رقم «صفر»
كانت السيارة «البورش» تكاد تطير على الأرض … ولكن سيارة الشياطين كانت مجهَّزةً للسرعة العالية … واستطاع «عثمان» أن يُحافظ على المسافة بينهما دون أن تظهر سيارة الشياطين لمن في السيارة الأولى.
ظلَّت «البورش» تسير بسرعتها الهائلة، ثم أخذت تخفض منها تدريجيًّا، وقالت «إلهام»: إننا في مكانٍ قريب من البحر … ومن كازينو «لبنان» …
وانحرفت «البورش» في طريق ضيِّق ثم توقفت تمامًا، وقال «عثمان»: لن نستطيع دخول هذا الطريق دون أن يكتشفونا … إنه طريقٌ ضيِّق.
إلهام: لننزل هنا!
أوقف «عثمان» السيارة، ونزل الشياطين الثلاثة عند أول الطريق الضيِّق، وتقدَّموا بحذر متسترين خلف الأشجار والأعشاب … وعلى ضوء النجوم البعيدة، شاهدوا ثلاثة أشخاص يسيرون وحدهم … ثم ظهر شخصان آخران، وتحدَّث الجميع معًا لحظات … ثم نزلوا في ممر صغير بين الجبل والبحر … ووجدوا السيارة قد أضاءت أنوارها مسلَّطةً على مكان معيَّن في الجبل.
قالت «زبيدة»: أعتقد أن هذا المكان هو مخبأ رقم «صفر»!
وتقدَّم الثلاثة مسرعين … «عثمان» مسلَّح بكرته المطاط الجهنمية … و«إلهام» بمسدس ضخم … و«زبيدة» ببندقية سريعة الطلقات.
كانت لحظات لا تُنسى بالنسبة لهؤلاء الثلاثة … فهم لا يدرون ماذا سيحدث في هذه الساعة … هل يتمكَّنون من إنقاذ رقم «صفر»؟ وهل إذا أنقذوه سيرونه؟!
وفجأةً توقَّف الخمسة … وتقدَّم أحدهم تحت ضوء السيارة من بين بعض الصخور … وهو يحمل بندقية … رفعها إلى كتفه … ولكن قبل أن يحدث أي شيء ترنَّح وسقط في مكانه … وحدث بين الأربعة الباقين نقاش سريع … وتقدَّم شخص آخر وقذف قنبلة … ومضت لحظات وشاهد الشياطين الثلاثة دخانًا يرتفع من بين الصخور … وعرفوا أنها قنبلة دخان … وعرفوا أن رقم «صفر» موجود فعلًا … وأنه أصاب الرجل الأول … ولهذا أطلقوا عليه قنبلة دخان لإجباره على الخروج من مكمنه … وقرَّر الثلاثة التدخُّل فورًا … اختار «عثمان» أقرب الرجال إليه ثم هز كرته الجهنمية في الفضاء، وأطلقها فأصابت الرجل في رأسه إصابةً محكمة … سقط على أثرها … وفي هذه اللحظة ظهر رقم «صفر». لم يكن الشياطين يعرفون شكله … ولكن حسب كل المعلومات … وحسب قنبلة الدخان كان لا بد أنه هو … وأطلقت «إلهام» رصاصةً أصابت أحد الثلاثة الباقين … ثم شاهدوا على ضوء السيارة مستر «ون بولت» … يرفع مسدسه الذي لا يُخطئ ويُصوِّبه إلى رقم «صفر» الذي كان يترنَّح ويسعل من أثر قنبلة الدخان … وفي هذه اللحظة التي لا مثيل لها صاحت «إلهام»: مستر «ون بولت»!
كانت لحظةً رهيبة … استجمعت فيها «إلهام» كل شجاعتها وتذكَّرت ما قاله «ش. ٢٨» إن «ون بولت» لا يُخطئ، ولكنه بطيء بجزء من الثانية.
وقد كانت «إلهام» في حاجة إلى هذا الجزء … فقد التفت «ون بولت» ناحية الصوت دون إرادة، وكانت اللحظة كافية؛ فقد أطلقت «إلهام» رصاصتها الحاسمة … وترنَّح «ون بولت» وسقط على ركبتَيه، وأطلق رصاصةً طائشة … وعلى ضوء السيارة … أطلقت «زبيدة» دفعة رصاص من الرشاش وتساقط الباقون.
كان رقم «صفر» يُولي ظهره للشياطين … وكانت أول مرة يرونه فيها، ولكنهم لم يستطيعوا أن يُميِّزوا وجهه، ورفع لهم ذراعه مودِّعًا … ثم أسرع إلى السيارة الواقفة فأدار محرِّكها وانطلق مسرعًا … وأسرع الشياطين الثلاثة إلى سيارتهم وانطلقوا عائدين … لعلهم يلحقون ﺑ «أحمد» … وكان «عثمان» قد استردَّ كرته الجهنمية فأخذ يُطلقها إلى فوق ثم يستردُّها وهو يبتسم، وقال ﻟ «إلهام»: لقد أطلقتِ أهم رصاصة في حياتك!
كانت «إلهام» صامتةً تُحدِّق في الجبل المظلم وهي لا تُصدِّق ما حدث … وتذكَّرت «زبيدة» أن معهم جهاز «التوكي ووكي» وكانوا قد نسوا في خِضم الأحداث أن يتصلوا ببقية الشياطين … ففتحت الجهاز وأخذت تتحدَّث: من ش. ك. س٨ إلى ش. ك. س١. لقد تمَّ القضاء على مستر «ون بولت» و«كاتسكا».
أخذت تُردِّد الجملة فترةً دون أن تتلقَّى ردًّا … وأحسَّت بالخوف يتسلَّل إلى نفسها … هل حدث شيء لبقية الشياطين؟!
وزاد «عثمان» من سرعة السيارة حتى بدت كأنها تطير … ووصلوا إلى قرب مقر القرود الثلاثة … وقبل أن يقتربوا تمامًا … سمعوا صوت انفجارٍ ضخم، وبدت ألسنة النيران تظهر وسط الصخور والأشجار … وعندما اقتربوا من المكان وجدوا السيارة العجيبة تنطلق بسرعة جنونية … وعندما حاول «عثمان» أن يدور ليتبعها … انهال عليهم الرصاص منها … رصاص كالمطر لا يمكن أن يُطلَق إلَّا من جهاز إلكتروني … وأصاب الرصاص عجلات السيارة … فدارت حول نفسها … وكادت تسقط من الجبل … ولكن «عثمان» بما عُرف عنه من مهارة في القيادة استطاع السيطرة عليها وأوقفها.
نزل الشياطين مسرعين ليبحثوا عن بقية زملائهم … ولكنهم لم يجدوا إلَّا النيران المشتعلة.
وقالت «إلهام»: لعلهم ما زالوا في النفق!
وأخذوا يجرون وهم ينادون، وعند نهاية الدهليز السري رأوا الشياطين وهم يخرجون، «أحمد» ثم «بو عمير» و«باسم» و«فهد»، وصاح «أحمد»: ماذا فعلتم؟
ردَّت «إلهام»: لقد قضينا على «كاتسكا» ومستر «ون بولت» … ومن كان معهم!
أحمد: ونحن قد فجَّرنا المقر وبه قارئ الأفكار العجيب!
عثمان: لا أعتقد أنه ما زال في المقر … لقد رأينا السيارة الإلكترونية تنطلق مسرعةً منذ لحظات.
أحمد: إذن فقد استطاع «مالمو» قارئ الأفكار أن يفر!
عثمان: أعتقد هذا!
أحمد: ورقم «صفر»؟
عثمان: إنه بخير!
صاح «أحمد» في ابتهاج: هل أنت متأكِّد؟
عثمان: طبعًا … لقد لوَّح لنا بذراعه من بعيدٍ وهو يركب السيارة وينطلق بها مبتعدًا.
أحمد: عظيم!
وانطلقت صيحات الفرح من الجميع، وقال «أحمد»: لقد قمتم بعمل رائع ولكننا فشلنا.
إلهام: لقد قضينا على أكبر قاتل في العالم … وعلى الزعيم الذي يضع الخطط، وبدونهما لا يكون لقارئ الأفكار أية قيمة.
زبيدة: لم يعد أمامه إلَّا أن يعود من حيث أتى!
أحمد: وهل نتركه وهو يعرف عنا الكثير؟
باسم: هل نستمر في المطاردة؟
أحمد: طبعًا!
فهد: تعالَوا أولًا نحتفل بهذا الانتصار ثم نُفكِّر فيما سنفعله مع «مالمو» قارئ الأفكار.
أحمد: إن له جولةً أُخرى معنا … ولن نتركه يغادر «لبنان» ومعه كل هذه المعلومات عنا.
وساروا يتحدَّثون حتى مقرِّهم المؤقت، وعندما وصلوا قال «أحمد»: لا أدري كيف أحسوا بنا واستطاعوا الفرار في الوقت المناسب!
عثمان: إن هذه السيارة الإلكترونية هي السبب. إن بها أجهزةً لم نسمع بها مطلقًا … ولعل بها جهاز إنذارٍ مبكِّر مثل الذي يستخدمونه في الحرب.
أحمد: سنفعل المستحيل للحصول عليها.
إلهام: فلْتكن هذه هي مهمتنا القادمة.