عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْعَجُوزُ
قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَأَيْتُ عُمَرَا
يَجُولُ لَيْلًا وَهْوَ
قَدْ تَنَكَّرَا
قُلْتُ لَهُ وَقَدْ تَوَلَّانِي الْعَجَبْ
تَقْصِدُ مَنْ؟
فَقَالَ أَحْيَاءَ الْعَرَبْ
أُرَاقِبُ الظَّالِمَ وَالْمَظْلُومَا
فَلَا أَكُونُ فِي
الْوَرَى مَلُومَا
•••
حَتَّى إِذَا أَدْرَكَ أَطْرَافَ الْحِمَى
فِي سَيْرِهِ رَامَ
الرُّجُوعَ إِنَّمَا
رَأَى عَجُوزًا حَوْلَهَا الْأَوْلَادُ
يَبْكُونَ مِنْ جُوعٍ
وَقَدْ تَمَادُوا
فِي الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ حَتَّى عِيلُوا
صَبْرًا وَأُمُّهُمْ
غَدَتْ تَقُولُ
مَهْلًا بَنِيَّ فَالْبُكَا حَرَامُ
عَمَّا قَلِيلٍ يَنْضُجُ
الطَّعَامُ
هَذَا وَتَحْتَ قِدْرِهَا قَدْ أَشْعَلَتْ
نَارًا وَفِي
الْقِدْرِ الْمِيَاهُ قَدْ غَلَتْ
لَكِنَّهُ طَالَ بِنَا الْوُقُوفُ
وَلَمْ يَقَعْ فِي يَدِهِمْ
رَغِيفُ
•••
وَعُمَرٌ لَمَّا رَأَى مَا هَالَهْ
دَنَا إِلَيْهَا قَائِلًا يَا
خَالَهْ
مَا لِي أَرَى الْأَوْلَادَ يَبْكُونَ وَلَا
يَرِقُّ قَلْبُكِ
لَهُمْ حَتَّى عَلَا
صُرَاخُهُمْ وَلَسْتِ تَسْكُبِينَا
لَهُمْ طَعَامَهُمْ
فَيَأْكُلُونَا؟
فَهَزَّتِ الْعَجُوزُ رَأْسَهَا لِمَا
خَالَجَ سَمْعَهَا
وَقَالَتْ إِنَّ مَا
تَرَاهُ يَا مَوْلَايَ فِي الْقِدْرِ غَلَى
لَيْسَ بِأَكْلٍ
يُشْتَهَى أَنْ يُؤْكَلَا
بَلْ تِلْكَ وَاللهِ عَلَالَةٌ لَهُمْ
تَشْغَلُهُمْ عَنْ
جُوعِهِمْ لَعَلَّهُمْ
إِنْ سَئِمُوا الْبُكَاءَ وَالعَوِيلَا
فِي الِانْتِظَارِ
رَقَدُوا قَلِيلَا
•••
فَرَقَّ قَلْبُ عُمَرٍ لِقَوْلِهَا
وَنَظَرَ الْقِدْرَ فَلَمْ
يَلْقَ بِهَا
غَيْرَ حَصًى غَلَى عَلَيْهِ الْمَاءُ
فَاسْوَدَّ مِنْ بُخَارِهِ
الْهَوَاءُ
فَقَالَ يَا خَالَةُ بِاللهِ اذْهَبِي
إِلَى أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ وَاطْلُبِي
مِنْهُ فَقَالَتْ سَيِّدِي عَلَامَا
قَاتَلَ رَبِّي ذَلِكَ
الْإِمَامَا
يَتْرُكُ مِثْلِي مَا لَهَا بَيْنَ الْمَلَا
أَخٌ وَلَا زَوْجٌ
وَلَا مَالٌ وَلَا …
فَقَاطَعَ الْإِمَامُ قَوْلَهَا وَقَدْ
كَانَ كَسَيْفٍ
جَرَّدَتْهُ أَوْ أَشَدْ
وَقَالَ مَنْ يُعْلِمُهُ بِحَالِكِ؟
قَالَتْ وَمَا تِلْكَ
فِعَالُ الْمَالِكِ
وَهْوَ كَرَاعٍ إِنْ يُفَارِقْ غَنَمَهْ
أَضَاعَ مِنْ خِرَافِهِ
مَا غَنِمَهْ
قَالَ صَدَقْتِ عَلِّلِي الصِّغَارَ
وَانْتَظِرِي عَوْدَتَنَا
وَسَارَا
وَقَالَ لِي أَسْرِعْ بِنَا قُبَيْلَمَا
يُمْسُونَ مِنْ حُزْنٍ
وَجُوعٍ نُوَّمَا
•••
وَمَا بَلَغْنَا مَخْزِنَ الدَّقِيقِ
حَتَّى انْثَنَى وَقَالَ
يَا رَفِيقِي
ارْفَعْ مَعِي ذَا الْكِيسَ فَهْوَ حَمْلَتِي
وَائْتِ وَإِيَّايِ
بِتِلْكَ الْجَرَّةِ
وَمِلْؤُهَا سَمْنٌ فَقُلْتُ أَمْرُكَا
أَسْأَلُ رَبِّي أَنْ
يَطُولَ عُمْرُكَا
•••
وَحِينَمَا تَنَاصَفَ الطَّرِيقُ
نَظَرْتُهُ يَلْهَثُ
وَالدَّقِيقُ
يَنْهَالَ فَوْقَ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهْ
فَمِلْتُ كَيْ أُرِيحَهُ
مِنْ حَمْلَتِهْ
فَقَالَ إِنْ حَمَلْتَ عَنِّي حَمْلَتِي
فَمَنْ تُرَى يَحْمِلِ
فِي الْقِيَامَةِ
عَنِّي ذُنُوبِي وَهْيَ مِنْ فَرْطِ الزَّلَلْ
تَزِيدُ عَنْ
رَضْوَى لَعَمْرِي فِي الثِّقَلْ
وَحِينَمَا عُدْنَا إِلَيْهَا وَضَعَا
شَيْئًا مِنَ الدَّقِيقِ
وَالسَّمْنِ مَعَا
فِي قِدْرِهَا وَأَضْرَمَ النِّيرَانَا
حَتَّى غَدَوْتُ أَنْظُرُ
الدُّخَّانَا
يَصْعَدُ مِنْ خِلَالِ شَعْرِ لِحْيَتِهْ
فَقُلْتُ أَيْنَ عُمَرٌ
فِي رِفْعَتِهْ
•••
حَتَّى إِذَا مَا أَكَلُوا وَنَامُوا
مِنْ فَرَحٍ قَالَ لَهَا
الْإِمَامُ
إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ نَسَبِ الْأَمِيرِ
فَإِنْ رَأَيْتِ فِي
الْغَدَاةِ سِيرِي
بِهِمْ إِلَى دَارِ الْأَمَانِ وَأَنَا
أُطْلِعُهُ مَا دَارَ
فِيمَا بَيْنَنَا
•••
وَحِينَمَا جَاءَتْ أَجَالَتْ نَظَرَا
فَأَدْرَكَتْ أَنَّ
الْإِمَامَ عُمَرَا
ذَاكَ الَّذِي قَدْ زَارَهَا لَيْلًا فَمَا
رَأَتْهُ حَتَّى
خَضَّبَتْ لَوْنَ الدِّمَا
فَأَدْرَكَ الْإِمَامُ أَنْ قَدْ خَجِلَتْ
لِمَا بَدَا مِنْهَا
لَهُ إِذْ جَهِلَتْ
أَمْرَهُ فَانَثَنَى إِلَيْهَا قَائِلَا
لَا تَجْزَعِي فَإِنْ
نُخَيِّبْ سَائِلَا
يُخَيِّبِ اللهُ لَنَا الرَّجَاءَ
ثُمَّ دَعَا غُلَامَهُ
فَجَاءَ
بِصُرَّةٍ مِنْ مَالِهِ دَفَعَهَا
إِلَى الْعَجُوزِ إِنَّمَا
شَفَعَهَا
بِرَاتِبٍ يُعْطَى لَهَا شَهْرِيَّا
فَشَكَرَتْ أَفْضَالَهُ
مَلِيَّا