المملكة الإلهية الطيبية١ في عهد الأسرة الثانية والعشرين
تدل شواهد الأحوال على أن انتقال الحكم من ملوك الأسرة الواحدة والعشرين إلى ملوك
الأسرة الثانية والعشرين قد حدث في جو يسوده الهدوء، كما يوحي بذلك ما قام به «شيشنق»
من تجديد تمثال الملك «بسوسنس» آخر ملوك الأسرة الواحدة والعشرين (راجع
Legrain, Cat. Gen. Stat. III p. 1)، وهذا التمثال
منحوت في حجر «البروفير»، ويبلغ ارتفاعه حوالي ٣٥ سنتيمترًا، عُثِرَ عليه في خبيئة
«الكرنك»، ويُعَدُّ قطعة من آيات الفن المصري، ويمثل الفرعون جالسًا على عرشه، غير
أنه
مما يؤسف له أن الرأس وجد مهشمًا! وقد مُثِّلَ حول قاعدة هذا التمثال تسعة من الأقوام
المغلوبين على أمرهم. هذا، ومما يؤكد انتقال الحكم إلى يدي «شيشنق» في جو يخيم عليه
السلام، ما جاء على لوحة الواحة الداخلة التي سنتكلم عنها فيما بعد؛ فقد ذُكر في
نقوشها
تسجيل مساحة أرض أُجْرِيَ في السنة التاسعة عشرة من حكم فرعون يدعى «بسوسنس»؛ غير
أننا
لا نعلم على وجه التأكيد أي «بسوسنس» يقصد هنا؛ هل هو «بسوسنس الأول» أم «الثاني»؟
وقد
لقب «بسوسنس» في هذه اللوحة «بسوسنس» الإله العظيم، ونحن نعلم من ناحية أخرى أن بنت
«بسوسنس» آخر ملوك الأسرة الواحدة والعشرين قد تزوجت من «أوسركون» ابن «شيشنق الأول»،
وهو الذي أصبح «أوسركون الأول» بعد وفاة والده (راجع Rec. Trav. XXXIII.
p. 10, J. E. A. VI XIX. p. 230ff).
وقد كان لزامًا على القائد «شيشنق» عندما أقصى آخر فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين
من
الحكم، وأسس حكومة عسكرية في مصر أن يُخْضِعَ لسلطانه كذلك الحكومة الإلهية التي
كانت
قائمة في «طيبة» وقتئذ، وتدل الأحوال على أنه لم يغير شيئًا في النظام الذي كان قائمًا
هناك؛ إذ بقيت «طيبة» كما كانت عليه من قَبْلُ، مقاليدُ أمورها في يد الإله
«آمون».
ولا أدل على ذلك من أننا نجد «أوسركون الثاني» يقول في نقش له نقشه في عيده الثلاثيني
أمام والده «آمون» ما يأتي: «إني أحمي طيبة طولًا وعرضًا، طاهرة معدة لسيدها فلا
يطؤها
موظفون تابعون لبيت الملك، وكذلك أصبح كل سكانها محميين بالاسم العظيم لهذا الإله.»
(أي
الملك) (راجع Naville, Festival Hall of Osorkon II. PI.
6).
وقد بقي النظام في «طيبة» كما كان في «منف»، حيث كانت رياسة الكهنة مستمرة يتولى
شئونها أفراد من الأسرة المالكة،
٢ فنجد أن الفرعون «شيشنق» — بدلًا من أن يترك رؤساء الكهنة العظام القدامى
يستمرون في شغل هذه الوظيفة الهامة — نصَّب ابنه «أوبوت» فيها، وظلت الحال على هذا
المنوال طوال حكم هذه الأسرة. ومن ثم نفهم أن رياسة الكهنة للإله «آمون» في «طيبة»
يعد
أفرادها فرعًا ثانيًا من الأسرة المالكة، ومن ثم قضى على أسرة الكهنة العظام في «طيبة»
بوصفها أسرة أخرى قائمة بجانب الأسرة الحاكمة للبلاد.
ويجب أن نلحظ هنا أن الكاهن الأكبر في «طيبة» لم يكن الابن الأكبر للملك الحاكم
دائمًا؛ بل كان ابن الملك الذي سيخلفه (راجع Wreszinski. Die
Hohenpriester des Amon. Diss. Berlin, 1904).
ولم نجد إلا عددًا قليلًا من بين هؤلاء الكهنة العظام الذين تولوا الرياسة في طيبة
قد
حل محل والده على عرش الملك، كما كانت الحال مع «بينوزم» الأول في عهد الأسرة الواحدة
والعشرين (راجع مصر القديمة الجزء الثامن).
ونجد من جهة أخرى أن الكاهن الأكبر «لآمون» كان يحمل — فضلًا عن لقب رياسة الكهنة
—
لقب رئيس الجيش، والرئيس الأعظم، كما كانت الحالة في عهد الأسرة السابقة، ونعرف كذلك
أن
«أوبوت» ابن الفرعون «شيشنق» الأول كان يلقب زيادة عن الألقاب السابقة: «الذي على
رأس
الجيش العظيم للجنوب كله» (راجع L. D. III, 254 C. & 253
C). ويُلحَظ هنا أن لقب القائد الأول لجيوش جلالة الفرعون، والرئيس
الأعلى كان كذلك مستعملًا في عهد الأسرة السادسة والعشرين، ويحمله رجل يدعى
«سحر Teos, Tachos» نُقش على تمثاله الذي عُثر
عليه في «تانيس»، وهو من بين الكهنة العظام لآمون (راجع Mariette. Mon.
Divers, p. 107: Wreszinski Ibid. p. 69).
وخلف «أوبوت» في رياسة كهنة آمون الكاهن الأكبر «شيشنق»، وهو ابن الفرعون «أوسركون»
الأول خلف «شيشنق» الأول، ونجد في النقوش التي وجدت على تمثال هذا الكاهن الذي أهداه
«لآمون» أن اللقب الأخير الذي كان يحمله الكاهن الأكبر قد زيد فيه بعض الشيء؛ فأصبح
يدعى سيد الجنوب والشمال، والرئيس الأعلى «شيشنق» محبوب «آمون»، وقائد الجيش الأعظم
لمصر كلها. هذا، ونجده فضلًا عن ذلك يطلب الحياة، والصحة، والعافية، والعمر المديد،
والشيخوخة الجميلة، والقوة، والنصر على كل بلد في الداخل والخارج. هذا بالإضافة إلى
أن
اسمه وضع في طغراء، وهو الذي أصبح يعد «شيشنق الثاني» كما سنرى بعد. وقد كُشف عن
مقبرته
حديثًا، وليس لدينا من الآثار ما يدل على أنه قام بأي عمل تعسفي، أو أنه قد أثار
أية
فتنة على والده لِنَيْل لقب الملك. ويقول «إدورد مير»: إن والده قد منحه لقب الملك؛
ليكون مثله في ذلك مثل «حريحور» عندما تولى الملك وأشرك معه «سمندس»، كما تحدثنا
عن ذلك
من قبل (جزء ٨)، وقد كان كل منهما يحمل لقب الملك، غير أنه في الحالة التي نحن بصددها
نجد أنها جاءت بطريقة مخفية بعض الشيء، ولكن «مونتيه» يقول: «إنه على حسب الكشف الأخير
عن مقبرة «شيشنق» هذا إنه تولى الحكم بعد موت والده «أوسركون» الأول كما سنرى
بعد.»
وتولى رياسة الكهنة بعد «شيشنق» ابنه «حورسا إزيس» في طيبة (راجع
Bisstatue. Birch, Catalogue of Alnwick Castle no.
313). ويتعلق بهذا الموضوع تمثال لكاهن يدعى «نختفموت» صنع من
الجرانيت وعثر عليه في خبيئة الكرنك عام ١٩٠٤ (راجع Legrain. Cat. Gen.
Stat. III. p. 20, et Legrain. Rec. Trav. XXVII. p. 75ff)، وقد
نُقش على جلد الفهد الذي يرتديه اسم الفرعون «أوسركون الثاني»، وهذا التمثال كان
قد
أهداه لهذا الكاهن الملك «مري آمون حورسا إزيس»، ويرجع نسب «نختفموت» هذا من جهة
أمه —
كما سنرى بعد — للكاهن الأكبر «أوبوت» بن «شيشنق الثاني»، وهذا هو الرأي الصحيح،
أما ما
رواه «دارسي» من أن «نختفموت» هذا هو حفيد بعيد للملك «حورسا إزيس» فقول مردود؛ وذلك
لأنه خلط بين «نختفموت» هذا وسَمِيٍّ له بينهما قرابة.
ومما تحسن الإشارة إليه هنا أن اللقب الحربي الذي كان يحمله الكاهن الأكبر لا يمكنه
أن يكون مجرد لقب لا أهمية له فِعليَّة، ويجدر بنا أن نفهم أن الجنود اللوبيين وضباطهم
من «المشوش» كان يتألف منهم في عهد الأسرة الواحدة والعشرين معظم رجال الجيش في البلاد،
وكذلك في عهد الأسرة الثانية والعشرين كانوا تحت إدارة الكاهن الأكبر «لأمون»، ولكن
كان
يوجد بجانب جيش السيادة الروحية أو الدينية جيوش المقاطعات، وكانت قيادتها في إقليم
«طيبة» في يد «شيشنق الأول»، ثم تخلى عنها لابنه الكاهن الأكبر «لآمون». ونعلم كذلك
من
جهة أخرى أن «أوسركون» الأول قد وسَّع سلطان ابنه على رياسة الجيش — ولو اسمًا —
في كل
مصر.
وتدل النقوش على أن توَلِّي «شيشنق» رياسةَ الكهنة، ومن بعده «حورسا إزيس» كان في
عهد
الفرعون «أوسركون الأول» و«تاكيلوت الأول» «أوسركون الثاني»: وقد خلفهما في رياسة
الكهنة «نمروت»، وهو ابن الملك «أوسركون الثاني»، وكان الأخير بدوره على ما يُظَنُّ
الكاهنَ الأكبر للإله «حرشف» إله «أهناسية المدينة» الأعظم، ويدل ما لدينا من آثار
باقية على أن هذه الوظيفة كانت وراثية في الأسرة المالكة، وسلسلة نسب هذه الأسرة
معروفة
لدينا من لوحة «حور باسن» التذكارية التي أقامها في مدفن «السربيوم» كما شرحنا ذلك
فيما
سبق [راجع الأسرة الثانية والعشرين فراعنة الأسرة الثانية والعشرين]. ومن جهة أخرى
نجد
أن «أوسركون الثاني» نصب ابنه «نمروت» كاهنًا أكبر «لآمون»، وفي الوقت نفسه أشرك
ابنه
«تاكيلوت» الثاني في المُلك وجعله خليفته. ونعرف على حسب ما جاء في التواريخ الخاصة
بمقاييس ارتفاع النيل التي نُقشت على مرسى الكرنك (راجع A. Z. 34. p.
112 no. 12) أن السنة الثامنة والعشرين من حكم الفرعون «أوسركون
الثاني» موحدة بالسنة الخامسة من حكم ابنه «تاكيلوت»، وقد لاحظ الأستاذ «إدورد مير»
أن
التغير الذي عمله «دارسي» في قراءة السنين ٢٢، ٢٣ إلى ٣٥، ٣٨ غير مقبول، في حين أن
القراءة التي أدلى بها كلٌّ من «برستد» و«بتري» و«جوتييه» يجب الأخذ بها وإن كانت
لا
تزال موضع شك (راجع Br. A. R. IV § 697; L. R. III p.
337).
والمقصود من ذلك أن البلاد كان يحكمها وقتئذ ملكان؛ أحدهما في الشمال وهو «أوسركون
الثاني» وعاصمته «بوبسطة»، والثاني يحكم في الجنوب وهو «تاكيلوت» الثاني وعاصمته
طيبة.
ويضيف «جوتييه» إلى ذلك أنه في الإمكان أن يُعْزَى هذا التاريخ المزدوج إلى الملك
«أوسركون» الثالث وابنه «تاكيلوت» الثالث؛ وذلك لأن كلًّا منهما كان يُنعَت بلقب
«سا
إزيس» (أي ابن إزيس)؛ فقد ذكر الأول بأنه الملك «أوسركون» الثالث ابن «إزيس»، وذكر
الثاني بأنه «تاكيلوت» الثالث ابن «إزيس» (راجع L. R. III p.
337)، وهذا هو الرأي المرجَّح.
وعلى هذا الزعم نعلم أن «نمروت» قد ورث عن أخلافه رياسة الكهنة في «طيبة»، وتشمل
سلسلة نسبه ستة أجيال باستثناء «حور باسن» الذي كان لا يحمل إلا لقب كاهن الإلهة
«نيت»،
فكان كل واحد من أخلافه يُلقَّب الرئيس الأعلى المشرف على الجنوب، ورئيس كهنة «أهناسية
المدينة»، وكذلك كان يلقب «نمروت» هذا كاهن «آمون» بالإضافة إلى لقب رئيس جند
«أهناسية»، والرئيس الأعلى. وكان كل الوجه القبلي حتى الفيوم وكذلك رياسة جيش الرديف
فيما مضى في يده وحده.
وتُحَدِّثُنا النقوش أن «تاكيلوت الثاني» تزوج من «كارمعمع» ابنة «نمروت» (أي تزوج
من
ابنة أخيه)، وأنه في السنة الحادية عشرة من حكمه نصب ابنه «أوسركون» كاهنًا أكبر
لآمون
في طيبة (راجع L. D. III p. 257 a L. 6, 7; & Br. A. R. IV § 770
note C.)، ثم نصَّبه في الحال القائد العام للجيش، والرئيس الأعلى
لكل الأرض، أو رئيس الجنوب. ونعلم من البقية الباقية التي وصلتنا من تاريخ نقوشه
العظيمة (راجع Br. A. R. IV, § 756ff) أنه في السنة
الخامسة عشرة من حكم والده شبت نار ثورة عظيمة امتد لهيبها إلى جنوب البلاد وشمالها،
وقد انقضت عدة سنين والثورة متأججة حارب فيها «أوسركون» والده وحزبه. وفي جزء آخر
من
نقوشه نقرأ أن «أوسركون» نزل في النيل متجهًا نحو الشمال من «النوبة» راجعًا إلى
«طيبة»، وهناك قدم قربانًا عظيمًا لآمون فتقبله قبولًا حسنًا.
وليس لدينا معلومات دقيقة عن الزمن الذي استغرقته هذه الحروب، يضاف إلى ذلك أن
التواريخ التي لدينا عن العصر الذي أعقب تلك الحروب ليست كافية، فنعلم حسب نقش مؤرَّخ
بالسنة الخامسة والعشرين من حكم «تاكيلوت» أن «أوسركون» كان وقتئذ كاهنًا أكبر لآمون
على حسب ما جاء في لوحة وجدت في معبد قديم يرجع عهده إلى أوائل ملوك الأسرة الثامنة
عشرة، كان قد أقيم للإله «أوزير» رب الأبدية، ثم أعيد تجديده في عهد الأسرة الثانية
والعشرين وما بعدها، وهذه اللوحة خاصة بأملاك مغنية بيت آمون «كارمعمع» كما سنرى
بعد
(راجع A. S. IV p. 183) وتنحصر أهمية هذا الأثر في أنه
يحدثنا أولًا عن أعلى تاريخ عرف للملك «تاكيلوت الثاني» وهو السنة الخامسة والعشرون،
وقد دوَّن عليه هِبتَه خمسةً وثلاثين ستات (أرورا) من الأرض الأميرية لمغنية معبد
آمون
تدعى «كارمعمع»، غير أننا لا نعرف إذا كانت هذه الهبة خُصِّصَت لقربان قبرها أو لإمداد
تمثالها بالمؤن في المعبد، والصورة التي في أعلى اللوحة يشاهَد فيها الإلهان؛ «آمون»
و«خنسو» على اليسار، وتظهر أمامهما المغنية «كارمعمع» خارجة من مقصورة أو تابوت وفي
يدها إضمامة من البردي وهي تتعبد لهذين الإلهين، ويحتمل أن هذه الإضمامة هي الوثيقة
بهذه الهبة من الأرض، وفي أسفل اللوحة النقش التالي: «السنة الخامسة والعشرون من
عهد
ملك الوجهين القبلي والبحري «تاكيلوت الثاني» العائش سرمديًّا، والكاهن الأكبر لآمون
«أوسركون».
في هذا اليوم ثبتت ملكية خمسة وثلاثين أرورا من الأراضي المدنية لمغنية معبد آمون
ابنة الملك «كارمعمع».»
وكذلك نعلم من النقوش أن «أوسركون» هذا كان كاهنًا أكبر من السنة الثانية والعشرين
إلى السنة السادسة والعشرين، ومن السنة الثامنة والعشرين إلى السنة التاسعة والعشرين
من
حكم الملك «شيشنق الثالث»، وقد ذكرت لنا الأوقاف التي عملها في خلال تلك المدة، ولدينا
كذلك تاريخ مدون في مقاييس النيل التي دونت على مرسى الكرنك يدل على أنه في السنة
التاسعة والثلاثين من حكم الملك «شيشنق الثالث» كان «أوسركون» لا يزال يشغل منصب
الكاهن
الأكبر لآمون (راجع Legrain, A. Z. 34 p. 113 No 22).
وفي نفس هذه السنة يحدثنا نقش خاص بتنصيب وزير أن الكاهن والمشرف على الجنوب والرئيس
الأعلى «أوسركون» ابن الملك «تاكيلوت» محبوب «آمون» احتفل في اليوم السادس والعشرين
من
الشهر التاسع بعيد «آمون» مع أخيه قائد جنود «أهناسية المدينة» والرئيس الأعلى المسمى
«باكبتاح»، وبعد فجوة قصيرة في المتن الخاص بذلك نقرأ: «سقط كل محارب ضدهما.» (راجع
Rec. Trav. 22, p. 55)، وهذه العبارة الأخيرة تدل
على أن الاضطرابات لم تكن قد انتهت بعد. هذا، إلى أن الإمارتين الروحيتين في كل من
«طيبة» و«أهناسية المدينة» كانتا قد انفصلتا ثانية، ونصِّب في كل منهما أحد أبناء
الفرعون الذي كان يعمل فيها بنفسه، غير أنه لم يظهر في شجرة النسب التي وردت في لوحة
«حور باسن» [راجع الأسرة الثانية والعشرين فراعنة الأسرة الثانية والعشرين] اسم الأمير
«باكبتاح»، وعلى ذلك فإنه لا بد كان قد ورث وظيفته الروحية من فرع آخر من فروع الأسرة
التي كانت منتشرة في أنحاء البلاد.
ويمكن القول من النقوش التي اقتبسناها خاصة بحكم الفرعون «تاكيلوت» الثاني: إنه حكَمَ
على أقل تقدير خمسًا وعشرين سنة، وعلى ذلك تكون مدة تربع «أوسركون» على عرش رياسة
كهنة
آمون بدأت من السنة الحادية عشرة من حكم «تاكيلوت» الثاني حتى السنة التاسعة والثلاثين
من عهد الفرعون «شيشنق» الثالث — وهو الذي كان مثل «أوسركون» من أبناء الملك «تاكيلوت»
الثاني — الذي حكم اثنين وخمسين عامًا (راجع Br. A. R. IV §
778).
ويُلَقَّب «شيشنق الثالث» في نقوش الكاهن الأكبر «أوسركون» الفرعون «وسرماعت ستبن
رع»
«مري آمون شيشنق باستت» (راجع L. D. III. 258 A. L. 7).
في تاريخ السنة الثامنة والعشرين من حكمه، وكذلك يلقب بهذا في مقاييس النيل المدونة
على
مرسى الكرنك في تاريخ السنة التاسعة والثلاثين من حكمه (راجع Legrain
Ibid, 34 No. 22) وذلك بإضافة العبارة التالية: في زمن الكاهن
الأكبر لآمون «أوسركون» وهذا يتفق سويًّا، ولكن لدينا من جهة أخرى كذلك مقياس نيل
آخر
رقم ٢٣ مؤرخ بالسنة السادسة من حكم الفرعون «مري آمون شيشنق» ويحمل اسم التتويج:
«وسر
ماعت رع ستبن آمون» مع إضافة العبارة التالية: في زمن الكاهن الأكبر «حورسا إزيس»،
وقد
فرَّق الأثري «دارسي» بين هذين التاريخين، وعد الأخير الذي يحمل لقب «ستبن أمون»
«شيشنق
الثاني» وأنه هو التاريخ الأقدم على حسب رأيه، أما الفرعون الذي يحمل لقب «ستبن رع»
فقد
عَدَّه أحدث مِنْ سابِقِه وعَدَّه «شيشنق الثالث»، ولكنا بوساطة لوحات عجول أبيس
التي
عُثِرَ عليها في «منف» أمكننا أن نستخلص منها أن الأسرة الثانية والعشرين قد خُتمت
بترتيب الملوك على الوجه الآتي: «شيشنق الثالث» (على حسب الترتيب المتفق عليه) وحكم
اثنتين وخمسين سنة، وخلفه الفرعون «بامي» (ومعنى بامي = القط) وحكم على أقل تقدير
ست
سنوات، و«شيشنق الرابع» وحكم على أقل تقدير سبعًا وثلاثين سنة.
ويقول «إدورد مير»: «إنه على حسب هذا الترتيب لا يكون هناك مجال لوجود «شيشنق» آخر،
بل الواقع أننا نجد أن «شيشنق الثالث» الذي مات في السنة الثامنة والعشرين من عهده
أحد
عجول «أبيس» ونُصب مكانه أبيس آخر جديد، كان لقب هذا الملك في هذه السنة التي أقام
فيها
اللوحة باسم التتويج «ستبن آمون»، وفي السنة التي مات فيها العجل الثاني ونصب آخر
مكانه
أقام لوحة أخرى، لقب نفسه فيها «ستبن رع» بدلًا من «ستبن آمون».» (راجع
Serapeum Stele PI. 24 & PIs. 27, 28). وعلى
ذلك نجد أن الاسمين يدلان على ملك واحد، ومن ثم لا نجد لدينا إلا مخرجًا واحدًا لتفسير
ذلك، وهو أنه في عهد «شيشنق الثالث» حدثت فترة في عهد رياسة «أوسركون» لكهنة آمون
كان
قد أقصى فيها الأخير عن مزاولة وظيفته، وفي خلالها تولى مكانه رياسة الكهنة «حورسا
إزيس»، ويحتمل أن تلك الفترة كان لها علاقة بزمن الفتن التي حدثت في عهده، وهي الفتن
التي قال عنها «أوسركون» نفسه: إنها ابتدأت في السنة الخامسة عشرة من حكم والده
«تاكيلوت»، ويبرهن على ذلك بعض تواريخ مقاييس النيل المدونة على مرسى الكرنك، فنعلم
أن
«حورسا إزيس الثاني» كان يقوم بأعباء وظيفة الكاهن الأكبر لآمون في السنين السادسة
والسادسة عشرة والتاسعة عشرة من حكم الملك «بدوباست»، وهذا الملك هو الذي يقول عنه
«مانيتون»: إنه أول ملوك الأسرة الثالثة والعشرين.
والواقع أنه ليس لدينا شيء كثير يُذكر عن هذه الأسرة. وقد قال عنها «مانيتون»: إنها
نشأت في «تانيس». غير أن شواهد الأحوال تدل على أن اسم أول ملك من ملوكها وهو
«بادوباست» (هدية الإلهة باست) يرجع أصله إلى «بوبسطة» (تل بسطه؛ أي الزقازيق الحالية)،
ومن ثم يظهر أن ملوكها كانت لهم صلة نسب بملوك الأسرة الثانية والعشرين.
وقد استولى «بادوباست» أولًا على الدلتا ثم نال بعد ذلك السيادة على طيبة كما
تُحَدِّثنا عن ذلك لوحة من لوحات «السرابيوم». هذا، وتدل الأحوال على أن الأسرة الثانية
والعشرين قد مكثت في «منف» حتى نهاية حكم الملك «شيشنق» بوصفها الأسرة المسيطرة
هناك.
وتدل الآثار على أن «بادوباست» والكاهن الأكبر «حورسا إزيس» كانا موجودين في نفس
الوقت الذي كان يحكم فيه «شيشنق»، وقد برهن على صحة ذلك الأثري «لجران» في شجرة النسب
التي وضعها مما جاء على نقوش التماثيل التي كشف عنها في «طيبة» في خبيئة الكرنك،
وهي
الخاصة بعظماء تلك الفترة، وسنتحدث عنها بعد، فنجد أنه بعد ذكر اسم «بادوباست» كاملًا
نقرأ في السطرين اللذين يليان ذلك ما يأتي: «إن القائد الأكبر للجيش، والرئيس الأعلى
«بادوباست» ابن الملك «شيشنق» محبوب آمون قد أقام الباب العظيم من الحجر.» وهذا يدل
على
أن حكم «بادوباست» قد وقع جزء منه على الأقل بعد حكم «شيشنق» الثالث؛ وذلك لأن هاتين
الأسرتين؛ الثانية والعشرين، والثالثة والعشرين كانتا تحكمان في وقت واحد في جزءَين
مختلفين من البلاد، وعلى هذا النحو نجد التواريخ المزدوجة النادرة على نقوش مرسى
الكرنك
الخاصة بمقاييس النيل، فنجد المقياس رقم ٢٤ جاء فيه: «السنة الثانية عشرة التي تقابل
السنة السادسة من حكم «بادوباست».» ويلاحَظ أن التاريخ الأول قد ذُكر دون أن يُذكر
معه
اسم الملك الذي نقشه. ويَظُن الأثري «دارسي» أنه خاص بالملك «شيشنق الثالث». وفي
المقياس رقم ٢٦ نجد أن السنة السادسة عشرة من حكم الملك محبوب آمون «بادوباست» تقابل
السنة الثانية من عهد الملك «أوبوت»، ولكن من جهة أخرى لا يمكن أن يكون الملك «أوبوت»
هذا هو حاكم بلدة «تنتريو» الواقعة في الدلتا موحدًا مع الملك «أوبوت» الذي ذُكر
على
لوحة «بيعنخي» الأثيوبي كما سيأتي بعد. بل يجوز أن يكون سلفًا وتابعًا لفرع من فروع
الأسرة الثانية والعشرين المنتشرة في البلاد، وأنه ذهب إلى «طيبة» يبغي الاعتراف
به
ملكًا، ولكنه لما خاب مسعاه عاد إلى الدلتا (راجع Rec. Trav. 30. p.
202).
وتدل الآثار على أنه كان حاكمًا لمقاطعة «ليونتوبوليس» (تل المقدام)، وكان يحمل لقب
«وسرماعت رع ستبن آمون»، وهو اللقب الملكي العادي وقتئذ، وقد أضاف إليه عبارة: «ابن
باستت» وتدل النقوش على أن «حورسا إزيس» كان كاهنًا أكبر في عهد «بادوباست»، وذلك
على
حسب ما جاء في ملاحظة تاريخية في السنة الثامنة من حكمه، خاصة بتنصيب كاهن في السنة
الثامنة من حكم هذا الفرعون (راجع
Rec. Trav. 22, p. 52,
57) ولكنه اتخذ لنفسه لقب الملك كما فعل من قبل الكاهن الأكبر
«شيشنق» ابن «أوسركون الأول»،
٣ وهو الذي كان ابنه الكاهن «حورسا إزيس»، ونجد كذلك اسمه على آنية عُثر
عليها في «قفط» نُقش عليها لقب الملك كاملًا بما في ذلك الاسم الحوري واسم التتويج،
وبجانب ذلك نجد لقب الكاهن الأكبر لآمون (راجع
A. S. VI. p.
123). ونقرأ مدوَّنًا على تمثال الكاهن «زد خنسو فعنخ» أن ابن أخته
في شجرة نسب الأسرة كان يدعى «حورسا إزيس مري آمون»، وقد وضع اسمه في طغراء ملكية
مع
لقب الملك (راجع
Legrain Cat. G’en. Stat, III p. 25ff)، ومن ثَمَّ يشعر الإنسان أنه كان قد ادعى لنفسه كذلك حق الملك
التام نقلًا عن رؤساء كهنة الأسرة الواحدة والعشرين، غير أنه لم يجسر على إعلان ذلك
بصفة جدية بل أعلن ذلك في خوف، وجعل هذا اللقب ضمن متاع بيته الذي تركه لخلفه يتوارثونه
على آثارهم.
ولدينا حالة أخرى من هذا القبيل أكثر تعقيدًا وأشد ارتباكًا وهو نقش خاص بزيادة النيل
ضمن نقوش مرسى الكرنك، وأعني بذلك النقش رقم ٢٩ المؤرَّخ بالسنة الثالثة والعشرين
من
عهد الملك «بادوباست»، وهو لكاهن أكبر يدعى «تاكيلوت»، والأخير بلا نزاع خلف «حورسا
إزيس الثاني» ومن المعلوم أن «تاكيلوت» هذا كان كاهنًا أكبر في السنة السادسة من
عهد
الملك «مري آمون شيشنق» الذي يحمل لقب التتويج «وسرماعت مري آمون» وهو شيشنق الرابع».
ولكن يدل ما لدينا من نقوش حتى الآن على أن «شيشنق الرابع» كان يحمل لقب «عا — خبر-رع»،
وهو الفرعون الذي دفن في السنة السابعة والثلاثين من حكمه آخر عجل أبيس من عهد الأسرة
الثانية والعشرين كما جاء في لوحة «حور باسن». وينبغي على ذلك أن يكون «شيشنق» هذا
هو
«شيشنق الخامس»، وهو الذي جاء بعد «بادوباست» الذي عاصر عهده حكم «شيشنق الثالث»
البوبسطي.
ومما سبق يشعر القارئ أننا قد لجأنا إلى وضع فروض للوصول إلى تلك النتائج؛ مما يدل
على عدم الاستقرار في الحكم والارتباك في داخل البلاد. وعلى أية حال، فإنَّا لا زلنا
—
مع ذلك وعلى الرغم من الكشوف الحديثة — بعيدين عن الوصول إلى رأي حاسم في ترتيب هؤلاء
الملوك، اللهم إلا إذا وصلت إلينا مادة جديدة واضحة تزيح هذا الغموض وتذهب بهذا
الارتباك.
ومما تجدر ملاحظته فضلًا عمَّا ذكرنا أنه قد نقش على الكتف اليمنى لتمثال خال الملك
«حورسا إزيس» السابق الذكر أسماء ملكين نفهم منهما أنهما متحدان، وأنهما كانا يحكمان
بوصفهما ملكًا واحدًا لمصر؛ فنقرأ المتن التالي: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري
«مري
آمون تاكيلوت سا أزيس» ملك الأرضين — ابن رع «مري آمون أوسركون ابن أزيس» سيد الأرضين.»
(Cat. Gen, Stat. III p. 28 Daressy. Rec. Trav. 38.
17.) ومن مضمون هذا المتن نعلم أن هذين الملكين كانا يؤلفان وحدة
من نوع نادر في الألقاب الملكية؛ أي إنهما ضمَّا مُلْكَيْهِمَا معًا ليتألف منهما
وحدة
مثالية، والملك «أوسركون» الذي ذكر في هذا المتن لا يمكن أن يكون إلا الفرعون «أوسركون
الثالث» أحد ملوك الأسرة الثالثة والعشرين، وهو الذي خلف «بادوباست» على حسب قول
مانيتون، وفي زمنه نُقش على ما يظهر بعض مقاييس النيل على مرسى الكرنك (من رقم ٦
إلى
٢١).
غير أن هذه المقاييس لم تؤرَّخ بِسِنِي حكم الملك بل أُرِّخت بسِنِي حكم الكاهن
الأكبر لآمون في «طيبة»؛ فنُسبتْ للكاهن الأكبر «سمندس» السَّنَتَانِ؛ الثامنة والرابعة
عشرة، وللكاهن الأكبر«أورات» السنة الخامسة، وهذان التاريخان يُعَدَّان إثباتًا لعهد
ملك يدعى «أوسركون»، غير أنه مما يؤسف له أنه ذُكر دون تدوين اسم تتويجه.
ونجد في نقوش مرسى الكرنك بلا شك أصل هؤلاء الكهنة العظام؛ ففي النقوش القديمة منها
نلحظ أنها تَذكر أسماء الملوك فقط، ولكن النقوش التي من عهد الفرعون «شيشنق الثالث»
وكذلك التي من عهد الملك «بادوباست» نجد أنه قد أضيف إلى النقش الذي على المرسى العبارة
التالية: «من عهد الكاهن الأكبر «حورسا إزيس» و«تاكيلوت» و«أوسركون».» ونفهم من هذه
النقوش مباشرة كيف أن «حورسا إزيس» كان يرنو إلى لقب الملك، وكيف أن «أوسركون» ابن
الملك «تاكيلوت الثاني» قد حكم بمثابة ملك في طيبة، وقد أبرز ذلك بصورة واضحة في
نقوشه
التي خلَّفها لنا على جدران معبد الكرنك وعلى جدران ردهة «بوباسطة». هذا، ونجد كذلك
أن
كلًّا من الكاهنين العظيمين؛ «سمندس» و«أورات» قد أُرِّخا بِسِنِي حكمهما، وقد ذكر
بجانب ذلك اسم والدهما بوصفه ملكًا اسميًّا وحسب.
ونجد أنه حتى عندما كان يجب أن تشير هذه التواريخ إلى هؤلاء الكهنة — كما يلاحظ في
التواريخ التي من عهد الكهنة العظام في عهد الأسرة الواحدة والعشرين — فإن هذا يدل
على
أن هؤلاء الكهنة كانوا هم الحكام الحقيقيين، ويؤكد كذلك تمامًا ما نجده مذكورًا من
أسماء هؤلاء الكهنة في نهاية كل تاريخ من سلسلة تواريخ مقاييس النيل التي دُوِّنت
على
مرسى الكرنك.
ونعرف — فضلًا عما سبق — اسم الكاهن «أورات» من مرسوم تركه لنا عن اتفاق خاص بمساحة
من الأرض لابنه، وقد لُقِّب هذا الكاهن في هذا المرسوم «قائد الجنود الأعلى» و«الرئيس
الأعلى» «أورات» الذي على رأس جيش الجنوب حتى إقليم أسيوط (راجع Ermann
A. Z. 35. p. 13ff). وهذه الألقاب تدل على أنه كان لا يزال يحمل
الألقاب الحربية التي كان يحملها من قبل «أوبوت» و«شيشنق»، غير أن امتداد ملكه كان
لا
يتعدى أسيوط.
ولكن من جهة أخرى نجد أنه في عهد «بيعنخي» كانت «هرموبوليس» (أشمونين) قد أصبحت مملكة
خاصة تحت حكم «نمروت»، وهنا يمكن القول بأن الملك «تحوعحب» محبوب «تحوت» كان صاحب
«هرموبوليس»، وقد وجد اسمه منقوشًا على كتف تمثال لأحد المقربين المسمى «تاحسرت»
(راجع
A. S. X. p. 101. et Legrain. Cat. Gen. Stat. III. p.
32).
ولا نعلم على وجه التأكيد أين كان يحكم «تاكيلوت الثالث» الذي ذكر مرتبطًا مع
«أوسركون» على نقوش تماثيل، غير أنه يمكن للإنسان مع نفس اسمه أن يصل إلى أنه كان
ضمن
ملوك الأسرة الثالثة والعشرين كما سنرى بعد.
ويتساءل المرء الآن: هل ينبغي علينا أن نفهم أنه قد حدث اتحاد بين الأسرتين فحكَمَا
معًا؟ والواقع أننا نعرف أن كلًّا من هذين الملكين قد أقام محرابًا للإله «أوزير»
في
معبد الكرنك، وقد تم بناؤهما في عهد الملك «شابا تاكا»، وبجانب هذين الملكين نجد
ذكر
بنت الملك «أوسركون» المسماة «شبنأبت» وهي التي نصبها والدها في وظيفة زوج أمون.
وقد ظهرت كذلك بوصفها بنت الملك «أوسركون» على تمثال «أمنردس» (راجع
Lieblein. Agp. Denkm. Aus Petersburg T. I &
2).
وبذلك نصل إلى العهد الأثيوبي؛ إذ كانت «شبنأبت» هذه معروفة بأنها تبنت «أمنردس» بنت
الملك «كشتا» الأثيوبي، وكان يحكم في نفس الوقت الذي يحكم فيه هؤلاء الملوك في الصعيد
منذ سنين طويلة من أواخر الأسرة الثانية والعشرين الملك «عاخبررع» «شيشنق الخامس»
في
منف. وفي هذه الفترة كان «تفنخت» صاحب بلدة «سايس» (وهي صا الحالية القريبة من كفر
الزيات) قد بدأ سلطانه يظهر واستولى كذلك على «منف»، ولمَّا كان «بيعنخي» الأثيوبي
قد
تغلب عليه — كما سنفصل القول في ذلك بعد — كان على ابنه «بوكاريس» مؤسس الأسرة الرابعة
والعشرين أن يعيد ملك والده. وهنا نجد أمامنا نقطة هامة يمكن الارتكاز عليها في تاريخ
هذا العهد الغامض، وذلك أنه في السنة السابعة والثلاثين من عهد «شيشنق الخامس» مات
عجل
من عجول أبيس المقدسة، ودُفن سَلَفُهُ في السنة السادسة من حكم الملك «بوكاريس» في
نفس
حجرة الدفن التي دفن فيها العجل السابق، ونحن من جانبنا لا نعلم مدة حياة العجل؛
فإذا
فرضنا أنه عاش حوالي عشرين سنة فإنه يمكننا القول: إن «بوكاريس» قد حكم من سنة ٧٢٠
إلى
سنة ٧١٥ق.م، وجاء قبله حكم «تفنخت» وحملة «بيعنخي» على مصر، وكذلك حَكَمَ «شيشنق
الخامس» بما يقدر من حوالي ٧٧٠ إلى ٧٣٠ق.م، وحَكَم سلفه «بامي» مدة قصيرة، وحكم «شيشنق
الثالث» حوالي ٥٢ سنة ويقدر ذلك من سنة ٨٢٥ إلى ٧٧٤ق.م تقريبًا. وعلى هذا الفرض تقع
السنين العشر الأولى من حكم «بادو باست» حوالي ٨٠٠ سنة ق.م، وهذه التواريخ كلها
تقريبية؛ إذ لا يمكننا بما لدينا من معلومات أثرية حتى الآن إعطاء تواريخ محددة.
وكان الأثيوبيون قبل أن يمد «تفنخت» فتوحه في الشمال قد بسطوا سلطانهم على «طيبة»
بقيادة ملكهم «كشتا»، وقد خلفه «بيعنخي» ولكن لم يشتبك مع «تفنخت» للمرة الأولى إلا
في
السنة الواحدة والعشرين من حكم «بيعنخي»، أما الملك «أوسركون» الذي كان يحكم في
«بوصير»، فهو الذي كان يلقب «أوسركون الثالث»، ولا بد أنه كان قد سحب نفسه من هناك
هو
أو أحد أخلافه الذي كان يحمل نفس الاسم.
وخلافًا لذلك نعلم من أثرين صغيرين اسم ملك يدعى «رود آمون» ويحمل لقب الملك المعتاد
«وسرماعت رع ستبن آمون» (راجع L. R. III. p. 392)، وقد
نقش عليهما ما يوحي أنه ابن ملك يدعى «أوسركون» (راجع Rec. Trav. 19,
20)، وقد قضى على الحكومة الإلهية في طيبة منذ أن بدأ الحكم
الأثيوبي في مصر، وحل محل الكاهن الأكبر منذ ذلك الوقت امرأة كانت تُدعى «زوج الإله»
وكانت تعد الرئيسة الدينية والوصية على أملاك معبد آمون، كما سنتحدث عن ذلك بعد
بالتفصيل.