سجين
ذراعا أبي تُلقيان الظلالَ
على روحيَ المُستَهَامِ الغريب
ذراعا أبي والسراجُ الحزين
يُطاردني في ارتعاشٍ رتيب
وحفَّتْ بي الأوجهُ الجائعات
حَيارى فيا للجدار الرهيب!
ذراعا أبي تُلقيان الظلالَ
على روحي المُستهام الغريب
•••
وطال انتظاري كأنَّ الزمانَ
تَلاشَى فلم يبقَ إلا انتظار!
وعيناي ملءُ الشمال البعيد
فيا ليتني أستطيعُ الفِرار
وأنتِ التقاءُ الثَّرى بالسَّماء
على الآلِ في نائياتِ القِفَار
وطالَ انتظاري كأنَّ الزمان
تَلاشى فلم يبقَ إلا انتظار!
•••
أألقاكِ؟ تأتي عليَّ النجوم
وتمضي وما غيرُ هذا السؤال
تُغنِّيه في مِسمعيَّ الرياح
وتُلقيه في ناظريَّ الظلال
وترنو على جَرْسه الأمنياتُ
إلى ذكريات الهوى في ابتهال
أألقاكِ؟ تأتي عليَّ النجوم
وتمضي وما غير هذا السؤال
•••
أصيخي! أما تسمعين الرنين
تُدوِّي به الساعة القاسية؟
أصيخي فهذا صَليلُ القيود
وقهقهة الموت في الهاوية!
زمان … زمان يهزُّ النداءُ
فؤادي فأدعوك يا نائية
أصيخي! أما تسمعين الرنين
تُدَوِّي به الساعة القاسية؟!
•••
أما تُبصرين الدخانَ الثقيل
يَجُرُّ الخُطَى من فَمِ المَوقِدِ؟!
تَلَوَّى فأبصرتُ فيه الظهور
وقد قوَّسَتْها عصا السيدِ
وأبصرتُ فيه الحجابَ الكثيفَ
على جبهةِ العالم المُجهَدِ
أما تُبصرين الدخان الثقيل
يجرُّ الخُطَى من فمِ المَوقِد؟!
•••
ولا بد من ساعةٍ، من مكانٍ
لِرُوحَين ما زالتا في ارتقاب!
سألقاكِ، أين الزمان الثقيل
إذا ما التقينا، وأين العذاب؟!
سينهارُ عن مُقلتَيكِ الجدار
وتفنى ذراعا أبي كالضباب
ولا بدَّ من ساعةٍ من مكان
لِرُوحَين ما زالتا في ارتقاب!
•••
وكيفَ التلاقي، وبين المُنى
وإدراكِهنَّ الدُّخَانُ الثقيل؟
تموجُ الأساطيرُ في جانبَيه
ويحبُو على صدره المستحيل
ونحنُ الغريقان في لُجِّهِ
سننسى الهوى فيه عمَّا قليل
وكيفَ التلاقي، وبين المُنَى
وإدراكِهنَّ الدُّخَانُ الثقيل؟
•••
لِينهدَّ هذا الجدار الرهيب
وتندك حتى ذراعا أبي!
أحاطتْ بي الأعينُ الجائعات:
مرايا من النارِ في غَيْهَبِ
إذا استطَعت مَهربًا مُقلتاي
تصدَّى خيالان في مَهربي
فأبصرتُ ظلَّين لي في الجدار
أو استوقفَتني ذراعا أبي
•••
سأبقى وراء الجدارِ البغيض
وعينايَ لا تَبرحان الطريق
أعدُّ الليالي خلال الكَرَى
وأَرعى نجومَ الظَّلامِ العميق
فلا تيأسي أن تمرَّ السنون
ويُطفِين في وجنتَيكِ البريق
سأبقى وراء الجدارِ القديم
وعينانِ لا تبرحان الطريق
٢٧ / ٧ / ١٩٤٧