بروحي وإن لم تَبْق مني بقيَّةٌ
صغارٌ ورائي ذُوَّقُ اليُتم نُوَّحُ
أذوبُ لبلواهم وأعلمُ أنني
حَمَلتُ عليهم ما يَجلُّ ويَفْدَح
وقد أشتهي عيشَ الذليل لأجلهم
فلا المجدُ يَرضى لي ولا النُّبلُ يَسمَح
فصفحًا صغاري إن شَقيتُم بمصرعي
وإني لأرجو أن تَغضوا وتصفحوا
وَداعًا صغاري صَيَّرَ الله يُتمكم
إلى خير ما يكفي اليتامى ويُصلح
أطفتُ بكم والنومُ تسري سناتُه
على صفَحات كالأهلَّة تَلمَحُ
وما منكُم في الخزِّ إلا حمامةٌ
عليها طليلٌ ناعمُ الفرع أفيَح
تنامُ وما تدري الكرى ما وراءه
ولا الصبحُ في ظلِّ الرُّبا كيف يُصبح
أتغدو على الدنيا كأمس طليقةً
ضُحى اليوم أم يُغدَى عليها فتُذبحُ؟
اليومَ أقصرَ باطلي وضلالي
وخلت كأحلام الكرى آمالي
وصحوتُ من لَعب الحياة ولهوها
فوجدتُ للدنيا خُمَارَ زوال
وتلَّفتتْ عيني فلا بمواكبي
بصُرتْ ولا بكتائبي ورجالي
وطئتْ بساطي الحادثاتُ وأهرقتْ
كأسي وفضَّتْ سامري ونقالي
إيزيسُ ينبوع الحنان تعطَّفي
وتلفَّتي لضراعتي وسؤالي
أنت التي بكت الأحبَّةَ واشتكت
قبل الأرامل لوعَة الإرمال
إني وقعتُ على رحابك فارحمي
ذلَّ الملوك لمجدك المُتعالي
هل تأذنين بأن أعجِّل نُقْلتي
وأحُثَّ عن دار الشقاء رحالي
وعُلاكِ ما أدعُ الحياةَ جبانةً
أو ضيقَ ذَرْع أو قطيعةَ قالي
إني انتفعْتُ بعبقريِّ جمالها
وتمتعْت من عبقريِّ جمالي
وجمعتُ بين شعورها وعواطفي
وقَرَنْتُ رَحْبَ خيالها بخيالي
ووجدتُها قد خلَّدت أبطالَها
فبسطْتُ سلطاني على الأبطال
بنتُ الحياة أنا وتَشهَدُ سيرتي
ما كنتُ من أمي سوى تمثال
منها تناولتُ الرياءَ وراثةً
وأخذتُ كلَّ خديعة ومحال
وقسوْتُ قسوتَها ولنتُ كلينها
واقتستُ في صَدِّي بها ووصالي
ولربما رَشَدتْ فسرتُ برُشدها
وغَوَتْ فأغوتْني وضل ضلالي
ووجدتُها حبًّا يفيضُ ولذةً
فجعلتُ لذَّات الهوى أشغالي
يومي بأيامٍ لكثرة ما مشت
فيه الحياة وليلتي بليالي
ولقد لَقيت من الحياة صَبيَّةً
ما جل من بؤس ورقة حال
فخلِعتُ مُلكي طفلةً وشردتُ في
صدر الصبا ورأى المكارهَ آلي
شرعتْ عليَّ السَّوْطَ في كُتَّابها
واليومَ تَضربُني بدرس غالي
يا موتُ هل حَرَجٌ على مُستنجد
بك أن يُسابقَ واقعَ الآجال
يومي أعجِّلُهُ ولو لم أنتحرْ
للقيتُ يومًا ما له من تالي
•••
يا موتُ أنت أحبُّ أسرًا فاسبني
لا تُعط روما والشيوخ عقالي
يا موتُ لا تُطْفئْ بشاشة هيكلي
واحفظْ ظواهرَ لمحتي وجلالي
يا موتُ طُفْ بالروح واسرقْها كما
سرق الكرى عينَ الخليِّ السالي
حتى أموتَ كما حَييتُ كأَنني
بيتُ الخيال ودُميةُ المثَّال
وكأَن إغماضَ الجفون تناعسٌ
وكأَن رقدتيَ اضطجاعُ دلال
سرْ بي إلى أنطونيو في نَضرتي
ورُواء جلبابي وزينة حالي
هَلُمِّي الآن مُنقذتي هَلُمِّي
وأهلًا بالخلاص وقد سعى لي
شَربتُ السم من فيك المُفدَّى
بسلطاني وزدتُ عليه مالي
على نابيْك من زُرق المنايا
شفاءُ النفس من سُود الليالي
وبعضُ السم ترْياقٌ لبعض
وقد يَشفى العُضالُ من العُضال
دعوْتُ الراحةَ الكبرى فلبتْ
فبُعدًا للحياة وللنِّضال
هَلُمِّي عانقي أفعى قصور
بها شوقٌ إلى أفعى التلال
سَطتْ روما على مُلكي ولَصَّتْ
جواهرَ أسرتي وحُليَّ آلي
فرُمتُ الموتَ لم أجبُنْ ولكن
لعل جلالهَ يَحمي جلالي
فلا تَمْشي على تاجي ولكن
على جسد ببطن الأرض بالي
وقد علم البريَّةُ أن تاجي
نَمتْه الشمسُ والأسرُ العوالي
يُطالبُني به وطنٌ عزيزٌ
وآباءٌ ودائعُهم غوالي
أأدخلُ في ثياب الذل روما
وأُعرَضُ كالسَّبيِّ على الرجال؟
وأُحدَج بالشماتة عن يميني
ويَعرض لي التهكمُ عن شمالي؟
وألقَى في النَّديِّ شيوخَ روما
مكانُ التاج من فَرْقَيَّ خالي؟
وأغشى السجن تاركةً ورائي
قصورَ العزِّ والغُرَفَ الحوالي؟
وتحكُم فيَّ روما وهي خَصمي
وتُسرفُ في العقوبة والنَّكال
يَراني في الحبائل مُترَفوها
وقد كان القياصرُ في حبالي
إذن غيرُ الملوك أبي وجَدِّي
وغَيرُ طرازهم عَمِّي وخالي
سأنزلُ غيرَ هائبة إذا ما
تلمَّظت المنيَّةُ للنزال
أموتُ كما حَييتُ لعرش مصرٍ
وأبذُلُ دُونه عرشَ الجمال
حياةُ الذلِّ تُدفَعُ بالمنايا
تَعاليْ حَيَّةَ الوادي تعالي
(تتناول الأفعى وتمهد لها من صدرها فتلدغها ثم ترميها إلى
السلة)