وداع
أريقي على ساعديَّ الدموع
وشدِّي على صدريَ المُتعَبِ
فهيهاتَ ألَّا أَجوبَ الظلام
بعيدًا إلى ذلك الغيهبِ
فلا تهمسي: غابَ نجمُ السماء
ففي الليل أَكثرُ من كوكبِ
•••
وهل كان حُلمٌ بغير انتهاء
وهل كان لحنٌ بلا آخرِ؟
لكي تحسبي أن هذا الغرام
أَبِيدُ الرؤى خالدُ الحاضِرِ
وأنَّا سنبقى نعدُّ السنين
مواعيد في ظلِّهِ الدائرِ؟
•••
على مُقلتيكِ ارتماءٌ عميق
وذِكرى مساء تقول ارجعِ!
نداءٌ بُعيدُ الصدى كالنجوم
يراها حبيبانِ في مَخدعِ!
يكادُ اشتياقي يَهزُّ الحجاب
وتُومي ذراعيَ: هيَّا معي!
•••
سأمضي فلا تحلُمي بالإياب
على وَقعِ أقدامِيَ النائيةْ
ولا تتبعيني إذا ما التفتُّ
ورائي إلى الشمعةِ الخابيةْ
يُرَنِّحُها في يديكِ النحيبُ
فتهتزُّ من خلفِكَ الرابيةْ
•••
ستنسَين هذا الجبينَ الحزين
كما انحلَّتِ الغيمة الشاردةْ
وغابت كحُلمٍ وراء التلال
بعيدًا سوى قطرةٍ جامدةْ
ستنثرها الريح عمَّا قليل
وتشربها التُّربَةُ الباردةْ
•••
ورُبَّ اكتئابٍ يُسيل الغروب
على صمته الشاحبِ الساهِم
وأغنيةٍ في سكون الطريق
تلاشَتْ على هدأَةِ العالمِ
أثارا صدًى تهمس الذكريات
إذا ما انتهى همسةَ الحالمِ
•••
غدًا حين يَبلى وراء الزجاج
كتابٌ عليه اسميَ الذابلُ
وتنفض كفَّاكِ عنه الغُبار
ويخلو بكِ المَخدَع القاحِلُ
سيلقَاكِ وجهي خلال السطور
كما يسطَعُ الكوكبُ الآفِلُ
•••
إذا ما قرأنَ «اللقاءَ الأخير»
تمنَّيْتِ، في غفلةٍ هاربة
لو استرجعَتْ قبضتاكِ السنين
لو استرجعَتْ ليلةً ذاهبة!
ولكنَّ شيئًا حواه الجِدار
تحدَّى أمانيَّكِ الكاذبة
•••
تلفَّتِّ عن غير قصدٍ هُناك
فأبصرتِ بالإنتحار الخيال!
حروفًا من النار، ماذا تقول؟
لقد مرَّ ركبُ السنينَ الثِّقال
وقد باح تقويمهن الحزين
بأن اللقاء المُرجَّى مُحال!
٥ / ٤ / ١٩٤٨