثلاثة من بعيد، ثم ظهرت سيارة من طراز «بورش» السريعة … وتحدَّث «بو عمير» في «التوكي ووكي» قائلًا: السيارة «البورش» فيها مستر «ون بولت» وثلاثة من أعوانه، أمَّا «مالمو» قارئ الأفكار، و«كاتسكا» فقد بقيا هنا … «أحمد» يرجو أن تأخذوا حذركم من «ون بولت».
وانتظر «عثمان» حتى بدأت السيارة «البورش» تبتعد ولا يظهر منها سوى الأضواء الحمراء في ظهرها، ثم أطلق لسيارتهم العنان … وكانت «إلهام» تُمسك مسدَّسًا ضخمًا من طراز «كولت»، وقد وضعته تحت حقيبة يدها … بينما أعدَّت «زبيدة» بندقيةً سريعة الطلقات أسندتها على حافة النافذة، وأخفتها بشال من الحرير. ومضت السيارتان في طريق الجبل المتعرِّج.