لم يصل إلينا للآن عن هذا الملك أي تاريخ على الآثار، ومن أجل هذا لا يمكننا أن نقبل
الرقم الدال على حكم هذا الفرعون كما جاء في «مانيتون» إلا بكل تحفظ؛ لعدم وجود الوثائق
التي تؤكده.
وقد كان أول ذكر لهذا الرجل العظيم ما جاء في قصة «ونآمون» التي تحدثنا عنها فيما
سبق
(الجزء الثامن). والحقائق التي ورد ذكرها في هذه الوثيقة حدثت في السنة الخامسة من
عهد «النهضة»١ التي حدثت في عهد «رعمسيس» الحادي عشر؛ أي في السنة الرابعة والعشرين من
عهد هذا الفرعون، وقد جاء ذكر «حريحور» في هذه الورقة بوصفه كاهنًا أعظم لآمون مرتين،
ونجد من سياق الكلام أن «سمندس» صاحب «تانيس» لم يكن ملكًا بعد، والظاهر أنه لم
يَعْتَلِ عرش الملك إلا بعد أن تخلى «حريحور» عن ملك «تانيس» وقصر همه على ملكه في
«طيبة»، ومن جهة أخرى يظن «دارسي» أن «سمندس» توفي قبل «حريحور» (راجع
Rev. Arch I. p. 84) غير أننا لا نعرف شيئًا على
وجه التأكيد في هذا الموضوع، بل العكس هو المحتمل.
وكان «سمندس» على ما يظهر في بادئ الأمر وزيرًا قبل أن يكون ملكًا، وهو كما يدل اسمه
المصري «نسبانبدد» خادم كبش «منديس»، وهذا الإله كان له الحق في أن يثوي في «تانيس»،
وقد عرف كيف يُفِيد من المصائب التي حاقت بهذه البلدة؛ ليزيد في أملاكه أو نفوذه
أكثر
من مرة.٢
وعلى ذلك نجد كبش «منديس» قد عقد محالفة مفيدة له مع كبش «آمون»،٣ ولما أصبح «حريحور» الكاهنَ الأكبر «لآمون» نسب ألقابه الملكية وطغراءيه
إلى هذا الإله، ولما تولى «سمندس» عرش الملك فعل بالمثل، ففي العهد الذي قام فيه
«ونآمون» بسياحته في «سوريا» كان «سمندس» وزيرًا، وقد رُزِقَ من زوجته «تنتآمون»
ابنة
أسماها «حنت تاوي»، وهي التي أصبحت فيما بعد تلقب (المتعبدة للإلهة «حتحور») ثم زوجة
ملكية، وأمها «نتسآمون» كما نعلم، كانت بنت رجل يدعى «نبسني» وهو الذي وُجِدَ تابوته
في
خبيئة «الدير البحري» (راجع L. R. III p. 288 V p.
258)، وسنجد أنها أصبحت كاهنة «آمون» الأولى، وزوجة «بينوزوم» الأول،
وقد رُزقت منه ولدًا وهو الذي صار فيما بعد «بسوسنس الأول»، وقد دُوِّنت نقوشهما
على
مجوهرات وُجدت على مومية «بسوسنس»؛ فعلى خلاخيل الركبة نجد على التوالي طغراء الملك
واسم والده، وعلى خلاخيل الكعب نجد اسم الملك قد كُتب على خارج الخلخال، وعلى داخله
اسم
الوالد والجد، وكذلك نجد اسم الملكة «موت نزم» أم «بسوسنس» وزوج «سمندس» على «سوارين».٤
وأخيرًا استولى «سمندس» على الألقاب الملكية، وهو الذي يعده «مانيتون» الملك الشرعي
والمؤسس لأسرة «تانيس»، ولم يذكر لنا «حريحور»، ومن المحتمل أنه لم يعترف به ملكًا
على
مصر كلها مثل سلفه «أمنحتب» الذي كان رئيسًا لكهنة «آمون». وقد تحدثنا عنه في الجزء
الثامن.
ونحن نجهل تمام الجهل أين دُفن «سمندس»، ولم يصل إلينا أي نشاط له في «تانيس»،
والنقشُ الوحيد الذي يُنْسَبُ إليه وُجِدَ في «طيبة»؛ أي بعيدًا عن مقر ملكه
«تانيس».
(١) نقوش الجبلين
حُفِرَ هذا النقش على عمود في محجر «جبلين»، ومما يؤسف له أن كل سطر قد فقد أكثر
من ثلثه الأول، هذا فضلًا عن أنه قد نُقِلَ بدون عناية، فلم نصل منه إلى معرفة ما
حدث على وجه التأكيد؛ فقد أرسل الفرعون موظفيه ومعهم ثلاثة آلاف رجل لمحجر الجبلين
للحصول على أحجار لإصلاح التلف الذي حدث في مباني تحتمس الثالث بالكرنك. وفي المتن
إشارة تدل على أن الملك كان حاضرًا في هذه المحاجر، ويُفْهَمُ من الوثيقة أن
«سمندس» كان يحكم في «طيبة»، ويظهر أنه كان يقبض على زمام الأمور في مصر كلها. ولا
بد أن «حريحور» كان قد مات قبل نهاية حكم «نسبانبدد» (سمندس). وهاك النصَّ الباقي
من هذا النقش دون ذكر الألقاب:
تأمل، كان جلالته في مدينة «منف» مقرِّه الفاخر ذي القوة والنصر مثل «رع»
… «بتاح» (٤) سيد حياة الأرضين، و«سحمت» العظيمة محبوبة «بتاح» … «منتو»
والآلهة العظام القاطنين في «منف». تأمل؛ فإن جلالته جلس في قاعة قصره وقد
أتى رسل يخبرون جلالته بتداعي جدار القناة الذي يؤلف حدود الأقصر، وهو الذي
أقامه الملك «منخبررع» (تحتمس الثالث) … (٦) مكوِّنًا فيضانًا عظيمًا
وتيارًا قويًّا فيها على الرقعة العظيمة لبيت المعبد، وقد أحاطت بالأمام …
فقال جلالته (٧) لهم: أما عن هذا الأمر الذي بلغ إليَّ فلم يوجد شيء في مدة
جلالته من قديم الزمان مثله …
وقد «أرسل جلالته رؤساء بنائين» (٩) وثلاثة آلاف رجل معهم من خيرة رجال
جلالته. وأَمْرُ جلالتِه لهم هو: أسرعوا إلى … (١٠) الجبل … أناس جلالته
بمثابة رفاق قدامى (…) … (١٢) (…) … هذا المحجر منذ زمن الأجداد حتى هذا
اليوم، جبلين … (١٣) … وقد حفروا هذا المرسوم الذي يخلد ذكرى جلالته
سرمديًّا … (١٤) … وقد وصل أمر جلالته لتجميل العمل على اللوحة … (ولم)
(١٦) يُفعل مثله في زمن الأجداد. تأمل لقد أمر جلالته به بفضائل ممتازة مثل
«تحوت» … (١٧) … وكانت المكافأة عليه (أي للملك) القوة والنصر والظهور على
عرش حور (الأحياء سرمديًّا) … (راجع Br. A. R. IV §
627–630).
وفضلًا عن ذلك عُثِرَ له على خرزة من اللازورد عليها اسمه، وهي جزء من مجموعة
«ماك جريجور»، وقد نسب الأستاذ «نيوبري» هذه الخرزة خطأً للملك «تاكيلوت الثاني»
أحد ملوك الأسرة الثانية والعشرين. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الطغراء الخاصة بلقب
هذا الملك موحدة مع طغراء «سمندس».