تَذْكَارُ الصِّبَا
موشح
آهٍ وأَشْوَاقِي إِلَى عَهْدِ الصِّبَا
يَا لِعَهْدٍ كَادَ
يُنْسِينِي غَدِي
كَمْ هَفَا الْقَلْبُ إِلَيْهِ وَصَبَا
لِحَبِيبٍ لَمْ يَعُدْ
طَوْعَ يَدِي
•••
هَاجَتِ الذِّكْرَى فُؤَادِي عِنْدَمَا
صُوِّبَتْ نَحْوِي
سُيُوفٌ مُشْرَعَاتْ
سَلَّهَا لَحْظُ حَبِيبٍ طَالَمَا
ذُقْتُ مِنْ لَحْظَيْهِ مَا
أَرْضَى الْوُشَاةْ
وَارْتَشَفْتُ الْخَمْرَ مِنْ فِيهِ وَمَا
أَسْكَرَتْنِي
الْخَمْرُ لَوْلَا الرَّشَفَاتْ
يَا لَهُ عَهْدٌ إِلَيْهِ كَمْ صَبَا
قَلْبُ صَبٍّ ذَاقَ عَذْبَ
الْمَوْرِدِ
هَلْ يُعِيدُ الدَّهْرُ لِي مَا سَلَبَا
مِنْ هَوًى وَلَّى
وَلَمْ يَرْوِ الصَّدَى
•••
كَيْفَ يَرْوِي الْحُبُّ وَلْهَانًا وَمَا
يَرْتَوِي إِلَّا
بِتِلْكَ الْبَسَمَاتْ
فَإِذَا الْهَجْرُ بِقَلْبِي أَضْرَمَا
نَارَ شَوْقٍ
أَطْفَأَتْهَا الْعَبَرَاتْ
إِنَّمَا طُوفَانُ نُوحٍ حِينَمَا
فَاضَ كَانَ فَيْضُهُ مِنْ
قَطَرَاتْ
فَإِذَا مَا بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى
وَانْقَضَى عَهْدُ
الشَّبَابِ الْأَرْغَدِ
سَطَرَ الشَّيْبُ عَلَى هَامِ الصِّبَا
آيَةً تُنْبِي بِقُرْبِ
الْمَوْعِدِ
نَصِيحَةُ وَالِدٍ
لَيْسَ يُصْغِي الْفَتَى لِنُصْحِ أَبِيهِ
يَا لِعَصْرٍ كُلُّ
الْعَجَائِبِ فِيهِ
إِنْ نَهَاهُ لَمْ يَنْتَهِ بَلْ عَلَى الْعَكْـ
ـسِ تَمَادَى
فِي كُلِّ مَا يَشْتَهِيهِ
رُبَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ فَاقَ بِالْعِلْـ
ـمِ أَبَاهُ بَلْ
فَاقَ كُلَّ نَبِيهِ
إِنَّ مَنْ يَحْفَظُ الْعُلُومَ وَلَا يَدْ
رُسُ عِلْمَ
الْحَيَاةِ مِثْلَ أَبِيهِ
كَالَّذِي ابْتَاعَ ثَوْبَ عُرْسٍ وَلَمَّا
حَانَ عَقْدُ
الزَّوَاجِ لَمْ يَرْتَدِيهِ
قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ
أَتَتْهُ وَقَدْ وَدَّ لَوْ نَالَهَا
لِيُلْقِي الشِّبَاكَ
عَلَى آلِهَا
وَلَوْ عَلِمَتْ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَارَ
ةَ سَوْفَ تُخَيِّبُ
آمَالَهَا
وَتُلْقِي بِهَا فِي غِمَارِ الشَّقَاءِ
لَمَا خَطَرَتْ قَطُّ
فِي بَالِهَا
وَآثَرَتِ الدَّاءَ لَا بُدَّ يُشْفَى
عَلَى قَيْدِ نَفْسٍ
بِأَغْلَالِهَا
•••
تَظَاهَرَ بِالْمَيْلِ شَوْقًا إِلَيْهَا
وَلَكِنْ لِيَحْظَى
بِأَمْوَالِهَا
كَذَلِكَ حَالُ صِغَارِ النُّفُوسِ
عَبِيدُ الْحَيَاةِ
وَأَنْذَالُهَا
وَأَهْمَلَ وَاجِبَهُ كَطَبِيبٍ
وَشَرُّ الصِّنَاعَةِ
إِهْمَالُهَا
وَلَا خَيْرَ فِي الطِّبِّ إِنْ لَمْ تَزِنْهُ
صِفَاتٌ
تُشَرِّفُ مَنْ نَالَهَا
رَآهَا فَمَا هَامَ فِي حُبِّهَا
وَلَكِنَّهُ هَامَ فِي
مَالِهَا
•••
مَضَى نَحْوَ أُسْرَتِهَا طَالِبًا
كَرِيمَتَهَا دُونَ
إِمْهَالِهَا
لِتَسْأَلَ عَنْهُ فَخَالَتْ فَتَاهَا
بِحُبِّ الْفَتَاةِ
غَدَا وَالِهَا
رَأَوْهُ يُمَثِّلُ حُلْوَ الْخِصَالِ
فَخَالُوهُ أَهْلًا
لِأَمْثَالِهَا
يُقَلِّدُ مَا فَاتَهُ مِنْ صِفَاتٍ
وَيُبْدِي اهْتِمَامًا
بِأَقْوَالِهَا
•••
سَلُوا مَا جَنَتْهُ عَلَيْهِ الْفَتَا
ةُ بَعْدَ الزَّوَاجِ
وَقَدْ هَالَهَا
تَحَوُّلُهُ مِنْ كَرِيمٍ إِلَى
لَئِيمٍ يُحَاوِلُ
إِذْلَالَهَا
وَمَا رَامَ مِنْهَا الزَّوَاجَ لِمَيْلٍ
وَلَكِنْ لِمَالٍ
لَدَى آلِهَا
أَلَمْ تَكُ فِي شَرْعِهِ سِلْعَةً
بِسُوقِ الرَّقِيقِ كَمَا
خَالَهَا
•••
إِذَا مَا أَطَلَّتْ مِنْ طَاقَةٍ
عَلَى الْفَوْرِ هَمَّ
بِإِقْفَالِهَا
وَإِنْ هِيَ جَاءَتْ إِلَى شُرْفَةٍ
لِتَجْلِسَ شَكَّ
بِأَفْعَالِهَا
يُحَقِّرُهَا لَا لِذَنْبٍ وَلَكِنْ
لِيَزْهُو فَخَارًا بِمَا
نَالَهَا
سَجِينَةُ بَيْتٍ لَقَدْ خَالَهَا
لَدَيْهِ فَأَحْبَطَ
آمَالَهَا
جَنَى وَرْدَةً قَدْ زَهَتْ إِنَّمَا
عَرَاهَا الذُّبُولُ
لِإِهْمَالِهَا
•••
وَقَدْ حَالَ دُونَ زِيَارَتِهَا
ذَوِيهَا فَتَشْكُو لَهُمْ
حَالَهَا
وَلَا بِحُضُورِ حَفْلَةِ عُرْسِ
شَقِيقَتِهَا قَدْ دَعَتْهَا
لَهَا
وَلَا بِزِيَارَةِ أُمِّ الْفَتَاةِ
إِذَا لَمْ تَهَبْهُ مِنْ
مَالِهَا
إِلَى غَيْرِ ذَا مِنْ قُيُودٍ جِسَامٍ
تَنُوءُ الْفَتَاةُ
بِأَثْقَالِهَا
وَيَحْسَبُ أَنَّ وَدَاعَتَهَا
سَخَافَةُ عَقْلٍ كَمَا
خَالَهَا
وَمَنْ كَانَ يَجْهَلُ قَدْرَ الْفَتَاةِ
الْوَدِيعَةِ يَأْبَى
إِجْلَالَهَا
فَهَلَّا اتَّقَتْ شَرَّ مَنْ أَحْسَنَتْ
إِلَيْهِ فَأَنْكَرَ
أَفْضَالَهَا
وَلَمْ تَكُ فِي شَرْعِهِ زَوْجَةً
فَقَدْ كَانَ يَزْهُو
بِإِذْلَالِهَا
وَلَكِنَّهَا خَادِمٌ دُونَ أَجْرٍ
وَسَيِّدُهَا عَبْدُ
أَمْوَالِهَا
•••
عَهِدْتُ الْأُسُودَ وَلَوْ مَسَّهَا الْجُو
عُ تَأْبَى
افْتِرَاسَ أَشْبَالِهَا
وَمَا كَانَ عَهْدِي بِهِ أَنْ أَتَتْهُ الْـ
ـمَرِيضَةُ كَادَ
يَغْتَالُهَا
وَلَمْ يَتَّعِظْ بِالْوُحُوشِ الضَّوَارِي
تَسَامَتْ عَلَيْهِ
بِأَفْعَالِهَا
غَيُورٌ حَسُودٌ يُبَاهِي بِشَرِّ
صِفَاتٍ يَلِي ذِكْرُهَا
نَالَهَا
مَحَبَّةُ ذَاتٍ وَمَوْتُ ضَمِيرٍ
وَقِلَّةُ ذَوْقٍ
وَأَمْثَالُهَا
وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ يَدَ اللهِ
تَعْمَلُ فِي
الْغَيْبِ أَعْمَالَهَا
فَتَجْزِي الْمُسِيءَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ
لَتَابَ وَأَصْلَحَ
مِنْ حَالِهَا
وَأَدْرَكَ أَنَّ الْفَتَاةَ تُضَحِّي
لِإِسْعَادِهِ الْعَطْفَ
مِنْ آلِهَا
وَتَعْمَلُ كُلَّ مَا يَرْتَضِيهِ
إِذَنْ لَتَغَنَّى
بِأَفْضَالِهَا
وَمَا كَانَ كَرَّهَ طِفْلًا بَرِيئًا
بِأُمٍّ تَحِنُّ
لِأَطْفَالِهَا
وَلَا كَانَ عَاشَرَ جِيرَةَ سُوءٍ
وَشَرُّ الْعَشِيرَةِ
جُهَّالُهَا
وَلَا أَوْدَعَ السِّجْنَ وَهْوَ طَلِيقٌ
فَتَاةً تُوَدِّعُ
آمَالَهَا
وَكَفَّ عَنِ الطَّعْنِ فِيهَا وَأَوْلَى
بِهِ أَنْ يَقُومَ
بِإجْلَالِهَا
•••
فَلَيْسَ الزَّوَاجُ لَدَيْهِ سِوَى
وَسِيلَةِ كَسْبٍ لَقَدْ
خَالَهَا
لِيَقْضِي اللَّيَالِي بِدُورِ الْقِمَارِ
وَيَرْجِعَ مِنْ
بَعْدِ إِقْفَالِهَا
فَيَأْوِي إِلَى غُرْفَةٍ حُرِّمَتْ
عَلَيْهَا فَيَأْبَى
إِدْخَالَهَا
وَإِنْ عَيَّرَتْهُ بِلِعْبِ الْقِمَارِ
عَلَى الْفَوْرِ
كَذَّبَ أَقْوَالَهَا
إِذَنْ أَيْنَ يَقْضِي اللَّيَالِي وَيَتْرُ
كُ أُمًّا يَضِيقُ
بِسُؤَّالِهَا
أَفِي مَعْبَدٍ أَوْ نَوَادِي عُلُومٍ
وَمَا جَازَ يَوْمًا
بِأَطْلَالِهَا
أَحَالَ نَعِيمَ الْحَيَاةِ جَحِيمًا
وَبَدَّدَ بِاللَّهْوِ
أَمْوَالَهَا
•••
وَأَوْلَى بِمُسْتَهْتِرٍ بِالزَّوَاجِ
حَيَاةُ الْعُزُوبَةِ
يَحْيَا لَهَا
فَيَلْهُو وَيَمْرَحُ مَا مِنْ رَقِيبٍ
وَتَنْجُو
الْبَرِيئَاتُ أَمْثَالُهَا
فَإِنَّ الْأَصِيلَةَ لَوْ يَعْتَلِيهَا
أَصِيلٌ لَفَازَتْ
بِخَيَّالِهَا
يُذَكِّرُنَا بِعُصُورٍ خَلَتْ
وَمَا كَانَ أَفْظَعَ
أَعْمَالِهَا
فَيَا لَيْتَ مِنْهَا انْتَقَى زَوْجَةً
فَتَحْظَى الطُّيُورُ
بِأَشْكَالِهَا
وَتَأْمَنُ ذَاتُ الْحَضَارَةِ شَرَّ
وِصَالٍ يُقَطِّعُ
أَوْصَالَهَا
وَظُلْمَ فَتًى هَاجَ آلَامَهَا
وَخَيَّبَ فِي الْحُبِّ
آمَالَهَا
وَمَا زَالَ يَزْهُو تِيهًا وَعُجْبًا
«بِدِبْلُومِ» طِبٍّ
قَدْ نَالَهَا
•••
أَحَاطَتْ بِهِ زُمْرَةُ اللَّاعِبِينَ
أَلَا قَبَّحَ اللهُ
أَفْعَالَهَا
وَلَمَّا خَلَا جَيْبُهُ غَادَرَتْـ
ـهُ يَنْعَى الدِّيَارَ
وَأَطْلَالَهَا
وَجَرَّتْ عَلَيْهِ الْخَرَابَ فَعَادَتْ
تِلْكَ الْفَتَاةُ
إِلَى آلِهَا
وَلَكِنَّهَا بَعْدَ أَنْ مَثَّلَتْ
مَآسِي الْحَيَاةِ
وَأَهْوَالَهَا
عَلَى مَسْرَحِ الدَّهْرِ إِذْ مَلَّهَا
وَمَا زَالَ يُنْفِقُ
مِنْ مَالِهَا
إِلَيْكُمْ بَنِي وَطَنِي عِبْرَةً
يَضِنُّ الزَّمَانُ
بِأَمْثَالِهَا