الفرعون «أمنمأبت»
أمنمأبت مري آمون | وسر ماعت رع ستبن آمون |
وقد عثر له على خاتم من الفخار كتب عليه: «الكاهن الأكبر لآمون ملك الآلهة «أمنمأبت» محبوب «آمون».» ويلاحظ هنا أن التاريخ قد هشم، وهذا هو الأثر الوحيد الذي عثر عليه في الآثار يذكر «أمنمأبت» فرعون المستقبل بوصفه مجرد كاهن أكبر لآمون.
(١) الكشف عن مقبرة «أمنمأبت»
ويمكن — على حسب هذه التحقيقات — القول بأن الملك «أمنمأبت» كان يثوي في هذا القبر الصغير، ولكن نُقل — فيما بعدُ — تابوتُه الخشبي المُذَهَّب ومحتوياته وسائر أثاثه الجنازي إلى مقبرة الملكة «موت نزم»، عَدَا بعض تماثيل مجيبة قد انزلقت بين قطع الأحجار. وقد احتل هذا القبرَ ساكنٌ آخر لا نعرف عنه أي شيء؛ وذلك لأن اللصوص بعد أن خربوا القبر تركوا السقف مفتوحًا، ولم يبقَ شيء من التابوت الخشبي والعظام في القبر؛ إذ تَلِفَتْ بفعل مياه الرشح.
(٢) مدفن «أمنمأبت» الجديد
وكان تابوت الخشب المذهَّب وأواني الأحشاء والتماثيل المجيبة، وكل أدوات الزينة منقوشة باسم «أمنمأبت»، ومع ذلك فإن هذا الملك لم يكن — كما قلنا من قبل — أول من ثوى في هذا الضريح. وقد وجدنا قطعة من حجر مزينة بنقوش كانت تُخفي خلفها مدخل مقبرة «أمنمأبت»، وهذه النقوش كانت باسم الملك «بسوسنس».
(٣) شرح ما وُجد في قبر هذا الملك
تابوت «أمنمأبت»
لم يوجد أي أثر في تابوت هذا الفرعون يدل على أنه اغتُصب من مَلِكٍ آخر، ولكن دل البحث على أنه — على الرغم من كونه عملًا أصليًّا — قد نُحت في قطعة حجر من تمثال ضخم من الحجر الرملي، ولا تزال قدم هذا التمثال ظاهرة حتى الآن. أما غطاء هذا التابوت فهو من الجرانيت الوردي، وقد أُخذ من تابوت يرجع عهده إلى الدولة القديمة التي لا يمكن تقليد فنها كما ذكرنا من قبل، وقد كان الغطاء أكبر بقليل من التابوت فعُدِّل ليتفق معه تمامًا. وهكذا نرى أن ملوك «تانيس» لما أعوزتهم الموارد لتثمير المحاجر التي كان يعمل فيها آلاف من العمال في عهد «رعمسيس الثاني»، فضَّلُوا أن يَسْلبوا جبانة أجدادهم أحجارَها ويستعملوها في مقابرهم بمصاريف قليلة.
وقد لُحِظَ أن الخشب الذي كان في التابوت الجرانيتي لم يتلف كله، وقد أمكن نزع قطعة كانت عليها إشارات عدة، غير أنها كانت في آخر رمق من المقاومة، وتحولت إلى رماد بمجرد رفعها.
حُلِيُّ المومية
لم يوجد مع «أمنمأبت» إلا قلادتان؛ واحدة منهما نُظِمَتْ في ثلاثة صفوف وبدون «علاقة»، والثانية تشمل أحد عشر صفًّا من الخرز الأسطواني الشكل بحوافَّ مسنَّنةٍ من الذهب الصلب ومن الذهب المرصع باللازورد، وهذه الخرزات مركبة بعضها في بعض، وكذلك رُسم على المشبك رسمٌ خلَّاب، وقد عُلِّق بهذا المشبك خمس حلقات من نفس صناعة الصفوف وفيها خمس عشرة زهرة من البشنين.
الصدريات
وُجد على مومية «أمنمأبت» صدريتان؛ إحداهما صلبة، والأخرى مُفرغَة. والأولى تشبه صدريات «بسوسنس»، والثانية مزينة بنقش غائر يمثل من الداخل الملك مادًّا يده بالمبخرة للإله «أوزير»، ويشاهَد نفسُ المنظر منقوشًا من الخارج.
الجعارين
صُقِلَتِ الجعارين التي وجدت مع «أمنمأبت» بدقة بالغة، وقد نقشت أيضًا وأحيطت بإطار بسيط أبيض الشكل من الذهب، وليس لها سلاسل ولا أجنحة، ولم تنقش عليها طغراءات.
حلي أخرى
وقد وجدت لهذا الفرعون في تابوته حلي أخرى تُحَلِّي جِيدَه؛ فقد وُجِدَ على صدره صقر فاخر ناشر جناحيه، مصنوع من الذهب والأحجار المنظمة، ومجهز بحلقتين نُظِمَتَا في خيط في طرفي الجناحين، وكذلك جُهِّز في الطرف الآخر بلوحين صغيرين يغطي بعضهما ذيل الصقر، وقد نُقش المتن التالي على اللوح الذي على اليمين: «وسر ماعت رع ستبن آمون» (= لقب «أمنمأبت») محبوب «أوزير» صاحب «رستاو».
وعلى اللوح الذي على اليسار نقرأ: «أمنمأبت» محبوب «أوزير» سيد «العرابة».
وكذلك وُجدت رءوس ثعابين مع «أمنمأبت» ويتألف منها قلائد.
ووُجد له تمثال صقر في هيئة «حور» كُتب عليه اسمه بوصفه ملكًا، وبوصفه الكاهن الأكبر لآمون.
الأسورة
وُجد للملك «أمنمأبت» سواران مؤلفان من قطعتين مفرغتين كانتا تُحَلِّيان ذراعيه، وقد نُقش عليهما طغراءا الملك «بسوسنس» وهما متساويان في الحجم، وقد حُلِّيَتَا بجعرانين مجنَّحَيْن من الذهب واللازورد، ويكتنف كلًّا منهما طغراءان. وهذه الزينة قد أُحكمت مع ما فوقها وما تحتها بدائرتين صلبتين زرقاوين وذهب.
التماثيل الجنازية
وُجد مع «أمنمأبت» مجموعتان من التماثيل المجيبة.
فالمجموعة التي استُخرجت من ضريح هذا الفرعون لا تخرج عن حد المألوف من هذه التماثيل، أما المجموعة الثانية فقد قسمت بين المقبرة الرابعة التي استُخرج منها التابوت الخالي باسم «أمنمأبت»، والحجرة الأولى من مقبرة «بسوسنس».
ويبلغ ارتفاع الواحد من هذه التماثيل تسعة سنتيمترات، ويمثل رجلًا مسنًّا قد قَوَّسَ الدهر قَنَاتَهُ بعض الشيء، والرأس مُنْحَنٍ، وقد كُتب اسم الفرعون على كثير منها.
الأسلحة والصولجانات
لم يُعثَر في مقابر الملوك التي كُشفت حديثًا على أسلحة إلا في مقبرة «أمنمأبت» و«بسوسنس»، وقد تكلمنا عن الأخير [راجع فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين في تانيس الفرعون «بسوسنس» (باسب خعنوت)]، أما في قبر «أمنمأبت» فقد وُجدت فيه مجموعة من الحراب أصغر من التي وجدت في مقبرة «بسوسنس»، وكذلك وجد فيه أغشية من الذهب كانت على عصي وصولجانات.
أواني الشعائر
لم يوجد بين الأثاث الشعائري للفرعون «أمنمأبت» موقد كالذي في مقبرة «بسوسنس»، ولكن وجدت حوامل عليها «طشوت» يبلغ عددها ثلاثة، هذا إلى أوانٍ لإغلاء المشروبات الساخنة؛ بعضها من الفضة، وبعضها الآخر من البرنز، ولا يوجد من بينها ما صُنع من الذهب إلا إبريق واحد.
مومية الملك «أمنمأبت»
كان الهيكل العظمي للملك «أمنمأبت» عند استخراجه من تابوته مهشَّمًا تمامًا بفعل الزمن والرطوبة على ما يظهر، ولم يبقَ سليمًا منه إلا عظامُ الفخذ، وعظم العَجُز، وعظم المنكب الأيمن، والترقوة، وعظم الزند، أما الجمجمة فكانت مهشمة قِطَعًا.
(٤) آثاره الأخرى
وقد لاحظنا من قبل أنه من الصعب الاعتراف بأن ابن «منخبررع» كان فعلًا الكاهن الأكبر لآمون في السنة الثانية والعشرين من عهد الملك «أمنمأبت»؛ ذلك لأننا نعرف من نقوش لفافة أخرى من لفافات كهنة «آمون» أن «منخبررع» كان لا يزال في عام ٤٨ من عهد ملك لم يُسَمَّ يقوم بعمله، وهذا الملك لا يمكن أن يكون إلا الملك «أمنمأبت»؛ فمن الجائز جدًّا أن هذا التاريخ المهشم الذي على لفافة المومية السابقة يكون العام الثالث والخمسين أو الثاني والخمسين، وبخاصة بعد أن برهن لنا الدكتور «دري» أن الفرعون «أمنمأبت» كان عند وفاته متقدمًا جدًّا في السن.