لقاء ولقاء
لستِ أنتِ التي بها تحلم الرُّو
حُ، ولستِ التي أُغَنِّي هواهَا
كان حبٌّ يشدُّ حولي ذراعَيْـ
ـكِ، ويُدني من الشفاه الشفاهَا
واشتياقٌ كأنما يسرق الرُّو
حَ، فما في العيون إلَّا صدَاها!
وانتهَينا، فقلتِ «إني سأنسا
هُ» وغمغمتُ: «سوف ألقَى سِواها»
•••
أمسِ طالَ اللقاءُ حتى تثاءبْـ
ـتِ، وشاهدتُ في يديكِ الملالَا
في ارتخاء النسيج تطويه يُمنا
كِ وعيناكِ ترمقان الشمالَا
في الغياب الطويل، والمقعد المهْـ
ـجُورِ ترمي يدي عليه الظلالَا
في الشفاهِ البِطَاء تدنو من الكو
بِ وترتدُّ ثم تُلقي سؤالًا
•••
التقينا، أهكذا يلتقي العُشَّا
قُ؟ أم نحن وحدنا البائسانِ؟
لا ذراعان في انتظاري على البا
بِ، ولا خافقٌ يعدُّ الثواني
في انتظاري، ولا فمٌ يعصر الأَزْ
مان في قُبلةٍ، ولا مُقلتانِ
تسرقان الطريق والدمع من عيْـ
ـنَيَّ، والداءَ والأسى من كياني
•••
قد سئمتُ اللقاء في غُرفة أَغْـ
ـضَى على بابها اكتئاب الغروبِ
الضياء الكسول، والمزهريَّا
ت تَرَاءَى بهنَّ خفق اللهيبِ
كالجناح الثقيل في دوحةٍ صفْـ
ـراءَ في ضفَّةِ الغدير الكئيبِ
•••
واحتشاد الوجوه مثل التماثيـ
ـلِ احتواهن معبدٌ مهجورُ
سَمرت قبلة التلاقي على ثغْـ
ـرِي فعادتْ كما يُطِل الأسيرُ
من كُوى سجنه إلى بيته النا
ئي، كما يَخفِق الجناح الكسير
للغدير البعيد، كالموجة الزَّرْ
قَاءِ جاشت فحطَّمَتْهَا الصخورُ!
•••
عزَّ حتى الحديث بين الأحاديـ
ـثِ، وحتى التقاؤنا بالعيونِ
في فؤادي الشقي مثل الأعاصيـ
ـرِ، وفي ساعديَّ مثل الجنونِ
التقينا؟ أكان شوقي لِلُقيا
كِ اشتياقًا إلى الضياء الحزينِ
واحتشاد الوجوه في الغرفة الجَو
فَاءِ، والشاي والخُطَى واللحونِ
•••
الخُطَى واللحون، من فجوةِ البا
بِ تسلَّلْنَ والضياء الضئيلَا
والأزاهير تشرب النور في بُطـ
ءٍ ويعكسنه ابتسامًا ذليلَا
كابتساماتيَ الحيارى وإطرا
قي برأسي وقد ذَكَرتُ الحقولَا
والغناء الطَّروب، والمعبر المغْـ
ـمُور بالنور والشذى، والنخيلَا
•••
لستِ أنتِ التي بها تحلم الرُّو
حُ، ولكنه الغرام المُضَاعُ
الخُطَى العابرات في النور والأنْـ
ـداء، والشط والضحى والشراعُ
التقينا: يدٌ تُمَدُّ إلى أُخْـ
ـرَى، ولِلنورِ في الشفاه التماعُ
ترقص القُبلة المُرجَّاة فيهِ
ثم يدنو فمٌ وتُطوى ذِراعُ!
•••
لستِ أنتِ التي بها تحلم الرُّو
حُ، ولكنه انتظار اللقاءِ
انتظار التي بها تحلم الرُّو
حُ إذا لفَّها اكتئابُ المساءِ
واستبدَّ الحنين، وانثالت الْـ
أَصداءُ من كل ضفةٍ قمراءِ
لا تراها العيون، في عالمٍ نا
ءٍ، ومن كل باب كوخٍ مُضاءِ
•••
إنها الآن في انتظاري، تُجيل الطَّـ
ـرْفَ حيرَى، على امتداد الطريقِ
والمساءُ الكئيب قد ماجَ بالأصـ
ـداء تنسابُ من مكانٍ سحيقِ
«اتبعينا فإن في الشاطئ النا
ئي شراعًا يهيمُ بالتصفيقِ
والحبيب المجهول ناداكِ، وامتدَّ
تْ ذِراعاهُ في انتظارٍ عميقِ»
١٤ / ١٢ / ١٩٤٨