الفصل الثاني
«في حجرة الولائم بالقصر الملكي، حيث ترى كليوباترا ووصيفتاها هيلانة وشـرميون، وأنطونيوس
وأوروس، وبضعـة من القـواد الرومان، وأولمبوس طبيب الملكة، وأنشو مضحكها، وغانميز سائقها،
وحاجب يعلن أسماء القادمين»
أنطونيو
:
قيامًا نَشرب الخمرا
على حُبِّ كلوباترا
كليوباترا
:
على حُبك أنطونيو
على الجيش على مصرا
كليوباترا
:
دَعوا روما
ولا تُجروا لها ذِكْرَا
فما أنطونيو منها
وإن كان ابنَهَا البكْرا
ولكنْ تحت أعلامي
يَقودُ البرَّ والبحرا
القائد
:
أحقٌّ ماركُ أنطونيو
س من روميَّة تَبرا؟
(تنظر إليه كليوباترا فيقرأ في عينيها ما تريد)
أنطونيو
:
أجلْ أَتبعُ مولاتي
ولا أعصِي لها أمرا
أنشو
:
وإن شئتَ فعشرينَ
إلى ما فوقها سُكْرا
وإن شئتَ من الدنيا
وصَلْنا السُّكْرَ للأخرى
قائد روماني
(لزملائه همسًا)
:
دَعوا أنطونيو إني
أرى السُّكْرَ به أزرَى
لقد كان الفتى الفَطْنَ
فصار الحَدَثَ الغِرَّا
قائد آخر
(همسًا)
:
سنلبثُ ساعةً نحتالُ حتى
إذا سُلَّتْ عُقولهُمُ انسللنَا
فما المُتَدَلِّه السِّكِّيرُ أهلا
لِتنصُرَه السيوفُ إذا استُلِلْنَا
الحاجب
:
أياسٌ المُغنِّي
وجَوْقَةُ العُزَّافِ
وراقصاتُ القصرِ
(يدخلون)
كليوباترا
:
أهلًا بوفدِ الآلههْ
أهلِ الفنونِ النابِههْ
الحاجب
:
الشيخُ زَيْنون
رُبَّانُ أنطونْياد
(يدخلان)
أنطونيو
:
ماذا عن الأُسطول منـ
ـكَ يا أخِيلُ نَعلمُ؟
هل خَمَدتْ فتنتُه
أو لم تزَلْ تَضَرَّمُ؟
أخيل
:
مَولايَ إن البحرَ يُخـ
ـفي سِرَّه ويكتُمُ
وما نواه في غد
مثْلُ غدٍ مُسْتبهم
فلا أقولُ مُقدِمٌ
ولا أقولُ مُحجم
ولا أقول ينبري
للحرب أو يستسلم
كليوباترا
:
أخيلُ، دَعْنا من غد
إن غدًا تَوهُّم
أخيلُ، ما العيشُ سوى
ساعةِ صفو تُغنم
فلا تَـكنْ كداخلٍ
على الندامَى يلطم
أتيْتَهم مُنادمًا
لم تأتهم ليَندموا
اليوم شُربٌ
الحاجب
:
بُولا الشاعرْ
حَبْرا الساحر
كليوباترا
(ضاحكة)
:
حبْرا، أعندكَ سِحْرٌ
يَشُل طاغوتَ رُوما؟
ويجْعَلُ الناسَ فيها
حِجارةً ورُسوما؟
(القواد الرومانيون يدمدمون)
أنطونيو
:
سيدتي لا تجرحي قُوَّادي
ولا تَنَالي بالأذى أجنادي
وقلِّلي السُّخط على بلادي
كليوباترا
:
أنطونيو ما أنت رومانيُّ
ألم تقل إنك لي جنديُّ؟
أنطونيو
:
بلى، وددت أنني مِصريُّ
وأنني تابِعُك الوفيُّ
ما في سوى رضاك لي مُضيُّ
أنشو
:
تلك واللهِ قضيَّهْ
أصبح الراعي رَعيَّهْ
حَكم الحبُّ على قيـ
ـصرَ والحبُّ بلِيَّهْ
صار كالشعب وساوَى
هَمَجَ الإسكندريهْ!
أنطونيو
:
حبرا، تَكلمْ ألا عجيبهْ؟
من سحر منْفِ أو سحر طيبهْ
حبرا
:
إلهَ الحرب سامحني فإني
غُلِبْتُ على أبالستي الغِضابِ
هُمْ لا يَجْلِسون على غِناء
ولا يتحدثون على شراب!
كليوباترا
:
ولكنْ قيصرٌ يَدعوك حبرا
وقيصرُ لا يُردُّ بلا جواب
وأنت الكاهنُ العرافُ فانظر
أغيرُ السحر شيءٌ في الجراب
حبرا
:
إذا ما شِئت مولاتي فإني
أطالع في الكُفوف وفي الكتاب
كليوباترا
:
أُدْنُ من قيصرَ حبرا
وانظُرِ الكفَّينِ واقرا
أنطونيو
:
تعالَ حبرا وقلِّبْ
يَديَّ يُمْنَى لِيُسْرَى
لعل أسرارَ كفي
كواشِفٌ لك سِرَّا
(يتقدم حبرا ويمعن في كف أنطونيوس)
ألا تَرى لي بقاء؟
ألا تَرى ليَ عُمرا؟
حبرا
:
يا عَجَبَ الفال! مولا
ي أعجبُ الناس أمرا
حياتُه بيديْه
والناسُ يَحْيَوْن قَسْرا
إن شئتَ عشتَ نهارا
أو شئتَ عُمِّرْت دهرا
(قائد روماني إلى زملائه همسًا)
:
لو كنتُ منه قريبًا
لقلتُ في أُذن حبرا
حياتُه في يَديْه
أم في يَدىْ كيلوباترا!
كليوباترا
:
تعالَ الآنَ سَلْ كَفيِّ
وبَيِّن ما الذى تُخفي
(يتقدم حبرا إليها ويمسك يدها بعناية وشغف)
حبرا
:
يا لك كفًّا كنقيِّ العاج
ناعمةٍ كخَمَلِ الدِّيباجِ
لامِسُها من الجحيم ناجي!
(ضحك)
تفدى الأكُفُّ كلُّها يمينا
بيضاءَ حمراءَ تَرفُّ لِينا
كما أظلَّ الشَّفقُ النَّسْرِينا
أنطونيو
(ضاحكًا)
:
سمعتِ حبرا مَلْكَتي كيف ابتكر
كُلِّف أن يَصنعَ سِحرًا فشعَرْ
بولا الشاعر
:
السحرُ والشعرُ سواءٌ في الأثرْ
كليوباترا
:
لقد أعجبكَ الشعرُ
وراقتْكَ معانيهِ
وما سَرَّكَ أنطونيو
سُروري كلُّه فيه
فما تأمر في حبرا
بأي البر أجزيه؟
حبرا
(لأنطونيو)
:
جائزتي يا سيِّدي
تقبيلُ هذه اليد!
(يُقَبِّل يديها بين إقدام وإحجام):
حبرا
:
عَجَبٌ عيني لا تَقـ
ـوَى على هذا الضياء
هذه كفُّ إلهٍ
جاء في زِيِّ النساء
كليوباترا
:
خَلِّني من زُخرُف المد
ح ومن زور الثناء
ما وراءَ اليد يا عرَّ
افُ من غَيْب القضاء؟
أحضيضٌ يوميَ الآ
خرُ — قلْ لي — أم سماء؟
خاتَمُ الأيام أوْلَى
باهتمام العظماء
حبرا
:
ملْكتي يومُك في الأيَّـ
ـام منشور اللواء
نَابِهُ الصبح كيوم الشمـ
ـس عُلْويُّ المساء
خَطَر العز عليه
ومشى فيه الإباء
ثم يَتلوه بقاء
لم يُطاولْه بقاء
أنشو
(لزينون)
:
رأيتَ الشعرَ قد أجدَى
فماذا قلتَ يا فار؟
زينون
:
إلهتي ومَلاكي
كُفِّي المُهرِّجَ عني
قد نال مني ولولا
ناديك ما نال مني
أنشو
:
سيدتي عبدُك أنشو قد صدقْ
الفارُ في مَكتبة القصر نطـق
يقول إن أسرقْ فزينونُ سَرق!
هَمِّيَ في الجلدِ وهَمُّه الورق
يَسطو على آثار كلِّ من سبق!
أنطونيو
:
إني أرى أنشو وأمثالَه
زادوا على زينونَ في الجُرْأهْ
يا وَيْحَ للشيخ على فضله
أصبح في مَجلسهم هُزْأهْ
أنشو
:
هَبوه في الدرس بحرًا
هبوه في العلم أُمَّه
لا يَخلُقُ العلمُ نفسًا
ولا يُنبِّه همَّه
كم عالم في يد الجا
هلين مُلقَى الأَزمَّهْ
كليوباترا
:
أقِلَّ المَزحَ يا أنشو
وأرسلْه بمقدار
فلولا الجهلُ ما رُحتَ
تَقيسُ اللَّيثَ بالفار
زينون
:
يا سماء احفظي ويا أرض صوني
أظهرتْ عَـطـفَها عـلى زيـنون!
بولا الشاعر
:
بنتُ الدِّنانْ
أمُّ الزمانْ
ساقي «مِنَا»
لونُ الفَرَحْ
حنَّا القَدَحْ
سِرُّ السرورْ
صَفْوُ الحياهْ
قُوتُ المُنى
كليوباترا
:
قيصرُ، ذي سُلافةُ الفـيوم
تُنْمَى إلى عَقائل الكـروم
مخبوءة من عهد مصرائيم
قد عُمِّرت كعُمُر النجـوم
دِنانُ مصرٍ لا دِنانُ الـروم
القواد الروم (يدمدمون ويتهامسون):
قائد
:
قولوا يا رومانيُّونا
تحيا روما
أنشو
(ضاحكًا)
:
تحيا الخمر
يحيا السُّكْرُ
أنطونيو
:
أيها الشادي أياسٌ
بلغ السُّكْرُ مَداهْ
غَنِّني شعرَ مَلاكي
غنني شعرَ الإله
أنا لا أطرَبُ حتى
أسمعَ «الحبُّ الحياهْ»
أياس
(مغنيًا)
:
أنا أنطونيو وأنطونيو أنا
ما لرُوحيْنا عن الحب غنَى
غَنِّنا في الشوق أو غَنِّ بنا
نحن في الحب حديثٌ بعدنا
•••
رَجَّعتْ عن شَجوِنا الريحُ الحنونْ
وبعينيْنا بكَى المُزْنُ الهَتُونْ
وبَعثنَا من نُفاثاتِ الشُّجونْ
في حواشي الليل بَرقًا وسَنَى
•••
خَبِّري يا كأْسُ واشْهدْ يا وتَرْ
وارْوِ يا ليلُ وحدِّثْ يا سحرْ
هل جَنيْنا من رُبا الأنس السَّمَرْ
ورشفنا من دَواليها المُنَى
•••
الحياةُ الحبُّ والحبُّ الحياهْ
هو من سَرْحتها سرُّ النَّواهْ
وعلى صحْرائها مَرَّتْ يداه
فجرتْ ماءً وظلًّا وجَنَى
•••
نحن شعرٌ وأغانيُّ غدا
بهوانا راكبُ البيد حدا
وبنا الملاحُ في اليمِّ شدا
وبكَى الطيرُ وغَنَّى مَوْهنا
•••
من يكن في الحب ضحى بالكرَى
أو بمسْفُوح من الدمع جَرَى
نحن قَرَّبنا له مُلْكَ الثرى
ولَقينا الموتَ فيه هيِّنا
•••
في الهوى لم نألُ جُهْدَ المؤثر
وذهبنا مَثلًا في الأعصُر
هو أعطى الحبَّ تاجيْ قيصر
لم لا أعطي الهوى تاجيْ مِنَا
•••
(تقوم كليوباترا إلى شرفة فيتبعها أنطونيوس)
قائد روماني
(لزميل من زملائه هامسًا)
:
هلَّا نظرتَ إلى الأميرة؟ إنها
سكْرَى تعثَّرُ في خليع عذارها
آخر
:
وتأمَّل المفتونَ كيف جرى على
آثارها وانجرَّ في تيارها
آخر
(لزملائه حيث يسمعه أوروس وألمبوس)
:
وانظرْ إلى أوروسَ في تردُّده
يأبى الهُتافَ معنا لمولده
أولمبوس
(ساخرًا)
:
أوروسُ ملءُ يومه ملءُ غدهْ
فتى تَضجُّ الحربُ من مُهنَّدهْ
ويَشتهي الأبطالُ فضلَ سُؤْدده
قد راعني فَناؤه في سيده
بنفسه وقومه ومولده
يَغْلو غُلوَّ الكلب في تودده
يُقيَّدُ الكلب وراء مرصَده
فيحرسُ الدارَ على مُقيِّده
أوروس
:
تلك الدُّعابةُ يا طبيبُ ثقيلة
فحذار ثم حَذارِ من تَـكرارها
لولا الوليمةُ والشَّرابُ وحُرْمة
لأميرة الوادي السعيد ودارها
لنَزَعتُ من أقصى لهَاتك مُضْغَة
كثُرَتْ على الأبطال في استهتارها
أوروس
:
أولمبوسُ صَهْ بَرِحَ الخَفا
ورأيتَ نفسَك في مفَاضح عارها
ماذا خَبأتَ من السُّموم لملْكة
غَفَلَت عن الأفعى ولؤم جوارها؟
إلَّا تكنْ علمتْ فإنك عندنا
جاسوسُ أكتافيو على أسرارها
ما زلتَ منذ وفَدتَ تُطلعُه على
أخبار قيصر أو على أخبارها
إنا رجالَ الحرب ليس يفوتُنا
لحظُ العيون ولا خَفيُّ حوارها
(أولمبوس يحاول أن يتكلم فيمسك به قائد روماني ويهمس
إليه):
أقْصرْ أخي إن الجماعةَ عَربدت
فإذا لَججْتَ لَفَتَّ من أنظارها
اسلمْ بنفسك في الظلام ولا تُثرْ
ريبًا أخافُ عليك غِبَّ مثَارها
إني لأخشى الكأس أن تَجري دَمًا
فتُصيبَ شيئًا من رَشاش عُقارها
أولمبوس
(لنفسه وهو ينسل إلى الخارج)
:
أوروسُ! أنطونيو! حسابُكما غدًا
روما الأبيَّةُ لم تَنمْ عن ثارها
(يخرج)
أنطونيو
(من أقصى البهو)
:
أما للرقص هيلا
نةُ في ليلتنا حصَّهْ؟
ألا نَجْمَعُ بين الكا
س والنغْمة والرقصه؟
فهذي فرصة الأنس
وقد لا ترجع الفرصه
هيلانة
:
الراقصاتُ يَقمْنا
الراقصاتُ يَثبنا
ولا يدعن افتنانا
ولا يقصِّرن فنا
(تقوم الراقصات، برقصة مصرية)
أنطونيو
:
قد انتصف الليلُ أو فوقَ ذاك
وآذنَنا بالمُضيِّ الدُّجى
ودونَ الخيام سُرى ساعة
وعند الصباح تَدورُ الرحى
فهل تَأذنين لنا يا مَلاكُ
فلا بد من سِنةٍ من كرى
ولستُ أقولُ مَلاكي الوداعَ
ولكن أقول إلى الملتقى
كليوباترا
:
مكانَك قيصرُ لا تَذهبنّ
ولا تبْرح القصرَ أهلكْ أسَى
أنطونيو
:
ذَريني أُعبِّئ للقتال كتائبي
فلي في غد شأنان في البر والبحر
ذريني أهيِّئ للأحاديث في غد
فإن غدًا يومٌ سيبقى على الدهر
ذريني أزدْ تاجيْك غَارَ وقائعي
وأقرن بثعبانيْ جلالهما نَسري
ولستُ أخافُ الدارعينَ وإنما
أخافُ فُجاءات الخيانة والغدر
وليس كمينَ الحرب ما أنا هائبٌ
ولكن كمينَ الغدر في ظُلمة الصدر
(لأخيل):
فيا قائدَ الأسطول هل من مَكيدة
تُدبر لي خَلفَ الشِّراع وما أدري؟
كليوباترا
:
امض إلى الهيجاء أنـ
ـطونيو كما يَمضي الأسدْ
إن الأسود في اللبَدْ
دونك في هذا الزَّرَدْ
امض إلى المجد ولا
يُقعدْك شُغلٌ في البلد
المجدُ لا يَسألُ عن
صاحبة ولا وَلَد
أنت لروما في غد
وقيْصرونُ بعد غد
والشرقُ سلطاني الذي
إكليلهُ ليَ انْعَقَد
يا ليْثُ سرْ، يا نَسْرُ طرْ
عُدْ ظافرًا أو لا تَعُد